الحصار
فأما التغرير في الأقدام فما هو للزهد في الحياة، وإنما سببه ان الرجل إذا عرف بالأقدام ووسم بأسم الشجاعة وحضر القتال طالبته همته بفعل ما يذكر به ويعجز عنه سواه، وخافت نفسه الموت وركوب الخطر كادت تغلبه وتصده عما يريد يفعله حتى يضطرها ويحملها على مكروهها، فيعتريه الزمع وتغير اللون لذلك. فإذا دخل في الحرب بطل روعه وسكن جأشه. ولقد حضرت حصار الحصن الصور مع ملك الأمراء أتابك زنكي رحمه الله وتقدم شيء من ذكره، وكان للأمير فخر الدين أرسلان بن داود بن سقمان بن ارتق رحمه الله، وكان محشوناً بالرجال الجرخية. وذلك بعد كسرته على آمد، فأول ما ضربت الخيام نفذ رجلاً من أصحابه صاح تحت الحصنيا جماعة الجرخية، يقول لكم أتابكونعمة السلطان لئن قتل من أصحابي رجلاً واحد بنشابكم لأقطعن أيديكم! ونصب على الحصان المناجيق فهدمت جانباً منه وبلغ الهدم منه بحيث نطلع الرجال، فجاء رجل من جنادرية أتابك من أهل حلب يقال له ابن العريق طلع في تلك الثغرة وضاربهم بسيفه فجرحوه عدة جراح ورموه من البرج إلى الخندق، وتكاثر الناس عليهم في تلك الثغرة فملكوا الحصن، وطلع نواب أتابك إليه فأخذوا مفاتيحه نفذها إلى حسام الدين تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق وأعطاه الحصن. واتفق ان نشابة جرخ ضربت رجلاً من الخرسانية في ركبته قطعت الفلكة التي على المفصل الركبة فمات. فأول ما ملك أتابك الحصن استدعى الجرخية وهم تسعة نفر، فجاءوا وقسيهم موترة على أكتافهم، فأمر بجز إبهاماتهم من زنودهم فاسترخت أيديهم وتلفت.الغسياني يقطع من يشاء نصفين ويسبي المعاهدين
وأما ابن العريق فداوى جراحه وبرء بعد ان شارف على الموت، وكان رجلاً شجاعاً يحمل نفسه على الأخطار. ورأيت مثل ذلك وقد نزل أتابك على الحصن البارعة وحوله صفا صخر لا تنضرب عليه الخيام، فنزل أتابك في الوطا ووكل به الأمراء بالنوبة. فركب إليه أتابك يوماً والنوبة للأمير أبي بكر الدبيسي وما معه أهبة القتال، فوقف أتابك وقال لأبي بكر تقدم قاتلهم. فزحف بأصحابه يقال له مزيد، لم يكن قبل ذلك من المشهورين بالقتال والشجاعة، فقاتل قتالاً عظيماً وضرب فيهم بسيفه وفرق جمعهم وجرح عدة جراح، فرأيته قد حملوه إلى العسكر وهو في آخر رمقه ثم عوفي، وقدمه أبو بكر الدبيسي وخلع عليه وجعله من جملة جنادريته.
دع ذكر من قتل الهوى فحديثهم فينا يشيب ذكره المولودا.
كان أتابك يقول لي ثلاثة غلمان أحدهم يخاف الله تعالى ولا يخافني يعني زين الدين علي كوجك رحمه الله، والأخر يخافني وما يخاف الله تعالى يعني نصير الله صنقر رحمه الله والآخر ما يخاف الله ولا يخافني يعني صلاح الدين محمد بن أيوب الغسياني رحمه الله. وشهدت منه تجاوز الله عنه، ما يحقق قول أتابك، وذلك أنا زحفنا يوماً على حمص وقد أصاب الأرض مطراً عظيم حتى ما بقيت الخيل تتصرف من ثقل الأرض بالوحل والرجالة يتناوشون وصلاح الدين واقف وأنا معه، ونحن نرى الرجالة بين أيدينا، فعدا واحد من الرجالة إلى رجالة حمص أختلط بهم، وصلاح الدين يراه فقال لواحد من أصحابههات ذاك الرجل الذي كان إلى جانبه. فمضى أحضره، فقال لهمن هذا الذي كان انهزم من جانبك دخل إلى حمص؟ قال والله يا مولاي ما اعرفه. قال وسطوه قلتيا مولاي تعتقله وتكشف عن ذلك الرجل فأن كان يعرفه أو مته بنسب ضربت رقبته، وإلا ترى فيه رأيك. فكأنه جنح إلى قولي، فقال غلام له من خلفه يهرب واحد يؤخذ الذي كان في جانبه تضرب رقبته أو يوسط. فأحنقه كلامه وقال وسطوه، فرفسوه كالجاري العادة ووسطوه وما له ذنب إلا اللجاج وقلة مراقبة الله تعالى. وحضرته مرة أخرى بعدما وصلنا من مصاف بغداد، وأتابك يجتهد يظهر تجلداً وقوة وقد أمر صلاح الدين بالمسير إلى الأمير قفجاق يكبسه، فسرنا من الموصل ستة أيام ونحن في غاية الضعف، فوصلنا موضعه وجدناه قد تعلق في جبال كوهستان، فنزلنا على حصن يقال له ماسر ونزلنا عليه طلوع الشمس، وامرأة طلعت من الحصن وقال تمعكم خام؟ قلناأي وقت هذا للبيع والشراء؟ قال تنريد الخام نكفنكم به. فإلى خمسة أيام تمتون كلكم. تريد ان ذلك الموضع وخم. فنزل ورتب الزحف من بكرة وأمر النقابين الدخول تحت البرج من تلك البراج، والحصن كله معمور بالطين، والرجال الذين فيه من الفلاحين، فزحفنا إليه وطلعنا إلى التلة، ونقب الخرسانية برجاً فوقع وعليه إثنان، أما الواحد فمات أما الآخر فأخذوه أصحابنا وجاءوا به إلى صلاح الدين. قال وسطوه. قلت يا مولاي هذا شهر رمضان، وهذا رجلاً مسلم لانتقلد إثمه قال وسطوه حتى يسلموا الحصن قلتيا مولاي الحصن تمتلكه. قال وسطوه، ولج فيه فوسطوه، وأخذنا الحصن في ساعة تلك، فجاء إلى الباب يريد النزول من الحصن، فكان معه جماعة وغلبة. فوكل به قوماً من أصحابه ومضى نزل في خيمته لحظة بقدر ما تفرق العسكر الذي كان معه، ثم ركب وقال لياركب فركبنا وطلعنا إلى الحصن، فجلس وأحضر ناطور الحصن يعرفه بما فيه، وأحضر بين يديه نساء وصبيان نصارى ويهود. فحضرت عجوز كردية فقال ت لذلك الناطوررأيت ابني فلاناً؟ قال قتل ضربته نشابة. قال تفابني فلان؟ قال وسطه الأمير فصاحت وكشفت رأسها وشعرها كالقطنة المندوفة، فقال لها الناطوراسكتي لأجل الأمير. قال توأي شيء بقي للأمير يعمل بي، كان لي ولدان قتلهما فدفعوها.
