صفحة 6 من 19 الأولىالأولى ... 4567816 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 24 من 73

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ذكر خبر ولاية خالد بن عبد الله على البصرة

    وفي هذه السنة بعث عبد الملك خالد بن عبد الله على البصرة واليا. حدثني عمر، قال: حدثني علي بن محمد، قال: مكث حمران على البصرة يسيرا وخرج ابن أبي بكرة حتى قدم على عبد الملك الكوفة بعد مقتل مصعب، فولى عبد الملك خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد على البصرة وأعمالها، فوجه خالد عبيد الله بن أبي بكرة خليفته على البصرة، فلما قدم على حمران قال: أقد جئت، لا جئت! فكان ابن أبي بكرة على البصرة حتى قدم خالد.
    وفي هذه السنة رجع عبد الملك -فيما زعم الواقدي- إلى الشام.
    قال: وفيها نزع ابن الزبير جابر بن الأسود بن عوف عن المدينة، واستعمل عليها طلحة بن عبد الله بن عوف؟ قال: وهو آخر وال لابن الزبير على المدينة، حتى قدم عليها طارق بن عمرو مولى عثمان، فهرب طلحة، وأقام طارق بالمدينة حتى كتب إليه عبد الملك.
    وحج بالناس في هذه السنة عبد الله بن الزبير في قول الواقدي.
    خطبة عبد الله بن الزبير بعد مقتل مصعب

