صفحة 6 من 27 الأولىالأولى ... 4567816 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 24 من 108

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ثم دخلت سنة تسع وثلاثين

    ذكر ما كان فيها من الأحداث

    فما كان فيها من الأحداث المذكورة:
    تفريق معاوية جيوشه في أطراف علي

    فوجه النعمان بن بشير - فيما ذكر علي بن محمد بن عوانة - في ألفي رجل إلى عين التمر، وبها مالك بن كعب مسلحةً لعلي في ألف رجل، فأذن لهم، فأتوا الكوفة، وأتاه النعمان، ولم يبق معه إلا مائة رجل، فكتب مالكٌ إلى علي يخبره بأمر النعمان ومن معه، فخطب عليٌّ الناس، وأمرهم بالخروج، فتثاقلوا، وواقع مالك النعمان، والنعمان في ألفي رجل ومالك في مائة رجل، وأمر مالك أصحابه أن يجعلوا جدر القرية في ظهورهم، واقتتلوا. وكتب إلى مخنف بن سليم يسأله أن يمده وهو قريب منه، فقاتلهم مالك ابن كعب في العصابة التي معه كأشد القتال، ووجه إليه مخنف ابنه عبد الرحمن في خمسين رجلًا، فانتهوا إلى مالك وأصحابه، وقد كسروا جفون سيوفهم، واستقتلوا، فلما رآهم أهل الشأم وذلك عند المساء، ظنوا أن لهم مددًا وانهزموا، وتبعهم مالك، فقتل منهم ثلاثة نفر، ومضوا على وجوههم.
    حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثني سليمان، عن عبد الله، قال: حدثني عبد الله بن أبي معاوية، عن عمرو بن حسان، عن شيخ من بني فزارة، قال: بعث معاوية النعمان بن بشير في ألفين، فأتوا عين التمر، فأغاروا عليها، وبها عامل لعلي يقال له ابن فلان الأرحبي في ثلثمائة، فكتب إلى علي يستمده، فأمر الناس أن ينهضوا إليه، فتثاقلوا، فصعد المنبر، فانتهيت إليه وقد سبقيني بالتشهد وهو يقول: يا أهل الكوفة، كلما سمعتم بمنسر من مناسر أهل الشأم أظلكم وأغلق بابه انجحر كل امرىء منكم في بيته انجحار الضب في جحره والضبع في وجارها؛ المغرور من غررتموه، ولمن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب. لا أحرارٌ عند النداء، ولا إخوان ثقةٍ عند النجاء، إنا لله وإنا إليه راجعون! ماذا منيت به منكم! عميٌ لا تبصرون، وبكمٌ لا تنطقون، وصمٌّ لا تستمعون إنا لله وإنا إليه راجعون.
    رجع الحديث إلى حديث عوانة. قال: ووجه معاوية في هذه السنة سفيان بن عوف في ستة آلاف رجل، وأمره أن يأتي هيت فيقطعها، وأن يغير عليها، ثم يمضي حتى يأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها، فسار حتى أتى هيت فلم يجد بها أحدًا، ثم أتى الأنبار وبها مسلحة لعلي تكون خمسمائة رجل، وقد تفرقوا فلم يبق منهم إلا مائة رجل، فقاتلهم، فصبر لهم أصحاب علي مع قلتهم، ثم حملت عليهم الخيل والرجالة، فقتلوا صاحب المسلحة، وهو أشرس بن حسان البكري في ثلاثين رجلًا، واحتملوا ما كان في الأنبار من الأموال وأموال أهلها، ورجعوا إلى معاوية. وبلغ الخبر عليًا، فخرج حتى أتى النخيلة، فقال له الناس: نحن نكفيك؛ قال: ما تكفونني ولا أنفسكم؛ وسرح سعيد ابن قيس في أثر القوم، فخرج في طلبهم حتى جاز هيت، فلم يلحقهم فرجع.
    قال: وفيها وجه معاوية أيضًا عبد الله بن مسعدة الفزاري في ألف وسبعمائة رجل إلى تيماء، وأمره أن يصدق من مر به من أهل البوادي، وأن يقتل من امتنع من عطائه صدقة ماله، ثم يأتي مكة والمدينة والحجاز، يفعل ذلك، واجتمع إليه بشرٌ كثير من قومه، فلما بلغ ذلك عليًا وجه المسيب ابن نجبة الفزاري، فسار حتى لحق ابن مسعدة بتيماء، فاقتتلوا ذلك اليوم حتى زالت الشمس قتالًا شديدًا، وحمل المسيب على ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات، كل ذلك لا يلتمس قتله ويقول له: النجاء النجاء! فدخل ابن مسعدة وعامة من معه الحصن، وهرب الباقون نحو الشأم، وانتهب الأعراب إبل الصدقة التي كانت مع ابن مسعدة، وحصره ومن كان معه المسيب ثلاثة أيام، ثم ألقى الحطب على الباب، وألقى النيران فيه، حتى احترق، فلما أحسوا بالهلاك أشرفوا على المسيب فقالوا: يا مسيب، قومك! فرق لهم، وكره هلاكهم، فأمر بالنار فأطفئت، وقال لأصحابه: قد جاءتني عيون فأخبروني أن جندًا قد أقبل إليكم من الشأم، فانضموا في مكان واحد. فخرج ابن مسعدة في أصحابه ليلًا حتى لحقوا بالشأم، فقال له عبد الرحمن بن شبيب: سر بنا في طلبهم، فأبى ذلك عليه، فقال له: غششت أمير المؤمنين وداهنت في أمرهم.
    وفيها أيضًا وجه معاوية الضحاك بن قيس، وأمره أن يمر بأسفل واقصة، وأن يغير على كل من مر به ممن هو في طاعة علي من الأعراب، ووجه معه ثلاثة آلاف رجل، فسار فأخذ أموال الناس، وقتل من لقي من الأعراب، ومر بالثعلبية فأغار على مسالح علي، وأخذ أمتعتهم، ومضى حتى انتهى إلى القطقطانة، فأتى عمرو بن عميس بن مسعود، وكان في خيل لعلي وأمامه أهله، وهو يريد الحج، فأغار على من كان معه، وحبسه عن المسير، فلما بلغ ذلك عليًا سرح حجر بن عدي الكندي في أربعة آلاف، وأعطاهم خمسين خمسين، فلحق الضحاك بتدمر فقتل منهم تسعة عشر رجلًا، وقتل من أصحابه رجلان، وحال بينهم الليل، فهرب الضحاك وأصحابه، ورجع حجر ومن معه.
    وفيها سار معاوية بنفسه إلى دجلة حتى شارفها، ثم نكص راجعًا، ذكر ذلك ابن سعد، عن محمد بن عمر، قال: حدثني ابن جريج، عن ابن أبي مليكة قال: لما كانت سنة تسع وثلاثين أشرف عليها معاوية.
    وحدثني أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر مثله.
    واختلف فيمن حج بالناس في هذه السنة، فقال بعضهم: حج بالناس فيها عبيد الله بن عباس من قبل علي. وقال بعضهم: حج بهم عبد الله ابن عباس؛ فحدثني أبو زيد عمر بن شبة، قال: يقال إن عليًا وجه ابن عباس ليشهد الموسم ويصلي بالناس في سنة تسع وثلاثين، وبعث معاوية يزيد ابن شجرة الرهاوي.
    قال: وزعم أبو الحسن أن ذلك باطل، وأن ابن عباس لم يشهد الموسم في عمل حتى قتل علي رضي الله عنه؛ قال: والذي نازعه يزيد بن شجرة قشم ابن العباس، حتى إنهما اصطلحا على شيبة بن عثمان، فصلى بالناس سنة تسع وثلاثين.
    وكالذي حكيت عن أبي زيد عن أبي الحسن، قال أبو معشر في ذلك: حدثني بذلك أحمد بن ثابت الرازي، عمن حدثه، عن إسحاق بن عيسى عنه.
    وقال الواقدي: بعث علي على الموسم في سنة تسع وثلاثين عبيد الله بن عباس، وبعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي ليقيم للناس الحج، فلما اجتمعا بمكة تنازعا، وأبى كل واحد منهما أن يسلم لصاحبه، فاصطلحا على شيبة بن عثمان بن أبي طلحة.
    وكانت عمال عليٍّ في هذه السنة على الأمصار الذين ذكرنا أنهم كانوا عماله في سنة ثمان وثلاثين غير ابن عباس، كان شخص في هذه السنة عن عمله بالبصرة، واستخلف زيادًا - الذي كان يقول له: زياد بن أبيه - على الخراج، وأبا الأسود الدؤلي على القضاء.
    ذكر توجيه ابن عباس زيادا إلى فارس وكرمان

