صفحة 7 من 28 الأولىالأولى ... 5678917 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 25 إلى 28 من 110

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء التاسع)


  1. #25
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وثقت بالملك الوا ** ثق بالله النفوس
    ملكٌ يشقى به الما ** ل ولا يشقى الجليس
    أنس السيف به واست ** وحش العلق النفيس
    أسدٌ تضحك عن ** شدّاته الحرب العبوس
    يا بني العباس يأبى اللّ ** ه إلا أن تسوسوا
    فغنّت قلم جارية صالح بن عبد الوهاب في هذين الشعرين، وغنّت في شعر محمد بن كناسة:
    في انقباضٌ وحشمةٌ فإذا ** جالست أهل الوفاء والكرم
    أرسلت نفسي على سجيّتها ** وقلت ما شئت غير محتشم
    فغنّته الواثق؛ فاستحسنه؛ فبعث إلى ابن الزيات: ويحك من صالح ابن عبد الوهاب هذا! فابعث فأشخصه؛ وليحمل جاريته؛ فغدا بها صالح إلى الواثق، فأدخلت عليه، فلما تغنّت ارتضاها، فبعث إليه، فقال: قل، فقال: مائة ألف دينار يا أمير المؤمنين وولاية مصر، فردّها، ثم قال أحمد بن عبد الوهاب أخو صالح في الواثق:
    أبت دار الأحبّة أن تبينا ** أجدّك ما رأيت لها معينا
    تقطّع حسرةً من حبّ ليلى ** نفوسٌ ما أثبن ولا جزينا
    فصنعت فيه قلم جارية صالح، فغنّاه زرزر الكبير للواثق، فقال: لمن ذا؟ فقال: لقلم، فبعث إلى ابن الزيات، فأشخص صالحًا ومعه قلم؛ فلمّا دخلت عليه، قال: هذا لك؟ قالت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: بارك الله عليك! وبعث إلى صالح: اسم وقل قولًا يتهيأ أن تعطاه؛ فبعث إليه: قد أهديتها إلى أمير المؤمنين، فبارك الله لأمير المؤمنين فيها. قال: قد قبلتها، يا محمد، عوّضه خمسة آلاف دينار، وسمّاها " اغتباط " فمطله ابن الزيات، فأعادت الصوت وهو:
    أبت دار الأحبة أن تبينا ** أجدّك هل رأيت لها معينا
    فقال لها: بارك الله عليك وعلى من ربّاك؛ فقالت: يا سيّدي وما ينتفع من رباني، وقد أمرت له بشيء لم يصل إليه! فقال الواثق: يا سمّانة، الدواة؛ فكتب إلى ابن الزيات: ادفع إلى صالح بن عبد الوهاب ما عوّضناه من ثمن اغتباط خمسة آلاف دينار، وأضعفها. قال صالح: فصرت إلى ابن الزيات فقرّبني، وقال: هذه الخمسة الأولى؛ خذها، والخمسة آلاف الأخرى أدفعها إليك بعد جمعة؛ فإ سئلت، فقل: إني قبضت المال. قال: فكرهت أن أسأل فأقر بالقبض؛ فاختفيت في منزلي حتى دفع إلي المال، فقال لي سمانة: قبضت المال؟ قلت: نعم، وترك عمل السلطان، وتجربها، حتى توفي.
    خلافة جعفر المتوكل على الله

    وفي هذه السة بويع لحعفر المتوكل على الله بالخلافة؛ وهو جعفر بن محمد بن هارون بن عبد الله بن محمد ذي الثفنات بن علي السجاد ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.
    ذكر الخبر عن سبب خلافته ووقتها
    حدثني غير واحد؛ أن الواثق لما توفي حضر الدار أحمد بن أبي داود وإيتاخ ووصيف وعمر بن فرج وابن الزيات وأحمد بن خالد أبو الوزير، فعزموا على البيعة لمحمد بن الواثق؛ وهو غلام أمرد، فألبسوه دراعة سوداء وقلنسوة رصافية، فإذا هو قصير، فقال لهم وصيف: أما تتقون الله! تولون مثل هذا الخلافة وهو لا يجوز معه الصلاة! قال: فتناظروا فيمن يولونها، فذكروا عدة، فذكر عن بعض من حضر الدار مع هؤلاء أنه قال: خرجت من الموضع الذي كنت فيه فمررت بجعفر المتوكل؛ فإذا هو في قميص وسروال قاعد مع أبناء الأتراك، فقال لي: ما الخبر؟ فقلت: لم ينقطع أمرهم؛ ثم دعوا به، فأخبره بغا الشرابي الخبر، وجاء به، فقال: أخاف أن يكون الواثق لم يمت، قال: فمر به، فنظر إليه مسجى، فجاء فجلس، فألبسه أحمد بن أبي داود الطويلة وعممه وقبله بين عينيه، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمني ورحمة الله وبركاته! ثم غسل الواثق وصلى عليه ودفن، ثم صاروا من فورهم إلى دار العامة؛ ولم يكن لقب المتوكل.
    وذكر أنه كان يوم بويع له ابن ست وعشرين سنة؛ ووضع العطاء للجند لثمانية أشهر؛ وكان الذي كتب البيعة له محمد بن عبد الملك الزيات؛ وهو إذ ذاك على ديوان الرسائل؛ واجتمعوا بعد ذلك على اختيار لقب له، فقال ابن الزيات: نسميه المنتصر بالله، وخاض الناس فيها حتى لم يشكوا فيها، فلما كان غداة يوم بكر أحمد بن أبي داود إلى المتوكل، فقال: قد رويت في لقب أرجوا أن يكون موافقًا حسنًا إن شاء الله، وهو المتوكل على الله؛ فأمر بإمضائه، وأحضر محمد بن عبد الملك، فأمر بالكتاب بذلك إلى الناس، ففذت إليهم الكتب.
    نسخة ذلك:
    بسم الله الرحمن الرحيم؛ أمر - أبقاك الله - أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، أن يكون الرسم الذي يجري به ذكره على أعواد منابره، وفي كتبه إلى قضائه وكتابه وعماله وأصحاب دواوينه وغيرهم من سائر من تجري المكاتبة بينه وبينه: " من عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين "؛ فرأيك في العمل بذلك وإعلامي بوصول كتابي إليك موفقًا إن شاء الله.
    وذكر أنه لما أمر للأتراك برزق أربعة أشهر وللجند والشاكرية ومن يجري مجراهم من الهاشمين برزق ثمانية أشهر، أمر للمغاربة برزق ثلاثة أشهر، فأبوا أن يقبضوا، فأرسل إليهم: من كان منكم مملوكًا؛ فليمض إلى أحمد بن أبي داود حتى يبيعه؛ ومن كان حرًا صيرناه أسوة الجند؛ فرضوا بذلك؛ وتكلم وصيف فيهم حتى رضى عنهم؛ فأعطوا ثلاثة، ثم أجروا بعد ذلك مجرى الأتراك. وبويع للتوكل ساعة مات الواثق بيعة الخاصة وبايعته العامة حين زالت الشمس من ذلك اليوم.
    وذكر عن سعيد الصغير أن المتوكل قبل أن يستخلف ذكر له ولجماعة معه أنه رأى في المنام أن سكرًا سليمانًا يسقط عليه من السماء، مكتوبًا عليه " جعفر المتوكل على الله " فعبرها علينا، فقلنا: هي والله أيها الأمير أعزك الله الخلافة قال: وبلغ الواثق ذلك فحبسه، وحبس سعيدًا معه، وضيق على جعفر بسبب ذلك.
    وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود.
    ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ذكر خبر حبس محمد بن عبد الملك الزيات ووفاته