    وذكر أبو زيد عن أبي غسان محمد بن يحيى، قال: حدثني مصعب بن عثمان، قال: لما انتهى إلى عبد الله بن الزبير قتل مصعب قام في الناس فقال:
    الحمد لله الذي له الخلق والأمر، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء. ألا إنه لم يُذْلِلِ اللهُ من كان الحق معه وإن كان فردا، ولم يعزز من كان وليه الشيطان وحزبُه وإن كان معه الأنام طُرًّا. ألا وإنه قد أتانا من العراق خبرٌ حزننا وأفرحنا، أتانا قتل مُصعَب رحمة الله عليه، فأما الذي أفرحنا فعلمنا أن قتله له شهادة، وأما الذي حزننا فإن لفراق الحميم لوعة يجدها حميمُهُ عند المصيبة، ثم يرعوي من بعدها ذو الرأي إلى جميل الصبر وكريم العزاء، ولئن أُصبتُ بمصعب لقد أصبت بالزبير قبله، وما أنا من عثمانَ بخِلْوِ مصيبة، وما مصعب إلا عبدٌ من عبيد الله وعون من أعواني.
    ألا إن أهلَ العراق أهلُ الغَدر والنفاق، أسلموه وباعوه بأقل الثمن، فإن يقتل فإنا والله ما نموت على مضاجعنا كما تموت بنو أبي العاص، والله ما قتل منهم رجل في زَحف في الجاهلية ولا الاسلام، وما نموت إلا قَعصًا بالرماح، وموتا تحت ظلال السيوف. ألا إنما الدنيا عارية من الملك الأعلى الذي لا يزول سلطانه ولا يبيدُ مُلكُه، فإن تقبل لا آخذها أخذَ الأشِرِ البَطر، وإن تدبر لا أبكِ عليها بكاءَ الحَرِقِ المَهِين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
    وذكر أن عبد الملك لما قتل مصعبا ودخل الكوفة أمر بطعام كثير فصُنع. وأمر به إلى الخَوَرْنَق، وأذن إذنا عاما، فدخل الناس فأخذوا مجالسهم. فدخل عمرو بن حُرَيث المخزومي فقال: إلي وعلى سريري، فأجلسه معه. ثم قال: أي الطعام أكلت أحب إليك وأشهى عندك؟ قال: عَناق حمراء قد أجيد تمليحها، وأحكم نضجها، قال: ما صنعت شيئا، فأين أنت من عُمروس راضع قد أجيد سَمطه، وأحكم نُضجه، اختلجتَ إليك رجله. فأتبعتَها يده، غُذي بشَريجَين من لبن وسمن. ثم جاءت الموائد فأكلوا، فقال عبد الملك بن مروان: ما ألذ عيشها لو أن شيئا يدوم! ولكنّا كما قال الأول:
    وكل جديد يا أُمَيمَ إلى بُلًى ** وكل امرئ يوما يصير إلى كانْ
    فلما فرغ من الطعام طاف عبد الملك في القصر يقول لعمرو بن حريث: لمن هذا البيت؟ ومن بنى هذا البيت؟ وعمرو يخبره، فقال عبد الملك:
    وكل جديد يا أميم إلى بلى ** وكل امرئ يوما يصير إلى كان
    ثم أتى مجلسه فاستلقى وقال:
    اعمل على مَهَلٍ فإنك مَيّتٌ ** واكدَح لنفسك أيها الإنسانْ
    فكأن ما قد كان لم يكُ إذ مضى ** وكأن ما هو كائنٌ قد كان
    وفي هذه السنة افتتح عبد الملك -في قول الواقدي- قَيْسارية.
    ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث الجليلة
    قال أبو جعفر: فمن ذلك ما كان من أمر الخوارج وأمر المهلب بن أبي صفرة وعبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد.
    ذكر هشام بن محمد، عن أبي مخنف، أن حصيرة بن عبد الله وأبا زهير العبسي حدثاه أن الأزارقة والمهلب بعدما اقتتلوا بسولاف ثمانية أشهر أشد القتال، أتاهم أن مصعب بن الزبير قد قُتل، فبلغ ذلك الخوارج قبل أن يبلغ المهلب وأصحابه، فناداهم الخوارج: ألا تخبرونا ما قولكم في مصعب؟ قالوا: إمام هدى، قالوا: فهو وليكم في الدنيا والآخرة؟ قالوا: نعم، قالوا: وأنتم أولياؤه أحياء وأمواتا؟ قالوا: ونحن أولياؤه أحياء وأمواتا؟. قالوا: فما قولكم في عبد الملك بن مروان؟ قالوا: ذلك ابن اللعين، نحن إلى الله منه براء، هو عندنا أحل دما منكم، قالوا: فأنتم منه بُراء في الدنيا والآخرة؟ قالوا: نعم كبراءتنا منكم، قالوا: وأنتم له أعداء أحياء وأمواتا؟ قالوا: نعم نحن له أعداء كعداوتنا لكم، قالوا: فإن إمامكم مصعبا قد قتله عبد الملك بن مروان، ونراكم ستجعلون غدا عبد الملك إمامكم، وأنتم الآن تتبرؤون منه، وتلعنون أباه، قالوا: كذبتم يا أعداء الله.
    فلما كان من الغد تبين لهم قتل مصعب، فبايع المهلب الناس لعبد الملك بن مروان، فأتتهم الخوارج فقالوا: ما تقولون في مصعب؟ قالوا: يا أعداء الله، لا نخبركم ما قولنا فيه، وكرهوا أن يكذبوا أنفسهم عندهم، قالوا: فقد أخبرتمونا أمس أنه وليكم في الدنيا والآخرة، وأنكم أولياؤه أحياء وأمواتا، فأخبرونا ما قولكم في عبد الملك؟ قالوا: ذاك إمامنا وخليفتنا -ولم يجدوا إذ بايعوه بدا من أن يقولوا هذا القول- قالت لهم الأزارقة: يا أعداء الله، أنتم أمس تتبرؤون منه في الدنيا والاخرة، وتزعمون أنكم له أعداء أحياء وأموالا، وهو اليوم إمامكم وخليفتكم، وقد قتل إمامكم الذي كنتم تولونه فأيهما المحق، وأيهما المهتدي، وأيهما الضال! قالوا لهم: يا أعداء الله، رضينا بذاك إذ كان ولي أمورنا، ونرضى بهذا كما رضينا بذاك، قالوا: لا والله ولكنكم إخوان الشياطين، وأولياء الظالمين، وعبيد الدنيا.
    وبعث عبد الملك بن مروان بشر بن مروان على الكوفة، وخالد بن عبد الله بن خالد بن أسِيد على البصرة، فلما قدم خالد أثبت المهلب على خراج الأهواز ومعونتها، وبعث عامر بن مِسْمَع على سابور، ومقاتل بن مسمع على أرْدشِير خُرَّه، ومسمع بن مالك بن مسمع على فَساودرابْجِرد، والمغيرة بن المهلب على إصطخر.
    ثم إنه بعث إلى مقاتل فبعثه على جيش، وألحقه بناحية عبد العزيز، فخرج يطلب الأزارقة، فانحطوا عليه من قبل كرمان حتى أتوا دَرابْجِرد، فسار نحوهم. وبعث قَطَريٌّ مع صالح بن مخراق سبعمائة فارس، فأقبل يسير بهم حتى استقبل عبد العزيز وهو يسير بالناس ليلا، يجزون على غير تعبية، فهزم الناس، ونزل مقاتل بن مسمع فقاتل حتى قتل، وانهزم عبد العزيز بن عبد الله، وأخذت امرأته ابنة المنذر بن الجارود، فأقيمت فيمن يزيد، فبلغت مائة ألف -وكانت جميلة- فغار رجل من قومها كان من رؤوس الخوارج يقال له أبو الحديد الشَّنّي فقال: تنحوا هكذا، ما أرى هذه المشركة إلا قد فتنتكم، فضرب عنقها. ثم زعموا أنه لحق بالبصرة، فرآه آل منذر فقالوا: والله ما ندري أنحمدك أم نذمك! فكان يقول: ما فعلته إلا غيرة وحمية.
    وجاء عبد العزيز حتى انتهى إلى رامهرمز، وأتى المهلب فأخبر به، فبعث إليه شيخا من أشياخ قومه كان أحد فرسانه، فقال: ائته فإن كان منهزما فعزه وأخبره أنه لم يفعل شيئا لم يفعله الناس قبله، وأحبره أن الجنود تأتيه عاجلا، ثم يعزه الله وينصره. فأتاه ذلك الرجل، فوجده نازلا في نحو من ثلائين رجلا كئيبا حزينا، فسلم عليه الأزدي وأخبره أنه رسول المهلب، وبلغه ما أمره به وعرض عليه أن يذكر له ما كانت له من حاجة. ثم انصرف إلى المهلب فأخبره الخبر، فقال له المهلب: الحق الآن بخالد بالبصرة فأخبره الخبر، فقال: أنا آتيه أخبره أن أخاه هزم! والله لا آتيه. فقال المهلب: لا والله لا يأتيه غيرك، أنت الذي عاينه ورأيته، وأنت كنت رسولي إليه، قال: هو إذا بهديك يا مهلب أن ذهب إليه العام، ثم خرج. قال المهلب: أما أنت والله فإنك لي آمن، أما والله لو أنك مع غيري، ثم أرسلك على رجليك خرجت تشتد! قال له وأقبل عليه: كانك إنما تمن علينا بحلمك! فنحن والله نكافئك بل نزيد، أما تعلم أنا نُعرّض أنفسنا للقتل دونك، ونحميك من عدوك! ولو كنا والله مع من يجهل عليها ويبعثنا في حاجاته على أرجلنا، ثم احتاج إلى قتالنا ونصرتنا جعلناه بينا وبين عدونا، ووقينا به أنفسنا. قال له المهلب: صدقت صدقت. ثم دعا فتى من الأزد كان معه فسرحه إلى خالد يخبره خبر أخيه، فأتاه الفتى الأزدي وحوله الناس، وعليه جبة خضراء ومطرف أخضر، فسلم عليه، فرد عليه، فقال: ما جاء بك؟ قال: أصلحك الله! أرسلني إليك المهلب لأخبرك خبر ما عاينته، قال: وما عاينت؟ قال: رأيت عبد العزيز برامهرمز مهزوما، قال: كذبت، قال: لا، والله ما كذبت، وما قلت لك إلا الحق، فإن كنت كاذبا فاضرب عنقي، وإن كنت صادقا فأعطني أصلحك الله جبتك ومطرفك. قال: ويحك ما أيسر ما سألت، ولقد رضيت مع الخطر العظيم إن كنت كاذبا بالخطر الصغير إن كنت صادقا. فحبسه وأمر بالإحسان إليه حتى تبينت له هزيمة القوم، فكتب إلى عبد الملك:
    أما بعد، فإني أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أني بعثت عبد العزيز بن عبد الله في طلب الخوارج. وأنهم لقوه بفارس، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم عبد العزيز لما انهزم عنه الناس، وقتل مقاتل بن مسمع، وقدم الفَلّ إلى الأهواز. أحببت أن أعلم أمير المؤمنين ذلك ليأتيني رأيه وأمره أنزل عنده إن شاء الله. والسلام عليك ورحمة الله.
    فكتب إليه:
    أما بعد، فقد قدم رسولك في كتابك، تعلمني فيه بعثتك أخاك على قتال الحوإرج، وبهزيمة من هُزم، وقتل من قتل، وسألت رسولك عن مكان المهلب، فحدثني أنه عامل لك على الأهواز، فقبح الله رأيك حين تبعث أخاك أعرابيا من أهل مكة على القتال، وتدع المهلب إلى جنبك يجبي الخراج، وهو الميمون النقيبة، الحسن السياسة، البصير بالحرب، المقاسي لها، ابنها وابن أبنائها! انظر أن تنهض بالناس حتى تستقبلهم بالأهواز ومن وراء الأهواز. وقد بعثت إلى بِشر أن يُمدك بجيش من أهل الكوفة، فإذا أنت لقيت عدوك فلا تعمل فيهم برأي حتى تحضره المهلب، وتستشيره فيه إن شاء الله. والسلام عليك ورحمة الله.
    فشق عليه أنه فَيَّل رأيه في بعثة أخيه وترك المهلب، وفي أنه لم يرض رأيه خالصا حتى قال: أحضره المهلب واستشره فيه.
    وكتب عبد الملك إلى بشر بن مروان:
    أما بعد، فإني قد كتبت إلى خالد بن عبد الله آمره بالنهوض إلى الخوارج، فسرِح إليه خمسة آلاف رجل، وابعث عليهم رجلا من قبلك ترضاه، فإذا قضوا غزاتهم تلك صرفتهم إلى الري فقاتلوا عدوهم، وكانوا في مسالحهم، وجبوا فيئهم حتى تأتي أيام عقبهم فتُعقبهم وتبعث آخرين مكانهم.
    فقطع على أهل الكوفة خمسة آلاف، وبعث عليهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وقال: إذا قضيت غزاتك هذه فانصرف إلى الري. وكتب له عليها عهدا. وخرج خالد بأهل البصرة حتى قدم الأهواز، وجاء عبد الرحمن بن محمد ببعث أهل الكوفة حتى وافاهم بالأهواز، وجاءت الأزارقة حتى دنوا من مدينة الأهواز ومن معسكر القوم. وقال المهلب لخالد بن عبد الله: إني أرى هاهنا سفنا كثيرة، فضمها إليك. فوالله ما أظن القوم إلا محرقيها. فما لبث إلا ساعة حتى ارتفعت خيل من خيلهم إليها فحرقتها. وبعث خالد بن عبد الله على ميمنته المهلب، وعلى ميسرته داود بن قحذم من بني قيس بن ثعلبة، ومر المهلب على عبد الرحمن بن محمد ولم يخندق، فقال: يا ابن أخىِ، ما يمنعك من الخندق! فقال: والله لهم أهون علي من ضرطة الجمل، قال: فلا يهونوا عليك يا ابن أخي، فإنهم سباع العرب، لا أبرح أو تضرب عليك خندقا، ففعل.
    وبلغ الخوارج قول عبد الرحمن بن محمد لهم "أهون علي من ضرطة الجمل"، فقال شاعرهم:
    يا طالب الحق لا تُستَهو بالأمل ** فإن من دون ما تهوى مدى الأجل
    واعمل لربك واسأله مثوبته ** فإن تقواه فاعلم أفضلُ العمل
    واغزُ المخانيث في الماذي مُعْلِمة ** كيما تصبح غَدوًا ضرطة الجمل
    فاقاموا نحوا من عشرين ليلة. ثم إن خالدا زحف إليهم بالناس، فرأوا أمرًا هالهم من عدد الناس وعدتهم، فأخذوا ينحازون، واجترأ عليهم الناس، فكرت عليهم الخيل وزحف إليهم، فانصرفوا كأنهم على حامية وهم مولون لا يرون لهم طاقة بقتال جماعة الناس، وأتبعهم خالد بن عبد الله داود بن قحذم في جيش من أهل البصرة، وانصرف خالد إلى البصرة، وانصرف عبد الرحمن بن محمد إلى الري وأقام المهلب بالأهواز، فكتب خالد بن عبد الله إلى عبد الملك:
    أما بعد، فإني أخبر أمير المؤمنين أصلحه الله أني خرجت إلى الأزارقة الذين مرقوا من الدين، وخرجوا من ولاية المسلمين، فالتقينا بمدينة الأهواز فتناهضنا فاقتتلنا كأشد قتال كان في الناس. ثم إن الله أنزل نصره على المؤمنين والمسلمين، وضرب الله وجوه أعدائه، فاتبعهم المسلمون يقتلونهم، ولا يَمنعون ولا يمتنعون، وأفاء الله ما في معسكرهم على المسلمين، ثم أتبعتهم داود بن قحذم، والله إن شاء مهلكهم ومستأصلهم، والسلام عليك.
    فلما قدم هذا الكتاب على عبد الملك كتب عبد الملك إلى بشر بن مروان:
    أما بعد، فابعث من قبلك رجلا شجاعا بصيرا بالحرب في أربعة آلاف فارس، فليسيروا إلى فارس في طلب المارقة، فإن خالدا كتب إلي يخبرني أنه قد بعث في طلبهم داود بن قَحْذَم، فمر صاحبك الذي تبعث ألا يخالف داود بن قحذم إذا ما التقيا، فإن اختلاف القوم بينهم عون لعدوهم عليهم. والسلام عليك.
    فبعث بشر بن مروان عَتّاب بن ورقاء في أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة، فخرجوا حتى التقوا هم وداود بن قذحم بأرض فارس ثم اتبعوا المقوم يطلبونهم حتى نفقت خيول عامهم، وأصابهم الجهد والجوع، ورجع عامة ذَيْنِك الجيشين مشاة إلى الأهواز، فقال ابن قيس الرقيات -من بني مخزوم- في هزيمة عبد العزيز وفراره عن امرأته:
    عبدَ العزيز فضحتَ جيشك كلهم ** وتركتهم صرعى بكل سبيلِ
    من بين ذي عطش يجود بنفسه ** ومُلَحَّب بين الرجال قتيل
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    هلّا صبرت مع الشهيد مقاتلا ** إذ رُحت منتكث القُوَى بأصيل
    وتركت جيشك لا أمير عليهمُ ** فارجع بعار في الحياة طوبل
    ونسيت عِرسك إذ تُقاد سبيةً ** تُبكى العيونَ برنّة وعويل
    خروج أبي فديك الخارجي وغلبته على البحرين