    وفي هذه السنة وجه ابن عباس زيادًا عن أمر علي إلى فارس وكرمان عند منصرفه من عند علي من الكوفة إلى البصرة.
    ذكر سبب توجيهه إياه إلى فارس
    حدثني عمر، قال: حدثنا علي؛ قال: لما قتل ابن الحضرمي واختلف الناس على علي، طمع أهل فارس وأهل كرمان في كسر الخراج، فغلب أهل كل ناحية على ما يليهم، وأخرجوا عمالهم.
    حدثني عمر، قال: حدثنا أبو القاسم، عن سلمة بن عثمان، عن علي بن كثير، أن عليًا استشار الناس في رجل يوليه فارس حين امتنعوا من أداء الخراج، فقال له جارية بن قدامة: ألا أدلك يا أمير المؤمنين على رجل صليب الرأي، عالم بالسياسة، كافٍ لما ولي؟ قال: من هو؟ قال: زياد؛ قال: هو لها؛ فولاه فارس وكرمان، ووجهه في أربعة آلاف، فدوخ تلك البلاد حتى استقاموا.
    حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن علي بن مجاهد، قال: قال الشعبي: لما انتقض أهل الجبال وطمع أهل الخراج في كسره، وأخرجوا سهل بن حنيف من فارس - وكان عاملًا عليها لعلي - قال ابن عباس لعلي: أكفيك فارس؛ فقدم ابن عباس البصرة، ووجه زيادًا إلى فارس في جمع كثير، فوطىء بهم أهل فارس، فأدوا الخراج.
    حدثني عمر، قال: حدثني أبو الحسن، عن أيوب بن موسى، قال: حدثني شيخٌ من أهل إصطخر قال: سمعت أبي يقول: أدركت زيادًا وهو أميرٌ على فارس وهي تضرم نارًا، فلم يزل بالمداراة حتى عادوا إلى ما كانوا عليه من الطاعة والاستقامة، لم يقف موقفًا للحرب، وكان أهل فارس يقولون: ما رأينا سيرةً أشبه بسيرة كسرى أنوشروان من سيرة هذا العربي في اللين والمداراة والعلم بما يأتي.
    قال: ولما قدم زياد فارس بعث إلى رؤسائها، فوعد من نصره ومناه، وخوف قومًا وتوعدهم، وضرب بعضهم ببعض، ودل بعضهم على عورة بعض، وهربت طائفة، وأقامت طائفة، فقتل بعضهم بعضًا، وصفت له فارس، فلم يلق فيها جمعًا ولا حربًا، وفعل مثل ذلك بكرمان، ثم رجع إلى فارس، فسار في كورها ومناهم، فسكن الناس إلى ذلك، فاستقامت له البلاد، وأتى إصطخر فنزلها وحصن قلعةً بها ما بين بيضاء إصطخر وإصطخر، فكانت تسمى قلعة زياد، فحمل إليها الأموال، ثم تحصن فيها بعد ذلك منصور اليشكري، فهي اليوم تسمى قلعة منصور.
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ثم دخلت سنة أربعين

