حدثنا الحارث بن محمد، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام بن محمد قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: لما مات آدم عليه السلام قال شيث لجبرئيل صلى الله عليهما: صلّ على آدم، قال: تقدم أنت فصل على أبيك، وكبر عليه ثلاثين تكبيرة، فأما خمس فهي الصلاة، وأما خمس وعشرون فتفضيلًا لآدم ص.
وقد اختلف في موضع قبر آدم عليه السلام، فقال ابن إسحاق ما قد مضى ذكره، وأما غيره فإنه قال: دفن بمكة في غار أبي قبيس، وهو غار يقال له غار الكنز.
وروي عن ابن عباس في ذلك، ما حدثني به الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا هشام قال: أخبرنا أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: لما خرج نوح من السفينة دفن آدم عليه السلام ببيت المقدس وكانت وفاته يوم الجمعة، وقد مضى ذكرنا الرواية بذلك، فكرهنا إعادته.
وروي عن ابن عباس في ذلك ما حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام بن محمد، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: مات آدم عليه السلام على بوذ - قال أبو جعفر يعني الجبل الذي أهبط عليه - وذكر أن حواء عاشت بعده سنة ثم ماتت رحمهما الله، فدفنت مع زوجها في الغار الذي ذكرت، وأنهما لم يزالا مدفونين في ذلك المكان، حتى كان الطوفان، فاستخرجهما نوح، وجعلهما في تابوت، ثم حملهما معه في السفينة، فلما غاضت الأرض الماء ردهما إلى مكانهما الذي كانا فيه قبل الطوفان، وكانت حواء قد عزلت - فيما ذكر - ونسجت وعجنت وخبزت، وعملت أعمال النساء كلها.
ونرجع الآن إلى قصة قابيل وخبره وأخبار ولده وأخبار شيث وخبر ولده - إذا كنا قد أتينا من ذكر آدم وعدوه إبليس وذكر أخبارهما، وما صنع الله بإبليس إذ تجبر وتعظم وطغى على ربه عز وجل فأشر وبطر نعمته التي أنعمها الله عليه، وتمادى في جهله وغيه، وسأل ربه النظرة، فأنظره إلى يوم الوقت المعلوم، وما صنع الله بآدم صلوات الله عليه إذ خطئ ونسي عهد الله من تعجيل عقوبته له في خطيئته، ثم تغمده إياه بفضله ورحمته، إذ تاب إليه من زلته فتاب عليه وهداه، وأنقذه من الضلالة والردى - حتى تأتي على ذكر من سلك سبيل كل واحد منهما، ثم تابع آدم عليه السلام على منهاجه وشيعة إبليس والمقتدين به في ضلالته، إن شاء الله، وما كان من صنع الله تبارك وتعالى بكل فريق منهم.
فأما شيث عليه السلام فقد ذكرنا بعض أمره، وأنه كان وصي أبيه آدم عليه السلام في مخلفيه بعد مضيه لسبيله، وما أنزل الله عليه من الصحف.
وقيل: إنه لم يزل مقيمًا بمكة بحج ويعتمر إلى أن مات، وأنه كان جمع ما أنزل الله عز وجل عليه من الصحف إلى صحف أبيه آدم عليه السلام، وعمل بما فيها، وأنه بنى الكعبة بالحجارة والطين.
وأما السلف من علمائنا فإنهم قالوا: لم تزل القبة التي جعل الله لآدم في مكان البيت إلى أيام الطوفان، وإنما رفعها الله عز وجل حين أرسل الطوفان. وقيل: إن شيثًا لما مرض أوصى ابنه أنوش ومات، فدفن مع أبويه في غار أبي قبيس، وكان مولده لمضي مائتي سنة وخمس وثلاثين سنة، من عمر آدم عليه السلام. وكانت وفاته وقد أتت له تسعمائة سنة واثنتا عشرة سنة وولد لشيث أنوش، بعد أن مضى من عمره ستمائة سنة وخمس سنين، فيما يزعم أهل التوراة.
وأما ابن إسحاق، فإنه قال فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عنه: نكح شيث بن آدم أخته حزورة ابنة آدم، فولدت له يانش بن شيث، ونعمة ابنة شيث، وشيث يومئذ ابن مائة سنة وخمس سنين، فعاش بعد ما ولد له يانش ثمانمائة سنة وسبع سنين.