ومضى الناطور فاحضر شيخاً كبيراً مليح الشيبة يمشي على عصاتين سلم على صلاح الدين قال أي شيء هذا الشيخ؟ قال إمام الحصن. قال تقدم يا شيخ تقدم تقدم حتى جلس بين يديه قبض لحيته فمد يده قبض لحيته وأخرج سكينة مشدودة في بند قبائه وقطع لحيته من حكمته، فبقيت في يده مثل البرجم فقال له ذلك الشيخ يا مولاي بأي شيء أستوجب ان تفعل بي هذا الفعل؟ قال بعصيانك على السلطان. قال والله ما علمت بوصولكم حتى جاء الناطور الساعة اعلمني واستدعاني. ثم رحلنا نزلنا على حصن آخر للأمير قفجاق يقال له الكرخيني أخذناه فوجدوا فيه خزانة ملأى بالثياب خام مخيطة صدقة لفقراء مكة، وسبى من كان في الحصن من النصارى واليهود المعهادين، ونهب ما فيها نهب الروم، فالله سبحانه يتجاوز عنه.
اقف من هذا الفصل عند هذا الحد متمثلاً بقولي
الإسماعيلية تهاجم شيزر
وأعود إلى ذكر شيء مما جرى لنا والإسماعيلية في حصن شيزر.
اجتاز في ذلك اليوم ابن عم لي يقال له أبو عبد الله هاشم رحمه الله فرأى رجلاً من الباطنية في برج من دار عمي معه سيفه وترسه والباب مفتوح وبراً منه خلق كثير من أصحابنا وما يجسر أحد أن يدخل إليه، فقال ابن عمي لواحد من أولئك الوقوفادخل إليه، فدخل إليه، فما مهله الباطني ان ضربه فجرحه، فخرج وهو مجروح. فقال لأخر ادخل إليه، فدخل إليه فضربه الباطني فجرحه وخرج كما خرج صاحبه. فقال ابن عمييا رئيس جواد ادخل إليه. فقال له الباطنييا مؤخر أنت ليش ما تدخل؟ تداخل لي الناس وأنت واقف، ادخل حتى تبصر. فدخل إليه الرئيس جواد فقتله. وهذا الجواد حكم في الثقاف رجل شجاع ثقف. وما مر عليه إلا أعوام قليلة حتى رأيته بدمشق سنة أربع وثلاثين وخمس مائة وهو علاف يبيع الشعير والتبن، وقد كبر حتى صار كالشن البالي يعجز عن دفع الفأر عن علفه، فما بال الرجال، فكنت أتعجب من أول أمره، عندما صار عليه آخر أمره، وما أحال من حاله طول عمره.تأملات أسامة بشأن طول العمر
لما بلغت من الحياة إلى المدى قد كنت أهواه تمنيت الردالم يبقى طول العمر مني منة ألقى بها صرف الزمان إذا اعتداضعفت قواي وخانني الثقتان من بصري وسمعي حين شارفت المدىفإذا نهضت حسبت أني حامل جبلاً وأمشي إن مشيت مقيداوأدب في كفي العصا وعهدتها في الحرب تحمل أسمراً ومهنداوأبيت في لين المهاد مسهداً بلغ الكمال وتم عاد كما بدا
ولم أدر ان داء الكبر عام يعدي كل من اغفله الحمام. فلما توقلت ذروة التسعين وأبلاني مر الأيام والسنين، صرت كجواد علاف لا لجواد المتلاف. ولصقت من الضعف بالأرض، ودخل من الكبر بعضي ببعض، حتى انكرت نفسي وتحسرت على أمسي، وقلت في وصف حالي
أنظر إلى صرف دهري كيف عودني بعد المشيب سوى عاداتي الأولوفي تغاير صرف الدهر معتبر وأي حال على الأيام لم تحلقد كنت مسعر حرب كلما خمدت أذكيتها باقتداح البيض في القللهمي منازلة الأقران أحسبهم فراشي فهم مني على وجلأمضي على الهول من ليل وأهجم من سيل وأقدم في الهيجاء من أجلفصرت كالغداة المكسال مضجعها على الحشايا وراء السجف والكللقد كدت أعفن من طول الثواء كما يصدئ الهند طول اللبث في الخللأروح بعد دروع الحرب في حلل من الدبيقي فبؤساً لي وللحللوما الرفاهة من رامي ولا أربي ولا التنعيم من شأني ولا شغليولست أرضى بلوغ المجد في رفه ولا العلى دون حطم البيض والأسل
وأنا القائل بمصر أذم من العيش الراحة والدعة وما كان أعجل تقضيه وأسرعه
مع الثمانين عاث الدهر في جلدي وساءني ضعف رجلي واضطراب يديفاعجب لضعف جد مضطرب كخط مرتعش الكفين مرتعدفاعجب لضعف يدي عن حملها قلماً من بعد حطم القنا في لبة الأسدوإن مشيت وفي كفي العصا ثقلت رجلي كأني أخوض الوحل في الجلدفقل لمن يتمنى طول مدته هذي عواقب طول العمر والمدد
وكنت أظن ان الزمان لايبلي جديده ولا يهي شديده، واني إذا عدت إلى الشام وجدت به أيامي كعهدي ما غيرها الزمان بعدي. فلما عدت كذبتني وعود المطامع، وكان ذلك الظن كالسراب اللامع. اللهم غفرًا هذه جملة اعتراضية عرضت، ونفثة هم اقضت ثم انقضت. أعود إلى المهم وأدع تعسف الليل المدلهم، لوصفت القلوب من كدر الذنوب، فوضت إلى عالم الغيوم، علمت ان ركوب أخطار الحروب، لا ينقص مدة الأجل المكتوب. فأنني رأيت يوم تقاتلنا نحن والإسماعيلية في حصن شيزر معتبراً يوضح للشجاع العاقل والجبان الجاهل، ان العمر موقت مقدر، لا يتقدم أجله ولا يتأخر. وذلك اننا بعد فراغنا ذلك اليوم من القتال، صاح إنسان من جانب الحصنالرجال! وعندي جماعة من أصحابي معهم سلاحهم، فبادرنا إلى الذي صاح فقلناما بالك؟ فقال حس الرجال هاهنا. فجئنا إلى إسطبل خال مظلم فدخلنا فوجدنا رجلين معهما سلاحهما فقتلناهما. ووجدنا رجل من أصحابنا مقتولاً وهو على شيء فرفعناه، ووجدنا تحته رجلاً من الباطنية قد تسجى ورفع المقتول على صدره، فحملنا صاحبنا وقتلنا الذي كان تحته ووضعنا صاحبنا في الجامع بالقرب من ذلك المكان وفيه جراح عظيمة، ولا نشك انه ميت لا يتحرك ولا يتنفس. وأنا والله كنت أحرك رأسه على بلاط الجامع برجلي ولا نشك انه ميت. وكان المسكين يجتاز الأصطبل فسمع حساً فأدخل رأسه ليحقق السماع، فجذبه واحد منهم فضربوه بالسكاكين حتى ظنوا انه قد مات. فقضى الله سبحانه ان خيطت الجراح التي في رقبته وفي جسمه وعوفي وعاد من صحته كما كان عليه. فتبارك الله مقدر الأقدار وموقت الآجال والأعمار. وشاهدت ما يقارب ذلك وهو ان الإفرنج لعنهم الله أغاروا علينا ثلث الليل الآخر. فركبنا نتبعهم فمنعنا عمي عز الدين رحمه الله من اتباعهم وقال هذه مكيدة والإغارة تكون بالليل. وخرج من البلد رجالة خلفهم ما علمنا بهم. فوقع الإفرنج ببعضهم عند رجوعهم، قتلوا وسلم بعضهم. واصبحت أنا واقفاً في بندر قنين قرية عند المدينة فرأيت ثلاثة شخوص مقبلة أما إثنان كالناس، أما الأوسط فما وجهه كوجه الناس. فلما دنوا منا فأما الوسطاني منه قد ضربه إفرنجي بسيف في وسط انفه قطع وجهه إلى أذنيه، وقد استرخى نصف وجهه وصار على صدره. وبين النصفين من وجهه فتح قريب من شبر وهو يمشي بين رجلين، فدخل البلد فخاط الجراحي وجهه وداواه، فالتحم ذلك الجرح وعوفي وعاد إلى ما كان عليه إلى ان مات على فراشه، كان يبيع الدواب ويسمى ابن غازي المشطوب، وإنما سمي بالمشطوب بتلك الضربة. فلا يظن ظان ان الموت يقدمه ركوب المخاطر، ولا يأخره شدة حرر، ففي بقائي أوضح معتبر، فكم لقيت من الأهوال وتقحمت المخاوف والأخطار ولاقيت الفرسان وقتلت الأسود وضربت بالسيوف وطعنت بالرماح وجرحت بالسهام والجروح وأنا من الأجل في حصن حصين - إلى ان بلغت تمام التسعين، فرأيت الصحة والبقاء، كما قال صلى الله عليه وسلمكفى بالصحة داء. فأعقبت النجاة من تلك الأهوال، ما هو أصعب من القتل والقتال. وكان الهلاك في كنه الجيش اسهل من تكاليف العيش، استرجعت مني الأيام بطول الحياة سائر محبوب اللذات، وشاب كدر النكد صفو العيش الرغد فأنا كما قلت
تناستني الآجال حتى كأنني دريئة سفر بالفلاة حسيرولما تدع مني الثمانون منة كأني إذا رمت القيام كسيرأؤدي صلاتي قاعداً وسجودها علي إذا رمت السجود عسيروقد أنذرتني هذه الحال أنني دنوت رحلة مني وحان مسير
ضعفت القوة ووهنت، وتقضت بلهينة العيش وانتهت، ونكسني التعمير بين الأنام، والى الخمول يؤول تسعر الظلام، حتى أصبحت كما قلت
مديح صلاح الدين
أعجزني وهن السنين عن خدمة السلاطين، فهجرت مغشى أبوابهم وقطعت اسبابي من اسبابهم واستقلت من خدمتهم ورددت عليهم ما حولوني من نعمهم، لعلمي ان ضعف الهرم لا يقوى على تكاليف الخدم، وان سوق الشيخ الكبير لا ينفق على الأمير. ولزمت داري وجعلت الخمول شعاري ورضيت نفسي بالانفراد في الغربة ومفارقة الأوطان والتربة، إلى ان تسكن نفارتها عن مرارتها وصبرت صبر الأسير على قده، والظمآن ذي الغلة عن ورده. مكاتبة مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، جامع كلام الإيمان قامع عبدة الصلبان، رافع علم العدل والإحسان، محي دولة أمير المؤمنين أبو المظفر يوسف بن أيوب، جمل الله الأسلم والمسلمين بطول بقائه، وأيدهم بماضي سيوفه وأرائه، واضفى عليهم وارف ظله كما أصفى لهم من الأكدار موارد فضله برحمة نقبت عني في البلاد ودوني الحزن والسهل، بمضيعة من الأرض لامال لدي ولا أهل. فأستنقذني من أنياب النوائب براية الجميل وحملني إلى بابه العالي بإنعامه الغامر الجزيل، وجبر ما هاضه الزمان مني، ونفق على كرمه ما كسد عليه من سواه من علو سني، فغمرني بغرائب الرغائب، وانهينني من إنعامه اهنى المواهب حتى رعى لي بفائض الكرم، ما اسلفت سواه من الخدم، فهو يعتد لي بذلك ويرعاه رعاية من كأنه شاهد وراه، فعطاياه تطرقني وأنا راقد وتسري إلي وأنا محتسب قاعد، فأنا من إنعامه كل يوم في مزيد، وإكرام كتكرمة الأهل وأنا أقل العبيد. امنني جميل رأيه حادث الحادثات، وأخلف لي إنعامه ما سلبه الزمان بالنكبات المجحفات، وأفاض علي من نوافل فضله بعد تأدية فرضه وسنته، ما يعجز الأعناق عن حمل ايسر منته. ولم يبقى لي جوده املاً ارجوا نيله، اقضي زماني بالدعاء به نهاره وليله، والرحمة التي تدارك بها العباد، أحيى ببركتها البلاد، والسلطان الذي أحيى سنة الخلفاء الراشدين، واقام عمود الدولة والدين، والبحر الذي لا ينضب لكثرة الواردين مأوه، والجواد الذي لا ينقطع مع تتابع الوافدين عطاؤه. فلا زالت الأمة من سيوفه في حمى منيع، ومن إنعامه في ربيع مريع. ومن عدله في أنوار تكشف عنهم ظلم المظالم، وتكف بسطة يد المعتدي الغانم، ومن دولته القاهرة في ظل وارف، وفي سعود متتابع آنف في أثر سالف، ما تعاقب الليل والنهار، ودار الفلك الدوار
دعوت وقد أمن الحافظان
وذو العرش ممن دعاه قريب
وقد قال سبحانه للعباد
سلوني فإني سميع مجيب
والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله أجمعين، وحسبنا الله ونعه الوكيل.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
الباب الثانيبصيرة البصري
أخبار ونوادر
وما بكم من نعمة فمن الله. قال أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمينهذه طرف أخبار حضرت بعضها وحدثني بعضها من اثق به جعلتها إلحاقاً في الكتاب، إذا ليست مما قصدت ذكره فيما تقدم، وابدأت منها بأخبار الصالحين رضي الله عنهم أجمعين.