    ذكر ما كان فيها من الأحداث

    فما كان فيها من ذلك توجيه معاوية بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى الحجاز.
    فذكر عن زياد بن عبد الله البكائي، عن عوانة، قال: أرسل معاوية ابن أبي سفيان بعد تحكيم الحكمين بسر بن أبي أرطاة - وهو رجلٌ من بني عامر بن لؤي في جيش - فساروا من الشأم حتى قدموا المدينة، وعامل علي على المدينة يومئذ أبو أيوب الأنصاري، ففر منهم أبو أيوب، فأتى عليًا بالكوفة، ودخل بسر المدينة؛ قال: فصعد منبرها ولم يقاتله بها أحد، فنادى على المنبر: يا دينار، ويا نجار، ويا زريق، شيخي شيخي! عهدي به بالأمس، فأين هو! يعني عثمان، ثم قال: يا أهل المدينة، والله لولا ما عهد إلي معاوية ما تركت بها محتلمًا إلا قتلته. ثم بايع أهل المدينة، وأرسل إلى بني سلمة، فقال: والله ما لكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله، فانطلق جابر إلى أم سلمة زوج النبي فقال لها: ماذا تريدين؟ إني قد خشيت أن أقتل، وهذه بيعة ضلالة، قالت: أرى أن تبايع، فإني قد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة أن يبايع، وأمرت ختني عبد الله بن زمعة - وكانت ابنتها زينب ابنة أبي سلمة عند عبد الله بن زمعة - فأتاه جابرٌ فبايعه، وهدم بسر دورًا بالمدينة، ثم مضى حتى أتى مكة، فخافه أبو موسى أن يقتله، فقال له بسر: ما كنت لأفعل بصاحب رسول الله ذلك؛ فخلى عنه، وكتب أبو موسى قبل ذلك إلى اليمن: إن خيلًا مبعوثةً من عند معاوية تقتل الناس، تقتل من أبى أن يقر بالحكومة. ثم مضى بسر إلى اليمن، وكان عليها عبيد الله بن عباس عاملًا لعلي، فلما بلغه مسيره فر إلى الكوفة حتى أتى عليًا، واستخلف عبد الله بن عبد المدان الحارثي على اليمن، فأتاه بسر فقتله وقتل ابنه، ولقي بسر ثقل عبيد الله بن عباس. وفيه ابنان له صغيران، فذبحهما. وقد قال بعض الناس: إنه وجد ابني عبيد الله بن عباس عند رجل من بني كنانة من أهل البادية، فلما أراد قتلهما قال الكناني: علام تقتل هذين ولا ذنب لهما! فإن كنت قاتلهما فاقتلني، قال: أفعل؛ فبدأ بالكناني فقتله، ثم قتلهما ثم رجع بسر إلى الشأم. وقد قيل: إن الكناني قاتل عن الطفلين حتى قتل، وكان اسم أحد الطفلين اللذين قتلهما بسر: عبد الرحمن، والآخر قشم. وقتل بسر في مسيره ذلك جماعةً كثيرةً من شيعة عليٍّ باليمن. وبلغ عليًا خبر بسر، فوجه جارية بن قدامة في ألفين، ووهب بن مسعود في ألفين، فسار جارية حتى أتى نجران فحرق بها، وأخذ ناسًا من شيعة عثمان فقتلهم، وهرب بسر وأصحابه منه، وأتبعهم حتى بلغ مكة، فقال لهم جارية: بايعونا؛ فقالوا: قد هلك أمير المؤمنين، فلمن نبايع؟ قال: لمن بايع له أصحاب علي، فتثاقلوا، ثم بايعوا. ثم سار حتى أتى المدينة وأبو هريرة يصلي بهم، فهرب منه، فقال جارية: والله لو أخذت أبا سنور لضربت عنقه، ثم قال لأهل المدينة: بايعوا الحسن بن علي؛ فبايعوه وأقام يومه، ثم خرج منصرفًا إلى الكوفة، وعاد أبو هريرة فصلى بهم.
    وفي هذه السنة - فيما ذكر - جرت بين عليٍّ وبين معاوية المهادنة - بعد مكاتبات جرت بينهما يطول بذكرها الكتاب - على وضع الحرب بينهما، ويكون لعليٍّ العراق ولمعاوية الشأم، فلا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غزو.
    قال زياد بن عبد الله؛ عن أبي إسحاق: لما لم يعط أحد الفريقين صاحبه الطاعة كتب معاوية إلى علي: أما إذا شئت فلك العراق ولي الشأم، وتكف السيف عن هذه الأمة، ولا تهريق دماء المسلمين؛ ففعل ذلك، وتراضيا على ذلك، فأقام معاوية بالشأم بجنوده يجبيها وما حولها، وعليٌّ بالعرق يجيبها ويقسمها بين جنوده.
    خروج ابن عباس من البصر إلى مكة

    وفيها خرج عبد الله بن العباس من البصرة ولحق مكة في قول عامة أهل السير، وقد أنكر ذلك بعضهم، وزعم أنه لم يزل بالبصرة عاملًا عليها من قبل أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام حتى قتل، وبعد مقتل علي حتى صالح الحسن معاوية، ثم خرج حينئذ إلى مكة.
    ذكر الخبر عن سبب شخوصه إلى مكة وتركه العراق
    حدثني عمر بن شبة، قال: حدثني جماعة عن أبي مخنف، عن سليمان ابن أبي راشد، عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود، قال: مر عبد الله بن عباس على أبي الأسود الدؤلي، فقال: لو كنت من البهائم كنت جملًا، ولو كنت راعيًا ما بلغت من المرعى، ولا أحسنت مهنته في المشي. قال: فكتب أبو الأسود إلى علي:
    أما بعد، فإن الله جل وعلا جعلك واليًا مؤتمنًا، وراعيًا مستوليًا، وقد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة، ناصحًا للرعية، توفر لهم فيئهم، وتظلف نفسك عن دنياهم، فلا تأكل أموالهم، ولا ترتشي في أحكامهم. وإن ابن عمك قد أكل ما تحت يديه بغير علمك، فلم يسعني كتمانك ذلك، فانظر رحمك الله فيما هناك، واكتب إلي برأيك فيما أحببت أنته إليك. والسلام.
    فكتب إليه علي: أما بعد، فمثلك نصح الإمام والأمة، وأدى الأمانة، ودل على الحق، وقد كتبت إلى صاحبك فيما كتبت إلي فيه من أمره، ولم أعلمه أنك كتبت، فلا تدع إعلامي بما يكون بحضرتك مما النظر فيه للأمة صلاحٌ، فإنك بذلك جدير، وهو حقٌّ واجب عليك؛ والسلام.
    وكتب إلى ابن عباس في ذلك، فكتب إليه ابن عباس: أما بعد، فإن الذي بلغك باطل، وإني لما تحت يدي ضابط قائم له وله حافظ، فلا تصدق الظنون؛ والسلام.
    قال: فكتب إليه علي: أما بعد، فأعلمني ما أخذت من الجزية، ومن أين أخذت؟ وفيم وضعت؟ قال: فكتب إليه ابن عباس: أما بعد، فقد فهمت تعظيمك مرزأة ما بلغك أن رزأته من مال أهل هذا البلد، فابعث إلى عملك من أحببت، فإني ظاعنٌ عنه. والسلام.
    ثم دعا ابن عباس أخواله بني هلال بن عامر، فجاءه الضحاك بن عبد الله وعبد الله بن رزين بن أبي عمر والهلاليان، ثم اجتمعت معه قيس كلها فحمل مالًا.
    قال أبو زيد: قال أبو عبيدة: كانت أرزاقًا قد اجتمعت، فحمل معه مقدار ما اجتمع له، فبعثت الأخماس كلها، فلحقوه بالطف، فتواقفوا يريدون أخذ المال، فقالت قيس: والله لا يوصل إلى ذلك وفينا عينٌ تطرف. وقال صبرة بن شيمان الحداني: يا معشر الأزد، والله إن قيسًا لإخواننا في الإسلام، وجيراننا في الدار، وأعواننا على العدو، وإن الذي يصيبكم من هذا المال لو رد عليكم لقليل، وهم غدًا خيرٌ لكم من المال. قالوا: فما ترى؟ قال: انصرفوا عنهم ودعوهم، فأطاعوه فانصرفوا؛ فقالت بكر وعبد القيس: نعم الرأي رأي صبرة لقومه، فاعتزلوا أيضًا، فقالت بنو تميم: والله لا نفارقهم؛ نقاتلهم عليه. فقال الأحنف: قد ترك قتالهم من هو أبعد منكم رحمًا؛ فقالوا: والله لنقاتلنهم؛ فقال: إذًا لا أساعدكم عليهم، فاعتزلهم؛ قال: فرأسوا عليهم ابن المجاعة من بني تميم، فقاتلوهم، وحمل الضحاك على ابن المجاعة فطعنه، واعتنقه عبد الله بن رزين، فسقطا إلى الأرض يعتركان، وكثرت الجراح فيهم، ولم يكن بينهم قتيل؛ فقالت الأخماس: ما صنعنا شيئًا، اعتزلناهم وتركناهم يتحاربون، فضربوا وجوه بعضهم عن بعض، وقالوا لبني تميم: لنحن أسخى منكم أنفسًا حين تركنا هذا المال لبني عمكم، وأنتم تقاتلونهم عليه، إن القوم قد حملوا وحموا، فخلوهم، وإن أحببتم فانصرفوا. ومضى ابن عباس ومعه نحو من عشرين رجلًا حتى قدم مكة.
    وحدثني أبو زيد، قال: زعم أبو عبيدة - ولم أسمعه منه - أن ابن عباس لم يبرح من البصرة حتى قتل علي رضي الله عنه، فشخص إلى الحسن، فشهد الصلح بينه وبين معاوية، ثم رجع إلى البصرة وثقله بها، فحمله ومالًا من بيت المال قليلًا؛ وقال: هي أرزاقي.
    قال أبو زيد: ذكرت ذلك لأبي الحسن فأنكره، وزعم أن عليًا قتل وابن عباس بمكة، وأن الذي شهد الصلح بين الحسن ومعاوية عبيد الله بن عباس.
    ذكر الخبر عن مقتل علي بن أبي طالب