    وفي هذه السنة كان خروج أبي فُدَيك الخارجي، وهو من بني قيس بن ثعلبة، فغلب على البحرين، وقتل نجدة بن عامر الحنفي، فاجتمع على خالد بن عبد الله نزول قطري الأهواز وأمر أبي فديك، فبعث أخاه أمية بن عبد الله على جند كثيف إلى أبي فديك، فهزمه أبو فديك، وأخذ جارية له فاتخذها لنفسه، وسار أمية على فرس له حتى دخل البصرة في ثلاثة أيام، فكتب خالد إلى عبد الملك بحاله وحال الأزارقة.
    خبر توجيه عبد الملك الحجاج لقتال ابن الزبير

    وفي هذه السنة وجه عبد الملك الحجاج بن يوسف إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير، وكان السبب في توجيه الحجاج إليه دون غيره -فيما ذكر- أن عبد الملك لما أراد الرجوع إلى الشام، قام إليه الحجاج بن يوسف فقال: يا أمير المؤمنين، إني رأيت في منامي أني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته، فابعثني إليه، وولني قتاله. فبعثه في جيش كثيف من أهل الشام، فسار حتى قدم مكة وقد كتب إليهم عبد الملك بالأمان إن دخلوا في طاعه.
    فحدثني الحارث، قال: حدثني عمد بن سعد، قال أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا مصعب بن ثابب، عن أبي الاسود، عن عبّاد بن عبد الله بن الزبير، قال: بعث عبد الملك بن مروان حين قُتل مصعب بن الزبير الحجاج بن يوسف إلى ابن الزبير بمكة، فخرج في ألفين من جند أهل الشام في جمادى من سنة اثنتين وسبعين، فلم يعرض للمدينة، وسلك طريق العراق، فنزل بالطائف، فكان يبعث البعوث إلى عرفة في الخيل، ويبعث ابن الزبير بعئا فيقتتلون هنالك، فكل ذلك تهزم خيل ابن الزبير وترجع خيل الحجاج بالظفر. ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في حصار ابن الزبير ودخول الحرم عليه ويخبره أن شوكته قد كلّت، وتفرق عنه عامة أصحابه، ويسأله أن يمده برجال، فجاءه كتاب عبد الملك، وكتب عبد الملك إلى طارق بن عمرو يأمره أن يلحق بمن معه من الجند بالحجاج، فسار في خمسة آلاف من أصحابه حتى لحق بالحجاج، وكان قدوم الحجاج الطائف في شعبان سنة الثانية وسبعين. فلما دخل ذو القعدة رحل الحجاج من الطائف حتى نزل بئر ميمون وحصر ابن الزبير.
    حج الحجاج بالناس في هذه السنة وابن الزبير محصور، وكان قدوم طارق مكة لهلال ذي الحجة، ولم يطف بالبيت ولم يصل إليه وهو محرم، وكان يلبس السلاح ولا يقرب النساء ولا الطيب إلى أن قتل عبد الله بن الزبير. ونحر ابن الزبير بدنا بمكة يوم النحر، ولم يحج ذلك العام ولا أصحابه لأنهم لم يقفوا بعرفة.
    قال محمد بن عمر: حدثني سعيد بن مسلم بن بابك، عن أبيه، قال: حججت في سنة الثانية وسبعين فقدمنا مكة، فدخنلاها من أعلاها، فنجد أصحاب الحجاج وطارق فيما بين الحَجون إلى بئر ميمون، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حج بالناس الحجاج، فرأيته واقفا بالهضبات من عرفة على فرس، وعليه الدرع والمغفر، ثم صَدَر فرأيته عدل إلى بئر ميمون، ولم يطُف بالبيت وأصحابه متسلحون، ورأيت الطعام عندهم كثيرا، ورأيت العير تأتي من الشأم تحمل الطعام، الكعك والسَّويق والدقيق، فرأيت أصحابه مخاصيب، ولقد ابتعنا من بعضهم كعكا بدرهم، فكفانا إلى أن بلغنا الجُحفة وإنا لثلاثة نفر.
    قال محمد بن عمر: حدثني مصعب بن ثابت، عن نافع مولى بني أسد، قال -وكان عالما بفتنة ابن الزبير- قال: حصر ابن الزبير ليلة هلال ذي القعدة سنة الثانية وسبعين.
    أمر عبد الله بن خازم السلمي مع عبد الملك