أخبار الصالحين
حدثني الأمام الخطيب سراج الدين أبو طاهر إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم خطيب مدينة إسعرد بها في ذي القعدة سنة اثنتين وستين وخمس مائة. قال حدثني أبو الفرج البغدادي قال شهدت مجلس الشيخ الإمام أبي عيد الله محمد البصري ببغداد حضرته امرأة فقالت يا سيدي انك كنت ممن شهد في صداقي، وقد فقت كتاب المهر، وأسألك أن تتفضل علي تقيم الشهادة بمجلس الحكم. فقال ما أفعل حتى تأتيني بحلاوة. فوقفت المرأة وهي تظن انه يمزح بقوله. فقال ما أفعل حتى تأتيني بحلاوة. فمضت ثم عادت فأخرجت من جيبها من تحت الإزار قرطاساً فيه حلاوة يابسة. فتعجب أصحابه من طلبه الحلاوة مع زهد ه وتعففه، فأخذ القرطاس وفتحه ورمى بالحلاوة قطعة قطعة حتى فرغ القرطاس، ونظره فإذا هو كتاب صداق المرأة الذي فقدته. فقال خذي صداقك فهذا هو فاستعظم من حضره ذلك. فقال كلوا الحلال وقد فعلتم ذلك وأكثر منه.سمع ابن قبيس
شهوة شيخ ماءت تتحقق
حدثني الشيخ أبو القاسم الخضر بن مسلم بن قاسم الحموي بها يوم الاثنين سلخ ذي الحجة سنة سبعين وخمس مائة فالقدم علينا رجل شريف من أهل الكوفة فحدثنا قال حدثني أبي قال كنت أدخل على قاضي القضاة الشامي الحموي فيكرمني ويجلني فقال لي يوماً أنا أحب أهل الكوفة لشخص واحد منهم، كنت بحماة وأنا شاب وقد توفي بها عبد الله بن ميمون الحموي رحمه الله. فقال وا لهاوص. فقال إذا أنا مت وفرغتم من جهازي اخرجوني إلى الصحراء ويطلع إنسان إلى الرابية التي تشرف على المقابر ويناديني يا عبد الله بن القبيس مات عبد الله بن ميمون فاحضره وصلي عليه. فلما مات فعلوا ما أمرهم به. فأقبل رجلاً عليه ثوب خام ومئزر صوف من الجانب الذي ناد منه المنادي وجاء حتى صلى عليه، والناس بهتوا لا يكلمونه. فلما فرغ من الصلاة انصرف راجعاً من حيث جاء، فتلاوموا إذ لم يتمسكوا به ويسألونه، فسعوا في إثره ففا تهم ولم يكلمهم كلمة واحدة.
وهو المعرة يشعر بموت آخر في مكة
وقد حضرت ما يقارب ذلك في حصن كيفا. وكان في مسجد الخضر رجل يعرف بمحمد السماع له زاوية إلى جانب المسجد يخرج وقت الصلاة يصلي جماعة ويعود إلى زاويته وهو رجل من الأولياء فحضرته وهو بالقرب من منزلي الوفاة فقال كنت اشتهي على الله تعالى ان يحضرني شيخي محمد البستي. فما جمع له جهاز غسله وكفنه إلا وشيخيه محمد البستي عنده فتولى غسله وخرج خلفه تقدمنا صلى عليه. ثم نزل في زاويته فأقام بها مديدة وهو يزورني وأنا أزوره، وكان رحمه الله عالماً زاهداً ما رأيت ولا سمعت مثله، كان يصوم الدهر ولا يشرب الماء ولا يأكل خبزاً ولا شيئاً من الحبوب، إما يفطر على رمانتين أو عنقود عنب أو تفاحتين ويأكل في الشهر مرة أو مرتين لقيمات من لحم مقلي. فقلت له يوماً يا شيخ أبا عبد الله كيف وقع لك ان لا تأكل خبزاً ولا تشرب ماء وأنت صائم أبداً؟ قال صمت فطويت فوجدتني أقوى على ذلك، فطويت ثلثاً وقلتاجعل ما آكله كالميت التي تحل للمضطر بعد ثلث. فوجدتني أقوى على ذلك فتركت الأكل والشرب الماء فألفت النفس ذلك وسكنت إليه فاستمررت على ما أنا عليه. وكان بعض أكابر حصن كيفا قد عمل للشيخ زاوية في بستان جعله له فحضر عندي في شهر رمضان وقال قد جئت مودعاً. قلتوالزاوية التي قد أعدت والبستان؟ قال يا أخي ما لي حاجة فيهما ولا أقيم. وودعني ومضى رحمه الله، وذلك سنة سبعين وخمس مائة.
وحدثني الشيخ أبو القاسم خضر بن مسلم بن قسيم الحموي بحماة في التاريخ المتقدم ان رجلاً كان يعمل في بستان لمحمد بن مسعر رحمه الله أتى أهله وهم جلوس على أبواب دورهم بالمعرة فقال سمعت الساعة عجباً! قال واوما هو؟ قال مر بي رجل معه ركوة طلب مني فيها فأعطيته فجدد وضوءه، أعطيته خيارتين فأبا أن يأخذها. فقلتان هذا البستان نصفه لي بحق عملي، ولمحمد بن مسعر نصفه بالملك. فقال أحج العام؟ قلتنعم قال البارحة بعد انصرافنا من الوقفة مات وصلينا عليه. فخرجوا في أثره ليستفهموا منه فرأوه على بعد لا يمكنهم لحاقه، فعادوا وورخوا الحديث فكان الأمر كما قال .علي يداوي قيم مسجده
النبي يرسل فقيراً إلى الملك شاه
مولى معز الدولة ابن بويه بالموصل في ثامن عشر شهر رمضان سنة خمس وستين وخمس مائة قال زار المقتفي بأمر الله أمير المؤمين رحمه الله مسجد صندوديا بظاهر الأنبار على الفرات الغربي ومعه الوزير وأنا حاضر، فدخل المسجد وهو يعرف بمسجد أمير المؤمنين علي رضوان الله عليه، وعليه ثوب دمياطي وهو متقلد سيفاً حليته حديد لايدري انه أمير المؤمنين إلا من يعرفه. فجعل في قيم المسجد يدعوا للوزير، فقال الوزيرويحك أدع لأمير المؤمنين. فقال له المقتفي رحمه اللهسله عما ينفع، قل له ما كان المرض الذي في وجهه؟ وكان في وجهه سلعة قد غطت أكثر وجهه فإذا أراد الأكل سدها بمنديل حتى يصل الطعام إلى فمه. فقال القيمكنت كما تعلم وأنا أتردد إلى هذا المسجد من الأنبار، فلقيني إنسان فقال لو كنت تتردد إلى فلان يعني مقدم الأنبار، كما تتردد إلى هذا المسجد لأستدعي لك طبيباً يزيل هذا المرض من وجهك، فخامر قلبي من قوله شيء قد داق به صدري، فنمت تلك الليلة فرأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو في المسجد يقول ما هذه الحضرة؟ يعني حضرة في الأرض. فشكوت إليه ما بي، فاعرض عني، ثم راجعته وشكوت إليه ما قال ه لي ذلك الرجل فقال أنت ممن يريد العجلة، ثم استيقظت والسلعة مطروحاً إلى جانبي وقد زال ما كان بي. فقال المقتفي رحمه اللهصدق. ثم قال ليتحدث معه وابصر ما يلتمسه واكتب به توقيعاً واحضره لأعلم عليه. فتحدث معه فقال أنا صاحب عائلة وبنات، وأريد في كل شهر ثلاثة دنانير فكنت عنه مطالعة وعنونها الخادمقيم مسجد علي، فوقع عليها بما طلب وقال ليأمض ثبتها في الديوان. فمضيت ولم أقرأ منها سوىيوقع له بذلك. وكان الرسم ان يكتب لصاحب المطالعة توقيع ويؤخذ منه ما فيه خط أمير المؤمنين. فلما فتحها الكاتب لينقلها وجد تحت قيم مسجد عليبخط المقتفي أمير المؤمنين. صلوات الله عليه. ولو كان طلب أكثر من ذلك لوقع له به.