    فمن ذلك ما كان من غضب المتوكل على محمد بن عبد الملك الزيات وحبسه إياه.
    ذكر الخبر عن سبب ذلك وإلى ما آل إليه الأمر فيه
    أما السبب في غضبه عليه؛ فإنه كان - فيما ذكر - أنّ الواثق كان استوزر محمد بن عبد الملك الزيات وفوّض إليه الأمور؛ وكان الواثق قد غضب على أخيه جعفر المتوكل لبعض الأمور، فوكّل عليه عمر بن فرج الرخّجّي ومحمد بن علاء الخادم؛ فكاا يحفظانه ويكتبان بأخباره في كلّ! وقت؛ فصار جعفر إلى محمد بن عبد الملك يسأله أن يكلّم عه أخاه الواثق ليرضّى عنه؛ فلمّا دخل عليه مكث واقفًا بين يديه مليًّا لا يكلمه، ثم أشار إليه أن يقعد فقعد؛ فلما فرغ من ظره في الكتب، التفت إليه كالمتهدّدله، فقال: ما جاء بك؟ قال: جئت لتسأل يا أمير المؤمنين الرضّا عني، فقال لمن حوله: انظروا إلى هذا، يغضب أخاه، ويسألني أن استرضيه له! اذهب فإنك إغذا صلحت رضي عنك؛ فقالم جعفر كيئبًا حزينًا لما لقيه به من قبح اللقاء والتقصير به؛ فخرج من عنده؛ فأتى عمر بن فرج ليسألخه أن يختم له صكّة ليقبض أرزاقه، فلقيه عمر بن فرج بالخيبة؛ وأخذ الصكّ، فرمى به إلى صح المسجد.
    وكان عمر يجلس في مسجد؛ وكان أبو الوزير أحمد بن خالد حاضرًا، فقالم لينصرف، فقالم معه جعفر، فقال: يا أبا الوزير؛ أرأيت ما صنع بي عمر ابن فرج؟ قال: جعلت فداك! أنا زمامٌ عليه؛ وليس يختم صكّي بأرزاقي إلا بالطلب والترنّق به؛ فابعث إلي بوكيلك؛ فبعث جعفر بوكيله؛ فدفع إليه عشرين ألفًا، وقال: أنفق هذا حتى يهيّىء الله أمرك؛ فأخذها ثم أعاد إلى أبي الوزير رسوله بعد شهر؛ يسأله إعانته، فبعث إليه بعشرة آلاف درهم؛ ثم صار جعفر من فوره حين خرج من عند عمر إلى أحمد بن أبي داود، فدخل عليه، فقالم له أحمد، واستقبله على باب البيت، وقبّله ولتزمه، وقال: ما جاء بك، جعلت فداك! قال: قد جئت لتسترضي لي أمير المؤمنين، قال: أفعل ونعمة عين وكرامة، فكلّم أحمد بن أبي داود الواثق فيه، فوعده ولم يرض عنه؛ فلما كان يوم الحلبة كلّم أحمد بن أبي داود الواثق، وقال: معروف المعتصم عندي معروف، وجعفر ابنه؛ فقد كلمتك فيه، ووعدت الرضا؛ فبحقّ يا أمير المؤمنين إلّا رضيت عنه! فرضى عنه من ساعته وكساه، وانصرف الواثق وقد قلّد أحمد بن أبي داود جعفرًا بكلامه حتى رضى عنه أخوه شكرًا، فأحظاه ذلك عنده حين ملك.
    وذكر أن محمد بن عبد الملك كان كتب إلى الواثق حين خرج جعفر من عنده: يا أمير المؤمنين، أتاني جفعفر بن المعتصم يسألي أن أسأل أمير المؤمنين الرضا عه في زي المخنثين له شعر قفًا. فكتب إليه الواثق: ابعث إليه فأحضره، ومر من يجزّ شعر قفاه، ثم مر من يأخذ من شعره ويضرب به وجهه، واصرفه إلى منزله. فذكر عن المتوكل أنه قال: لما أتاني رسوله، لبست سوادًا لي جديدًا، وأتيته رجاء أن يكون قد أتاه الرضا عنّي، فقال: يا غلام، ادع لي حجّامًا، فدعى به، فقال: خذ شعره واجمعه، فأخذه على السواد الجديد. ولم يأته بمنديل؛ فأخذ شعره وشعر قفاه وضرب به وجهه.
    قال المتوكل: فما دخلني من الجزع على شيء مثل ما دخلني حين أخذني على السواد الجديد؛ وقد جئته فيه طامعًا في الرضا، فأخذ شعري عليه. ولما توفي الواثق أشار محمد بن عبد الملك بابن الواثق، وتكلم في ذلكوجعفر في حجرة غير الحجرة التي يتشاورن فيها، فيمن يعقدون حتى بعث إليه، فعقد له هناك؛ فكان سبب هلاك ابن الزيات.
    وكان بغا الشرابي الرسول إليه يدعوه، فسلم عليه بالخلافة في الطريق، فعقدوا له وبايعوا؛ فأمهل حتى إذا كان يوم الأرعاء لسبع خلون من صفر؛ وقد عزم المتوكل على مكروه أن يناله به، أمر إيتاخ بأخذه وعذابه؛ فبعث إليه إيتاخ، فظن أنه دعى به، فركب بعد غدائه مبادرًا يظن أن الخليفة دعا به، فلما حاذى منزل قيل له: اعدل إلى منزل أبي منصور، فعدل وأوجس في نفسه خيفةً؛ فلما جاء إلى الموضع الذي كان ينزل فيه إيتاخ عدل به يمنة، فأحس بالشر، ثم أدخل حجرة، وأخذ سيفه ومنطقته وقلنسوته ودراعته؛ فدفع إلى غلمانه، وقيل لهم؛ انصرفوا؛ فانصرفوا لا يشكون أنه مقيم عند إيتاخ ليشرب النبيذ.
    قال: وقد كان إيتاخ أعد له رجلي من وجوه أصحابه، يقال لهما يزيد ابن عبد الملك الحلواني وهرثمة شارباميان؛ فلما حصل محمد بن عبد الملك خرجا يركضان في جندهما وشاكريتهما، حتى أتيا دار محمد بن عبد الملك، فقال لهم غلمان محمد: أين تريدون؟ قد ركب أبو جعفر؛ فهجما على داره، وأخذا جميع ما فيها.
    فذكر عن ابن الحلواني أنه قال: أتيت البيت الذي كان فيه محمد بن عبد الملك يجلس فيه، فرأيته رث الهيئة قليل المتاع، ورأيت فيه طنافس أربعة وقناني رطليات، فيها شراب؛ ورأيت بيتًا ينام فيه جواريه؛ فرأيت فيه بوريًا ومخاد منضدة في جانب البيت؛ على أن جواريه كن يمن فيه بلا فرش.