    وفي هذه السنة كتب عبد الملك إلى عبد الله بن خازم السُّلمي يدعوه إلى بيعته ويُطعِمه خُراسان سبع سنين، فذكر علي بن محمد أن المفضَّل بن محمد ويحيى بن طُفيل وزهير بن هُنيد حدثوه -قال: وفي خبر بعضهم زيادة على خبز بعض- أن مُصعب بن الزبير قتل سنة الثانية وسبيعن وعبد الله بن خازم بأبْرشَهْر يقاتل بحير بن ورقاء الصُّريمي صُرَيم بن الحارث، فكتب عبد الملك بن مروان إلى ابن خازم مع سورة بن أشيم النُّمَيري: إن لك خراسان سبع سنين على أن تبايع لي. فقال ابن خازم لسورة: لولا أن أضرب بين بني سُلَيم وبني عامر لقتلتك ولكن كلْ هذه الصحيفة، فأكلها.
    قال: وقال أبو بكر بن محمد بن واسع: بل قدم بعهد عبد الله بن خازم سوادةُ بن عبيد الله النميري.
    وقال بعضهم: بعث عبد الملك إلى ابن خازم سِنان بن مكمّل الغَنوي، وكتب إليه: إن خراسان طُعمة لك، فقال له ابن خازم: إنما بعثك أبو الذبان لأنك من غَني، وقد علم أني لا أقتل رجلا من قيس، ولكن كُلْ كتابه.
    قال: وكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح أحد بني عوف بن سعد -وكان خليفة ابن خازم على مرو- بعهده على خراسان ووعده ومنّاه، فخلع بكير بن وشاح عبد الله بن الزبير، ودعا إلى عبد الملك بن مروان، فأجابه أهل مرو، وبلغ ابن خازم فخاف أن يأتيه بكير بأهل مَرْو، فيجتمع عليه أهل مرو وأهل أبرشهر، فترك بحيرا، وأقبل إلى مرو يريد أن يأتي ابنه بالتِّرمِذ، فاتبعه بحير، فلحقه بقرية يقال لها بالفارسية: شاهميغد، بينها وبين مرو ثمانية فراسخ.
    قال: فقاتله ابن خازم، فقال مولى لبني ليث: كنت قريبا من معترك القوم في منزل، فلما طلعت الشمس تهايج العسكران، فجعلت أسمع وقع السيوف، فلما ارتفع النهار خفيت الأصرات، فقلت: هذا لارتفاع النهار، فلما صليت الظهر -أو قبل الظهر- خرجت، فتلقاني رجل من بني تميم، فقلت: ما الخبر؟ قال: قتلتُ عدو الله ابن خازم وها هو ذا، وإذا هو محمول على بغل، وقد شدوا في مذاكيره حبلا وحجرا وعدلوه به على البغل.
    قال: وكان الذي قتله وكيع بن عُميرة القُريعي وهو ابن الدَّوْرَقية، اعتَور عليه بحير بن ورقاء وعمار بن عبد العزيز الجُشمي ووكيع، فطعنوه فصرعوه، فقعد وكيع على صدره فقتله، فقال بعض الولاة لوكيع: كيف قتلت ابن خازم؟ قال: غلبته بفضل القَنا، فلنا صرع قعدت على صدره، فحاول القيام فلم يقدر عليه، وقلت: يا لثارات دويلة ودويلة - أخ لوكيع لأمه، قُتل قبل ذلك في غير تلك الأيام.
    قال وكيع: فتنخم في وجهي وقال: لعنك الله تقتل كبش مضر بأخيك، علْج لا يساوي كفا من نوى -أو قال: من تراب- فما رأيت أحدا أكثر ريقا منه على تلك الحال عند الموت.
    قال: فذكر ابن هبيرة يوما هذا الحديث فقال: هذه والله البسالة. قال: وبعث بحير ساعة قتل ابن خازم رجلا من بني غُدانة إلى عبد الملك بن مروان يخبره بقتل ابن خازم، ولم يبعث بالرأس، وأقبل بكير بن وشاح في أهل مرو فوافاهم حين قتل ابن خازم، فارأد أخذ رأس ابن خازم، فمنعه بحير، فضربه بكير بعمود، وأخذ الرأس وقيد بحيرا وحبسه، وبعث بكير بالرأس إلى عبد الملك، وكتب إليه يخبره أنه هو الذي قتله، فلما قدم بالرأس على عبد الملك دعا الغُداني رسول بَحير وقال: ما هذا؟ قال: لا أدري، وما فارقت القوم حتى قتل، فقال رجل من بني سليم:
    أليلتنا بنيسابور رُدّي ** على الصبح ويحك أو أنيري
    كواكبها زواحف لاغِبات ** كأن سماءها بيدي مُديرِ
    تلوم على الحوادث أم زيد ** وهل لك في الحوادث من نكير!
    جهلن كرامتي وصددن عني ** إلى أجل من الدنيا قصير
    فلو شهد الفوارس من سُليمٍ ** غداة يطاف بالأسد العقير
    لنازل حوله قوم كرام ** فعز الوِترُ في طلب الوتور
    فقد بقيتْ كلاب نابحات ** وما في الأرض بعدك من زئير
    فولى الحج بالناس في هذه السنة الحجاج بن يوسف.
    وكان العامل على المدينة طارق مولى عثمان من قبل عبد الملك، وعلى الكوفة بشر بن مروان، وعلى قضائها عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود. وعلى البصرة خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى قضائها هشام بن هبيرة. وعلى خراسان في قول بعضهم عبد الله بن خازن السلمي، وفي قول بعض: بكير بن وشاح. وزعم من قال كان على خراسان في سنة الثانية وسبعين عبد الله بن خازم أن عبد الله بن خازم إنما قتل بعدما قتل عبد الله بن الزبير، وأن عبد الملك إنما كتب إلى عبد الله بن خازم يدعوه إلى الدخول في طاعته على أن يطعمه خراسان عشر سنين بعدما قتل عبد الله بن الزبير، وبعث برأسه إليه، وأن عبد الله بن خازم حلف لما ورد عليه رأس عبد الله بن الزبير ألا يعطيه طاعة أبدا، وأنه دعا بطست فغسل رأس ابن الزبير، وحنطه وكفنه، وصلى عليه، وبعث به إلى أهل عبد الله بن الزبير بالمدينة، وأطعم الرسول الكتاب، وقال: لولا أنك رسول لضربت عنقك. وقال بعضهم: قطع يديه ورجليه وضرب عنقه.
    فصل نذكر فيه الكتاب من بدء أمر الإسلام

    روى هشام وغيره أن أول من كتب من العرب حرب بن أمية بن عبد شمس بالعربية. وأن أول من كتب بالفارسية بيوراسب، وكان في زمان إدريس. وكان أول من صنف طبقات الكتاب وبين منازلهم لهراسب بن كاوغان بن كيموس.
    وحكي أن أبرويز قال لكاتبه: إنما الكلام أربعة أقسام: سؤالك الشيء، وسؤالك عن الشيء، وأمرك بالشيء، وخبرك عن الشيء، فهذه دعائم المقالات إن التمس لها خامس لم يوجد، وإن نقص منها رابع لم تتم، فإذا طلبت فأسجح، وإذا سألت فأوضح، وإذا أمرت فأحتم، وإذا أخبرت فحقق.
    وقال أبو موسى الأشعري: أول من قال أما بعد داود، وهي فصل الخطاب الذي ذكره الله عنه.
    وقال الهيثم بن عدي: أول من قال "أما بعد" قس بن ساعدة الإيادي.
    أسماء من كتب للنبي