وآخر إلى الوزير علي بن عيسى
وحدثني القاضي الأمام مجد الدين أبو سليمان داود بن محمد بن الحسن بن خالد الخالدي رحمه الله بظاهر حصن كيفا يوم الخميس ثاني وعشرين ربيع الأول سنة ست وستين وخمس مائة عن من حدثه ان شيخاً استأذن على خواجا بزرك رحمه الله. فلما دخل عليه رأه شيخاً مهيباً بهياً فقال من أين الشيخ؟ قال من غربة. قال ألك حجة؟ قال أنا رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى الملك شاه. قال يا شيخ أي شيء هذا الحديث؟ قال ان اوصلتني إليه بلغت الرسالة. وإلا فأنا لا أزول حتى اجتمع به وابلغه ما معي. فدخل الخواجا بزرك على السلطان فاعلمه بما قال الشيخ فقال أحضروه فلما حضر قدم للسلطان مسواكاً ومشطاً وقال لهأنا رجل لي بنات، وأنا فقير لا اقدر على جهازهن وتزويجهن، وكل ليلة ادعو الله تعالى ان يرزقني ما اجهزهن به فنمت ليلة الجمعة من شهر كذا ودعوت الله سبحانه وتعالى بمعونتي عليهن. فرئيت الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم فقال ليأنت تدعوا الله عز وجل ان يرزقك بما تجهز به بناتك؟ قلت نعم يا رسول الله. فقال امضي إلى فلان وسماه بعز ملك شاه - يعني السلطان وقل لهقال لك رسول الله عليه وسلم جهز بناتي. فقلتيا رسول الله ان طلب مني علامة ما أقول له؟ قال قل له بعلامة انك كل ليلة عند النوم تقرأ سورة تبارك. فلما سمع ذلك السلطان فقال هذه علامة صحيحة، وما اطلع عليها غير الله تبارك وتعالى. فإن مؤدبي أمرني ان اقرأها كل ليلة عند النوم وأنا افعل ذلك. ثم أمر له بكل ما اطلبه لتجهيز بناته وأجزل عطيته وصرفه.
ويشبه هذا الحديث ما سمعته عن ابي عبد الله محمد بن فاتك المقرئ قال وكنت أقرأ يوماً على ابي بكر بن مجاهد رحمه الله المقرئ ببغداد إذا ورد عليه القاضي ابي بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري الفرضي المعروف بقاضي المارستان انه قال لما حججت بينا أطوف بالبيت إذ وجدت عقداً من اللؤلؤ فشددته في طرف إحرامي. فبعد ساعة سمعت إنساناً ينشده في الحرم وقد جعل لمن يرد عليه عشرين ديناراً، فسألته علاما ما ضاع له فاخبرني فسلمته إليه. فقال ليتجيء معي إلى منزلي لأدفع إليك ما جعلته لك. فقلت ما لي حاجت إلى ذلك، وما دفعته إليك ما جعلته لك. فقلت مالي حاجة إلى ذلك وما دفعته إلي بسب الجعالة، وأنا من الله بخير كثير. فقال لما تدفعه إلى الله عز وجل؟ فقلتنعم. فقال استقبل بنا الكعبة وأمن على دعائي. فاستقبلنا الكعبة فقال الهم اغفر له وارزقني مكافأته، ثم ودعني ومضى. ثم اتفق انني سافرت من مكة إلى ديار مصر فركبت في البحر متوجهاً إلى المغرب. فأخذت الروم المركب وأسرت فيمن أسر فوقعت في نصيب بعض القوم، فلم أزل أخدمه إلى أن دنت وفاته فأوصى بإطلاقي. فخرجت من بلد الروم فصرت إلى بعض بلاد المغرب فجلست أكتب على دكان خباز، وكان ذلك الخباز يعامل بعض تناة تلك المدينة. فلما كان في رأس الشهر جاء غلام ذلك الثاني إلى الخباز فقال سيدي يدعوك لتحاسبه فاستصحبني معه فمضينا إليه فحاسبه على رقاعه. فلما رأى معرفتي في الحساب وخطي طلبني من الخباز فغير ثيابي وسلم الي جباية ملكه وكانت له نعمة ضخمة، أخلى لي بيتاً في جانب داره. فلما مضت مديدة قال لييا أبا بكر ما رأيك في التزويج؟ قلتيا سيدي أنا لا اطيق نفقة نفسي فكيف اطيق النفقة على زوجة قال أنا أقوم عنك بالمهر والمسكن والكسوة وجميع ما يلزمك. فقلتالأمر لك فقال يا والدي إن هذه الزوجة فيها عيوب شتى - ولم يترك شيئاً من العيب في خلقة من رأسها إلى قدمها إلا ذكره لي وأنا أقول رضيت. وباطني في ذلك كظاهري. فقال ليالزوجة ابنتي. واحضر جماعة وعقد العقد. فلما كان بعد أيام قال لي تهيأ لدخول بيتك، ثم أمر لي بكسوة فاخرة ودخلت إلى دار فيها تجميل والآلات، ثم أجلست في المرتبه وأخرجت العروس تحت النمط فقمت لتلقيها. فلما كشفت النمط رأيت صورة ما رأيت في الدنيا أجمل منها، فهربت من الدار خارجاً، فلقيني الشيخ وسألني عن سبب هروبي. . فقلتان الزوجة ما هي التي ذكرت لي فيها من العيوب ما ذكرت. فتبسم وقال يا ولدي هي زوجتك، وليس لي ولد سواها وإنما ذكرت لك ما ذكرت لئلا تستقل ما تراه فعدت وجلبت علي. فلما كان من الغد جعلت أتأمل ما عليها من حلي وجواهر الفاخر، فرأيت من جمله ما عليها العقد الذي وجدته بمكة فعجبت من ذلك واستغرقني الفكر فيه. فلما خرجت من البناء استدعاني وسألني عن حالي وقال جدع الحلال أنف الغيرة، فشكرته على ما فعله معي، ثم استولى علي الفكر في العقد ووصله إليه. فقال لي فيم تفكر. فقلت في العقد الفلاني فاني حججت في السنة الفلانيه فوجدته في الحرم أو عقدا يشبهه. فصاح وقال أنت الذي رددت علي العقد قلت أنا ذاك. فقال ابشر فان الله قد غفر لي ولك، فاني دعوت الله سبحانه في تلك الساعة ان يغفر لي ولك وان يرزقني مكافأتك، وقد سلمت إليك مالي وولدي وما أظن اجلي إلا وقد قرب ثم أوصى الي ومات بعد مديدة قريبه رحمه الله.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
الشفاء بطرق غريبة