وقام أنوش بعد مضي أبيه شيث لسبيله بسياسة الملك، وتدبير من تحت يديه من رعيته مقام أبيه شيث، ولم يزل - فيما ذكر - على منهاج أبيه، لا يوقف منه على تغيير ولا تبديل. وكان جميعُ عمر أنوش - فيما ذكر أهل التوراة - تسعمائة سنة وخمس سنين.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثني هشام، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: ولد شيث أنوش ونفرًا كثيرًا، وإليه أوصى شيث، ثم ولد لأنوش بن شيث بن آدم ابنه قينان من أخته نعمة ابنة شيث بعد مضي تسعين سنة من عمر أنوش، ومن عمر آدم ثلثمائة سنة وخمس وعشرين سنة.
وأما ابن إسحاق فإنه قال فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: نكح يانش بن شيث أخته نعمة ابنة شيث، فولدت له قينان، ويانش يومئذ ابن تسعين سنة، فعاش يانش بعدما ولد له قينان ثمانمائة سنة وخمس عشرة سنة، وولد له بنون وبنات، فكان كل ما عاش يانش تسعمائة سنة وخمس سنين. ثم نكح قينان بن يانش - وهو ابن سبعين سنة - دينة ابنه براكيل بن محويل بن خنوح بن قين بن آدم، فولدت له مهلائيل بن قينان، فعاش قينان بعد ما ولد له مهلائيل ثمانمائة سنة وأربعين سنة، فكان كل ما عاش قينان تسعمائة سنة وعشر سنين.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: ولد أنوش قينان، ونفرًا كثيرًا، وإليه الوصية، فولد قينان مهلائيل ونفرًا معه، وإليه الوصية، فولد مهلائيل نرد - وهو اليارد - ونفرًا معه، وإليه الوصية، فولد يرد أخنوخ وهو إدريس النبي ص ونفرًا معه، فولد أخنوخ متوشلخ ونفرًا معه وإليه الوصية، فولد متوشلخ لمك ونفرًا معه وإليه الوصية.
وأما التوراة فما ذكر أهل الكتاب أنه فيها أن مولد مهلائيل بعد أن مضت من عمر آدم ثلاثمائة سنة وخمس وتسعون سنة، ومن عمر قينان سبعون سنة.
ونكح مهلائيل بن قينان - وهو ابن خمس وستين سنة وفيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق - خالته سمعن ابنة براكيل ابن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم، فولدت له يرد بن مهلائيل، فعاش مهلائيل بعد ما ولد له يرد ثمانمائة سنة وثلاثين سنة، فولد له بنون وبنات، فكان كل ما عاش مهلائيل ثمانمائة سنة وخمسًا وتسعين سنة، ثم مات.
وأما التوراة فإنه ذكر أن فيها أن يرد ولد لمهلائيل بعد ما مضي من عمر آ دم أربعمائة سنة وستون سنة، وأنه كان على منهاج أبيه قينان، غير أن الأحداث بدت في زمانه.
ذكر الأحداث التي كانت في أيام بني آدم من لدن ملك شيث بن آدم إلى أيام يرد
ذكر أن قابيل لما قتل هابيل وهرب من أبيه آدم إلى اليمن، أتاه إبليس، فقال له: إن هابيل إنما قبل قربانه وأكلته النار، لأنه كان يخدم النار ويعبدها، فانصب أنت أيضًا نارًا تكون لك ولعقبك. فبنى بيت نار، فهو أول من نصب النار وعبدها.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: إن قينًا نكح أخته أشوث بن آدم، فولدت له رجلًا وامرأة: خنوخ بن قين، وعذب بنت قين، فنكح خنوخ بن قين أخته عذب بنت قين، فولدت له ثلاثة نفر وامرأة: عيرد بن خنوخ ومحويل بن خنوخ وأنوشيل بن خنوخ، وموليث بنت خنوخ، فنكح أنوشيل بن خنوخ موليث ابنة خنوخ، فولدت لأنوشيل رجلًا اسمه لامك، فنكح لامك امرأتين: اسم إحداهما عدي واسم الآخر صلى، فولدت له عدي تولين بن لامك، فكان أول من سكن القباب، واقتنى المال، وتوبيش، وكان أول من ضرب بالونج والنج، وولدت رجلًا اسمه توبلقين، فكان أول من عمل النحاس والحديد، وكان أولادهم جبابرة وفراعنة، وكانوا قد أعطوا بسطة في الخلق، كان الرجل فيما يزعمون يكون ثلاثين ذراعًا. قال: ثم انقرض ولد قين، ولم يتركوا عقبًا إلا قليلًا، وذرية آدم كلهم جهلت أنسابهم وانقطع نسلهم، إلا ما كان من شيث بن آدم فمنه كان النسل، وأنسابُ الناس اليوم كلهم إليه دون أبيه آدم، فهو أبو البشر، إلا ما كان من أبيه وإخوته ممن لم يترك عقبًا.
