صفحة 6 من 28 الأولىالأولى ... 4567816 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 24 من 110

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء التاسع)


  1. #21
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ثم دخلت سنة ثلاثين ومائتين

    ذكر خبر الخبر عما كان فيها من الأحداث

    ذكر مسير بغا إلى الأعراب بالمدينة

    فمن ذلك ما كان من توجيه الواثق بغا الكبير إلى الأعراب الذين عاثوا بالمدينة وما حواليها.
    ذكر الخبر عن ذلك
    ذكر أن بدء ذلك كان أن بني سليم كانت تطاول على الناس حول المدينة بالشر وكانوا إذا وردوا سوقًا من أسواق الحجاز أخذوا سعرها كيف شاءوا، ثم ترقى بهم الأمر إلى أن أوقعوا بالحجاز بناس من بني كنانة وبأهلة، فأصابوهم وقتلوا بعضهم، وذلك في جمادى الآخرة في سنة ثلاثين ومائتين، وكان رأسهم عزيزة بن قطاب السلمي. فوجه إليهم محمد بن صالح بن العباس الهاشمي؛ وهو يومئذ عامل المدينة؛ مدينة الرسول حماد بن جرير الطبري - وكان الواثق وجه حمادًا مسلحةً للمدينة لئلا يتطرقها الأعراب، في مائتي فارس من الشاكرية - فتوجه إليهم حماد في جماعة من الجند ومن تطوع للخروج من قريش والأنصار ومواليهم وغيرهم من أهل المدينة؛ فار إليهم فلقيته طلائعهم. وكانت بنو سليم كارهة للقتال، فأمر حماد بن جرير بقتالهم، وحمل عليهم بموضع يقال له الرويثة من المدينة على ثلاث مراحل؛ وكانت بنو سليم يومئذ وأمدادها جاءوا من البادية في ستمائة وخمسين، وعامة من لقيهم من بني عوف من بني سليم، ومعهم أشهب بن دويكل بن يحيى بن حمير العوفي وعمه سلمة بن يحيى وعزيزة بن قطاب اللبيدي من بني لبيد بن سليم؛ فكان هؤلاء قوادهم، وكانت خيلهم مائة وخمسين فرسًا فقاتلهم حماد وأصحابه؛ ثم أتت بني سليم أمدادها خمسمائة من موضع فيه بدوهم؛ وهو موضع يسمى أعلى الرويثة؛ بينها وبين موضع القتال أربعة أميال؛ فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فانهزمت سودان المدينة بالناس؛ وثبت حماد وأصحابه وقريش والأنصار، فصلوا بالقتال حتى قتل حماد وعامة أصحابه، وقتل ممن ثبت من قريش والأنصار عددٌ صالح، وحازت بنو سليم الكراع والسلاح والثياب؛ وغلظ أمر بني سليم، فاستباحت القرى والمناهل؛ فيما بينها وبين مكة والمدينة؛ حتى لم يمكن أحدًا أن يسلك ذلك الطريق؛ وتطرقوا من يليهم من قبائل العرب.
    فوجه إليهم الواثق بغا الكبير أبا موسى التركي في الشاكرية والأتراك والمغاربة، فقدمها بغا في شعبان سنة ثلاثين ومائتين، وشخص إلى حرة بني سليم، لأيام بقين من شعبان؛ وعلى مقدمته طردوش التركي، فلقيهم ببعض مياه للحرة؛ وكانت الوقعة بشق الحرة من وراء السوارقية، وهي قريتهم التي كانوا إليها - والسوارقية حصون - وكان جل من لقيه منهم من بني عوف فيهم عزيزة بن قطاب والأشهب - وهما رأسا القواد يومئذ - فقتل بغا منهم نحوًا من خمسين رجلًا، وأسر مثلهم؛ فانهزم الباقون، وانكشف بنو سليم لذلك؛ ودعاهم بغا بعد الوقعة إلى الأمان على حكم أمير المؤمنين الواثق، وأقام بالسوارقية فأتوه، واجتمعوا إليه، وجمعهم من عشرة واثنين وخمسة وواحد، وأخذ من جمعت السوارقية من غير بني سليم من أثناء الناس، وهربت خفاف بني سليم إلا أقلها؛ وهي التي كانت تؤذي الناس، وتطرق الطريق، وجلّ من صار في يده ممن ثبت من بني عوف، وكان آخر من أخذ منهم من بني حبشي من بني سليم، فاحتبس عنده من وصف بالشر والفساد؛ وهم زهاء ألف رجل، وخلى سبيل سائرهم؛ ثم رحل عن السوارقية بمن صار في يده من أسارى بني سليم ومستأمنيهم إلى المدينة في ذي القعدة سنة ثلاثين ومائتين، فحبسهم فيها في الدار المعروفة بيزيد بن معاوية، ثم شخص إلى مكة حاجًا في ذي الحجة؛ فلما انقضى الموسم انصرف إلى ذات عرق، ووجه إلى بني هلال من عرض عليهم مثل الذي عرض على بني سليم فأقبلوا، فأخذ من ممردتهم وعتاتهم نحوًا من ثلثمائة رجل، وخلّى سائرهم، ورجع من ذات عرق وهي على مرحلة من البستان، بينها وبين مكة مرحلتان.
    ذكر الخبر عن وفاة عبد الله بن طاهر

    وفي هذه السنة مات أبو العباس عبد الله بن طاهر بنيسابور يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول بعد موت أشناس التركي بتسعة أيام. ومات عبد الله بن طاهر وإليه الحرب والشرطة والسواد وخراسان وأعمالها والري وطبرستان وما يتصل بها وكرمان وخراج هذه الأعمال كان يوم مات ثمانية وأربعين ألف ألف درهم، فولى الواثق أعمال عبد الله بن طاهر كلها ابنه طاهرًا.
    وحجّ في هذه السنة إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فولى أحداث الموسم.
    وحجّ بالناس في هذه السنة محمد بن داود.
    ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    فمن ذلك ما كان من أمر الفداء الذي جرى على يد خاقان الخادم بين المسلمين والروم في المحرم منها، فبلغت عدة المسلمين - فيما قبل - أربعة آلاف وثلثمائة واثنين وستين إنسانًا.
    ذكر الخبر عن أمر بني سليم وغيرهم من القبائل