وحدثني الأمير سيف الدولة زنكي بن قراجا رحمه الله قال دعانا شاهنشاه بحلب وهو زوج أخته. فلما اجتمعنا عنده نفذنا إلى صاحب لنا كنا نعاشره وننادمه خفيف الروح طيب العشرة فاستدعيناه فحضر، فعرضنا عليه الشراب فقال أنا محتم امرني الطبيب بالحميه أياماً حتى تشق هذه السعلة وكان في مؤخر رقبته سلعة كبيره، فقلنا وافقنا اليوم وتكون الحميه من غد. ففعل وشرب معنا إلى أخر النهار، فطلبنا شاهنشاه شيئا نأكله. فقال ما عندي شيء. فلاججناه حتى أجابنا إلى ان يحضر لنا بيضا نقليه على المنقل فاحضر البيض أحضرنا صحنا وكسرنا البيض وافرغنا ما فيه في الصحن ووضعنا المقلى على المنقل ليحمى، فأشرت إلى ذلك الرجل الذي في رقبته السلعة ان يشرب البيض، فرفع الصحن على فمه ليشرب بعضه فانساب جميع ما في الصحن في حلقه فشربه، وقلنا لصاحب الدار عوضنا عن البيض. فقال والله ما افعل فشربنا ثم افترقنا. فأنا في السحر في فراشي والباب يقرع، فخرجت جاريه تنظر من بالباب فإذا هو صديقنا ذلك. فقلت أحضريه. فجاءني وأنا في فراشي فقال يا مولاي تلك السلعة التي كانت في رقبتي ذهبت وما بقي لها اثر. فنظرت موضعها فإذا هو كغيره من جوانب رقبته. فقلت أي شيء اذهبها قال الله سبحانه ما عرفت انني استعملت سيئا ما كنت استعمله غير شربي لذالك البيض النيء. فسبحان القادر المبلي المعافي. وكان عندنا في شيزر اخوان اسم الأكبر مظفر والآخر مالك بن عياض من أهل كفر طاب وهما تاجران يسافران إلى بغداد، وغيرها من البلاد، ومظفر أدركه قيلة عظيمة فهو منها في تعب، فسار في قافلة على المساوه إلى بغداد، فنزلت القافلة في حي من أحياء العرب فضيفوهم بطيور طبخوها لهم فتعشوا وناموا، فانتبه ابنه رفيقه الذي في جانبه وقال له أنا نائم أو مستيقظ قال مستيقظ لو كنت نائم ما تحدثت. قال تلك القيلة قد ذهبت وما بقي لها اثر. فنظر فإذا هو قد عاد كغيره إلى الصحه. فلما أصبحوا سألوا العرب الذين أضافوهم أي شيء أطعموهم. قال وانزلتم بنا ودوابنا عازبة، فخرجنا أخذنا فراخ غربان طبخناها لكم. فلما وصلوا بغداد دخلوا المارستان وحكوا للمتولي المارستان حكايته، فنفذ حصل فراخ غربان أطعمها لمن به هذا المرض، فلم تنفعه ولا أثرت فيه. فقال تلك الفراخ التي أكلها كان زقها أبوها أفاعي لذلك كان نفعها. ومما يشاكل ذلك ان رجلا أتى يوحنا بن بطلان الطبيب المشهور بالمعرفة والعلم والتقدم بالصنعة الطب وهو دكانه بحلب، فشكى إليه مرضه فرآه قد استحكم به الاستسقاء وكبر بطنه ودقت وتغيرت سحنته. فقال لهيا ولدي ما لي والله فيك حيلة، ولا بقي الطب ينجح فيك فانصرف. ثم بعد مدة اجتاز به وهو في دكانه وقد زال ما به من مرض وضمر جوفه وحسنت حاله، فدعاه ابن بطلان فقال ما أنت الذي حضرت عندي من مدة وبك الاستسقاء وقد كبر بطنك ودقت رقبتك وقلت لك مالي فيك حيلة؟ قال بلى قال بماذا داويت حتى زال ما بك؟ قال والله ما تداويت بشيء، أنا رجل صعلوك ما لي شيء ولا لي من يدور بي سوى والدتي، عجوز ضعيفة كان لها في دنين خل، فكانت كل يوم تطعمني منه بخبز. فقال له بطلانبقي من الخل شيء؟ قال نعم قال امشي معي ارني الدن الذي فيه الخل. فمشى بين يديه إلى البيت أوقفه على دان الخل. فأفزع ابن بطلان ما كان فيه من الخل فوجد في أسفله افعيين قد تهرأتا. فقال لهيا بني ما كان يقدر يداويك بخل فيه افعيان حتى تبرأ إلا الله عز وجل. وكان ابن بطلان إصابات عجيبة في الطب. فمن ذلك ان رجلاً أتاه وهو في دكانه بحلب، والرجل قد انقطع كلامه فلا يكاد بفهم منه إذا تكلم. فقال لهما صنعتك؟ قال أنا مغربل. فقال احضر لي نصف رطل خل حاذق. فأحضره. فقال اشربه. فشربه لحظة فذرعه القيء، فتقيأ طيناً كثيراً في ذلك الخل، فانفتح حلقه واستوى كلامه. فقال ابن بطلان لابنه وتلامذتهلا تداووا بهذا الدواء أحد فتقتلوه. هذا كان قد علق بالمريء من غبار الغربلة تراب ما كان يخرجه إلى الخل. وكان ابن بطلان ملازماً لخدمة جدي الأكبر ابي المتوج مقلد بن نصر بن منقذ. فظهر في جدي الأكبر ابي المتوج مقلد بن نصر بن منقذ. فظهر في جدي ابي الحسن علي بن المقلد بن نصر بن منقذ رحمه الله وضح وهو صبي صغير، فاقلق ذلك اباه وأشفق عليه من البرص، فاحضر ابن بطلان وقال لهابصر ما قد ظهر في جسم علي. فنظره وقال أريد خمس مائة دينار حتى أداويه وأذهب هذا عنه. فقال له جديلو كنت داويت علياً ما كنت رضيت لك بخمس مائة دينار. فلما رأى الغضب من جدي قال يا مولاي أنا خادمك وعبدك وفي فضلك، ما قلت ما قلته إلا على سبيل المزاح، وهذا الذي بعلي بهق الشباب، وإذا أدرك ذهب عنه، فلا تحمل منه هماً ولا يقول لك سوايأنا أداويه ويتسوق عليك، فهذا يزول عند بلوغه. فكان كما قال . وكان في حلب امرأة من وجوه نساء حلب لها برة لحقها برد في رأسها فكانت تعمل عليه القطن العتيق والقلنسوة والمخملة والمناديل حتى تصير على رأسها عمامة كبيرة وهي تستغيث من البرد، فأحضرت ابن بطلان وشكت إليه مرضها فقال حصلي في غد خمسين مثقال اً من كافور رياحي عارية أو مكرى من بعض الطيبين، فهو يعود إليه بأسره. فحصلت له الكافور، ثم اصبح القى كل ما على رأسها وحشا شعرها بذلك الكافور ورد على رأسها ما كان عليه من الدثار وهب تستغيث من البرد، فنامت لحظة وانتبهت تشكو الحر والكرب في رأسها حتى بقي على رأسها قناع واحد، ثم نفض شعرها من ذلك الكافور وذهب عنها البرد وصارت تتقنع بقناع واحد.