    علي بن أبي طالب عليه السلام وعثمان بن عفان، كانا يكتبان الوحي، فإن غابا كتبه أبي بن كعب وزيد بن ثابت.
    وكان خالد بن سعيد بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان يكتبان بين يديه في حوائجه.
    وكان عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث والعلاء بن عقبة يكتبان بين القوم في حوائجهم، وكان عبد الله بن الأرقم ربما كتب إلى الملوك عن النبي .
    أسماء من كان يكتب للخلفاء والولاة

    وكتب لأبي بكر عثمان وزيد بن ثابت وعبد الله بن الأرقم وعبد الله بن خلف الخزاعي وحنظلة بن الرببع.
    وكتب لعمر بن الخطاب زيد بن ثابت وعبد الله بن الأرقم وعبد الله بن خلف الخزاعي أبو طلحة الطلحات على ديوان البصرة. وكتب له على ديوان الكوفة أبو جبيرة بن الضحاك الأنصاري.
    وقال عمر بن الخطاب لكتابه وعماله: إن القوة على العمل ألا تؤخروا عمل اليوم لغد، فإنكم إذا فعلتم ذلك تذاءبت عليكم الأعمال، فلا تدرون بأيها تبدؤون وأيها تأخذون. وهو أول من دون الدواوين في العرب في الإسلام.
    وكان يكتب لعثمان مروان بن الحكم، وكان عبد الملك يكتب له على ديوان المدينة، وأبو جبيرة الأنصاري على ديوان الكوفة، وكان أبو غطفان بن عوف بن سعد بن دينار من بني دهمان بن قيس عيلان يكتب له، وكان يكتب له أهيب مولاه، وحمران مولاه.
    وكان يكتب لعلي عليه السلام سعيد بن نمران الهمداني، ثم ولي قضاء الكوفة لابن الزبير. وكان يكتب له عبد الله بن مسعود، وروي أن عبد الله بن جبير كتب له. وكان عبيد الله به أبي رافع يكتب له. واختلف في اسم أبي رافع، فقيل اسمه إبراهيم، وقيل أسلم، وقيل سنان، وقيل عبد الرحمن.
    وكان يكتب لمعاوية على الرسائل عبيد بن أوس الغساني. وكان يكتب له على ديوان الخراج سرجون بن منصور الرومي. وكتب له عبد الرحمن بن دراج، وهو مولى معاوية، وكتب على بعض دواوينه عبيد الله بن نصر بن الحجاج بن علاء السلمي.
    وكان يكتب لمعاوية بن يزيد الريان بن مسلم، ويكتب له على الديوان سرجون. ويروى أنه كتب له أبو الزعيزعة.
    وكتب لعبد الملك بن مروان قبيصة بن ذؤيب بن حلجلة الخزاعي، ويكنى أبا إسحاق. وكتب على ديوان الرسائل أبو الزعيزعة مولاه.
    وكان يكتب للوليد القعقاع بن خالد -أو خليد العبسي- وكتب له على ديوان الخراج سليمان بن سعد الخشني، وعلى ديوان الخاتم شعيب العماني مولاه، وعلى ديوان الرسائل جناح مولاه، وعلى المستغلات نفيع بن ذؤيب مولاه.
    وكان يكتب لسليمان سليمان بن نعيم الحميري.
    وكان يكتب لمسلمة سجيع مولاه، وعلى ديوان الرسائل الليث بن أبي رقية مولى أم الحكم بنت أبي سفيان، وعلى ديوان الخراج سليمان بن سعد الخشني، وعلى ديوان الخاتم نعيم بن سلامة مولى لأهل اليمن من فلسطين، وقيل بل رجاء بن حيوة كان يتقلد الخاتم.
    وكان يكتب ليزيد بن المهلب المغيرة بن أبي فروة.