قال: ويقول أهل التوراة: بل نكح قين أشوث، فولدت له خنوخ، فولد لخنوخ عيرد، فولد عيرد محويل، فولد محويل أنوشيل، فولد أنوشيل، لامك، فنكح لامك عدي وصلى، فولدتا له من سميتُ، والله أعلم.
فلم يذكر ابن إسحاق من أمر قابيل وعقبه إلا ما حكيتُ.
وأما غيره من أهل العلم بالتوراة فإنه ذكر أن الذي اتخذ الملاهي من ولد قابين رجل يقال له توبال، اتخذ في زمان مهلائيل بن قينان آلات اللهو من المزامير والطبول والعيدان والطنابير والمعازف، فانهمك ولد قاين في اللهو، وتناهى خبرهم إلى من بالجبل من نسل شيث، فهو منهم مائة رجل بالنزول إليهم، وبمخالفة ما أوصاهم به آباؤهم، وبلغ ذلك يارد، فوعظهم ونهاهم، فأبوا إلا تماديًا، ونزلوا إلى ولد قاين، فأعجبوا بما رأوا منهم، فلما أرادوا الرجوع حيل بينهم وبين ذلك لدعوة سبقت من آبائهم، فلما أبطئوا بمواضعهم، ظن من كان في نفسه زيغ ممن كان بالجبل أنهم أقاموا اعتباطًا، فتساللوا ينزلون عن الجبل، ورأوا اللهو فأعجبهم، ووافقوا نساء من ولد قايين متسرعات إليهم، وصرن معهم، وانهمكوا في الطغيان، وفشت الفاحشة وشرب الخمر.
قال أبو جعفر: وهذا القول غير بعيد من الحق، وذلك أن قول قد روي عن جماعة من سلف علماء أمة نبينا ص نحو منه، وإن لم يكونوا بينوا زمان من حدث ذلك في ملكه، سوى ذكرهم أن ذلك كان فيما بين آدم ونوح صلى الله عليهما وسلم.
ذكر من روي ذلك عنه
حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا داود - يعني ابن أبي الفرات - قال: حدثنا علباء بن أحمر، ابن عكرمة عن ابن عباس، أنه تلا هذه الآية: " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ".
قال: كانت فيما بين نوح وإدريس، وكانت ألف سنة، وإن بطنين من ولد آدم، كان أحدهما يسكن السهل، والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صباحًا وفي النساء دمامة، وكان نساء السهل صباحًا وفي الرجال دمامة، وإن إبليس أتى رجلًا من أهل السهل في صورة غلام فآجر نفسه منه، وكان يخدمه، واتخذ إبليس لعنه الله شيئًا مثل الذي يزمر فيه الرعاء، فجاء فيه بصوت لم يسمع الناس مثله، فبلغ ذلك من حولهم، فانتابوهم يسمعون إليه، واتخذوا عيدًا يجتمعون إليه في السنة، فتتبرج النساء للرجال، قال: وينزل الرجال لهن. وإن رجلًا من أهل الجبل هجم عليهم وهم في عيدهم ذلك، فرأى النساء وصباحتهن، فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك، فتحولوا إليهن، فنزلوا عليهن، فظهرت الفاحشة فيهن، فهو قول الله عز وجل: " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ".
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن أبي غنيمة، عن أبيه، عن الحكم: " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى "، قال: كان بين آدم ونوح ثمانمائة سنة، وكان نساؤهم أقبح ما يكون من النساء، ورجالهم حسان، فكانت المرأة تريد الرجل على نفسها، فأنزلت هذه الآية: " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ".
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفًا ببوذ.
ورأى آدم فيهم الزنا وشرب الخمر والفساد، فأوصى ألا يناكح بنو شيث بني قابيل، فجعل بنو شيث آدم في مغارة، وجعلوا عليه حافظًا، لا يقربه أحد من بني قابيل، وكان الذين يأتونه ويستغفر لهم من بني شيث، فقال مائة من بين شيث صباح: لو نظرنا إلى ما فعل بنو عمنا! يعنون بني قابيل، فهبطت المائة إلى نساء صباح من بني قابيل، فاحتبس النساء والرجال، ثم مكثوا ما شاء الله، ثم قال مائة آخرون: لو نظرنا ما فعل إخوتنا! فهبطوا من الجبل إليهم، فاحتبسهم النساء، ثم هبط بنو شيث كلهم، فجاءت المعصية، وتناكحوا واختلطوا، وكثر بنو قابيل ملئوا الأرض، وهم الذين غرقوا أيام نوح.