  • #26
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وذكر أن المتوكل وجه في هذا اليوم من قبض ما في منزله من متاع ودواب وجوار وغلمان، فصير ذلك كله في الهاروني، ووجه راشدًا المغربي إلى بغداد في قبض ما هنالك من أمواله وخدمه وأمر أبا الوزير بقبض ضياعه وضياع أهل بيته حيث كانت. فأما ما كان بسامرا فحمل إلى خزائن مسرور سمانة، بعد أن اشترى للخليفة؛ وقيل لمحمد بن عبد الملك: وكل ببيع متاعك. وأتوه بالعباس بن أحمد بن رشيد كاتب عجيف، فوكله بالبيع عليه؛ فلم يزل أيامًا في حبسه مطلقًا، ثم أمر بتقيده فقيد، وامتنع من الطعام؛ وكان لا يذوق شيئًا، وكان شديد الجزع في حبسه، كثير البكاء قليل الكلام، كثير التفكر، فمكث أيامًا ثم سوهر، ومنع من النوم، يساهر وينخس بمسلة، ثم ترك يومًا وليلة، فنام وانتبه؛ واشتهى فاكهة وعنبًا؛ فأتى به؛ فأكل ثم أعيد إلى المساهرة، ثم أمر بتنور من خشب فيه مسامير حديد " قيام " فذكر عن ابن أبي داود وأبي الوزير أنهما قالا: هو أول من أمر بعمل ذلك، فعذب به ابن أسباط المصري حتى استخرج منه جميع ما عنده، ثم ابتلى به فعذب به أيامًا فذكر عن الدنداي الموكل بعذابه أنه قال: كنت أخرج وأقفل الباب عليه؛ فيمد يديه إلى السماء جميعًا حتى يدق موضع كتفيه؛ ثم يدخل التنور فيجلس، والتور فيه مسامير حديد في وسطه خشبة معترضة يجلس عليها المعذب؛ إذا أراد أن يستريح، فيجلس على الخشبة ساعة، ثم يجئ الموكل به؛ فإذا هو سمع صوت الباب يفنح قام قائمًا كما كان؛ ثم شدوا عليه.
    قال المعذب له: خاتلته يومًا، وأريته أني أقفلت الباب ولم أقفله؛ إنما أغلقته بالقفل، ثم مكثت قليلًا، ثم دفعت الباب غفلة؛ فإذا هو عاقد في التنور على الخشبة، فقلت: أراك تعمل هذا العمل! فكنت إذا خرجت بعد ذلك شددت خناقه، فكان لا يقدر على القعود، واستللت الخشبة حتى كانت تكون بين رجليه؛ فما مكث بعد ذلك إلا أيامًا حتى مات.
    واختلف في الذي قتل به، فقيل: بطيح، فضرب على بطنه خمسين مقرعة، ثم قلت فضرب على استه مثلها؛ فمات وهو يضرب؛ وهم لا يعلمون، فأصبح ميتًا قد التوت عنقه، ونتف لحيته. وقيل: مات بغير ضرب.
    وذكر عن مبارك المغربي أنه قال: ما أظنه أكل في طول حبسه إلا رغيفًا واحدًا؛ وكان يأكل العنبة والعنبتين.
    قال: وكنت أسمعه قبل موته بيومين أو ثلاثة يقول لنفسه: يا محمد بن عبد الملك؛ لم يقعك النعمة والدواب الفرة والدار الظيفة والكسوة الفاخرة؛ وأنت في عافية حتى طلبت الوزارة؛ ذق ما عملت بنفسك! فكان يكرر ذلك على فسه؛ فلما كان قبل موته بيوم؛ ذهب عنه عتاب نفسه؛ فكا لا يزيد على التشهد وذكر الله؛ فلما مات أحضر ابناه سليمان وعبيد الله - كانا مجوسين - وقد طرح على باب من خشب في قميصه الذي حبس فيه؛ وقد اتسخ فقالا: الحمد لله الذي أراح من هذا الفاسق؛ فدفعت جثته إليهما، فعسلاه على الباب الخشب، ودفناه وحفرا له، فلم يعمقا؛ فذكر أن الكلاب نبشته؛ وأكلت لحمه.
    وكان إبراهيم بن العباس على الأهواز، وكان محمد بن عبد الملك له صديقًا، فوجه إليه محمد أحمد بن يوسف أبا الجهم، فأقامهللناس فصالحه عن نفسه بألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم، فقال إبراهيم:
    وكنت أخي بإخاء الزمان ** فلما نبا عدت حربًا عوانا
    وكنت أذم إليك الزمان ** فأصبحت منك أذم الزمانا
    وكنت أعدك للنائبات ** فها أنا أطلب منك الأمانا
    وقال:
    أصبحت من رأى أبى جعفر ** في هيئة تذر بالصليم
    من غير ما ذنب ولكنها ** عداوة الزندق للمسلم
    وأحدر بعد ما قبض عليه مع راشد المغربي إلى بغداد، لأخذ ماله بها، فوردها، فأخذ روحًا غلامه وكان قهرمانه في يده أمواله يتجر بها، وأخذ عدة من أهل بيته، وأخذ معهم حمل بغل، ووجدت له بيوت فيها أنواع التجارة من الحنطة والشعير والدقيق والحبوب والزيت والزبيب والتين وبيت مملوء ثومًا، فكان جميع ما قبض له مع قيمته تسعين ألف دينار، وكان حبس المتوكل إياه يوم الأربعاء لسبع خلون من صفر ووفاته يوم الخميس لإحدى عشرة بقيت من شهر ربيع الأول.
    ذكر غضب المتوكل على عمر بن فرج