    وفي هذه السنة قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واختلف في وقت قتله، فقال أبو معشر ما حدثني به أحمد بن ثابت، قال: حدثت عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، قال: قتل علي في شهر رمضان يوم الجمعة لسبع عشرة خلت منه سنة أربعين، وكذلك قال الواقدي، حدثني بذلك الحارث، عن ابن سعد عنه، وأما أبو زيد فحدثني عن علي بن محمد أنه قال: قتل علي بن أبي طالب بالكوفة يوم الجمعة لإحدى عشرة. قال: ويقال: لثلاث عشرة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين. قال: وقد قيل في شهر ربيع الآخر سنة أربعين.
    ذكر الخبر عن سبب قتله ومقتله
    حدثني موسى بن عثمان بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا عبد الرحمن الحراني أبو عبد الرحمن، قال: أخبرنا إسماعيل بن راشد، قال: كان من حديث ابن ملجم وأصحابه أن ابن ملجم والبرك بن عبد الله وعمرو بن بكر التميمي اجتمعوا، فتذاكروا أمر الناس، وعابوا على ولاتهم، ثم ذكروا أهل النهر، فترحموا عليهم، وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئًا! إخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم، والذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم، فأرحنا منهم البلاد، وثأرنا بهم إخواننا! فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم علي بن أبي طالب - وكان من أهل مصر - وقال البرك بن عبد الله: أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان؛ وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص. فتعاهدوا وتواثقوا بالله لا ينكص رجل منا عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه. فأخذوا أسيافهم، فسموها، واتعدوا لسبع عشرة تخلو من رمضان أن يثب كل واحد منهم على صاحبه الذي توجه إليه، وأقبل كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه الذي يطلب.
    فأما ابن ملجم المرادي فكان عداده في كندة، فخرج فلقي أصحابه بالكوفة، وكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئًا من أمره، فإنه رأى ذات يوم أصحابًا من تيم الرباب - وكان عليٌّ قتل منهم يوم النهر عشرةً - فذكروا قتلاهم، ولقي من يومه ذلك امرأةً من تيم الرباب يقال لها: قطام ابنة الشجنة - وقد قتل أباها وأخاها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال - فلما رآها التبست بعقله، ونسي حاجته التي جاء لها؛ ثم خطبها، فقالت: لا أتزوجك حتى تشفى لي قال: وما يشفيك؟ قالت: ثلاث آلاف وعبد وقينة وقتل علي بن أبي طالب، قال: هو مهرٌ لك، فأما قتل عليٍّ فلا أراك ذكرته لي وأنت تريديني! قالت: بلى، التمس غرته، فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي، ويهنئك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خيرٌ من الدنيا وزينتها وزينة أهلها؛ قال: فوالله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي، فلك ما سالت. قالت: إني أطلب لك من يسند ظهرك، ويساعدك على أمرك، فبعثت إلى رجل من قومها من تيم الرباب يقال له: وردان فكلمته فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلًا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما ذاك؟ قال: قتل علي بن أبي طالب؛ قال: ثكلتك أمك! لقد جئت شيئًا إدًا، كيف تقدر على علي! قال: أكمن له في المسجد، فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا، وأدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عند الله خيرٌ من الدنيا وما فيها. قال: ويحك! لو كان غير عليٍّ لكان أهون علي، قد عرفت بلاءه في الإسلام، وسابقته مع النبي وما أجدني أن أنشرح لقتله. قال: أما تعلم أنه قتل أهل النهر العباد الصالحين! قال: بلى، قال: فنقتله بمن قتل من إخواننا، فأجابه - فجاءوا قطام - وهي في المسجد الأعظم معتكفة - فقالوا لها: قد أجمع رأينا على قتل علي؛ قالت: فإذا أردتم ذلك فأتوني، ثم عاد إليها ابن ملجم في ليلة الجمعة التي قتل في صبيحتها علي سنة أربعين - فقال: هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبي أن يقتل كل منا صاحبه، فدعت لهم بالحرير فعصبتهم به، وأخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فلما خرج ضربه شبيبٌ بالسيف. فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطاق، وضربه ابن ملجم في قرنه بالسيف، وهرب وردان حتى دخل منزله، فدخل عليه رجل من بني أبيه وهو ينزع الحرير عن صدره، فقال: ما هذا الحرير والسيف؟ فأخبره بما كان وانصرف فجاء بسيفه فعلا به وردان حتى قتله، وخرج شبيب نحو أبواب كندة في الغلس، وصاح الناس، فلحقه رجل من حضرموت يقال له عويمر، وفي يد شبيب السيف، فأخذه، وجثم عليه الحضرمي، فلما رأى الناس قد أقبلوا في طلبه، وسيف شبيب في يده، خشي على نفسه، فتركه، ونجا شبيب في غمار الناس، فشدوا على ابن ملجم فأخذوه، إلا أن رجلًا من همدان يكنى أبا أدماء أخذ سيفه فضرب رجله، فصرعه، وتأخر علي، ورفع في ظهره جعدة بن هبيرة بن أبي وهب، فصلى بالناس الغداة، ثم قال علي: علي بالرجل، فأدخل عليه، ثم قال: أي عدو الله، ألم أحسن إليك! قال: بلى، قال: فما حملك على هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحًا، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه؛ فقال رضي الله عنه: لا أراك إلا مقتولًا به، ولا أراك إلا من شر خلقه.
    وذكروا أن ابن ملجم قال قبل أن يضرب عليًا - وكان جالسًا في بني بكر ابن وائل إذ مر عليه بجنازة أبجر بن جابر العجلي أبي حجار، وكان نصرانيًا، والنصارى حوله، وأناس مع حجار لمنزلته فيهم يمشون في جانب وفيهم شقيق ابن ثور - فقال ابن ملجم: ما هؤلاء؟ فأخبر الخبر، فأنشأ يقول:


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    لئن كان حجار بن أبجر مسلمًا ** لقد بوعدت منه جنازة أبجر
    وإن كان حجار بن أبجر كافرًا ** فما مثل هذا من كفورٍ بمنكر
    أترضون هذا أن قيسًا ومسلمًا ** جميعًا لدى نعشٍ، فيا قبح منظر!
    فلولا الذي أنوي لفرقت جمعهم ** بأبيض مصقول الدياس مشهر
    ولكنني أنوي بذاك وسيلةً ** إلى الله أو هذا فخذ ذاك أو ذر
    وذكر أن محمد بن الحنفية، قال: كنت والله إني لأصلي تلك الليلة التي ضرب فيها علي في المسجد الأعظم، في رجال كثير من أهل المصر، يصلون قريبًا من السدة، ما هم إلا قيام وركوعٌ وسجود، وما يسأمون من أول الليل إلى آخره، إذ خرج علي لصلاة الغداة، فجعل ينادي: أيها الناس، الصلاة الصلاة! فما أدري أخرج من السدة فتكلم بهذه الكلمات أم لا! فنظرت إلى بريق، وسمعت: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك، فرأيت سيفًا، ثم رأيت ثانيًا، ثم سمعت عليًا يقول: لا يفوتنكم الرجل، وشد الناس عليه من كل جانب. قال: فلم أبرح حتى أخذ ابن ملجم وأدخل على علي، فدخلت فيمن دخل من الناس، فسمعت عليًا يقول: النفس بالنفس، إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي.؟ وذكر أن الناس دخلوا على الحسن فزعين لما حدث من أمر علي، فبينما هم عنده وابن ملجم مكتوفٌ بين يديه، إذ نادته أم كلثوم بنت علي وهي تبكي: أي عدو الله، لا بأس على أبي، والله مخزيك! قال: فعلى من تبكين؟ والله لقد اشتريته بألف، وسممته بألف، ولو كانت هذه الضربة على جميع أهل المصر ما بقي منهم أحد.
    وذكر أن جندب بن عبد الله دخل على علي فسأله، فقال: يا أمير المؤمنين، إن فقدناك - ولا نفقدك - فنبايع الحسن؟ فقال: ما آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر. فرد عليه مثلها، فدعا حسنًا وحسينًا، فقال: أوصيكما بتقوى الله، وألا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تبكيا على شيء زوي عنكما، وقولا الحق، وارحما اليتيم، وأغيثا الملهوف، واصنعا للآخرة، وكونا للظالم خصمًا، وللمظلوم ناصرًا، واعملا بما في الكتاب، ولا تأخذ كما في الله لومة لائم. ثم نظر إلى محمد بن الحنفية، فقال: هل حفظت ما أوصيت به أخويك؟ قال: نعم، قال: فإني أوصيك بمثله، وأوصيك بتوقير أخويك، لعظيم حقهما عليك، فاتبع أمرهما، ولا تقطع أمرًا دونهما. ثم قال: أوصيكما به، فإنه شقيقكما، وابن أبيكما، وقد علمتما أن أباكما كان يحبه. وقال للحسن: أوصيك أي بني بتقوى الله، وإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة عند محلها، وحسن الوضوء، فإنه لا صلاة إلا بطهور، ولا تقبل صلاة من مانع زكاة، وأوصيك بغفر الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عند الجهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش.
    فلما حضرته الوفاة أوصى، فكانت وصيته:
    بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين؛ ثم أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي بتقوى الله ربكم، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، فإني سمعت أبا القاسم يقول: " إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام "! انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب، الله الله في الأيتام، فلا تعنوا أفواههم، ولا يضيعن بحضرتكم. والله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم ، ما زال يوصي به حتى ظننا أنه سيورثه. والله الله في القرآن؛ فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم. والله الله في بيت ربكم فلا تخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم يناظر، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، والله الله في الزكاة، فإنها تطفىء غضب الرب، والله الله في ذمة نبيكم، فلا يظلمن بين أظهركم، والله الله في أصحاب نبيكم، فإن رسول الله أوصى بهم، والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم. الصلاة الصلاة لا تخافن في الله لومة لائم، يكفيكم من أرادكم وبغى عليكم. وقولوا للناس حسنًا كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى الأمر شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم. وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب. حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيكم. أستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله.
    ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض رضي الله عنه، وذلك في شهر رمضان سنة أربعين، وغسله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، وكبر عليه الحسن تسع تكبيرات، ثم ولي الحسن ستة أشهر.
    وقد كان عليٌّ نهى الحسن عن المثلة، وقال: يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين، تقولون: قتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين! ألا لا يقتلن إلا قاتلي. انظر يا حسن، إن أنامت من ضربته هذه فاضربه ضربةً بضربة، ولا تمثل بالرجل، فإني سمعت رسول الله : يقول: " إياكم والمثلة، ولو أنها بالكلب العقور ". فلما قبض رضي الله عنه بعث الحسن إلى ابن ملجم، فقال للحسن: هل لك في خصلة؟ إني والله ما أعطيت الله عهدًا إلا وفيت به، إني كنت قد أعطيت الله عهدًا عند الحطيم أن أقتل عليًا ومعاوية أو أموت دونهما، فإن شئت خليت بيني وبينه، ولك الله علي إن لم أقتل - أو قتلته ثم بقيت - أن آتيك حتى أضع يدي في يدك. فقال له الحسن: أما والله حتى تعاين النار فلا. ثم قدمه فقتله، ثم أخذه الناس فأدرجوه في بواري، ثم أحرقوه بالنار.