وأنا نسابو الفرس فقد ذكرت ما قالوا في مهلائيل بن قينان، وأنه هو أوشهنج الذي ملك الأقاليم السبعة، وبينت قول من خالفهم في ذلك من نسابي العرب.
فإن كان الأمر فيه كالذي قاله نسابو الفرس، فإني حدثت عن هشام ابن محمد بن السائب، أنه هو أول من قطع الشجر، وبنى البناء، وأول من استخرج المعادن وفطن الناس لها، وأمر أهل زمانه باتخاذ المساجد، وبين مدينتين كانتا أول ما بني على ظهر الأرض من المدائن، وهما مدينة بابل التي بسواد الكوفة، ومدينة السوس. وكان ملكه أربعين سنة.
وأما غيره فإنه قال: هو أول من استنبط الحديد في ملكه، فاتخذ منه الأدوات للصناعات، وقدر المياه في مواضع المنافع، وحض الناس على الحراثة والزراعة والحصاد واعتمال الأعمال، وأمر بقتل السباع الضارية، واتخاذ الملابس من جلودهم والمفارش، وبذبح البقر والغنم والوحش والأكل من لحومها، وأن ملكه كان أربعين سنة، وأنه بنى مدينة الري. قالوا وهي أول مدينة بنيت بعد مدينة جيومرت التي كان يسكنها بدنباوند من طبرستان.
وقالت الفرس: إن أوشهنج هذا ولد ملكًا، وكان فاضلًا محمودًا في سيرته وسياسة رعيته، وذكروا أنه أول من وضع الأحكام والحدود، وكان ملقيًا بذلك، يدعي فيشداذ ومعناه بالفارسية أولُ من حكم بالعدل، وذلك أن فاش معنا أول، وأن داذ عدل وقضاء، وذكروا أنه نزل الهند، وتنقل في البلاد، فلما استقام أمره واستوثق له الملك عن جده جيومرت، وإنه عذاب ونقمة على مردة الإنس والشياطين. وذكروا أنه قهر إبليس وجنوده، ومنعهم الاختلاط بالناس، وكتب عليهم كتابًا في طرس أبيض أخذ عليهم فيه المواثيق ألا يعرضوا لأحد من الإنس، وتوعدهم على ذلك، وقتل مردتهم وجماعة من الغيلان، فهربوا من خوفه إلى المفاوز والجبال والأودية، وأنه ملك الأقاليم كلها، وأنه كان بين موت جيومرت إلى مولد أوشهنج وملكه مائتا سنة وثلاث وعشرون سنة.
وذكروا أن إبليس وجنوده فرحوا بموت أوشهنج، وذلك أنهم دخلوا بموته مساكن بني آدم، ونزلوا إليهم من الجبال والأودية.
ونرجع الآن إلى ذكر يرد - وبعضهم يقول هو يارد - وفولد يرد لمهلائيل من خالته سمعن ابنة باركيل بن محويل بن خنوخ بن قين، بعد ما مضي من عمر آدم أربعمائة وستون سنة، فكان وصى أبيه وخليفته فيما كان والد مهلائيل أوصى إلى مهلائيل، واستخلفه عليه بعد وفاته، وكانت ولادة أمه إياه بعد ما مضى من عمر أبيه مهلائيل - فيما ذكروا - خمس وستون سنة، فقام من بعد مهلك أبيه من وصية أجداده وآبائه بما كانوا يقومون به أيام حياتهم.
ثم نكج يرد - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، وهو ابن مائة سنة واثنتين وستين سنة - بركنا ابنة الدرمسيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم. فولدت له أخنوخ بن يرد - وأخنوخ إدريس النبي، وكان أول بني آدم أعطي النبوة - فيما زعم ابن إسحاق - وخط بالقلم، فعاش يرد بعد ما ولد له أخنوخ ثمانمائة سنة، وولد له بنون وبنات، فكان كل ما عاش يرد تسعمائة سنة واثنتين وستين سنة ثم مات.
وقال غيره من أهل التوراة: ولد ليرد أخنوخ - وهو إدريس - فنبأه الله عز وجل، وقد مضى من عمر آدم ستمائة سنة واثنتان وعشرون سنة، وأنزل عليه ثلاثون صحيفة. وهو أول من خط بعد آدم وجاهد في سبيل الله، وقطع الثياب وخاطها، وأول من سبى من ولد قابيل، فاسترق منهم، وكان وصي والده يرد فيما كان آباؤه أوصوا به إليه، وفيما أوصى به بعضهم بعضًا، وذلك كله من فعله في حياة آدم.