    وفيها قتل من قتل من بني سليم بالمدينة في حبس بغا.
    ذكر الخبر عن سبب قتلهم وما كان من أمرهم
    ذكر أن بغا لما صار إليه بنو هلال بذات عرق، فأخذ منهم من ذكرت أنه أخذ منهم، شخص معتمرًا عمرة المحرم، ثم انصرف إلى المدينة، فجمع كل من أخذ من بني هلال واحتبسهم عنده مع الذين كان أخذ من بني سليم، وجمعهم جميعًا في دار يزيد بن معاوية في الأغلال والأقياد وكانت بنو سليم حبست قبل ذلك بأشهر. ثم سار بغا إلى بني مرة، وفي حبس المدينة نحو من ألف وثلثمائة رجل من بني سليم وهلال، فنقبوا الدار ليخرجوا، فرأت امرأة من أهل المدينة النقب، فاستصرخت أهل المدينة فجاءوا، فوجدوهم قد وثبوا على الموكلين بهم، فقتلوا منهم رجلًا أو رجلين وخرج بعضهم أو عامتهم؛ فأخذوا سلاح الموكلين بهم، واجتمع عليهم أهل المدينة؛ أحرارهم وعبيدهم - وعامل المدينة يومئذ عبد الله بن أحمد بن داود الهاشمي - فمنعوهم الخروج، وباتوا محاصريهم حول الدار حتى أصبحوا؛ وكان وثوبهم عشية الجمعة؛ وذلك أن عزيزة بن قطاب قال لهم: إني أتشاءم بيوم السبت؛ ولم يزل أهل المدينة يعتقبون القتال، وقاتلتهم بنو سليم، فظهر أهل المدينة عليهم، فقتلوهم أجمعين، وكان عزيزة يرتجز، ويقول:
    لابد من زحم وإن ضاق الباب ** إني أنا عزيزة بن القطاب
    للموت خيرٌ للفتى من العاب ** هذا وربي عملٌ للبواب
    وقيده في يده قد فكه، فرمى به رجلًا، فخرّ صريعًا. وقتلوا جميعًا، وقتلت سودان المدينة من لقيت من الأعراب في أزقة المدينة ممن دخل يمتاز، حتى لقوا أعرابيًا خارجًا من قبر النبي فقتلوه؛ وكان أحد بني أبي بكر بن كلاب من ولد عبد العزيز بن زرارة. وكان بغا غائبًا عنهم؛ فلما قدم فوجدهم قد قتلوا شق ذلك عليه، ووجد منه وجدًا شديدًا.
    وذكر أن البواب كان قد ارتشى منهم، ووعدهم أن يفتح لهم الباب، فعجلوا قبل ميعاده؛ فكانوا يرتجزون ويقولون وهم يقاتلون:
    الموت خيرٌ للفتى من العار ** قد أخذ البواب ألف دينار
    وجعلوا يقولون حين أخذهم بغا:
    يا بغية الخير وسيف المنتبه ** وجانب الجور البعيد المشتبه
    من كان منا جانيًا فلست به ** افعل هداك الله ما أمرت به
    فقال: أمرت أن أقتلكم. وكان عزيزة بن قطاب رأس بني سليم حين قتل أصحابه صار إلى بئر، فدخلها، فدخل عليه رجل من أهل المدينة فقتله، وصفت القتلى على باب مروان بن الحكم؛ بعضها فوق بعض.
    وحدثني أحمد بن محمد أن مؤذن أهل المدينة أذن ليلة حراستهم بني سليم بليل ترهيبًا لهم بطلوع الفجر، وأنهم قد أصبحوا، فجعل الأعراب يضحكون، ويقولون: يا شربة السويق؛ تعلموا بالليل، ونحن أعلم به منكم! فقال رجل من بني سليم:
    متى كان ابن عباسٍ أميرًا ** يصل لصقل نابيه صريف
    يجور ولا يرد الجور منه ** ويسطو ما لوقعته ضعيف
    وقد كنا نرد الجور عنا ** إذا انتضيت بأيديا السيوف
    أمير المؤمنين سما إلينا ** سمو اليلث ثار من الغريف
    فإن يمنن فعفو الله نرجو ** وإن يقتل فقاتلنا شريف
    وكان سبب غيبة بغا عنهم أنه توجه إلى فدك لمحاربة من فيها ممن كان تغلب عليها من بني فزارة ومرة؛ فلما شارفهم وجه إليهم رجلًا من فزارة يعرض عليهم الأمان، ويأتيه بأخبارهم، فلما قدم عليهم الفزاري حذرهم سطوته، وزين لهم الهرب فهربوا ودخلوا في البر، ودخلوا فدك إلا نفرًا بقوا فيها منهم؛ وكان قصدهم خيبر وجنفاء ونواحيها؛ فظفر ببعضهم، واستأمن بعضهم، وهرب الباقون مع رأس لهم يقال له الركاض إلى موضع من البلقاء من عمل دمشق وأقام بغا بجفاء وهي قرية من حدّ عمل الشأم، مما يلي الحجاز نحوًا من أربعين ليلة، ثم انصرف إلى المدينة بمن صار في يديه من بني مرّة وفزارة.
    وفي هذه السنة صار إلى بغا من بطون غطفان وفزارة وأشجع جماعة؛ وكان وجّه إليهم وإلى بني ثعلبة؛ فلمّا صاروا إليه - فيما ذكر - أمر محمد ابن يوسف الجعفري فاستحلفهم الأيمان الموكدة ألّا يتخلّفوا عنه متى دعاهم. ثم شخص إلى ضريّة لطلب بني كلاب ووجّه إليهم رسله فاجتمع إليه منهم - فيما قيل - نحو من ثلاثة آلاف رجل، فاحتبس منهم من أهل الفساد نحوًا من ألف رجل وثلثمائة رجل وخلّى سائرهم ثم قدم المدينة في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين ومائتين، فحبسهم في دار يزيد بن معاوية، ثم شخص إلى مكة بغا، وأقام بها حتى شهد الموسم، فبقي بنو كلاب في الحبس لا يجري عليهم شيء مدّة غيبة بغا؛ حتى رجع إلى المدينة، فلما صار إلى المدينة أرسل إلى من كان استحلف من ثعلبة وأشجع وفراسة فلم يجيبوه، وتفرّقوا في البلاد، فوجّه في طلبهم فلم يلحق منهم كثير أحد.