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    وكان يكتب لعمر بن عبد العزيز الليث بن أبى رقية مولى أم الحكم بنت أبي سفيان، ورجاء بن حيوة. وكتب له إسماعيل بن أبى الحكم مولى الزبير، وعلى ديوان الخراج سليمان بن سعد الخشني، وقلد مكانه صالح بن جبير الغساني -وقيل: الغداني- وعدي بن الصباح بن المثنى، ذكر الهيثم بن عدي أنه كان من جلة كتابه.
    وكتب ليزيد بن عبد الملك قبل الخلافة رجل يقال له يزيد بن عبد الله، ثم استكتب أسامة بن زيد السليحي.
    وكتب لهشام سعيد بن الوليد بن عمرو بن جبلة الكلبي الأبرش، ويكنى أبا مخاشع، وكان نصر بن سيار يتقلد ديوان خراج خراسان لهشام. وكان من كتابه بالرصافة شعيب بن دينار. وكان يكتب للوليد بن يزيد بكير بن الشماخ، وعلى ديوان الرسائل سالم مولى سعيد بن عبد الملك، ومن كتابه عبد الله بن أبي عمرو، ويقال عبد الأعلى بن أبي عمرو، وكتب له على الحضرة عمرو بن عتبة.
    وكتب ليزيد بن الوليد الناقص عبد الله بن نعيم، وكان عمرو بن الحارث مولى بني جمح يتولى له ديوان الخاتم، وكان يتقلد له ديوان الرسائل ثابث بن سليمان بن سعد الخشني -ويقال الربيع بن عرعرة الخشني- وكان يتقلد له الخراج والديوان الذي للخاتم الصغير النضر بن عمرو من أهل اليمن.
    وكتب لإبراهيم بن الوليد ابن أبي جمعة، وكان يتقلد له الديوان بفلسطين، وبايع الناس إبراهيم -أعني ابن الوليد- سوى أهل حمص، فإنهم بايعوا مروان بن محمد الجعدي.
    وكتب لمروان عبد الحميد بن يحيى مولى العلاء بن وهب العامري ومصعب بن الربيع الخثعمي، وزياد بن أبي الورد. وعلى ديوان الرسائل عثمان بن قيس مولى خالد القسري. وكان من كتابه مخلد بن محمد بن الحارث -ويكنى أبا هاشم- ومن كتابه مصعب بن الربيع الخثعمي، ويكنى أبا موسى. وكان عبد الحميد بن يحيى من البلاغة في مكان مكين، ومما اختير له من الشعر:
    تَرحّلَ ما ليس بالقافل ** وأعقَبَ ما ليس بالزائلِ
    فلهفي على الخَلَف النازل ** ولهفي على السلف الراحل
    أُبكّي على ذا وأَبكِي لذا ** بكاء مولهة ثاكل
    تُبَكّي من ابن لها قاطع ** وتبكي على ابن لها واصل
    فليستْ تفتَّرُ عن عَبْرة ** لها في الضمير ومن هامل
    تقضَّت غَواياتُ سُكْرِ الصبى ** وردَّ التُّقى عَنَنَ الباطل
    وكتب لأبي العباس خالد بن بَرْمَك، ودفع أبو العباس ابنته رَيطة إلى خالد بن برمك حتى أرضعتها زوجته أم خالد بنت يزيد بلِبان بنت لخالد تدعى أم يحيى، وأرضعت أم سلمة زوجة أبي العباس أم يحيى بنت خالد بلبان ابنتها ريطة. وقلد ديوان الرسائل صالح بن الهيثم مولى ريطة بنت أبي العباس.
    وكتب لأبي جعفر المنصور عبد الملك بن حُميد مولى حاتم بن النعمان الباهلي من أهل خُراسان، وكتب له هاشم بن سعيد الجُعفي وعبد الأعلى بن أبي طلحة من بني تميم بواسط. وروي أن سليمان بن مخلد كان يكتب لأبي جعفر، ومما كان يتمثل به أبو جعفر المنصور:
    وما إنْ شَفى نفسا كأمر صريمة ** إذا حاجة في النفس طال اعتراضتُها
    وكتب له الربيع. وكان عُمارة بن حمزة من نبلاء الرجال، وله:
    لا تَشْكون دهرا صَحَحتَ به ** إن الغنى في صحة الجسم
    هبك الإمام أكنت منتفعا ** بغضارة الدنيا مع السقم
    وكان يتمثل بقول عبد بني الحَسحاس:
    أمِنْ أمية دمع العين مذروف ** لو أن ذا منك في اليوم معروفُ
    لا تُبكِ عينَك إن الدهر ذو غِيَرٍ ** فيه تفرَّق ذو إلف ومألوفُ
    وكتب للمهدي أبو عببد الله وأبان بن صدقة على ديوان رسائله، ومحمد بن حُميد الكاتب على ديوان جنده ويعقوب بن داود، وكان اتخذه على وزارئه وأمره، وله:
    عجبا لتصريف الأمو ** ر محبةً وكراهيه
    والدهر يلعب بالرجا ** لِ له دوائرُ جاريه
    ولابنه عبد الله بن يعقوب - وكان له محمد ويعقوب، كلاهما شاعر مجيد:
    وزع المشيب شراستي وغرامي ** ومَرَى الجفون بمُسبَل سَجّام
    ولقد حرصتُ بأن أواري شخصه ** عن مقلتي فرُمتُ غير مرام
    وصبغت ما صبغ الزمان فلم يدم ** صِبغي ودامت صِبغة الأيام
    لا تَبعدنَّ شيبة ذيالة ** فارقتُها في سالف الأعوام
    ما كان ما استصحبت من أيامها ** إلا كبعض طوارق الأحلام
    ولأبيه:
    طلق الدنيا ثلاثا ** واتخذ زوجا سواها
    إنها زوجة سوء ** لا تبالي من أتاها
    واستوزر بعده الفيض بن أبي صالح، وكان جوادا.
    وكتب للهادي موسى عُبيد الله بن زياد بن أبي ليلى ومحمد بن حُميد.
    وسأل المهدي يوما أبا عبيد الله عن أشعار العرب، فصنفها له، فقال: أحكمها قول طَرفة بن العبد:
    أرى قبر نحام بخيل بماله ** كقبر غَوي في البطالة مُفسدِ
    ترى جثوتين من تراب عليهما ** صفائح صُمٌّ من صفيح مصمَّد
    أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ** عقيلة مال الفاحش المتشدد
    أرى العيش كنزا ناقصا كل ليلة ** وما تنقص الأيام والدهر يَنفَدِ
    لعمرُك إن الموت ما أخطأ الفتى ** لكالطول المُرخى وثِنياه باليد
    وقوله:
    وقد أرانا كلانا هَمّ صاحبه ** لو أن شيئا إذا ما فاتنا رَجعا
    وكان شيء إلى شيء ففرّقَه ** دهر يكرُّ على تفريق ما جمَعا
    وقول لبيد:
    ألا تسألانِ المرءَ ماذا يحاولُ ** أنَحبٌ فيُقضى أم ضلالٌ وباطلُ
    ألا كلُّ شيء ما خلا اللهَ باطلُ ** وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ
    أرى الناس لا يدرون ما قدرُ أمرِهمْ ** بلى كل ذي رأيٍ إلى الله واسِلُ
    وكقول النابغة الجعدي:
    وفد طال عهدي بالشباب وأهله ** ولاقيتُ رَوعات تٌشيبٌ النواصيا
    فلم أجِدِ الإخوان إلا صحابةً ** ولم أجِدِ الأهلين إلا مثاويا
    ألم تعلمي أن قد رُزِئتُ مُحاربا ** فما لك من اليوم شيءٌ ولا ليا
    وكقول هُدبة بن خَشرَم:
    ولستُ بمفراح إذا الدهر سرّني ** ولا جازع من صرفه المتقلبِ
    ولا أبتغي الشر والشرُّ تاركي ** ولكن متى أحمل على الشر أركبِ
    وما يعرفُ الأقوامُ للدهر حقَّه ** وما الدهر مما يكرهون بمُعتِبِ
    وللدهر في أهل الفتى وتِلادِه ** نصيب كحزِّ الجازِر المتشعِّب
    وكقول زيادة بن زيد، وتمثل به عبد الملك بن مروان:
    تذكَّر عن شحط أميمة فارعَوى ** لها بعد إكثار وطول نحيبِ
    وإنَّ امرأً قد جرب الدهرلم يخَفْ ** تقلب عَصرَيه لغيرُ لبيب
    هل الدهر والأيام إلا كما ترى ** رزيئة مال أو فراق حبيب
    وكل الذي يأتي فأنت نسيبُهُ ** ولست لشيء ذاهب بنسيب
    وليس بعيد ما يجيءكمقبل ** ولا ما مضى من مُفرح بقريب
    وكقول ابن مُقبل:
    لما رأت بَدل الشباب بكت له ** والشيب أرذلُ هذه الأبدالِ
    والناس همهم الحياة ولا أرى ** طول الحياة يزيدُ غير خَبال
    وإذا افتقرت إلى الذخائرَ لم تجد ** ذخرا يكون كصالح الأعمال
    ووزر له يحيى بن خالد. ووزر للرشيد ابنه جعفر بن يحيى بن خالد، فمن مليح كلامه: "الخط سمة الحكمة، به تفصَّل شُذورها، وينظم منثورها".
    قال ثمامة: قلت لجعفر بن يحيى: ما البيان؟ فقال: أن يكرن الاسم محيطا بمعناك، مخبرا عن مغزاك، مخرجا من الشركة، غير مستعان عليه بالفكرة.
    قال الأصمعي: سمعت يحيى بن خالد يقول: الدنيا دول، والمال عارية، ولنا بمن قبلنا أسوة، وفينا لمن بعدنا عبرة.
    ونأتي بتسمية باقي كتّاب خلفاء بني العباس إذا انتهينا إلى الدولة العباسية إن شاء الله تعالى.
    ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين

    ذكر الكائن الذي كان فيها من الأمور الجليلة

    خبر مقتل عبد الله بن الزبير

    فمن ذلك مقتل عبد الله بن الزبير.
    ذكر الخبر عن صفة ذلك
    حدثني الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر. قال: حدثني إسحاق بن يحيى، عن عبيد الله بن القبطية، قال: كانت الحرب بين ابن الزبير والحجاج ببطن مكة ستة أشهر وسبع عشرة ليلة.
    قال محمد بن عمر: وحدثني مصعب بن ثابت، عن نافع مولى بني أسد -وكان عالما بفتنة ابن الزبير- قال: حصر ابن الزبير ليلة هلال ذي القعدة سنة الثانية وسبعين وقتل لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وكان حصر الحجاج لابن الزبير ثمانية أشهر وسبع عشرة ليلة.
    حدثنا الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني إسحاق بن يحيى، عن يوسف بن ماهك. قال: رأيت المنجنيق يرمى به، فرعدت السماء وبرقت، وعلا صوت الرعد والبرق على الحجارة، فاشتمل عليها، فأعظم ذلك أهل الشام، فأمسكوا بأيديهم، فرفع الحجاج بركة قبائه فغرزها في منطقته، ورفع حجر المنجنيق فوضعه فيه، ثم قال: ارموا، ورمى معهم.