قال: وتوفي آدم عليه السلام بعد أن مضى من عمر أخنوخ ثلاثمائة سنة وثماني سنين، تتمةُ تسعمائة وثلاثين سنة التي ذكرنا أنها عمر آدم. قال: ودعا أخنوخ قومه ووعظهم، وأمرهم بطاعة الله عز وجل ومعصية الشيطان، وألا يلابسوا ولد قابيل، فلم يقبلوا منه، وكانت العصابة بعد العصابة من ولد شيث تنزل إلى ولد قايين.
قال: وفي التوراة: إن الله تبارك وتعالى رفع إدريس بعد ثلاثمائة سنة وخمس وستين سنة مضت من عمره، وبعد خمسمائة سنة وسبع وعشرين سنة مضت من عمر أبيه، فعاش أبوه بعد ارتفاعه أربعمائة وخمسًا وثلاثين سنة تمام تسعمائة واثنتين وستين سنة، وكان عمر يارد تسعمائة واثنتين وستين سنة، وولد أخنوخ وقد مضت من عمر يارد مائة واثنتان وستون سنة.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: في زمان يرد عملت الأصنام، ورجع من رجع عن الإسلام.
وقد حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمي، قال: حدثني الماضي بن محمد، عن أبي سليمان، عن القاسم بن محمد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر الغفاري، قال: قال لي رسول الله : " يا أبا ذر "، أربعة - يعني من الرسل - سريانيون: أدم، وشيث، ونوح، وأخنوخ، وهو أول من خط بالقلم، وأنزل الله تعالى على أخنوخ ثلاثين صحيفة ".
وقد زعم بعضهم أن الله بعث إدريس إلى جميع أهل الأرض في زمانه، وجمع له علم الماضين، وأن الله عز وجل زاده مع ذلك ثلاثين صحيفة، وقال: فذلك قول الله عز وجل: " إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ".
وقال: يعني بالصحف الأولى الصحف التي أنزلت على ابن آدم هبة الله وإدريس عليهما السلام.
وقال بعضهم: ملك بيوراسب في عهد إدريس، وقد كان وقع إليه كلام من كلام آدم صلوات الله عليه، فاتخذه، في ذلك الزمان سحرًا، وكان بيوراسب يعمل به، وكان إذا أراد شيئًا من جميع مملكته أو أعجبته دابة أو امرأة نفخ بقصبة كانت له من ذهب، وكان يجيء إليه كل شيء يريده، فمن ثم تنفخ اليهود في الشبورات.
وأما الفرس فإنهم قالوا: ملك بعد موت أو شهنج طهمورث بن ويونجهان ابن خبانداذ بن خيايذار بن أوشهنج.
وقد اختلف في نسب طهمورث إلى أوشهنج، فنسبه بعضهم النسبة التي ذكرت. وقال بعض نسابة الفرس: هو طهمورث بن أيونكهان بن أنكهد ابن أسكهد بن أوشهنج.
وقال هشام بن محمد الكلبي - فيما حدثتُ عنه: ذكر أهل العلم أن أول ملوك بابل طهمورث، قال: وبلغنا - والله أعلم - أن الله أعطاه من القوة ما خضع له إبليس وشياطينه، وأنه كان مطيعًا لله، وكان ملكه أربعين سنة.
وأما الفرس فإنها تزعم أن طهمورث ملك الأقاليم كلها، وعقد على رأسه تاجًا، وقال يوم ملك: نحن دافعون بعون الله عن خليقته المردة الفسدة.
وكان محمودًا في ملكه، حدبًا على رعيته، وأنه ابتنى سابور من فارس ونزلها، وتنقل في البلدان، وأنه وثب بإبليس حتى ركبه، فطاف عليه في أداني الأرض وأقاصيها، وأفزعه ومردة أصحابه حتى تطايروا وتفرقوا عليه، وأنه أول من اتخذ الصوف والشعر للباس والفرش، وأول من اتخذ زينة الملوك من الخيل والبغال والحمير، وأمر باتخاذ الكلاب لحفظ المواشي وحراستها من السباع والجوارح للصيد، وكتب بالفارسية، وأن بيوراسب ظهر في أول سنة من ملكه، ودعا إلى ملة الصابئين.
ثم رجعنا إلى ذكر أخنوخ، وهو إدريس عليه السلام.