  • #22
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ذكر مقتل أحمد بن نصر الخزاعي على يد الواثق

    وفي هذه السنة تحرّك ببغداد قومٌ في ربض عمرو بن عطاء فأخذوا على أحمد بن نصر الخزاعي البيعة.
    ذكرالخبر عن سبب حركة هؤلاء القوم وما آل إليه أمرهم وأمر أحمد بن نصر
    وكان السبب في ذلك أنّ أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي - ومالك بن الهيثم أحد نقباء بني العباس وكان ابنه أحمد يغشاه أصحاب الحديث؛ كيحيى بن معين وابن الدورقي وابن خيثمة، وكات يظهر المباية لم يقول: القرآن مخلوق؛ مع منزلة أبيه كانت من السلطان في دولة بني عباس، ويبسط لسانه فيمن يقول ذلك، مع غلظة الواثق كانت على من يقول ذلك وامتحانه إياهم فيه، وغلبة أحمد بن أبي داود عليه - فحدثني بعض أشياخنا، عمّن ذكره، أنه دخل على أحمد بن نصر في بعض تلك الأيام وعنده جماعة من الناس، فذكر عنده الواثق، فجعل يقول: ألّا فعل هذا الخنزير، أو قال: هذا الكافر؛ وفشا ذلك من أمره، فخوّف بالسلطان، وقيل له: قد اتّصل أمرك به، فخافه.
    وكان فيمن يغشاه رجل - فيما ذكر - يعرف بأبي هارون السرّاج وآخر يقال له طالب، وآخر من أهل خرسان من أصحاب إسحاق بن إبراهيم بن مصعب صاحب الشرطة ممّن ظهر له القول بمقالته، فحرّك المطيفون به - يعني أحمد بن نصر - من أصحاب الحديث، وممن ينكر القول بخلق القرآن من أهل بغداد - أحمد، وحملوه على الحركة لإنكار القول بخلق القرآن وقصدوه بذلك دون غيره لما كانت لما لأبيه وجده في دولة بني العباس من الأثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسمع له في سنة إحدى ومائتي لماّ كثر الدعّار بمدينة السلام، وظهر بها الفساد والمأمون بخراسان؛ وقد ذكرنا خبره فيما مضى. وأنه لم يزل أمره على ذلك ثابتًا إلى أن قدم المأمون بغداد في سنة أربع ومائتين فرجوا استجابة العامة له إذا هو تحرّك للأسباب التي ذكرت.
    فذكر أنه أجاب من سأله ذلك؛ وأنّ الذي كان يسعى به في دعاء الناس له الرجلان اللذان ذكرت اسميهم قبل. وإ أبا هارون السراج وطالبًا فرّقا في قوم مالا، فأعطيا كلّ رجل منهم دينارًا دينارًا، وواعدهم ليلةً يضربون فيها الطبل للإجتماع في صبيحتها للوثوب بالسلطان؛ فكان طالب بالجانب الغربي من مدينة السلام فيمن عاقده على ذلك، وأبو هارون بالجانب الشرقي فيمن عاقده عليه؛ وكان طالب وأبو هارون أعطيا فيمن أعطيا رجلين من بني أشرس القائد دنانير يفرّقانها في جيرانهم، فانتبذ بعضهم نبيذًا، واجتمع عدّة منهم على شربه، فلمّا ثملوا ضربوا بالطبل ليلة الأربعاء قبل الموعد بليلة؛ وكان الموعد لذلك ليلة الخميس في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين، لثلاث تخلو منه، وهم يحسبونها ليلة الخميس التي اتّعدوا لها، فأكثروا ضرب الطبل، فلم يجبهم أحد. وكان إسحاق بن إبراهيم غائبًا عن بغداد وخليفته بها أخوه محمد بن إبراهيم فوجّه إليهم محمد بن إبراهيم غلامًا له يقال له رحش فأتاهم فسألهم عن قصّتهم، فلم يظهر له أحد ممن ذكر بضرب الطبل، فدلّ على رجل يكون في الحمامات مصاب بعينه، يقال له عيسى الأعور، فهدّده بالضرب، فأقرّ على ابني أشرس وعلى أحمد بن نصر بن مالك وعلى آخرين سمّاهم، فتتبّع القوم من ليلتهم؛ فأخذ بعضهم، وأخذ طالبًا ومنزله في الربض من الجانب الغربي، وأخذ أبا هارون السراج ومنزله في الجانب الشرقي، وتتبّع من سمّاه عيسى الأعور في أيام وليال، فصيّروا في الحبس في الجانب الشرقي والغربي، كلّ قوم في ناحيتهم التي أخذوا فيها، وقيّد أبو هارون وطالب بسبعين رطلًا من الحديد كلّ واحد منهما، وأصيب في منزل ابني أشرس علمان أخضران فيهما حمرة في بئر، فتولّى إخراجهما رجلٌ من أعوان محمد بن عياش - وهو عامل الجانب الغربي، وعامل الجانب الشرقي العباس بن محمد بن جبريل القائد الخرساني - ثم أخذ خصىّ لأحمد ابن نصر فتهدّد، فأقرّ بما أقرّ به عيسى الأعور، فمضى إلى أحمد بن نصر وهو في الحمّام، فقال لأعوان السلطان: هذا منزلي؛ فإن أصبتم فيه علمًا أو عدّة أو سلاحًا لفتنة فأنتم في حلّ منه ومن دمي؛ ففتش فلم يوجد فيه شيء، فحمل إلى محمد بن إبراهيم بن مصعب وأخذوا خصيّين وابنين له ورجلًا ممن كان يغشاه يقال له إسماعيل بن محمد بن معاوية بن بكر الباهلي، ومنزله بالجانب الشرقي، فحمل هؤلاء الستة إلى أمير المؤمنين الواثق وهو بسامرّا على بغال بأكفٍ ليس تحتهم وطاء، فقيّد أحمد بن نصر بزوج قيود، وأخرجوا من بغداد يوم الخميس لليلة بقيت من شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وكان الواثق قد أعلم بمكانهم، وأحضر ابن أبي داود وأصحابه، وجلس لهم مجلسًا عامًّا ليمتحنوا امتحانًا مكشوفًا، فحضر القوم واجتمعوا عنده.