    وفيها غضب المتوكل على عمر بن فرج؛ وذلك في شهر رمضان، فدفع إلى أسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فحبس عنده، وكتب في قبض ضياعه وأمواله، وصار نجاح بن سلمة إلى منزله؛ فلم يجد فيه إلا خمسة عشر ألف درهم، وحضر مسرور سمانة، فقبض جواريه، وقيد عمر ثلاثين رطلًا، وأحضر مولاه نصر من بغداد، فحمل ثلاثين ألف دينار، وحمل نصر من مال نفسه أربعة عشر ألف دينار وأصيب له بالأهواز أربعون ألف دينار، ولأخيه محمد بن فرج مائة ألف دينار وخمسون ألف دينار، وحمل من داره من المتاع ستة عشر بعيرًا فرشًا، ومن الجوهر قيمة أربعين ألف دينار، وحمل من متاعه وفرشه على خمسين جملًا، كرت مرارًا، وألبس فرجية صوف وقيد فمكث بذلك سبعًا، ثم أطلق عنه وقبض قصره، وأخذ عياله، ففتشوا وكن مائة جارية؛ ثم صولح على عشرة آلاف درهم، على أن يرد عليه ما حيز عنه ضياع الأهواز فقط، ونزعت عنه الجبة الصوف والقيد؛ وذلك في شوال.
    وقال علي بن الجهم بن بدر لنجاح بن سلمة يحرضه على عمر بن فرج:
    أبلغ نجاحًا فتى الكتاب مألكةً ** تمضى بها الريح إصدارًا وإيراد
    لا يخرج المال عفوًا من يدي عمر ** أو يغمد السيف في فوديه إغمادا
    الرخجيون لا يوفون ما وعدوا ** والرخجيات لا يخلفن معادا
    وقال أيضًا يهجوه:
    جمعت أمرين ضاع الحزم بيهما ** تيه الملوك وأفعال المماليك
    أردت شكرًا بلا بر ومرزئةٍ ** لقد سلكت سبيلًا غير مسلوك
    ظننت عرضك لم يقرع بقارعة ** وما أراك على حالٍ بمتروك
    وفي هذه السنة أمر المتوكل بإبراهيم بن الجنيد النصراني، أخى أيوب كاتب سماة فضرب له بالأعمدة حتى أقر بسبعين ألف دينار، فوجه معه مباركًا المغربي إلى بغداد حتى استخرجها من منزله، وجئ به فحبس.
    ذكر غضب المتوكل على أبي الوزير وغيره

    وفيها غضب المتوكل على أبي الوزير في ذي الحجة، وأمر بمحاسبته، فحمل نحوًا من ستين ألف دينار، وحمل بدور دراهم وحليًا، وأخذ له من متاع اثنين وستين سفطًا واثنين وثلاثين غلامًا وفرشًا كثيرًا، وحبس بخيانته محمد بن عبد الملك أخا موسى بن عبد الملك والهيثم بن خالد النصراني وابن أخيه سعدون بن علي، وصولح سعدون على أربعين ألف دينار؛ وأخذت ضياعهم ابنا أخيه عبد الله وأحمد على نيف وثلاثين ألف دينار؛ وأخذت ضياعهم بذلك.
    وفي هذه السنة استكتب المتوكل محمد بن الفضل الجرجرائي.
    وفي هذه السنة عزل المتوكل يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من شهر رمضا عن ديوان الخراج الفضل بن مروان، وولاه يحيى بن خاقان الخراساني ولى الأزد وولى إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول في هذا اليوم ديوان زمام النفقات وعزل عنه أبا الوزير.
    وفيها ولى المتوكل ابنه محمدًا المنتصر الحرمين واليمن والطائف، وعقد له يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان.


  • #27
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وفيها فلج أحمد بن أبي داود لست خلون من جمادى الآخرى وفيها قدم يحيى بن هرثمة مكة وهو الي طريق مكة بعلي بن محمد بن علي الرضي بن موسى بن جعفر من المدينة.
    وفيها وثب ميخائيل بن توفيل على أمة تذورة فشمسها وأدخلها الدير وقتل اللغثيط لأنه اتهمها به؛ وكان ملكها ست سنين.
    وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود.
    ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ذكر الخبر عن هرب محمد بن البعيث