وقد جرى لي بشيزر ما يقارب ذلك، لحقني برد شديد وقشعريرة من غير حمى وعلي الثياب الكثيرة والفرو، ومتى تحركت في جلوسي ارتعدت وقام شعر بدني وتجمعت. فأحضر الشيخ ابي الوفاء تميماً الطبيب فشكوت إليه ما أجد. فقال أحضر لي بطيخة هندي. فأحضرت فكسرها فقال يكل منها استطعت. قلت يا حكيم أنا في الموت من البرد والرمان بارد، كيف آكل هذه مع بردها؟ قال كل كما أقول لك. فأكلت، فما انتهى أكلي منها حتى عرقت وزال ما كنت أجده من البرد. فقال ليالذي كان بك من غلبة الصفراء ما كان من برد حقيقي.
وقد تقدم ذكر شيء من غريب الأحلام، وقد أردت في كتاب المترجم بكتاب النوم والأحلام من ذكر النوم والأحلام وما قيل فيها وفي أوقات الرؤيا وفي أقوال العلماء فيها، واستشهدت على أقوالهم بما ورد فيها من أشعار العرب ووسعت الشرح واشبعت فيه المعنى، فما حاجة إلى ذكر شيء منه ها هنا لكنني ذكرت هذا الخبر واستظرفته فأوردته، كان لجدي سديد الملك ابي الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ رحمه الله جارية يقال لها لؤلؤة ربت والدي مجد الدين أبا سلامة مرشد بن علي رحمه الله. فلما كبر وانتقل عن الدار والده انتقلت معه فرزقني، فربتني تلك العجوز إى ان كبرت وتزوجت وانتقلت من دار والدي رحمه الله فانتقلت معي، ورزقت الأولاد فربتهم وكانت رحمها الله من النساء الصالحات صوامة قوامة، وكان يلحقها القولنج وقتاً بعد وقت، فلحقها يوماً من الأيام واشتد بها حتى غاب ذهنها وآيسوها، فبقيت ذلك يومين وليلتين، ثم أفاقت وقالت لاإله إلا الله! ما أعجب ما كنت فيه! لقيت أمواتنا جميعهم وحدثوني بالعجب وقال وا لي في جملة ما قال واإن إن هذا القولنج ما يعود يلحقك. فعاشت بعد ذلك بمدة الطويلة ولم يلحقها قولنج. وعاشت حتى قاربت المائة سنة، وكانت محافظة لصلواتها رحمها الله فدخلت إليها في بيت أفردته لها من داري وبين يديها طست وهي تغسل منديلاً لصلوات. فقلتما هذا يا أمي؟ قالت يا بني قد مسكوا هذا المنديل وأيديهم زفرة من الجبن وكلما غسلته فاحت مته رائحة الجبن. قلتأريني الصابون التي تغسلين بها. فأخرجتها من المنديل فإذا هي قطعة جبن، وهي تظن أنها صابون، وكلما عركت ذلك المنديل بالجبن فاحت روائحه. قلتيا أمي هذه جبنة! ما هي صابونة. فنظرتها وقالت صدقت يا بني ما ظننتها إلا صابوناً، فتبارك الله أصدق القائلينومن نعمره ننكسه في الخلق. الإطالة تجلب الملالة والحوادث والطوارئ اكثر من ان تحصر والرغبة إلى الله عز وجل في الستر والعافية فيما بقي من الحياة، والرحمة والرضوان عند موافاة الوفاة، فانه سبحانه اكرم مسؤول واقرب مأمول. الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله وسلامه.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
الباب الثالثوالله مني جانب لا أضيعه والله و مني والبطالة جانب
أخبار الصيد
توكلت على الله تعالى
الصيد في سورية
قد ذكرت من أحوال الحرب وما شاهدته من الوقعات والمصافات والأخطار حضرني ذكره ولم ينسنيه الزمان ومره، فإن العمر طال ولزمت الانفراد والاعتزال، والنسيان من ارث ما تقدم من أبينا آدم صلى الله عليه وسلم. وأنا ذاكر فصلاً فيما حضرته وشاهدته من الصيد والقنص والجوارح. فمن ذلك ما حضرته مع ملك الأمراء أتابك زنكي بن آق سنقر رحمه الله، ومن ذلك ما حضرته بدمشق مع شهاب الدين محمود بن تاج الملوك رحمه الله، ومن ذلك ما حضرته بمصر، ومن ذلك ما حضرته مع الملك العادل نور الدين ابي المظفر محمود بن أتابك زنكي رحمه الله، ومن ذلك ما حضرته بديار بكر مع الأمير فخر الدين قرا ارسلان بن داود بن ارتق رحمه الله.
الصيد بسورية والجزيرة ومصر
فأما ما كان في شيزر فكان مع الوالد رحمه الله، وكان مشغوفاً بالصيد لهجاً به ويجمع الجوارح، وما يستكثر ما يغرمه عليه لفرجته، فإنه كان نزهته فليس له شغل سوى الحرب وجهاد الأفرنج ونسخ كتاب الله عز وجل عند فراغه من أشغال أصحابه، وهو رحمه الله صائم الدهر مواظب على تلاوة القرآن. فكان الصيد كما جاء في الخبرروح القلوب تعي الذكر. فما رأيت قط مثل صيده وتربيته. وقد شاهدت صيد ملك الأمراء أتابك زنكي رحمه الله، وكان له جوارح كثيرة، فرأيته ونحن نسير على الأنهار فيتقدم البازدارية بالبزاة ترميها على الطيور الماء وتدق الطبول كجاري العادة فتتصيد منها ما تصيد وتخطئ ما تخطئ وورائهم الشواهين الكوهية على أيدي البازدارية. فإذا اصطادت البزاة وأخطأت أرسلوا الشواهين الكوهية على الطيور وقد أبعدت دشب خبز فتلحق وتصيد، وترسل على الحجل في طلوعها في سفح الجبل فتصيد، فإنها من سرعة الطيران على صفة عجيبة. وشاهدت يوماً ونحن في المغرقة بظاهر الموصل نسير في باذنجان وبين يدي أتابك بازيار على يد باشق، فطار ذكر دراج فارسله عليه فأخذه ونزل. فلما صار في الأرض فرط الدراج من كفه وطار. فلما ارتفع انتقل الباز من الأرض أخذه ونزل وقد ثبته. ورأيته وهو في صيد الوحش دفعات، إذا اجتمعت الحلقة واجتمع فيها الوحش شيء رموه، وكان من أيرمى الناس، فكان إذا دنا منه الغزال رماه، فنزاه كأنه قد عثر فيقع ويذبح، وكان أول غزال يضربه في كل صيد أحضره ينفذه لي مع غلام من غلمانه وأنا معه. وشاهدته وقد اجتمعت الحلقة ونحن في أرض نصيبين على الهرماس وقد ضربوا الخيام، فوصل الوحش إلى الخيام، فخرج الغلمان بالعصي والعمد، فضربوا منها شيئاً كثيراً، واجتمعوا في حلقة ذيب فوثب في وسطها على غزال أخذه وبرك عليه فقتل وهو عليه. وشاهدته يوماً ونحن بسنجار وقد جاءه فارس من أصحابه فقالها هنا ضبعة نائمة! فسار ونحن معه إلى واد هناك، والضبعة نائمة على صخرة في سفح الوادي، فترجل أتابك ومشى حتى وقف مقابلها وضربها بنشابة رماها إلى أسفل الوادي، ونزلوا جاءوا بها إلى بين يديه وهي ميتة. ورأيته أيضاً بظاهر سنجار وقد جلوا أرنباً. فأمر فاستدارت الخيل حولها وأمر غلاماً خلفه يحمل الوشق كما يحمل الفهد، فتقدم أرسله على الأرنب فدخلت بين قوائم الخيل وما تمكن منها. وما كنت رأيت الوشق قبل ذلك يصيد. ورأيت الصيد بدمشق أيام شهاب الدين محمود بن تاج الملوك للطير والغزلان وحمر الوحش واليحامير، فرأيته يوماً وقد دخلنا إلى شعراء بانياس وفي الأرض عشب عظيم، فتصدينا كثير من اليحامير، وضربت الخيام حلقة ونزلنا، فقام من وسط الحلقة يحمور كان نائماً في العشب فأخذ في وسط الخيام. ورأيت ونحن عائدون رجلاً قد رأى سنجاباً في شجرة فأعلم به شهاب الدين فجاء وقف تحته ورماه مرتين او ثلاثاً فما أصابه، فتركه وسار شبه المغتاظ الذي لم يصبه. فرأيت رجلاً من الأتراك جاء رماه فوسط النشابة فيه، فاستخرت يداه وبقي متعلقاً برجليه والنشابة فيه حتى هزوا الشجرة فوقع، ولو كانت تلك النشابة في ابن آدم كان مات لوقته، فسبحان خالق الخلق.