    وكان أحمد بن أبي داود - فيما ذكر - كارهًا قتله في الظاهر؛ فلما أتى بأحمد بن نصر لم يناظره الواثق في الشغب ولا فيما رفع عليه من إرادته الخروج عليه ولكنه قال له: يا أحمد، ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله؟ وأحمد بن نصر مستقتل قد تنور وتطيب قال: أفمخلوق هو؟ قال: هو كلام الله قال: فما تقول في ربك أتراه يوم القيامة؟ قال: يا أمير المومنين جاءت الآثار عن رسول الله أنه قال: " ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته " فنحن على الخبر قال: وحدثني سفيان ابن عتيبة بحديث يرفعه " أن قلب ابن آدم بين إصبعي من أصابع الله يقلّبه "؛ وكان النبي يدعو: " يا مقلّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك "؛ فقال له إسحاق بن إبراهيم: و؟ يلكن انظر ماذا تقولن قال: أنت أمرتني بذلك؛ فأشفق إسحاق من كلامه، وقال: أنا أمرتك بذلكن قال: نعم، أمرتني أن أنصح له إذ كان أمير المؤمنين، ومن نصيحتي له ألّا يخالف حديث رسول الله . فقال الواثق لمن حوله: ما تقولون فيه؟ فأكثروا، فقال عبد الرحمن بن إسحاق - وكان قاضيًا على الجانب الغربي فعزل؛ وكان حاضرًا وكان أحمد بن نصر ودًّا له -: يا أمير المؤمنين؛ هو حلال الدم، وقال أبو عبد الله الأرمّني صاحب ابن أبي داود: اسقني دمه يا أمير المؤمنين، فقال الواثق: القتل يأتي على ما تريد، وقال ابن أبي داود: يا أمير المؤمنين كافر يستتاب؛ لعلّ به عاهة أو تغيّر عقل - كأنه كره أن يقتل بسببه - فقال الواثق: إذا رأيتموني قد قمت إليه، فلا يقومنّ أحد معي، فإني أحتسب خطاي إليه. ودعا بالصمصامة - سيف عمرو بن معد يكرب الزبيدي وكان في الخزاة، كان أهدى إلى موسى الهادي فأمر سلمًا الخاسر الشاعر أن يصفه له، فوصفه فأجازه - فأخذ الواثق الصمصامة - وهي صفيحة موصولة من أسفلها مسمورة بثلاثة مسمير تجمع بين الصفيحة والصلة - فمشى إليه وهو في وسط الدار، ودعا بنطع فصير في وسطه، وحبل فشد رأسه، ومد الحبل، فضربه الواثق ضربة، فوقعت على حبل العاتق ثم ضربه أخرى على رأسه، ثم اتضى سيمًا الدمشقي سيفه، قضرب عنقه وخر رأسه.
    وقد ذكر أن بغا الشرابي ضربه ضربة أخرى، وطعنه الواثق بطرف الصمصامة في بطنه، فحمل معترضًا حتى أتى به الحظيرة التي فيها بابك، فصلب فيها وفي رجله زوج قيود، وعليه سراويل وقميص، وحمل رأسه إلى بغداد فصب في الجانب الشرقي أيامًا وفي الجانب الغربي أيامًا، ثم حول إلى الشرق؛ وحظر على الرأس حظيرة، وضرب عليه فسطاط، وأقيم عليه الحرس، وعرف ذلك الموضع برأس أحمد بن نصر؛ وكتب في أذنه رقعة: هذا رأس الكافر المشرك الضال؛ وهو أحمد بن نصر بن مالك؛ ممن قتله الله على يدي عبد الله هارون الإمام الواثق بالله أمير المؤمنين، بعد أن أقام؟ عليه الحجة في خلق القرآن وفي التشبيه، وعرض عليه التوبة، ومكنه من الرجوع إلى الحق؛ فأبى إلا المعاندة والتصريح، والحمد لله الذي عجل به إلى ناره وأليم عقابه. وإن أمير المؤمنين سأله عن ذلك؛ فأقر بالتشبيه وتكلم بالكفر، فاستحل بذلك أمير المؤمنين دمه، ولعنه.
    وأمر أن يتتبع من وسم بصحبة أحمد بن نصر؛ ممن ذكر أنه كان متشايعًا له؛ فوضعوا في الحبوس، ثم جعل نيف وعشرون رجلًا وسموا في حبوس الظلمة؛ ومنعوا من أخذ الصدقة التي يعطاها أهل السجون، ومنعوا من الزوار، وثقلوا بالحديد. وحمل أبو هارون السراج وآخر معه إلى سامرا، ثم ردوا إلى بغداد فجعلوا في المجالس.
    وكان سبب أخذ الذين أخذوا بسبب أحمد بن نصر، أن رجلًا قصارًا كان في الربض جاء إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب فقال: أنا أدلك على أصحاب أحمد بن نصر، فوجه معه من يتبعهم؛ فلما اجتمعوا وجدوا على القصار سببًا حبسوه معهم؛ وكان له في المهرزار نخل فقطع وانتهت منزله؛ وكان ممن حبس بسببه قوم من ولد عمرو بن اسفنديار، فماتوا في الحبس؛ فقال بعض الشعراء في أحمد بن أبي داود:
    ما إن تحولت من إياد ** صرت عذابًا على العباد
    أنت كما قلت من إياد ** فارفق بهذا الخلق يا إيادي
    وفي هذه السنة أراد الواثق الحج؛ فاستعد له، ووجه عمر بن فرج إلى الطريق لإصلاحه، فرجع فأخبره بقلة الماء فبدا له.
    وحج بالناس فيها محمد بن دواد بن عيسى.
    وفيها ولى الواثق جعفر بن دينار اليمن فشخص إليها في شعبان. وحج هو وبغا الكبير، وعلى أحداث الموسم بغا الكبير؛ وكان شخوص جعفر إلى اليمن في أربعة آلاف فارس وألفى راجل وأعطى رزق ستة أشهر.
    وعقد محمد بن عبد الملك الزيات لإسحاق بن إبراهيم بن أبي خميصة مولى قشير من أهل أضاخ فيها على اليمامة والبحرين وطريق مكة، مما يلي البصرة في دار الخلافة؛ ولم يذكر أن أحدًا عقد لأحد في دار الخلافة إلا الخليفة غير محمد بن عبد الملك الزيات.
    وفي هذه السنة نقب قوم من اللصوص بيت المال الذي في دار العامة في جوف القصر وأخذوا اثنين وأربعين ألفًا من الدراهم؛ وشيئًا من الدنانير يسيرًا. فأُخِذوا بعدُ وتتبع أخذهم يزيد الحلواني، صاحب الشرطة خليفة إيتاخ.
    وفيها خرج محمد بن عمرو الخارجي من بني زيد بن تغلب في ثلاثة عشر رجلًا في ديار ربيعة فخرج إليه غانم بن أبي مسلم بن حميد الطوسي، وكان على حرب الموصل في مثل عدته، فقتل من الخوارج أربعة، وأخذ محمد ابن عمرو أسيرًا فبعث به إلى سامرا، فبعث به إلى مطبق بغداد؛ وصبت رءوس أصحابه وأعلامه عند خشبة بابك.
    وفي هذه السة قدم وصيف التركي من ناحية أصبهان والجبال وفارس؛ وكان شخص في طلب الأكراد لأنهم قد كانوا تطرقوا إلى هذه النواحي، وقدم معه منهم بنحو من خمسمائة فس؛ فيهم غلمان صغار، جمعهم في قيود وأغلال؛ فأمر بحبسهم، وأجيز في وصيف بخمسة وسبعي ألف دينار، وقلد سيفًا وكسى.
    خبر الفداء بين المسلمين والروم