    فمن ذلك ما كان من هرب محمد بن البعيث بن حلبس؛ جئ به أسيرًا من قبل أذربيجان فحبس.
    ذكر الخبر عن سبب هربه وما كان آل إليه أمره
    ذكر أن السبب في ذلك كان أن المتوكل كان اعتل في هذه السنة؛ وكان مع ابن البعيث رجلٌ يخدمه يسمى خليفة، فأخبره بأن المتوكل قد توفي، وأعد له دواب، فهرب هو وخليفة الذي أخبره الخبر إلى موضعه من أذربيجان، وموضعه منها مرند - وقيل: كانت له قلعتان تدعى إحداهما شاهي والأخرى يكدر - ويكدر خارج البحيرة، وشاهي في وسط البحيرة، والبحيرة قدر خمسين فرسخًا من حد أرمية، إلى رستاق داخرقان بلاد محمد بن الرواد، وشاهي قلعة ابن البعيث حصينة يحيط بها ماء قاتم ثم يركب الناس من أطراف المراغة إلى أرمية وهي بحيرة لا سمك فيها ولا خير.
    وذكر أن ابن البعيث كان في حبس إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فتكلم فيه بغا الشرابي، وأخذ منه الكفلاء نحوًا من ثلاثين كفيلًا، منهم محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني؛ فكان يتردد بسامرا؛ فهرب إلى مرند، فجمع بمرند الطعام، وفيها عيون ماء؛ فرم ما كان وهي من سورها، وأتاه من أراد الفتنة من كل ناحية؛ من ربيعة وغيرهم؛ فصار في نحو من أفين ومائتي رجل.
    وكان الوالي بأذربيجان محمد بن حاتم بن هرثمة، فقصر في طلبه، فولى المتوكل حمدويه بن علي بن الفضل السعدي أذربيجان، ووجهه من سامرا على البريد، فلما صار إليها جمع الجند والشاكرية ومن استجاب له، فصار في عشرة آلاف، فزحف إلى ابن البعيث، فألجأه إلى مدينة مرند - وهي مدينة استدارتها فرسخان وفي داخلها بساتين كثيرة، ومن خارجها كما تدور شجر إلا في موضع أبوابها - وقد جمع فيه ابن البعيث آلة الحصار، وفيها عيون ماء، فلما طالت مدته، وجه المتوكل زيرك التركي في مائتي ألف فارس من الأتراك؛ فلم يصنع شيئًا فوجه إليه المتوكل عمرو بن سيسل بن كال في تسعمائة من الشاكرية، فلم يغن شيئًا، فوجه إليه بغا الشرابي في أربعة آلاف ما بين تركي وشاكري ومغربي، وكان حمدويه بن علي وعمر بن سيسل وزيرك زحفوا إلى مدينة مرند، وقطعوا ما حولها من الشجر، فقطعوا نحوًا من مائة ألف شجرة وغير ذلك من شجر الغياض، ونصبوا عليها عشرين منجنيقًا، وبنوا بحذاء المدينة ما يستكنون فيه؛ ونصب عليهم ابن البعيث من المجانيق مثل ذلك؛ وكان معه من علوج رساتيقه يرمون بالمقاليع، فكان الرجل لا يقدر على الدنو من سور المدينة، فقتل من أولياء السلطان في حربه في ثمانية أشهر نحو من مائة رجل، وجرح نحو من أربعمائة، وقتل وجرح من أصحابه مثل ذلك.
    وكان حمدويه وعمرو وزيرك يغادونه القتال ويراوحونه؛ وكان السور من قبل المدينة ذليلًا، ومن القرار نحوًا من عشرين ذراعًا، وكانت الجماعة من أصحاب ابن البعيث يتدلون بالحبال معهم الرماح فيقاتلون؛ فإذا حمل عليهم من أصحاب السلطان لجئوا إلى الحائط؛ وكانوا ربما فتحوا بابًا يقال له باب الماء؛ فيخرج منه العدة يقاتلون ثم يرجعون.
    ولما قرب بغا الشرابي من مرند بعث - فيما ذكر - عيسى بن الشيخ بن السليل الشيباني، ومعه أمانات لوجوه أصحاب ابن البعيث، ولابن البعيث أن ينزلوا وينزل على حكم أمير المؤمنين؛ وإلا قاتلهم، فإن ظفر بهم لم يستبق منهم أحدًا، ومن نزل فله الأمان؛ وكان عامة من مع ابن البعيث من ربيعة من قوم عيسى بن الشيخ؛ فنزل منهم قوم كثير بالحبال، ونزل ختن ابن البعيث على أخته أبو الأغر.
    وذكر عن أبي الأغر هذا أنه قال: ثم فتحوا باب المدينة، فدخل أصحاب حمدويه وزيرك، وخرج ابن البعيث من منزله هاربًا يريد أن يخرج من وجه آخر؛ فلحقه قوم من الجند، معهم منصور قهرمانه؛ وهو راكب دابةً، يريد أن يصير إلى نهر عليه رحًا ليستخفي في الرحا، وفي عنقه السيف، فأخذوه أسيرًا وانتهب الجند منزله ومنازل أصحابه وبعض منازل أهل المدينة، ثم نودي بعدما انتهب الناس: برئت الذمة ممن انتهب وأخذوا له أختين وثلاث بنات وخالته والبواقي سراري؛ فحصل في يد السلطان من حرمه ثلاث عشرة امرأة، وأخذ من وجوه أصحابه المذكورين نحوٌ من مائتي رجل، وهرب الباقون؛ فوافاهم بغا الشرابي من غد، فنادى مناديه بالمنع من النهب، فكتب بغا الشرابي بالفتح لنفسه.
    وخرج المتوكل فيها إلى المدائن في جمادى الأولى.
    ذكر الخبر عن حج إيتاخ وسببه