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    قال: ثم أصبحوا، فجاءت صاعقة تتبعها أخرى، فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا، فانكسر أهل الشام، فقال الحجاج: يا أهل الشام، لا تنكروا هذا فإني ابن تهامة، هذه صواعق تهامة، هدا الفتح قد حضر فأبشروا، إن القوم يصيبهم مثل ما أصابكم، فصعقت من الغد. فأصيب من أصحاب ابن الزبير عدة، فقال الحجاج: ألا ترون أنهم يصابون، وأنتم على الطاعة وهم على خلاف الطاعة. فلم تزل الحرب ببن ابن الزبير والحجاج حتى كان قبيل مقتله وقد تفرق عنه أصحابه، وخرج عامة أهل مكة إلى الحجاج في الأمان.
    حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني إسحاق بن عبد الله، عن المنذر بن جهم الأسدي، قال: رأيت ابن الزبير يوم قتل وقد تفرق عنه أصحابه وخذله من معه خذلانا شديدا. وجعلوا يخرجون إلى الحجاج حتى خرج إليه نحو من عشرة آلاف.
    وذكر أنه كان ممن فارقه وخرج إلى الحجاج ابناه حمزة وخُبيب، فأخذا منه لأنفسهما أمانا، فدخل على أمه أسماء، كما ذكر محمد بن عمر عن أبي الزناد، عن مخرمة بن سليمان الوالبي، قال: دخل ابن الزبير على أمه حين رأى من الناس ما رأى من خذلانهم، فقال: يا أمه، خذلني الناس حتى ولدي وأهلي، فلم يبق معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطوني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: أنت والله يا بني أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له. فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت! أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك. وإن قلت: كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت، فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا! القتل أحسن. فدنا ابن الزبير فقبل رأسها وقال: هذا والله رأيي، والذي قمت به داعيا إلى يومي هذا، ما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله أن تستحل حرمه. ولكني أحببت أن أعلم رأيك، فزدتني بصيرة مع بصيرتي. فانظري يا أمه فإني مقتول من يومي هذا، فلا يشتد حزنك، وسلمي الأمر لله، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر ولا عملا بفاحشة، ولم يجُر في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به بل أنكرته. ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي. اللهم إني لا أقول هذا تزكية مني لنفسي، أنت أعلم بي، ولكن أقوله تعزية لأمي لتسلو عني. فقالت أمه: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن تقدمتني، وإن تقدمتك ففي نفسي، اخرج حتى أنظر إلى ما يصير أمرك. قال: جزاك الله يا أمه خيرا، فلا تدعي الدعاء لي قبل وبعد. فقلت: لا أدعه أبدا، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق. ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة، وبره بأبيه وبي. اللهم قد سلمت لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين.
    قال مصعب بن ثابت: فما مكثت بعده إلا شهرا، ويقال: خمسة أيام.
    قال محمد بن عمر: حدثني موسى بن يعقوب بن عبد الله عن عمه قال: دخل ابن الزبير على أمه وعليه الدرع والغفر فوقف فسلم، ثم دنا فتناول يدها فقبلها. فقالت: هذا وداع فلا تبعد، قال ابن الزبير: جئت مودعا إني لأرى هذا آخر يوم من الدنيا يمر بي، واعلمي يا أمه أني إن قتلت فإنما أنا لحم لا يضرني ما صنع بي، قالت: صدقت يا بني، أتمم على بصيرتك، ولا تمكن ابن أبي عقيل منك، وادن مني أودعك، فدنا منها فقبلها وعانقها، وقالت حيث مست الدرع: ما هذا صنيع من يريد ما تريد! قال: ما لبست هذا الدرع إلا لأشُد منك، قالت العجوز: فإنه لا يشد مني، فنزعها ثم أدرج كميه، وشد أسفل قميصه، وجبة خز تحت القميص فأدخل أسفلها في المنطقة، وأمه تقول: البس ثيابك مشمرة، ثم انصرف ابن الزبير وهو يقول:
    إني إذا أعرف يومي أصبر ** إذ بعضهم يعرف ثم ينكرْ
    فسمعت العجوز قوله، فقالت: تصبر والله إن شاء الله، أبوك أبو بكر والزبير، وأمك صفية بنت عبد المطلب.
    حدثني الحارث، قال: حدثني ابن سعد، قال: أخبرني محمد بن عمر، قال: أخبرنا ثور بن يزيد، عن شيخ من أهل حمص شهد وقعة ابن الزبير مع أهل الشام، قال: رأيته يوم الثلاثاء وإنا لنطلع عليه أهل حمص خمسمائة خمسمائة من باب لنا ندخله، لا يدخله غيرنا، فيخرج إلينا وحده في أثرنا، ونحن منهزمرن منه، فما أنسى أرجوزة له:
    إني إذا أعرف يومي أصبِرْ ** وإنما يعرف يومَيهِ الحرّْ
    إذا بعضُهم يَعرِف ثم يُنكِرْ
    فأقول: أنت والله الحر الشريف، فلقد رأيته يقف في الأبطح ما يدنو منه أحد حتى ظننا أنه لا يقتل.
    حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا مصعب بن ثابت، عن نافع مولى بني أسد، قال: رأيت الأبواب قد شحنت من أهل الشام يوم الثلاثاء، وأسلم أصحاب ابن الزبير المحارس، وكثرهم القوم فأقاموا على كل باب رجالا وقائدا وأهل بلد، فكان لأهل حمص الباب الذي يواجه باب الكعبة، ولأهل دمشق باب بني شيبة، ولأهل الأردن باب الصفا، ولأهل فلسطين باب بني جمح، ولأهل قنسرين باب بني سهم، وكان الحجاج وطارق بن عمرو جميعا في ناحية الأبطح إلى المروة، فمرة يحمل ابن الزبير في هذه الناحية، ومرة في هذه الناحية. فلكأنه أسد في أجمة ما يقدم عليه الرجال. فيعدو في أثر القوم وهم على الباب حتى يخرجهم وهو يرتجز:
    إني إذا أعرف يومي أصبر ** وأنما يعرف يومَيْه الحر
    ثم يصيح: يا أبا صفوان، ويل أمه فتحا لو كان له رجال!
    لو كان قِرني واحدا كفيتهْ
    قال ابن صفوان: إي والله وألف.
    حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: فحدثني ابن أبي الزناد وأبو بكر بن عبد الله بن مصعب، عن أبي المنذر. وحدثنا نافع مولى بني أسد، قالا: لما كان يوم الثلاثاء صبيحة سبع عشرة من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وقد أخذ الحجاج على ابن الزبير بالأبواب، بات ابن الزبير يصلي عامة الليل، ثم احتبى بحمائل سيفه فأغفى، ثم انتبه بالفجر فقال: أذن يا سعد، فأذن عند المقام، وتوضأ ابن الزبير، وركع ركعتي الفجر، ثم تقدم، وأقام المؤذن، فصلى بأصحابه، فقرأ (ن والقلم) حرفا حرفا، ثم سلم، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اكشفوا وجوهكم حتى أنظر، وعليهم المغافر والعمائم، فكشفوا وجوههم فقال: يا آل الزبير، لو طبتم لي نفسا عن أنفسكم كنا أهل بيت من العرب اصطُلِمنا في الله لم تصبنا زبّاءُ بتّة. أما بعد يا آل الزبير، فلا يرُعكم وقع السيوف، فإني لم أحضر موطئا قط إلا ارتثثت فيه من القتل، وما أجد من أدواء جراحها أشد مما أجد من ألم وقعها. صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم، لا أعلم امرأ كسر سيفه واستبقى نفسه، فإن الرجل إذا ذهب سلاحه فهر كالمرأة أعزل، غضوا أبصاركم عن البارقة، وليشغل كل امرئ قِرنه، ولا يلهينكم السؤال عني، ولا تقولن أين عبد الله بن الزبير، ألا من كان سائلا عني فإني في الرعيل الأول:
    أبى لابن سلمى أنه غيرُ خالد ** ملاقي المنايا أيَّ صَرْفٍ تيمَّما
    فلستُ بمُبتاع الحياة بسُبّةٍ ** ولا مُرتَقٍ من خشية الموت سُلَّما
    احملوا على بركة الله.
    ثم حمل عليهم حتى بلغ بهم الحَجون، فرمي بآجرة فأصابته في وجهه فأرعش لها، ودُمي وجهه، فلما وجد سخونة الدم يسيل على وجهه ولحيته قال:
    فلسنا على الأعقاب تدمى كلومُنا ** ولكن على أقدامنا تقطر الدما
    وتغاوَوا عليه.
    قالا: وصاحت مولاة لنا مجنونة: وا أمير المؤمنيناه! قالا: وقد رأته حيث هوى، فأشارت لهم إليه، فقتل وإن عليه ثياب خَزّ. وجاء الخبر إلى الحجاج، فسجد وسار حتى وقف عليه وطارق بن عمرو، فقال طارق: ما ولدت النساء أذكرَ من هذا، فقال الحجاج: تمدح من يخالف طاعة أمير المؤمنين! قال: نعم، هو أعذر لنا، ولولا هذا ما كان لنا عذر، إنا محاصروه وهو في غير خندق ولا حصن ولا منعة منذ سبعة أشهر ينتصف منا، بل يفضل علينا في كل ما التقينا نحن وهو. فبلغ كلامهما عبد الملك، فصوّب طارقا.
    حدثنا عمر قال: حدثنا أبو الحسن، عن رجاله، قال: كأني أنظر إلى ابن الزبير وقد قتل غلاما أسود ضربه فعرقبه، وهو يمر في حملته عليه ويقول: صبرا يا ابن حام، ففي مثل هذه المواطن تصبر الكرام.
    حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الجبار بن عمارة، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: بعث الحجاج برأس ابن الزبير ورأس عبد الله بن صفوان ورأس عمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة فنصبت بها، ثم ذهب بها إلى عبد الملك بن مروان، ثم دخل الحجاج مكة فبايع من بها من قريش لعبد الملك بن مروان.
    أخبار متفرقة
    قال أبو جعفر: وفى هذه السنة ولى عبد الملك طارقا مولى عثمان المدينة فوليها خمسة أشهر.
    وفي هذه السنة توفي بشر بن مروان في قول الواقدي، وأما غيره فإنه قال كانت وفاته في سنة أربع وسبعين.
    وفيها أيضا وجّه -فيما ذكر- عبد الملك بن مروان عمر بن عبيد الله بن معمر لقتال أبي فديك، وأمره أن يندب معه من أحب من أهل المصرين، فقدم الكوفة فندب أهلها، فانتدب معه عشرة آلاف، ثم قدم البصرة فندب أهلها، فانتدب معه عشرة آلاف، فأخرج لهم أرزاقهم وأعطياتهم، فأعطوها. ثم سار بهم عمر بن عبيد الله، فجعل أهل الكوفة على الميمنة وعليهم محمد بن موسى بن طلحة، وجعل أهل البصرة على الميسرة وعليهم ابن أخيه عمر بن موسى بن عبيد الله، وجعل خيله في القلب، حتى انتهوا إلى البحرين، فصف عمر بن عبيد الله أصحابه. وقدم الرجالة في أيديهم الرماح قد ألزموها الأرض، واستتروا بالبراذع. فحمل أبو فديك وأصحابه حملة رجل واحد، فكشفوا ميسرة عمر بن عبيد الله حتى ذهبوا في الأرض إلا المغيرة بن المهلب ومعن بن الغيرة ومجاعة بن عبد الرحمن وفرسان الناس فنهم مالوا إلى صف أهل الكوفة وهم ثابتون، وارتث عمر بن موسى بن عبيد الله، فهو في القتلى قد أثخن جراحة. فلما رأى أهل البصرة أهل الكوفة لم ينهزموا تذمموا ورجعوا وقاتلوا وما عليهم أمير حتى مروا بعمر بن موسى بن عبيد الله جريحا فحملوه حتى أدخلوه عسكر الخوارج وفيه تبن كثير فأحرقره. ومالت عليهم الريح، وحمل أهل الكوفة وأهل البصرة حتى استباحوا عسكرهم وقتلوا أبا فديك وحصروهم في المشقر، فنزلوا على الحكم، فقتل عمر بن عبيد الله منهم فيما ذكر نحوا من ستة آلاف، وأسر ثمانمائة، وأصابوا جارية أمية بن عبد الله حبلى من أبي فديك وانصرفوا إلى البصرة.
    وفي هذه السنة عزل عبد الملك خالد بن عبد الله عن البصرة وولاها أخاه بشر بن مروان، فصارت ولايتها وولاية الكوفة إليه. فشخص بشر لما ولي مع الكوفة البصرة إلى البصرة واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث.
    وفيها غزا محمد بن مروان الصائفة. فهزم الروم.
    وقيل: إنه كان في هذه السنة وقعة عثمان بن الوليد بالروم في ناحية أرمينية، وهو في أربعة آلاف والروم في ستين ألفا. فهزمهم وكثر القتل فيهم.
    وأقام الحج في هذه السنة للناس الحجاج بن يوسف وهو على مكة واليمن واليمامة. وعلى الكوفة والبصرة -في قول الواقدي- بشر بن مروان، وفي قول غيره على الكوفة بشر بن مروان، وعلى البصرة خالد بن عبد الله بن خالد بن أسعد وعلى قضاء الكوفة شريح بن الحارث. وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة. وعلى خراسان بكير بن وشاح.
    ثم دخلت سنة أربع وسبعين