    وفي هذه السنة، تم الفداء بين المسلمين وصاحب الروم، واجتمع فيها المسلمون والروم على نهر يقال له اللمس على سلوقية على مسيرة يوم من طرسوس.


  • #23
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ذكر الخبر عن سبب هذا الفداء وكيف كان
    ذكر عن أحمد بن أبي قحطبة صاحب خاقان الخادم - وكان خادم الرشيد، وكان قد نشأ بالثغر - أن خاقان هذا قدم على الواثق، وقدم معه نفر من وجه أهل طرسوس وغيرها يشكون صاحب مظالم كان عليهم، يكنى أبا وهب؛ فأحضر، فلم يزل محمد بن عبد الملك يجمع بينه وبينهم في دار العامة عند انصراف الناس يوم الاثنين والخميس؛ فيمكثون إلى وقت الظهر؛ وينصرف محمد بن عبد الملك وينصرفون، فعزل عنهم وأمر الواثق بامتحان أهل الثغور في القرآن، فقالوا بخلقه جميعًا؛ إلا أربعة نفر؛ فأمر الواثق بضرب أعناقهم إن لم يقولوه؛ وأمر لجميع أهل الثغور بجوائز على ما رأى خاقان، وتعجل أهل الثغور إلى ثغورهم، وتأخر خاقا بعدهم قليلًا؛ فقدم على الواثق رسل صاحب الروم - وهو ميخائيل بن توفيل بن مخائيل ابن أليون بن جورجس - يسأله أن يفادى بمن في يده من أسارى المسلمين فوجه الواثق خاقان في ذلك، فخرج خاقان ومن معه في فداء أسارى المسلمين في آخر سنة ثلاثين ومائتين على موعد بين خاقان ورسل صاحب الروم للالتقاء للفداء في يوم عاشوراء؛ وذلك في العاشر من المحرم سنة إحدى وثلاثين ومائتين. ثم عقد الواثق لأحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي على الثغور والعواصم، وأمره بحضور الفداء؛ فخرج على سبعة عشر من البرد وكان الرسل الذي قدموا في طلب الفداء قد جرى بينهم وبين ابن الزيات اختلاف في الفداء، قالوا: لا نأخذ في الفداء امرأة عجوزًا ولا شيخًا كبيرًا ولا صبيًا، فلم يزل ذلك بينهم أيامًا حتى رضوا عن كل نفس بنفس. فوجه الواثق إلى بغداد والرقة في شرى من يباع من الرقيق من مماليك، فاشترى من قدر عليه منهم، فلم تتم العدة، فأخرج الواثق من قصره من النساء الروميات العجائز وغيرهن؛ حتى تمت العدة، ووجه ممن مع ابن أبي داود رجلين، يقال لأحدهما يحيى بن آدم الكرخي، ويكنى أبا رملة وجعفر " بن أحمد " بن الحذاء؛ ووجه معهما كاتبًا من كتاب العرض، يقال له طالب بن داود، وأمره بامتحانهم هو وجعفر، فمن قال: القرآن مخلوق فودى به، ومن أبى ذلك ترك في أيدي الروم؛ وأمر لطالب بخمسة آلاف درهم؛ وأمر أن يعطوا جميع من قال: إن القرآن مخلوق؛ ممن فودى به دينارًا لكل إنسان من ماله حمل معهم فمضى القوم.
    فذكر عن أحمد بن الحارث أنه قال: سألت ابن أبي قحطبة صاحب خاقان الخادم - وكان السفير الموجه بين المسلمين والروم، وجه ليعرف عدة المسلمين في بلاد الروم. فأتى ملك الروم وعرف عدتهم قبل الفداء - فذكر أنه بلغت عدتهم ثلاثة آلاف رجل وخمسمائة امرأة؛ فأمر الواثق بفدائهم، وعجل أحمد بن سعيد على البريد ليكون الفداء على يديه، ووجه من يمتحن الأسراء من المسلمين، فمن قال منهم: إن القرآن مخلوق وإن الله عز وجل لا يرى في الآخرة فودى به؛ ومن لم يقل ذلك ترى في أيدي الروم؛ ولم يكن فداء منذ أيام محمد بن زبيدة في سنة أربع أو خمس وتسعين ومائة.
    قال: فلما كان يوم عاشوراء، لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وثلاثين ومائتين، اجتمع المسلمون ومن معهم من العلوج وقائدان من قواد الروم؛ يقال لأحدهما أنفاس وللآخر لمسنوس؛ والمسلمون والمطوعة في أربعة آلاف بين فارس وراجل، فاجتمعوا بموضع يقال له اللمس؛ فذكر عن محمد بن أحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي أن كتاب أبيه أتاه أن من فودى به من المسلمين من كان معهم من أهل ذمتهم أربعة آلاف وستمائة إنسان؛ منهم صبيان ونساء ستمائة؛ ومنهم من أهل الذمة أقل من خمسمائة والباقون رجال من جميع الأفاق.
    وذكر أبو قحطبة - وكان رسول خاقان الخادم إلى ملك الروم لينظر كم عدد الأسرى ويعلم صحة ما عزم عليه ميخائيل ملك الروم - أن عدد المسلمين قبل الفداء كان ثلاثة آلاف رجل وخمسمائة امرأة وصبي، ممن كان بالقسطينيية وغيرها؛ إلا من أحضره الروم ومحمد بن عبد الله الطرسوسي - وكان عندهم - فأوفده أحمد بن سعيد بن سلم وخاقان مع نفر من وجوه الأسرى على الواثق، فحملهم الواثق على فرس فرس؛ وأعطى لكل رجل منهم ألف درهم.
    وذكر محمد هذا أنه كان أسيرًا في أيدي الروم ثلاثين سنة، وأنه كان أسر في غزاة رامية كان في العلافة فأسر، وكان فيمن فودى به هذا الفداء، وقال: فودى بنا في يوم عاشوراء على هر يقال له اللامس، على سلوقية قريبًا من البحر، وأن عدتهم كانت أربعة آلاف وأربعمائة وستين نفسًا؛ النساء أزواجهن وصبيانهن ثمانمائة وأهل ذمة المسلمين مائة أو أكثر، فوقع الفداء كل نفس عن نفس صغيرًا أو كبيرًا، فاستفرغ خاقان جميع من كان في بلد الروم من المسلمين ممن علم موضعه.
    قال: فلما جمعوا للفداء، وقف المسلمون من جانب النهر الشرقي والروم من الجانب الغربي - وهو مخاضة - فكان هؤلاء يرسلون من هنا رجلًا وهؤلاء من هنا رجلًا، فيلتقيان في وسط النهر، فإذا صار المسلم إلى المسلمين كبر وكبروا؛ وإذا صار الرمي إلى الرم تكلم بكلامهم، وتكلموا شبيهًا بالتكبير.
    وذكر عن السندي مولى حسين الخادم، أنه قال: عقد المسلمون جسرًا على النهر، وعقد الروم جسرًا؛ فكنا نرسل الرومي على جسرنا ويرسل الروم المسلم على جسرهم؛ فيصير هذا إلينا وذاك إليهم، وأنكر أن يكون مخاضة.
    وذكر عن محمد بن كريم أنه قال: لما صرنا في أيدي المسلمين امتحننا جعفر ويحيى، فقلنا، وأعطينا دينارين دينارين.
    قال: وكان البطريقان اللذان قدما الأسرى لا بأس بهما في معاشرتهما.
    قال: وخاف الروم عدد المسلمين لقلتهم وكثرة المسلمين؛ فآمنهم خاقان من ذلك، وضرب بينهم وبين المسلمين أربعين يومًا لا يغزون حتى وصلوا إلى بلادهم ومأمنهم؛ وكان الفداء في أربعة أيام، ففضل مع خاقان ممن كان أمير المؤمين أعد لفداء المسلمين عدة كبيرة وأعطى خاقان صاحب الروم ممن كان قد فضل في يده مائة نفس؛ ليكون عليهم الفضل استظهارًا مكان من يخشى أن يأسروه من المسلمين إلى انقضاء المدة ورد الباقين إلى طرسوس، فباعهم.
    قال: وكان خرج معنا ممن كان تنصر ببلاد الروم من المسلمين نحوٌ من ثلاثين رجلًا فودي بهم.
    قال محمد بن كريم: ولما انقضت المدة بين خاقان والروم الأربعون يومًا، غزا أحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة، فأصاب الناس الثلج والمطر فمات منهم قدر مائتي إنسان وغرق منهم في البدنون قوم كثير، وأسر منهم نحو من مائتين؛ فوجد أمير المؤمنين الواثق عليه لذلك وحصل جميع من مات وغرق خمسمائة إنسان؛ وكان أقبل إلى أحمد بن سعيد وهو في سبعة آلاف بطريق من عظمائهم فجبن عنه، فقال له وجوه الناس: إن عسكرًا فيه سبعة آلاف لا يتخوف عليه؛ فإن كنت لا تواجه القوم فتطرق بلادهم.
    فأخذ نحوًا من ألف بقرة وعشرة آلاف شاة، وخرج فعزله الواثق، وعقد لنصر بن حمزة الخزاعي يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى من هذه السنة.
    وفي هذه السنة مات الحسن بن الحسين، أخو طاهر بن الحسين بطبرستان في شهر رمضان.
    وفيها مات الخطاب بن وجه الفلس.
    وفيها مات أبو عبد الله الأعرابي الراوية يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من شعبان وهو ابن ثمانين سنة.
    وفيها ماتت أم أبيها بنت موسى أخت علي بن موسى الرضي.
    وفيها مات مخارق المغني، وأبو نصر أحمد بن حاتم راوية الأصمعي، وعمرو بن أبي عمرو الشيباني ومحمد بن سعدان النحوي.
    ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ذكر الخبر عن مسير بغا الكبير إلى حرب بني نمير