    وحجّ في هذه السنة إيتاخ، وكان والي مكة والمدينة والموسم، ودعي له على المنابر.
    ذكر الخبر عن سبب حجه في هذه السنة
    ذكر أن إيتاخ كان غلامًا خزريًا لسلام الأبرش طباخًا، فاشتراه منه المعتصم في سنة تسع وتسعين ومائة، وكان لإيتاخ رجلة وبأس، فرفعه المعتصم ومن بعده الواثق؛ حتى ضم إليه من أعمال السلطان أعمالًا كثيرة، وولاه المعتصم معونة سامرا مع إسحاق بن إبراهيم؛ وكان من قبله رجل، ومن قبل إسحاق رجل؛ وكان من أراد المعتصم أو الواثق قتله فعند إيتاخ يقتل، وبيده يحبس؛ منهم محمد بن عبد الملك الزيات، وأولاد المأمون من سندس، وصالح بن عجيف وغيرهم؛ فلما ولى المتوكل كان إيتاخ في مرتبته؛ إليه الجيش والمغاربة والأتراك والموالي والبريد والحجابة ودار الخلافة؛ فخرج المتوكل بعد ما استوت له الخلافة متنزهًا إلى ناحية القاطول، فشرب ليلة، فعربد على إيتاخ، فهم إيتاخ بقتله؛ فلما أصبح المتوكل قيل له، فاعتذر إليه والتزمه، وقال له: أنت أبي وربيتني، فلما صار المتوكل إلى سامرا دسّ إليه من يشير عليه بالاستئذان للحج، ففعل وأذن له، وصيّره أمير كل بلدة يدخلها، وخلع عليه، وركب جميع القواد معه، وخرج معه من الشاكرية والقواد والغلمان سوى غلمانه وحشمه بشر كثير؛ فحين خرج صيّرت الحجابة إلى وصيف، وذلك يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة.
    وقد قيل إن هذه القصة من أمر إيتاخ كانت في سة ثلاث وثلاثين ومائتين وإن المتوكل إنما صيّر إلى وصيف الحجابة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة من سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.
    وحجّ بالناس في هذه السنة محمد بن داود بن عيسى بن موسى.
    ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ذكر الخبر عن مقتل إيتاخ

    فمن ذلك مقتل إيتاخ الخزري.
    ذكر الخبر عن صفة مقتله
    ذكر عن إيتاخ أنه لما اصرف من مكة راجعًا إلى العراق، وجه المتوكل إليه سعيد بن صالح الحاجب مع كسوة وألطاف، وأمره أن يلقاه بالكوفة أو ببعض طريقه؛ وقد تقدم المتوكل إلى عامله على الشرطة ببغداد بأمره فيه.
    فذكر عن إبراهيم بن المدبر، أنه قال: خرجت مع إسحاق بن إبراهيم حين قرب إيتاخ من بغداد، وكان يريد أن يأخذ طريق الفرات إلى الأنبار، ثم يخرج إلى سامرا، فكتب إليه إسحاق بن إبراهيم: إن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، قد أمر أن تدخل بغداد، وأن يلقاك بنو هاشم ووجوه الناس، وأن تقعد لهم في دار خزيمة بن خازم، فتأمر لهم بجوائز. قال: فخرجنا حتى إذا كنا بالياسرية، وقد شحن ابن إبراهيم الجسر بالجند والشاكرية، وخرج في خاصته، وطرح له بالياسرية صفة، فجلس عليها حتى قالوا: قد قرب منك. فركب فاستقبله؛ فلما نظر إليه أهوى إسحاق لينزل، فحلف عليه إيتاخ ألا يفعل.
    قال: وكان إيتاخ في ثلثمائة من أصحابه وغلمانه، عليه قباء أبيض، متقلدًا سيفًا بحمائل، فسارا جميعًا؛ حتى إذا صارا عند الجسر تقدمه إسحاق عند الجسر، وعبر حتى وقف على باب خزيمة بن خازم، وقال لإيتاخ: تدخل أصلح الله الأمير! وكان الموكلون بالجسر كلما مر بهم غلام من غلمانه قدموه؛ حتى بقي في خاصة غلمانه، ودخل بين يديه قوم، وقد فرشت له دار خزيمة، وتأخر إسحاق، وأمر ألا يدخل الدار من غلمانه إلا ثلاثة أو أربعة، وأخذت عليه الأبواب، وأمر بحراسته من ناحية الشط، وكسرت كل درجة في قصر خزيمة بن خازم، فحين دخل أغلق الباب خلفه، فنظر فإذا ليس معه إلا ثلاثة غلمان، فقال: قد فعلوها! ولو لم يؤخذ ببغداد ما قدروا على أخذه؛ ولو دخل إلى سامرا، فأراد بأصحابه قتل جميع من خالفه أمكنه ذلك. قال: فأتي بطعام قرب الليل، فأكل فمكث يومين أو ثلاثة، ثم ركب إسحاق في حراقة وأعد لإيتاخ أخرى، ثم أرسل إليه أن يصير إلى الحراقة، وأمر بأخذ سيفه، فحدروه إلى الحراقة، وصيّر معه قوم في السلاح وصاعد إسحاق، حتى صار إلى منزله، وأخرج إيتاخ حين بلغ دار إسحاق، فأدخل ناحية منها، ثم قيد فأثقل بالحديد في عنقه ورجليه، ثم قدّم بابنيه منصور ومظفر، وبكاتبيه سلمان بن وهب وقدامة بن زياد النصراني بغداد. وكان سليمان على أعمال السلطان، وقدامة على ضياع إيتاخ خاصة، فحبسوا ببغداد؛ فأما سليمان وقدامة فضربا، فأسلم قدامة وحبس منصور ومظفر.


  • #28
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وذكر عن ترك مولى إسحاق أنه قال: وقفت على باب البيت الذي فيه إيتاخ محبوس، فقال لي: يا ترك، قلت: ما تريد يا منصور؟ قال: أقرئ الأمير السلام، وقل له: قد علمت ما كان يأمرني به المعتصم والواثق في أمرك؛ فكنت أدفع عنك ما أمكنني؛ فلينفعني ذلك عندك؛ أما أنا فقد مر بي شدة ورخاء؛ فما أبالي ما أكلت وما شربت، وأما هذان الغلامان؛ فإنهما عاشا في نعمة ولم يعرفا البؤس، فصيّر لهما مرقة ولحمًا وشيئًا يأكلان منه. قال: ترك فوقفت على باب مجلس إسحاق، قال لي: مالك يا ترك؟ أتريد أن تتكلم بشيء؟ قلت: نعم، قال لي إيتاخ كذا، كذا، قال: وكانت وظيفة إيتاخ رغيفًا وكوزًا من ماء، ويأمر لابنيه بخوان فيه سبعة أرغفة وخمس غرف؛ فلم يزل ذلك قائمًا حياة إسحاق، ثم لا أدري ما صنع بهما؛ فأما إيتاخ فقيد وصيّر في عنقه ثمانون رطلًا، وقيدّ ثقيل، فمات يوم الأربعاء لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين ومائتين، وأشهد إسحاق على موته أبا الحسن إسحاق بن ثابت بن أبي عباد وصاحب بريد بغداد والقضاة، وأراهم إياه لا ضرب به ولا أثر.
    وحدثني بعض شيوخنا أن إيتاخ كان موته بالعطش، وأنه أطعم فاستسقى فمنع الماء، حتى مات عطشًا، وبقي ابناه في الحبس حياة المتوكل، فلما أفضى الأمر إلى المنتصر أخرجهما؛ فأما مظفر فإنه لم يعش بعد أن أخرج من السجن إلا ثلاثة أشهر حتى مات؛ وأما منصور فعاش بعده.
    ذكر خبر أسر ابن البعيث وموته