ثم نكح - فيما حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: أخنوخ بن يرد هدانة - ويقال: أدانة - ابنة باويل ابن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم، وهو ابن خمس وستين سنة، فولدت له متوشلخ بن أخنوخ، فعاش بعد ما ولد له متوشلخ ثلاثمائة سنة. وولد له بنون وبنات، فكان كل ما عاش أخنوخ ثلاثمائة سنة وخمسًا وستين سنة ثم مات.
وأما غيره من أهل التوراة فإنه قال فيما ذكر عن التوراة: ولد لأخنوخ بعد ستمائة سنة وسبع سنين وثمانين سنة خلت من عمر آدم متوشلخ، فاستخلفه أخنوخ على أمر الله، وأوصاه ببيته قبل أن يرفع، وأعلمهم أن الله عز وجل سيعذب ولد قابين ومن خالطهم ومال إليهم ونهاهم عن مخالطتهم، وذكر أنه كان أول من ركب الخيل، لأنه اقتفى رسم أبيه في الجهاد، وسلك في أيامه في العلم بطاعة الله طريق آبائه. وكان عمر أخنوخ إلى أن رفع ثلاثمائة سنة وخمسًا وستين سنة. وولد له متوشلخ بعد ما مضي من عمره خمس وستون سنة.
ثم نكح - فيما حدثني ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق - متوشلخ بن أخنوخ عربا ابنة عزرائيل بن أنوشيل بن خنوخ بن قين بن آدم، وهو ابن مائة سنة وسبع وثلاثين سنة. فولدت له لمك بن متوشلخ، فعاش بعدما ولد له لمك سبعمائة سنة، فولد له بنون وبنات، وكان كل ما عاش متوشلخ تسعمائة سنة وتسع عشرة سنة. ثم مات ونكح لمك بن متوشلخ بن أخنوخ بتنوس ابنة براكيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم عليه السلام.
وهو ابن مائة سنة وسبع وثمانين سنة فولدت له نوحًا النبي فعاش لمك بعدما ولد نوح خمسمائة سنة وخمسًا وتسعين سنة، وولد له بنون وبنات، فكان كل ما عاش سبعمائة سنة وثمانين سنة، ثم مات، ونكح نوح ابن لمك عمذرة ابنة براكيل بن محويل بن خنوخ بن قيم بن آدم، وهو ابن خمسمائة سنة، فولدت له بنيه: سام، وحام، ويافث، بني نوح.
وقال أهل التوراة: ولد لمتوشلخ بعد ثمانمائة سنة وأربع وسبعين سنة من عمر آدم لمك، فأقام على ما كان عليه أباؤه: من طاعة الله وحفظ عهوده. قالوا: فلما حضرت متوشلخ الوفاة استخلف لمك على أمره، وأوصاه بمثل ما كان آباؤه يوصون به. قالوا: وكان لمك يعظ قومه، وينهاهم عن النزول إلى ولد قايين فلا يتعظون، حتى نزل جميع من كان في الجبل إلى ولد قايين.
وقيل: إنه كان لمتوشلخ ابن آخر غير لمك، يقال له صابئ - وقيل: إن الصابئين به سموا صابئين - وكان عمر متوشلخ تسعمائة وستين سنة، وكان مولد لمك بعد أن مضى من عمر متوشلخ مائة وسبع وثمانون سنة. ثم ولد لمك نوحًا بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة، وذلك لألف سنة وست وخمسين سنة مضت من يوم أهبط الله عز وجل آدم إلى مولد نوح عليه السلام، فلما أدرك نوح قال له لمك: قد علمت أنه لم يبق في هذا الموضع غيرنا، فلا تستوحش ولا تتبع الأمة الخاطئة، فكان نوح يدعو إلى ربه، ويعظ قومه فيستخفون به، فأوحى الله عز وجل إليه أنه قد أمهلهم، فانظرهم ليراجعوا ويتوبوا مدة، فانقضت المدة قبل أن يتوبوا وينيبوا.
وقال أخرون غير من ذكرت قوله: كان نوح في عهد بيوراسب، وكان قومته يعبدون الأصنام، فدعاهم إلى الله عز وجل تسعمائة وستة وخمسين سنة، كلما مضى قرن تبعهم قرن، على ملةٍ واحدة من الكفر، حتى أنزل الله عليهم العذاب فأفناهم.