    فمن ذلك ما كان من مسير بغا الكبير إلى بني نمير حتى أوقع بهم.
    ذكر الخبر عن سبب مسيره إليهم وكيف كان الأمر بينه وبينهم
    حدثني أحمد بن محمد بن مخلد بمعظم خبرهم؛ وذكر أنه كان مع بغا بني نمير كان أن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن الخطفي امتدح الواثق بقصيدة، فدخل عليه فأنشده إياها، فأمر له بثلاثين ألف درهم، وبنزل فكلم عمارة الواثق في بني نمير، وأخبره بعبثهم وفسادهم في الأرض، وإغارتهم على الناس وعلى اليمامة وما قرب منها؛ فكتب الواثق إلى بغا يأمره بحربهم.
    فذكر أحمد بن محمد أن بغا لما أراد الشخوص من المدينة إليهم حمل معه محمد بن يوسف الجعفري دليلًا له على الطريق، فمضى نحو اليمامة يريدهم، فلقي منهم جماعة بموضع يقال له الشريف؛ فحاربوه، فقتل بغا منهم نيفًا وخمسين رجلًا، وأسر نحوًا من أربعين، ثم سار إلى حظيان ثم سار إلى قرية لبني تميم من عمل اليمامة تدعى مرأة، فنزل بها، ثم تابع إليهم رسله، يعرض عليهم الأمان، ودعاهم إلى السمع والطاعة؛ وهم في ذلك يمتنعون عليه، ويشتمون رسله، ويتفلتون إلى حربه؛ حتى كان آخر من وجه إليهم رجلين؛ أحدهما من بني عدي من تميم والآخر من بني نمير، فقتلوا التميمي وأثبتوا النميري جراحًا، فسار بغا إليهم من مرأة. وكان مسيره إليهم في أول صفر من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، فورد بطن نخل، وسار حتى دخل نخيلة وأرسل إليهم أن ائتوني، فاحتملت بنو ضبة من نمير، فركبت جبالها مياسر جبال السود - وهو جبل خلف اليمامة أكثر أهله باهلة - فأرسل إليهم فأبوا أن يأتوه، فأرسل إليهم سرية فلم تدركهم، فوجه سرايا، فأصابت فيهم وأسرت منهم. ثم إنه أتبعهم بجماعة من معه وهم نحو من ألف رجل سوى من تخلف في العسكر من الضعفاء والأتباع، فلقيهم وقد جمعوا له، وحشدوا لحربه؛ وهم يومئذ نحو ثلاثة آلاف، بموضع يقال له روضة الأبان وبطن السر من القرنين على مرحلتين، ومن أضاخ على مرحلة؛ فهزموا مقدمته، وكشفوا ميسرته، وقتلوا من أصحابه نحوًا من مائة وعشرين أو مائة وثلاثين رجلًا، وعقروا من إبل عسكره نحوًا من سبعمائة بعير ومائة دابة، وانتهبوا الأثقال وبعض ما كان مع بغا من الأموال.