    وفي هذه السنة قدم بغا الشرابي بابن البعيث في شوال وبخليفته أبي الأغر وبأخوي ابن البعيث صقر وخالد - وكانا نزلا بأمان - وبابن لابن البعيث، يقال له العلاء؛ خرج بأمان، وقدم من الأسرى بنحو من مائة وثمانين رجلًا، ومات باقيهم قبل أن يصلوا؛ فلما قربوا من سامرا حملوا على الجمال يستشرفهم الناس، فأمر المتوكل بحبسه وحبسهم، وأثقله حديدًا.
    فذكر عن علي بن الجهم، أنه قال: أتى المتوكل بمحمد بن البعيث، فأمر بضرب عنقه، فطرح على نطع، وجاء السيافون فلوحوا له، فقال المتوكل، وغلظ عليه: ما دعاك يا محمد إلى ما صنعت؟ قال: الشقوة، وأنت الحبل الممدود بين الله وبين خلقه؛ وإن لي فيك لظنين أسبقهما إلى قلبي أولاهما بك؛ وهو العفو؛ ثم اندفع بلا فضل، فقال:
    أبى الناس إلا أنك اليوم قاتلي ** إمام الهدى والصفح بالناس أجمل
    هل أنا إلا جبلةٌ من خطيةٍ ** وعفوك من نور النبوة يجبل
    فإنك خير السابقين إلا العلا ** ولا شك أن خير الفعالين تفعل
    قال علي: ثم التفت إلى المتوكل، فقال: إن معه لأدبًا، وبادرت فقلت: بل يفعل أمير المؤمنين خيرهما ويمن عليك؛ فقال: ارجع إلى منزلك.
    وحدثني** أنه أنشدني بالمراغة جماعة من أشياخها أشعارًا لابن البعيث بالفارسية، ويذكرون أدبه وشجاعته، وله أخبارًا وأحاديث.
    وحدثني بعض من ذكر أنه شهد المتوكل حين أتى بابن البعيث، وكلمه ابن البعيث بما كلمه به، فتكلم فيه المعتز؛ وهو جالس مع أبيه المتوكل، فاستوهبه فوهب له، وعفي عنه.
    وكان ابن البعيث حين هرب قال:
    كم قد قضيت أمورًا كان أهملها ** غيري وقد أخذ الإفلاس بالكظم
    لا تعذليني فيما ليس ينفعني ** إليك عني جرى المقدار بالقلم
    سأتلف المال في عسرٍ وفي يسرٍ ** إن الجواد الذي يعطي على العدم
    وكان ابن البعيث حين هرب خلّف في منزله ثلاثة بنين له، يقال لهم: البعيث وجعفر وحلبس، وجواري، فحبسوا ببغداد في قصر الذهب، فتكلم بغا الشرابي بعد موت ابن البعيث - ومات بعد دخوله سامرا بشهر - في أبي الأغر ختنه، فأطلق وأطلقت خالةٌ لابن البعيث، فخرجت من السجن، فماتت فرحًا من يومها، وبقي الباقون في الحبس.
    وذكر أن ابن البعيث صيّر في عنقه مائة رطل، فلم يزل مكبوبًا على وجهه حتى مات.
    ولما أخذ ابن البعيث أخرج من الحبس من كان محبوسًا بسبب كفالته به، وقد كان بعضهم مات في الحبس، فأخرج بعد باقي عياله وصيّر بنوه: حلبس والبعيث وجعفر في عداد الشاكرية مع عبيد الله بن خاقان، وأجريت عليهم الأنزال.
    أمر المتوكل مع النصارى