حدثنا الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثني هشام، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: ولد متوشلخ لمك ونفرًا معه، وإليه الوصية، فولد لمك نوحًا، وكان للمك يوم ولد نوح اثنتان وثمانون سنة، ولم يكن أحد في ذلك الزمان ينهى عن منكر، فبعث الله إليهم نوحًا، وهو ابن أربعمائة سنة وثمانين سنة، ثم دعاهم في نبوته مائة وعشرين سنة، ثم أمره بصنعة السفينة فصنعها وركبها وهو ابن ستمائة سنة وغرق من غرق ثم مكث بعد السفينة ثلاثمائة سنة وخمسين سنة.
وأما علماء الفرس فإنهم قالوا: ملك بعد طهمورث جم الشيذ - والشيذ معنا عندهم الشعاع، لقبوه بذلك فيما زعموا لجماله - وهو جم بن ويونجهان، وهو أخو طمهورث. وقيل إنه ملك الأقاليم السبعة كلها، وسخر له ما فيها من الجن والإنس، وعقد على رأسه التاج. وقال حين قعد في ملكه: إن الله تبارك وتعالى قد أكمل بهاءنا وأحسن تأييدنا، وسنوسع رعيتنا خيرًا. وإنه ابتدع صنعة السيوف والسلاح، ودل على صنعة الإبريسم والقز وغيره مما يغزل، وأمر بنسج الثياب وصبغها، ونحت السروج والأكف وتذليل الدواب بها.
وذكر بعضهم أنه توارى بعد ما مضى من ملكه ستمائة سنة وست عشرة سنة وستة أشهر، فخلت البلادُ من سنة، وأن أمر لمضي سنة من ملكه إلى سنة خمس منه بصنعة السيوف والدروع والبيض وسائر صنوف الأسلحة وآلة الصناع من الحديد. ومن سنة خمسين من ملكه إلى سنة مائة بعزل الإبريسم والقز والقطن والكتان وكل ما يستطاع غزله وحياكة ذلك وصبغته ألوانًا وتقطيعه أنواعًا ولبسه. ومن سنة مائة إلى سنة خمسين ومائة صنف الناس أربع طبقات: طبقة مقاتلة، وطبقة فقهاء، وطبقة كتابًا وصناعًا وحراثين، واتخذ طبقة منهم خدمًا، وأمر كل طبقة من تلك الطبقات بلزوم العلم الذي ألزمها إياه. ومن سنة مائة وخمسين إلى سنة خمسين ومائتين حارب الشياطين والجن وأثخنهم وأذلهم وسخروا له وانقادوا لأمره. ومن سنة خمسين ومائتين إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة وكل الشياطين بقطع الحجارة والصخور من الجبال، وعمل الرخام والجص والكلس، والبناء بذلك، وبالطين البنيان والحمامات، وصنعة النورة، والنقل من البحار والجبال والمعادن والفلوات كل ما ينتفع به الناس، والذهب والفضة وسائر ما يذاب من الجواهر، وأنواع الطيب والأدوية فنفذوا في كل ذلك لأمره. ثم أمر فصنعت له عجلة من زجاج، فصفد فيها الشياطين وركبها، وأقبل عليها في الهواء من بلده، من دنبساوند إلى بابل في يوم واحد، وذلك يوم هرمزأز فروردين ماه، فاتخذ الناس للأعجوبة التي رأوا من إجرائه ما أجرى على تلك الحال نوروز، وأمرهم باتخاذ ذلك اليوم وخمسة أيام بعده عيدًا، والتنعم والتلذذ فيها، وكتب إلى الناس اليوم السادس، وهو خرداذوروز يخبرهم أنه قد سار فيهم بسيرة ارتضاها الله، فكان من جزائه إياه عليهم أن جنبهم الحر والبرد والأسقام والهرم الحسد، فمكث الناس ثلاثمائة سنة بعد الثلاثمائة والست عشرة سنة التي خلت من ملكه، لا يصيبهم شيء مما ذكر أن الله جل وعز وجنبهم إياه.
ثم إن جمًا بطر بعد ذلك نعمة الله عنده، وجمع الإنس والجن، فأخبرهم أنه وليهم ومالكهم والدافع بقوته عنهم الأسقام والهرم والموت، وجحد إحسان الله عز وجل إليه، وتمادى في غيه فلم يحر أحد ممن حضره له جوابًا، وفقد مكانه بهاءه وعزه، وتخلت عنه الملائكة الذين كان الله أمرهم بسياسة أمره، فأحس بذلك بيوراسب الذي يسمى الضحاك فابتدر إلى جم لنتهسه فهرب منه، ثم ظفر به بيوراسب بعد ذلك، فامتلخ أمعاءه واشترطها ونشره بمنشاره وقال بعض علماء النفس: إن جمًا لم يزل محمود السيرة إلى أن بقي من ملكه مائة سنة فخلط حينئذ، وادعى الربوبية، فلما فعل ذلك اضطرب عليه أمره، ووثب عليه أخوه اسفتور وطلبه ليقتله، فتوارى عنه، وكان في تواريه ملكًا ينتقل من موضع إلى موضع، ثم خرج عليه بيوراسب فغلبه على ملكه، ونشره بالمنشار.