    وأما البرك بن عبد الله فإنه في تلك الليلة التي ضرب فيها عليٌّ قعد لمعاوية، فلما خرج ليصلي الغداة شد عليه بسيفه، فوقع السيف في أليته، فأخذ، فقال: إن عندي خيرًا أسرك به، فإن أخبرتك فنافعي ذلك عندك؟ قال: نعم؛ قال: إن أخًا لي قتل عليًا في مثل هذه الليلة، قال: فلعله لم يقدر على ذلك! قال: بلى، إن عليًا يخرج ليس معه من يحرسه؛ فأمر به معاوية فقتل. وبعث معاوية إلى الساعدي - وكان طبيبًا - فلما نظر إليه قال: اختر إحدى خصلتين: إما أن أحمي حديدةً فأضعها موضع السيف، وإما أن أسقيك شربةً تقطع منك الولد، وتبرأ منها، فإن ضربتك مسمومة، فقال معاوية: أما النار فلا صبر لي عليها، وأما انقطاع الولد فإن في يزيد وعبد الله ما تقر به عيني. فسقاه تلك الشربة فبرأ، ولم يولد له بعدها، وأمر معاوية عند ذلك بالمقصورات وحرس الليل وقيام الشرطة على رأسه إذا سجد.
    وأما عمرو بن بكر فجلس لعمرو بن العاص تلك الليلة، فلم يخرج، وكان اشتكى بطنه، فأمر خارجة بن حذافة، وكان صاحب شرطته، وكان من بني عامر بن لؤي، فخرج ليصلي، فشد عليه وهو يرى أنه عمرو، فضربه فقتله، فأخذه الناس، فانطلقوا به إلى عمرو يسلمون عليه بالإمرة، فقال: من هذا؟ قالوا: عمرو؛ قال: فمن قتلت؟ قالوا: خارجة بن حذافة، قال: أما والله يا فاسق ما ظننته غيرك، فقال عمرو: أردتني وأراد الله خارجة، فقدمه عمرو فقتله، فبلغ ذلك معاوية، فكتب إليه:
    وقتلٌ وأسباب المنايا كثيرةٌ ** منية شيخٍ من لؤي بن غالب
    فيا عمرو مهلًا إنما أنت عمه ** وصاحبه دون الرجال الأقارب
    نحوت وقد بل المرادي سيفه ** من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
    ويضربني بالسيف آخر مثله ** فكانت علينا تلك ضربة لازب
    وأنت تناغي كل يوم وليلةٍ ** بمصرك بيضًا كالظباء السوارب
    ولما انتهى إلى عائشة قتل علي - رضي الله عنه - قالت:
    فألقت عصاها واستقرت بها النوى ** كما قر عينًا بالإياب المسافر
    فمن قتله؟ فقيل: رجل من مراد؛ فقالت:
    فإن يك نائيًا فلقد نعاه ** غلامٌ ليس في فيه التراب
    فقالت زينب ابنة أبي سلمة: ألعلي تقولين هذا؟ فقالت: إني أنسى، فإذا نسيت فذكروني. وكان الذي ذهب بنعيه سفيان بن عبد شمس بن أبي وقاص الزهري. وقال ابن أبي مياس المرادي في قتل علي:
    ونحن ضربنا يا لك الخير حيدرًا ** أبا حسنٍ مأمومةً فتفطرا
    ونحن خلعنا ملكه من نظامه ** بضربة سيفٍ إذعلا وتجبرا
    ونحن كرامٌ في الصباح أعزةٌ ** إذا الموت بالموت ارتدى وتأزرا
    وقال أيضًا:
    ولم أر مهرًا ساقه ذو سماحةٍ ** كمهر قطامٍ من فصيحٍ وأعجم
    ثلاثة آلافٍ وعبدٌ وقينةٌ ** وضرب علي بالحسام المصمم
    فلا مهر أغلى من عليٍّ وإن غلا ** ولا قتل إلا دون قتل ابن ملجم
    وقال أبو الأسود الدؤلي:
    ألا أبلغ معاوية بن حربٍ ** فلا قرت عيون الشامتينا
    أفي شهر الصيام فجعتمونا ** بخير الناس طرًا أجمعينا!
    قتلتم خير من ركب المطايا ** ورحلها ومن ركب السفينا
    ومن لبس النعال ومن حذاها ** ومن قرأ المثاني والمبينا
    إذا استقبلت وجه أبي حسينٍ ** رأيت البدر راع الناظرينا
    لقد علمت قريشٌ حيث كانت ** بأنك خيرها حسبًا ودينا
    واختلف في سنه يوم قتل، فقال بعضهم: قتل وهو ابن تسع وخمسين سنة.
    وحدثت عن مصعب بن عبد الله، قال: كان الحسن بن علي يقول: قتل أبي وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
    وحدثنا عن بعضهم، قال: قتل وهو ابن خمس وستين سنة.
    وحدثني أبو زيد، قال: حدثني أبو الحسن، قال: حدثني أيوب بن عمر بن أبي عمرو، عن جعفر بن محمد، قال: قتل عليٌّ وهو ابن ثلاث وستين سنة. قال: وذلك أصح ما قيل فيه.
    حدثني عمر، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، قال: قتل علي رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين سنة.
    وقال هشام: ولي عليٌّ وهو ابن ثمان وخمسين سنة وأشهر؛ وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر، ثم قتله ابن ملجم - واسمه عبد الرحمن ابن عمرو - في رمضان لسبع عشرة مضت منه، وكانت ولايته أربع سنين وتسعة أشهر، وقتل سنة أربعين وهو ابن ثلاث وستين سنة.
    وحدثني الحارث، قال: حدثني ابن سعد، عن محمد بن عمر، قال: قتل علي رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين سنة صبيحة ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين، ودفن عند مسجد الجماعة في قصر الإمارة.
    حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: ضرب علي رضي الله عنه ليلة الجمعة، فمكث يوم الجمعة وليلة السبت، وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين وهو ابن ثلاث وستين سنة.
    وحدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا علي بن عمر وأبو بكر السبري، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: سمعت محمد بن الحنفية يقول سنة الجحاف حين دخلت سنة إحدى وثمانين هذه ولي خمسٌ وستون سنة، قد جاوزت سن أبي؛ قيل: وكم كانت سنه يوم قتل؟ قال: قتل وهو ابن ثلاث وستين سنة.
    وقال الحارث: قال ابن سعد: قال محمد بن عمر كذلك، وهو الثبت عندنا.