    وفي هذه السنة أمر المتوكل بأخذ النصارى وأهل الذمة كلهم بلبس الطيالسة العسلية والزنانير وركوب السروج بركب الخشب وبتصيير كرتين على مؤخر السروج، وبتصيير زرين على قلانس من لبس منهم قلنسوة مخالفة لون القلنسوة التي يلبسها المسلمون، وبتصيير رقعتين على ما ظهر من لباس مماليكهم مخالفٌ لونهما لون الثوب الظاهر الذي عليه؛ وأن تكون إحدى الرقعتين بين يديه عند صدره، والأخرى منهما خلف ظهره؛ وتكون كل واحدة من الرقعتين قدر أربع أصابع، ولونهما عسليًا، ومن لبس منهم عمامة فكذلك يكون لونها العسلي، ومن خرج من نسائهم فبرزت فلا تبرز إلا في إزار عسلي، وأمر بأخذ مماليكهم بلبس الزنانير وبمنعهم لبس المناطق، وأمر بهدم بيعهم المحدثة، وبأخذ العشر من منازلهم، وإن كان الموضع واسعًا صيّر مسجدًا، وإن كان لا يصلح أن يكون مسجدًا صيّر فضاء، وأمر أن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب مسمورة؛ تفريقًا بين منازلهم وبين منازل المسلمين، ونهى أن يستعان بهم في الدواوين وأعمال السلطان التي يجري أحكامهم فيها على المسلمين، ونهى أن يتعلم أولادهم في كتاتيب المسلمين، ولا يعلمهم مسلم، ونهى أن يظهروا في شعانينهم صليبًا، وأن يشمعلوا في الطريق، وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض، لئلا تشبه قبور المسلمين.
    وكتب إلى عماله في الآفاق:
    بسم الله الرحمن الرحيم؛ أما بعد؛ فإن الله تبارك وتعالى بعزته التي لا تحاول وقدرته على ما يريد؛ اصطفى الإسلام فرضيه لنفسه، وأكرم به ملائكته، وبعث به رسله، وأيد به أولياءه، وكنفه بالبر، وحاطه بالنصر، وحرسه من العاهة، وأظهره على الأديان، مبرءًا من الشبهات، معصومًا من الآفات، محبوًا بمناقب الخير، مخصوصًا من الشرائع بأطهرها وأفضلها، ومن الفرائض بأزكاها وأشرفها، ومن الأحكام بأعدلها وأقنعها، ومن الأعمال بأحسنها وأقصدها؛ وأكرم أهله بما أحل لهم من حلاله، وحرّم عليهم من حرامه؛ وبيّن لهم من شرائعه وأحكامه، وحدّ لهم من حدوده ومناهجه، وأعد لهم من سعة جزائه وثوابه، فقال في كتابه فيما أمر به ونهى عنه، وفيما حض عليه فيه ووعظ: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون "، وقال فيما حرم على أهله مما غمط فيه أهل الأديان من ردىء المطعم والمشرب والمنكح ليزههم عنه وليظهر به دينهم، ليفضلهم عليهم تفضيلًا: " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة.. " إلى آخر الآية، ثم ختم ما حرّم عليهم من ذلك في هذه الآية بحراسة دينه؛ ممن عند عنه وبإتمام نعمته على أهله الذين اصطفاهم، فقال عز وجل: " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم.. " الآية، وقال عز وجل: " حرّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم.. " وقال: " إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان.. " الآية، فحرّم على المسلمين من مآكل أهل الأديان أرجسها وأنجسها، ومن شرابهم أدعاه إلى العداوة والبغضاء، وأصده عن ذكر الله وعن الصلاة، ومن مناكحهم أعظمها عنده وزرًا، وأولاها عند ذوي الحجمى والألباب تحريمًا، ثم حباهم محاسن الأخلاق وفضائل الكرامات؛ فحعلهم أهل الإيمان والأمانة، والفضل والتراحم واليقين والصدق؛ ولم يجعل في دينهم التقاطع والتدابر، ولا الحمية ولا التكبر، ولا الخيانة ولا الغدر، ولا التباغي ولا التظالم؛ بل أمر بالأولى ونهى عن الأخرى، ووعد وأوعد عليها جنته وناره، وثوابه وعقابه؛ فالمسلمون بما اختصهم الله من كرامته، وجعل لهم من الفضيلة بدينهم الذي اختاره لهم، بائنون على الأديان بشرائعهم الزاكية، وأحكامهم المرضية الطاهرة، وبراهينهم المنيرة، وبتطهير الله دينهم بما أحل وحرّم فيه لهم وعليهم، قضاء من الله عز وجل في إعزاز دينه؛ حتمًا ومشيئةً منه في إظهار حقه ماضية، وإرادةً منه في إتمام نعمته على أهله نافذة " ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة "، وليجعل الله الفوز والعاقبة للمتقين، والخزي في الدنيا والآخرة على الكافرين.
    وقد رأى أمير المؤمنين - وبالله توفيقه وإرشاده - أن يحمل أهل الذمة جميعًا بحضرته وفي نواحي أعماله؛ أقربها وأبعدها، وأخصهم وأخسهم على تصيير طيالستهم التي يلبسونها؛ من لبسها من تجارهم وكتابهم، وكبيرهم وصغيرهم، على ألوان الثياب العسلية، لا يتجاوز ذلك منهم متجاوز إلى غيره، ومن قصر عن هذه الطبقة من أتباعهم وأرذالهم، ومن يقعد به حاله عن لبس الطيالسة منهم أخذ بتركيب خرقتين صبغهما ذلك الصبغ يكون استدارة كل واحدة منهما شبرًا تامًا في مثله، على موضع أمام ثوبه الذي يلبسه، تلقاء صدره، ومن وراء ظهره، وأن يؤخذ الجميع منهم في قلانسهم بتركيب أزرة عليها تخالف ألوانها ألوان القلانس؛ ترتفع في أماكنها التي يقع بها، لئلا تلصق فتستسر ولا ما يركب منها على حباك فتخفى؛ وكذلك في سروجهم باتخاذ ركب خشب لها، ونصب أكرٍ على قرابيسها؛ تكون ناتئة عنها، وموفية عليها، لا يرخّص لهم في إزالتها عن قرابيسهم، وتأخيرها إلى جوانبها؛ بل يتفقد ذلك منهم؛ ليقع ما وقع من الذي أمر أمير المؤمنين بحملهم عليه ظاهرًا يتبينه الناظر من غير تأمل، وتأخذه الأعين من غير طلب، وأن تؤخذ عبيدهم وإماؤهم، ومن يلبس المناطق من تلك الطبقة بشد الزنانير والكساتيج مكان المناطق التي كانت في أوساطهم، وأن توعز إلى عمالك فيما أمر به أمير المؤمين في ذلك إيعازًا تحدوهم به إلى استقصاء ما تقدم إليهم فيه، وتحذرهم إدهانًا وميلًا، وتتقدم إليهم في إنزال العقوبة بمن خالف ذلك من جميع أهل الذمة عن سبيل عناد وتهوين إلى غيره؛ ليقتصر الجميع منهم على طبقاتهم وأصنافهم على السبيل التي أمر أمير المؤمنين بحملهم عليها، وأخذهم بها إن شاء الله.
    فاعلم ذلك من رأى أمير المؤمنين وأمره، وأنفذ إلى عمالك في نواحي عملك ما ورد عليك من كتاب أمير المؤمنين بما تعمل به إن شاء الله؛ وأمير المؤمنين يسأل الله ربه ووليه أن يصلي على محمد عبده ورسوله وملائكته، وأن يحفظه فيما استخلفه عليه من أمر دينه، ويتولى ما ولاه مما لا يبلغ حقه فيه إلا بعونه؛ حفظًا يحمل به ما حمله، وولاية يقضي بها حقه منه ويوجب بها له أكمل ثوابه، وأفضل مزيده؛ إنه كريم رحيم.
    وكتب إبراهيم بن العباس في شوال سنة خمس وثلاثين ومائتين.

  • صفحة 7 من 28 الأولىالأولى ... 5678917 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثامن)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 40
      آخر مشاركة: 09-01-2010, 05:38 AM
    2. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 80
      آخر مشاركة: 08-15-2010, 11:10 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 72
      آخر مشاركة: 08-14-2010, 11:05 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1