  • #24
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    قال لي أحمد: لقيهم بغا وهجم عليهم، وغلبه الليل، فجعل بغا يناشدهم، ويدعوهم إلى الرجوع وإلى طاعة أمير المؤمنين، ويكلمهم بذلك محمد بن يوسف الجعفري، فجعلوا يقولون له: يا محمد بن يوسف، قد والله ولدناك فما رعيت حرمة الرحم، ثم جئتنا بهؤلاء العبيد والعلوج تقاتلنا بهم! والله لنرينك العبر، ونحو ذلك من القول.
    فلما دنا الصبح قال محمد بن يوسف لبغا: أوقع بهم من قبل أن يضيء الصبح، فيروا قلة عددنا، فيجترئوا علينا، فأبى بغا عليه؛ فلما أضاء الصبح ونظروا إلى عدد من مع بغا - وكانوا قد جعلوا رجّالتهم أمامهم وفرسانهم وراءهم ونعمهم ومواشيهم من ورائهم - حملوا علينا، فهزمونا حتى بلغت هزيمتنا معسكرنا، وأيقنّا بالهلكة.
    قال: وكان قد بلغ بغا أن خيلًا لهم بمكان من بلادهم، فوجّه من أصحابه نحوًا من مائتي فارس إليهما. قال: فبينا نحن فيما نحن فيه من الإشراف على العطب، وقد هزم بغا ومن معه إذ خرجت الجماعة التي كان بغا وجّهها من الليل إلى تلك الخيل، وقد أقبلت منصرفة من الموضع الذي وجّهت إليه من العسكر في ظهور بني نمير، وقد فعلوا ما فعلوا ببغا وأصحابه فنفخوا في صفّاراتهم؛ فلما سمعوا نفخ الصفارات، ونظروا إلى من خرج عليهم في أدبارهم، قالوا: غدر والله العبد، وولّوا هاربين، وأسلم فرسانهم رجّالتهم بعد أن كانوا على غاية المحاماة عليهم.
    قال لي أحمد بن محمد: فلم يفلت من رجّالتهم كثير أحد؛ حتى قتلوا عن آخرهم؛ وأما الفرسان فطاروا هرّابًا على ظهور الخيل.
    وأما غير أحمد بن محمد فإنه قال: لم تزل الهزيمة على بغا وأصحابه منذ غدوة إلى انتصاف النهار؛ وذلك يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، ثم تشاغلوا بالنّهب وعقر الإبل والدوابّ حتى ثاب إلى بغا من كان انكشف من أصحابه، واجتمع من كان تفرّق عنه، فكرّوا على بني نمير، فهومهم وقتل منهم منذ زوال الشمس إلى وقت العصر زهاء ألف وخمسمائة رجل. وأقام بغا بموضع الوقعة على الماء المعروف ببطن السر، حتى جمعت له رءوس من قتل من بني نمير، واستراح هو وأصحابه ثلاثة أيام.
    فحدثني أحمد بن محمد أن من هرب من فرسان بي نمير من الوقعة أرسلوا إلى بغا يطلبون منه الأمان؛ فأعطاهم الأمان؛ فصاروا إليه، فقيدهم وأشخصهم معه.
    وأما غيره فإنه قال: سار بغا من موضع الوقعة في طلب من شذ عنه منهم، فلم يدرك إلا الضعيف ممن لم يكن له هوض منهم وبعض المواشي والنعم، ورجع إلى حص باهلة. قال: وإنما قاتل بغا من بني نمير بنو عبد الله بن نمير وبنو بسرة وبلحجاج وبنو قطن وبنو سلاه وبنو شريح وبطون من الخوالف - وهم بني عبد الله بن نمير، ولم يكن في القتال من بني عامر بن نمير إلا القليل - وبنو عامر بن نمير أصحاب نخل وشاء، وليسوا أصحاب خيل، وعبد الله بن نمير هي التي تحارب العرب - فقال عمارة ابن عقيل لبغا:
    تركت الأعقفين وبطن قو ** وملأت السجون من القماش
    فحدثني أحمد بن محمد أن الذين دخلوا إلى بغا بالأمان من بني نمير لما قيدهم وحبسهم وأشخصهم معه شغبوا في الطريق، وحاولوا كسر قيودهم والهرب، فأمر بإحضارهم واحدًا بعد واحد؛ فكان إذا حضر الواحد يضربه ما بين الأربعمائة إلى الخمسمائة وأقل من ذلك وأكثر؛ فزعم أحمد أمه حضر ضربهم ولم يطق منهم ناطق يتوجع من الضرب؛ وأنه أحضر منهم شيخ قد علق في عنقه مصحفًا، ومحمد بن يوسف جالس إلى جنب بغا، فضحك منه محمد بن يوسف وقال لبغا: هذا أخبث ما كان - أصلحك الله - حين علق المصحف في عنقه! فضربه أربعمائة أو خمسمائة، فلما توجع وما استغاث وذكر أن فارسًا من بني نمير لقى بغا في وقعتهم التي ذكرت أمرها يدعى المجنون، فطعن بعا ورمى المجنون ورجل من الأتراك. فأفلت، وعاش أيامًا ثلاثة ثم مات من رميته.
    قال: ثم قدم عليه واجن الأشروسي الصغدي في سبعمائة رجل مددًا له من الأشروسية الإشتيخنية فوجهه بغا ومحمد بن يوسف الجعفري في أثرهم؛ فلم يزل يتبعهم حتى وغلوا في البلاد، وصاروا بتبالة وما يليها من حد عمل اليمن وفاتوه؛ فانصرف ولم يصر في يديه منهم إلا ستة نفر أو سبعة، وأقام بحصن باهلة، ووجه إلى جبال بني نمير وسهلها من هلان والسود وغيرها من عمل اليمامة سرايًا في محاربة من امتنع ممن قبل الأمان منهم، فقتلوا جماعة وأسروا جماعة، وأقبل عدة من ساداتهم كلهم يطلب الأمان لنفسه والبطن الذي هو منه، فقبل ذلك منهم وبسطهم وآنسهم؛ ولم يزل مقيمًا إلى أن جمع إليه كل من ظن أنه كان في هذه النواحي منهم، وأخذ منهم زهاء ثمانمائة رجل، فأثقلهم بالحديد وحملهم إلى البصرة، في ذي العقدة من سنة اثنتين ومائتين وكتب إلى صالح العباسي بالمسير بمن قبله في المدينة من بني كلاب وفزارة ومرة وثعلبة وغيرهم واللحاق به؛ فوافاه صالح العباسي ببغداد، وصاروا جميعًا في المحرم إلى سامرا سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وكانت عدة من قدم به بغا وصالح العباسي من الأعراب سوى من مات منهم وهرب. وقتل في هذه الوقائع التي وصفناها ألفى رجل ومائتي رجل من بني نمير ومن بني كلاب ومن مرة وفزارة ومن ثعلبة وطيئ.
    وفي هذه السنة أصاب الحاج في المرجع عطش شديد في أربعة منازل إلى الربذة، فبلغي عدة دنانير. ومات خلق كثير من العطش.
    وفيها ولى محمد بن إبراهيم بن مصعب فارس.
    وفيها أمر الواثق بترك جباية أعشار سفن البحر.
    وفيها اشتد البرد في نيسان حتى تجمد الماء لخمس خلون منه.
    ذكر خبر موت الواثق