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ذكر الخبر عن قدر مدة خلافته

    حدثني أحمد بن ثابت، قال: حدثت عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، قال: كانت خلافة علي خمس سنين إلا ثلاثة أشهر.
    وحدثني الحارث، قال: حدثني ابن سعد قال: قال محمد بن عمر: كانت خلافة علي خمس سنين إلا ثلاثة أشهر.
    حدثني أبو زيد، قال: قال أبو الحسن: كانت ولاية علي أربع سنين وتسعة أشهر، ويومًا أو غير يوم.
    ذكر الخبر عن صفته

    حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي، قلت: ما كانت صفة علي رضي الله عنه؟ قال: رجلٌ آدم شديد الأدمة ثقل العينين عظيمهما، ذو بطن، أصلع، هو إلى القصر أقرب.
    ذكر نسبه عليه السلام

    هو علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
    ذكر الخبر عن أزواجه وأولاده

    فأول زوجةٍ تزوجها فاطمة بنت رسول الله ، ولم يتزوج عليها حتى توفيت عنده، وكان لها منه من الولد: الحسن والحسين، ويذكر أنه كان لها منه ابنٌ آخر يسمى محسنًا توفي صغيرًا، وزينب الكبرى، وأم كلثوم الكبرى.
    ثم تزوج بعد أم البنين بنت حزام - وهو أبو المجل بن خالد بن ربيعة ابن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب - فولد لها منه العباس، وجعفر، وعبد الله، وعثمان، قتلوا مع الحسين رضي الله عنه بكربلاء، ولا بقية لهم غير العباس.
    وتزوج ليلى ابنة مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمي بن جندل ابن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، فولدت له عبيد الله وأبا بكر. فزعم هشام بن محمد أنهما قتلا مع الحسين بالطف. وأما محمد بن عمر فإنه زعم أن عبيد الله بن علي قتله المختار بن أبي عبيد بالمذار، وزعم أنه لا بقية لعبيد الله ولا لأبي بكر ابني علي رضي الله عنه.
    وتزوج أسماء ابنة عميس الخثعمية، فولدت له - فيما حدثت عن هشام بن محمد - يحيى ومحمدًا الأصغر، وقال: لا عقب لهما.
    وأما الواقدي فإنه قال فيما حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا الواقدي أن أسماء ولدت لعليٍّ يحيى وعونًا ابني علي. ويقول بعضهم: محمد الأصغر لأم ولد، وكذلك قال الواقدي في ذلك؛ وقال: قتل محمد الأصغر مع الحسين.
    وله من الصهباء - وهي أم حبيب بنت ربيعة بن بجير بن العبد بن علقمة ابن الحارث بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن مرو ابن غنم بن تغلب بن وائل، وهي أم ولد من السبي الذين أصابهم خالد ابن الوليد حين أغار على عين التمر على بني تغلب بها - عمر بن علي، ورقية ابنة علي، فعمر عمر بن علي حتى بلغ خمسًا وثمانين سنة، فحاز نصف ميراث علي رضي الله عنه، ومات بينبع.
    وتزوج أمامة بنت أبي العاصي بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس ابن عبد مناف، وأمها زينب بنت رسول الله ، فولدت له محمدًا الأوسط.
    وله محمد بن علي الأكبر، الذي يقال له: محمد بن الحنفية، أمه خولة ابنة جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول ابن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، توفي بالطائف فصلى عليه ابن عباس.
    وتزوج أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي، فولدت له أم الحسن ورملة الكبرى.
    وكان له بنات من أمهات شتى لم يسم لنا أسماء أمهاتهن؛ منهن أم هانىء، وميمونة، وزينب الصغرى، ورملة الصغرى، وأم كلثوم الصغرى وفاطمة، وأمامة، وخديجة، وأم الكرام، وأم سلمة، وأم جعفر، وجمانة، ونفيسة بنات علي رضي الله عنه؛ أمهاتهن أمهات أولادٍ شتى.
    وتزوج محياة ابنة امرىء القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب ابن عليم من كلب، فولدت له جارية، هلكت وهي صغيرة. قال الواقدي: كانت تخرج إلى المسجد وهي جارية فيقال لها: من أخوالك؟ فتقول وه، وه - تعني كلبًا.
    فجميع ولد علي لصلبه أربعة عشر ذكرًا، وسبع عشرة امرأة.
    حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد عن الواقدي، قال: كان النسل من ولد علي الخمسة: الحسن، والحسين، ومحمد بن الحنفية، والعباس بن الكلابية، وعمر بن التغلبية.
    ذكر ولاته

    وكان واليه على البصرة في هذه السنة عبد الله بن العباس، وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في ذلك، وإليه كانت الصدقات والجند والمعاون أيام ولايته كلها، وكان يستخلف بها إذا شخص عنها على ما قد بينت قبل.
    وكان على قضائها من قبل علي أبو الأسود الدؤلي، وقد ذكرت ما كان من توليته زيادًا عليها، ثم إشخاصه إياه إلى فارس لحربها وخراجها، فقتل وهو بفارس، وعلى ما كان وجهه عليه.
    وكان عامله على البحرين وما يليها واليمن ومخاليفها عبدي الله بن العباس، حتى كان من أمره وأمر بسر بن أبي أرطاة ما قد مضى ذكره.
    وكان عامله على الطائف ومكة وما اتصل بذلك قثم بن العباس.
    وكان عامله على المدينة أبو أيوب الأنصاري، وقيل: سهل بن حنيف، حتى كان من أمره عند قدوم بسر ما قد ذكر قبل.
    ذكر بعض سيره عليه السلام

    حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا وهب، قال: أخبرني ابن أبي ذئب، عن عباس بن الفضل مولى بني هاشم، عن أبيه، عن جده ابن أبي رافع، أنه كان خازنًا لعلي رضي الله عنه على بيت المال، قال: فدخل يومًا وقد زينت ابنته، فرأى عليها لؤلؤةً من بيت المال قد كان عرفها، فقال: من أين لها هذه؟ لله علي أن أقطع يدها؛ قال: فلما رأيت جده في ذلك قلت: أنا والله يا أمير المؤمنين زينت بها ابنة أخي، ومن أين كانت تقدر عليها لو لم أعطها! فسكت.
    حدثني إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن ناجية القرشي، عن عمه يزيد بن عدي بن عثمان، قال: رأيت عليًا رضي الله عنه خارجًا من همدان، فرأى فئتين يقتتلان، ففرق بينهما، ثم مضى فسمع صوتًا. يا غوثا بالله! فخرج يحضر نحوه حتى سمعت خفق نعله وهو يقول: أتاك الغوث؛ فإذا رجل يلازم رجلًا، فقال: يا أمير المؤمنين، بعت هذا ثوبًا بتسعة دراهم، وشرطت عليه ألا يعطيني مغموزًا ولا مقطوعًا - وكان شرطهم يومئذ - فأتيته بهذه الدراهم ليبدلها لي فأبى، فلزمته فلطمني، فقال: أبد له؛ فقال: بينتك على اللطمة؛ فأتاه بالبينة، فأقعده ثم قال: دونك فاقتص؛ فقال: إني قد عفوت يا أمير المؤمنين، قال: إنما أردت أن أحتاط في حقك، ثم ضرب الرجل تسع درأت، وقال: هذا حق السلطان.
    حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الأصبهاني، قال: حدثنا المسعودي، عن ناجية، عن أبيه، قال: كنا قيامًا على باب القصر، إذ خرج عليٌّ علينا، فلما رأيناه تنحينا عن وجهه هيبةً له، فلما جاز صرنا خلفه، فبينا هو كذلك إذ نادى رجل يا غوثا بالله! فإذا رجلان يقتتلان، فلكز صدر هذا وصدر هذا، ثم قال لهما: تنحيا، فقال أحدهما: يا أمير المؤمنين، إن هذا اشترى مني شاةً، وقد شرطت عليه ألا يعطيني مغموزًا ولا محذفًا، فأعطاني درهمًا مغموزًا، فرددته عليه فلطمني؛ فقال للآخر: ما تقول؟ قال: صدق يا أمير المؤمنين، قال: فأعطه شرطه، ثم قال للاطم: اجلس، وقال للملطوم: اقتص. قال: أو أعفو يا أمير المؤمنين؟ قال: ذاك إليك؛ قال: فلما جاز الرجل قال علي: يا معشر المسلمين، خذوه؛ قال: فأخذوه، فحمل على ظهر رجل كما يحمل صبيان الكتاب، ثم ضربه خمس عشرة درة، ثم قال: هذا نكالٌ لما انتهكت من حرمته.
    حدثني ابن سنان القزاز، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سكين ابن عبد العزيز، قال: أخبرنا حفص بن خالد، قال: حدثني أبي خالد بن جابر قال: سمعت الحسن يقول: لما قتل علي رضي الله عنه وقد قام خطيبًا، فقال: لقد قتلتم الليلة رجلًا في ليلة فيها نزل القرآن، وفيها رفع عيسى بن مريم عليه السلام، وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى عليهما السلام. والله ما سبقه أحد كان قبله، ولا يدركه أحد يكون بعده، واله إن كان رسول الله ليبعثه في السرية وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، والله ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا ثمانمائة - أو سبعمائة - أرصدها لخادمه.
    ذكر بيعة الحسن بن علي

    وفي هذه السنة - أعني سنة أربعين - بويع للحسن بن علي رضي الله عنه بالخلافة؛ وقيل: إن أول من بايعه قيس بن سعد، قال له: ابسط يدك أبايعك على كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه، وقتال المحلين؛ فقال له الحسن رضي الله عنه: على كتاب الله وسنة نبيه؛ فإن ذلك يأتي من وراء كل شرط؛ فبايعه وسكت، وبايعه الناس.
    وحدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سليمان، قال: حدثا عبد الله، عن يونس، عن الزهري، قال: جعل علي رضي الله عنه قيس بن سعد على مقدمته من أهل العراق إلى قبل أذربيجان، وعلى أرضها وشرطة الخميس الذي ابتدعه من العرب، وكانوا أربعين ألفًا، بايعوا عليًا رضي الله عنه على الموت، ولم يزل قيس يدارىء ذلك البعث حتى قتل علي رضي الله عنه؛ واستخلف أهل العراق الحسن بن علي رضي الله عنه على الخلافة، وكان الحسن لا يرى القتال، ولكنه يريد أن يأخذ لنفسه ما استطاع من معاوية، ثم يدخل في الجماعة، وعرف الحسن أن قيس بن سعد لا يوافقه على رأيه، فنزعه وأمر عبيد الله بن عباس، فلما علم عبد الله بن عباس بالذي يريد الحسن رضي الله عنه أن يأخذه لنفسه كتب إلى معاوية يسأله الأمان، ويشترط لنفسه على الأموال التي أصابها، فشرط ذلك له معاوية.
    وحدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن الحراني الخزاعي أبو عبد الرحمن، قال: حدثنا إسماعيل بن راشد، قال: بايع الناس الحسن بن علي رضي الله عنه بالخلافة، ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن، وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفًا، وأقب معاوية في أهل الشأم حتى نزل مسكن، فبينا الحسن في المدائن إذ نادى منادٍ في العسكر: ألا إن قيس بن سعد قد قتل، فانفروا، فنفروا ونهبوا سرادق الحسن رضي الله عنه حتى نازعوه بساطًا كان تحته، وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن، وكان عم المختار بن أبي عبيد عاملًا على المدائن، وكان اسمه سعد بن مسعود، فقال له المختار وهو غلام شاب: هل لك في الغنى والشرف؟ قال: وما ذاك؟ قال: توثق الحسن، وتستأمن به إلى معاوية، فقال له سعد: عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت رسول الله فأوثقه! بئس الرجل أنت! فلما رأى الحسن رضي الله عنه تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح، وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر وعبد الرحمن ابن سمرة بن حبيب بن عبد شمس، فقدما على الحسن بالمدائن، فأعطياه ما أراد، وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها. ثم قام الحسن في أهل العراق فقال: يا أهل العراق، إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي.
    ودخل الناس في طاعة معاوية، ودخل معاوية الكوفة، فبايعه الناس.

  • صفحة 6 من 27 الأولىالأولى ... 4567816 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 9 (0 من الأعضاء و 9 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 50
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 06:18 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 30
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:57 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1