    ذكر ما كان فيها من الأحداث الجليلة

    قال أبو جعفر: فمما كان فيها من ذلك عزل عبد الملك طارق بن عمرو عن المدينة، واستعماله عليها الحجاح بن يوسف. فقدمها فيما ذكر فأقام بها شهرا ثم خرج معتمرا.
    وفيها كان فيما ذكر نقض الحجاج بن يوسف بنيان الكعبة الذي كان ابن الزبير بناه، وكان إذ بناه أدخل في الكعبة الحجر، وجعل لها بابين، فأعادها الحجاج على بنائها الأول في هذه السنة، ثم انصرف إلى المدينة في صفر، فأقام بها ثلاثة أشهر يتعبث بأهل المدينة ويتعنتهم، وبنى بها مسجدا في بني سلمة، فهو ينسب إليه.
    واستخف فيها بأصحاب رسول الله ، فختم في أعناقهم، فذكر محمد بن عمران بن أبي ذئب حدثه عمن رأى جابر بن عبد الله مختوما في يده.
    وعن ابن أبي ذئب، عن إسحاق بن يزيد، أنه رأى أنس بن مالك مختوما في عنقه، يريد أن يذله بذلك.
    قال ابن عمر: وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، قال: رأيت الحجاج أرسل إلى سهل بن سعد فدعاه، فقال: ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان؟ قال: قد فعلت. قال: كذبت. ثم أمر به فختم في عنقه برصاص.
    وفيها استقضى عبد الملك أبا إدريس الخولاني فيما ذكر الواقدي.
    وفي هذه السنة شخص في قول بعضهم بشر بن مروان من الكوفة إلى البصرة واليا عليها.
    ذكر الخبر عن حرب المهلب الأزارقة

    وفي هذه السنة وُلِّيَ المهلب حرب الأزارقة من قبل عبد الملك.

  • صفحة 6 من 19 الأولىالأولى ... 4567816 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 50
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 06:18 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1