    وفيها مات الواثق.
    ذكر خبر عن العلة التي كانت بها وفاته
    ذكر لي جماعة من أصحابنا أن علته التي توفي منها كانت الاستسقاء، فعولج بالإقعاد في تنور مسخن، فوجد لذلك راحة وخفة مما كان به، فأمرهم من غد ذلك اليوم بزيادة في إسخان التنور، ففعل ذلك وقعد فيه أكثر من قعوده في اليوم الذي قبله، فحمى عليه، فأخرج منه، وصير في محفة؛ وحضره الفضل بن إسحاق الهاشمي وعمر بن فرج وغيرهم؛ ثم حضر ابن الزيات وابن أبي داود، فلم يعلموا بموته حتى ضرب بوجهه المحفة، فعلموا أنه قد مات.
    وقد قيل: إن أحمد بن أبي داود حضره وقد أغمى عليه، فقضى وهو عنده فأقبل يغمضه ويصلح من شأنه. وكانت وفاته لستٍّ بقين من ذي الحجة ودفن في قصره بالهاروني. وكان الذي صلّى عليه وأدخله قبره وتولّى أمره أحمد بن أبي داود؛ وكان الواثق أمر أحمد بن أبي داود أن يصلّى بالناس يوم الأضحى في المصلّى، فصلى بهم العيد؛ لأن الواثق كان شديد العلّة فلم يقدر على الحضور إلى المصلّى، ومات من علّته تلك.
    ذكر الخبر عن صفة الواثق وسنه وقدر مدة خلافته

    ذكر من رآه وشاهده أنه كان أبيض مشربًا حمرة، جميلًا ربعة، حسن الجسم، قائم العين اليسرى؛ وفيها نكتة بياض.
    وتوفي - فيما زعم بعضهم - وهو ابن ست وثلاثين سنة، وفي قول بعضهم: وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة؛ فقال الذين زعموا أنه كان ابن ست وثلاثين: كان مولده سنة ست وتسعين ومائة، وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام. وقال بعضهم: وسبعة أيام واثنتي عشرة ساعة.
    وكان ولد بطريق مكة، وأمه أم ولد روميّة؛ يقال لها قراطيس.
    واسمه هاروة وكنيته أبو جعفر.
    وذكر أنه لما اعتلّ علته التي مات فيها وسقى بطنه أمر بإحضار المنجمّين، فأحضروا؛ وكان ممن حضر الحسن بن سهل، أخو الفضل بن سهل، والفضل بن إسحاق الهاشمي وإسماعيل بن نوبخت ومحمد بن موسى الخوارزمي المجوسي القطربّلي وسند صاحب محمد بن الهيثم وعامة من ينظر في النجوم، فنظروا في علّته ونجمه ومولده، فقالوا: يعيش دهرًا طويلًا، وقدّ روا له خمسين سنة مستقبلة؛ فلم يلبث إلا عشرة أيام حتى مات.
    ذكر بعض أخباره

    ذكر الحسين بن الضحاك أنه شهد الواثق بعد أن مات المعتصم بأيام، وقد قعد مجلسًا كان أوّل مجلس قعده؛ فكان أوّل ما تغنّى به من الغناء في ذلك المجلس؛ أن تغنّت جارية إبراهيم بن المهدي:
    ما درى الحاملون يوم استقلوا ** نعشه للثواء أم للفناء
    فليقل فيك باكياتك ما شأ ** ن صباحًا ووقت كلّ مساء
    قال: فبكى والله وبكينا حتى شغلنا البكاء عن جميع ما كنّا فيه، ثم اندفع بعض المغنيين فغنّى:
    ودّع هريرة إنّ الركب مرتحل ** وهل تطيق وداعًا أيها الرجل!
    قال: فازداد والله في البكاء؛ وقال: ما سمعت كاليوم قطّ تعزية بأب ونعىّ نفس؛ ثم ارفضّ ذلك المجلس.
    وذكر عن عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع أن علي بن الجهم قال في الواثق بعد أن ولى الخلافة:
    قد فاز ذو الدنيا وذو الدين ** بدولة الواثق هارون
    أفاض من عدلٍ ومن نائلٍ ** ما أحسن الدنيا مع الدين
    قد عمّ بالإحسان في فضله ** فالناس في خفض وفي لين
    ما أكثر الداعي له بالبقا ** وأكثر التالي بآمين
    وقال علي بن الجهم أيضًا فيه:

  • صفحة 6 من 28 الأولىالأولى ... 4567816 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثامن)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 40
      آخر مشاركة: 09-01-2010, 05:38 AM
    2. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 80
      آخر مشاركة: 08-15-2010, 11:10 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 72
      آخر مشاركة: 08-14-2010, 11:05 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1