الصيد في مصر
ورأيت الصيد في مصر، كان للحافظ لدين الله عبد المجيد ابي ميمون رحمه الله جوارح كثيرة من البزاة والصقور والشواهين البحرية، فكان لهم زمام يخرج بهم في الجمعة يومين وأكثرهم رجالة على أيديهم الجوارح، فكنت أركب يوم خروجهم إلى الصيد لأتفرج بنظر صيدهم، فمضى الزمام إلى الحافظ وقال لهان الضيف فلاناً يخرج معنا - كأنه يستطلع أمره في ذلك. فقالاخرج معه يتفرج على الجوارح. فخرجنا يوماً ومع بعض البازيارية باز مقرنص بيت احمر العينين فرأينا كراكي. فقال له الزمامتقدم ارمي عليها الباز الأحمر العينين. فتقدم رماه وطارت الكراكي فلحق منها واحداً على بعد منا فحطه. فقلت لغلام لي على حصان جيدأدفع الحصان إليه وانزل أغرز منقار الكراكي في الأرض وأكتفه واترك رجليه تحت رجليك إلى ان نصلك. فمضى وعمل ما قلت له، ووصل البازيار ذبح الكركي واشبع الباز. فلما دخل الزما حدث الحافظ بما جرى وما قلته للغلام وقاليا مولانا حديثه حديث صياد. قالوأي شيء شغل هذا إلى القتال والصيد؟ وكان معهم صقور يرسلونها على البلاشيب وهي طائرة، فإذا رأى البلشوب الصقر دار وارتفع، والصقر يدور في جانب آخر حتى يرتفع على البلشوب، ثم ينقلب عليه يأخذه. وفي تلك البلاد طيور يسمونها البج مثل النحام يصيدونها أيضاً، وطيور الماء في مقطعات النيل سهلة الصيد، والغزال عندهم قليل. بل في تلك البلاد بقرب بني إسرائيل وهي بقر صفر قرونها مثل قرون البقر وهي أصغر من البقر تعدو عدواً عظيماً، وتخرج لهم من النيل دابة يسمونها فرس البحر مثل البقرة الصغيرة عيناها صغيرتان وهي جرداء مثل الجاموس ولها أنياب طوال في فكها الأسفل وفي فكها الأعلى خروق لأنيابها تخرج رؤوسها من تحت عينيها وصياحها مثل صياح الخنزير، ولا تبرح في بركة لها ماء وتأكل الخبز والحشيش والشعير.
الصيد في عكا
وكنت قد مضيت مع الأمير معين الدين رحمه الله إلى عكا إلى عند ملك الإفرنج فلك بن فلك فرأينا رجل من الجنوية وقد وصل من بلاد الإفرنج ومعه باز كبير مقرنص يصيد الكركي ومعه كلبة صغيرة إذا أرسل الباز على الكركي عدت تحته، فإذا أخذ الكركي وحطه عضته فلا يقدر على الخلاص منها. وقال لنا ذلك الجنوي إن الباز عندنا إذا كان ذنبه ثلاث عشر ريشة اصطاد الكركي. فعددنا ذنب ذلك الباز فكان كذلك. فطلب الأمير معين الدين رحمه الله فأخذه من ذلك الجنوي هو والكلبة وأعطاه للأمير معين الدين فجاء معنا، فرأيته في الطريق يثب على الغزلان كما يثب إلى اللحم، ووصلنا به إلى دمشق، فما طال عمره بها ولا صاد شيئاً ومات.
في حصن كيفا
وشاهدت الصيد في حصن كيفا مع الأمير فخر الدين قرا أرسلان بن داود رحمه الله. وهناك الحجل والزرخ كثير والدراج، فأما طير الماء فهو في الشط وهو واسع ما يتمكن الباز منها، وأكثر صيدهم الاراوي ومعزى الجبل يعملونا لها شباكاً ويمدونها في الأودية ويطردون الأراوي فتقع في تلك الشباك وهي كثيرة عندهم وقريبة المتصيد وكذلك الأرانب.
مع نور الدين
وشهدت الصيد مع الملك العادل نور الدين رحمه الله فحضرته ونحن بأرض حماة وقد جلوا له أرانباً فضربها بنشابة كشماء، وقامت وسبقت إلى محجر دخلته فركضنا خلفها، ووقف عليها نور الدين وناولني الشريف السيد بهاء الدين رحمه الله رجلها قد قطعته النشابة من فوق العرقوب وشقت جوفها قرنة النصلة فوقع منها بيت الولد وسبقت بعد هذا وانجحرت، فأمر نور الدين بعض الوشاقية. نزل وقلع خفافه ودخل خلفها وما وصل إليها، وقلت للذي معه بيت الأولاد وفيه خرنقانشقه واطمرهم بالتراب ففعل، فتحركوا وعاشوا. وحضرته يوماًوقد أرسل كلبة على ثعلب ونحن على قرى حصار بأرض حلب فركض خلفه وأنا معه، فلحقت الكلبة وأخذت ذنب الثعلب فرجع إليه برأسه فعض خيشومها، فصارت الكلبة تعوي ونور الدين يضحك، ثم خلاها وانجحر، فما قدرنا عليه. وجاءه يوماُ ونحن ركاب تحت قلعة حلب من شمالي البلد باز فقال لنجم الدين أبي طالب بن علي كرد رحمه اللهقل لفلان يعنيني يأخذ هذا الباز يلعب به. فقال ليفقلت ما أحسن له. فقال نور الدينانتم بالصيد ما كنتم تزالون، ما تحسن تصلح للباز؟ قلتما كنا نصلحها نحن كان لنا بازيارية وغلمان يصلحونها ويتصيدون بها قدامنا، وما أخذت الباز.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)