وزعم بعضهم أن ملك جم كان سبعمائة سنة وست عشرة سنة وأربعة أشهر وعشرين يومًا.
وقد ذكرت عن وهب بن منبه، عن ملك من ملوك الماضين قصة شبيهة بقصة جم شاذ الملك، ولولا أن تاريخه خلاف تاريخ جم لقلت إنها قصة جم.
وذلك ما حدثني محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، عن وهب بن منبه، أنه قال: إن رجلًا ملك وهو فتى شاب، فقال: إني لأجد للملك لذة طعمًا، فلا أدري: أكذلك كل الناس أم أنا وجدته من بينهم؟ فقيل له بل الملك كذلك، فقال: ما الذي يقيمه لي؟ فقيل له: يقيمه لك أن تطيع الله فلا تعصيه. فدعا ناسًا من خيار من كان في ملكه فقال لهم: كونوا بحضرتي في مجلسي، فما رأيتم أنه طاعة الله عز وجل فأمرني أن أعمل به، وما رأيتم أنه معصية لله فازجروني عنه أنزجر، ففعل ذلك هو وهم، واستقام له ملكه بذلك أربعمائة سنة مطيعًا لله عز وجل. ثم إن إبليس انتبه لذلك فقال: تركت رجلًا يعبد الله ملكًا أربعمائة سنة! فجاء فدخل عليه فتمثل له برجل، ففزع منه الملك، فقال: من أنت؟ قال إبليس: لا ترع، ولكن اخبرني من أنت؟ قال الملك: أنا رجل من بين آدم، فقال له إبليس: لو كنت من بني آدم لقدمت كما يموت بنو آدم ألم تر كم مات من الناس وذهب من القرون! لو كانت منهم لقد مت كما ماتوا، ولكنك إله. فادع الناس إلى عبادتك. فدخل ذلك في قلبه. ثم صعد المنبر، فخطب الناس فقال: أيها الناس، إن قد كنت أخفيت عنكم أمرًا بان لي إظهاره، لكم تعلمون أني ملكتكم منذ أربعمائة سنة، ولو كنت من بني آدم لقد مت كما ماتوا، ولكني إله فاعبدوني. فأرعش مكانه، وأوحى الله إلى بعض من كان معه فقال: أخبره أني قد استقمت له ما استقام لي، فإذا تحول عن طاعتي إلى معصيتي فلم يستقم لي، فبعزتي حلفتُ لأسلطن عليه بخت ناصر، فليضربن عنقه، وليأخذن ما في خزائنه، وكان في ذلك الزمان لا يسخط الله على أحد إلا سلط عليه بخت ناصر، فلم يتحول الملك عن قوله، حتى سلط الله عليه بخت ناصر، فضرب عنقه، وأوقر من خزائنه سبعين سفينة ذهبًا.
قال أبو جعفر: ولكن بين بخث ناصر وجم دهر طويل، إلا أن يكون الضحاك كان يدعي في ذلك الزمان بخت ناصر.
وأما هشام بن الكلبي فإني حدثت عنه أنه قال: ملك بعد طهمورث جم، وكان أصبح أهل زمانه وجهًا، وأعظمهم جسمًا، قال: فذكروا أنه غير ستمائة سنة تسع عشرة سنة مطيعًا لله مستعليًا أمره مستوثقه له البلاد. ثم إنه طغى وبغى، فسلط الله عليه الضحاك، فسار إليه في مائتي ألف، فهرب جم منه مائة سنة، ثم إن الضحاك ظفر به فنشره بمنشار. قال: فكان جميع ملك جم، منذ ملك إلى أن قتل سبعمائة وستع عشرة سنة.
وقد روي عن جماعة من السلف أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على ملة الحق، وأن الكفر بالله إنما حدث في القرن الذين بعث إليهم نوح عليه السلام، وقالوا: إن أول نبي أرسله الله إلى قوم بالإنذار والدعاء إلى توحيده نوح عليه السلام.
ذكر من قال ذلك
حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان بين نوح وآدم عليهما السلام عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله: " كان الناس أمة واحدة فاختلفوا " حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: قوله عز وجل: " كان الناس أمة واحدة "، قال: كانوا على الهدى جميعًا فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، فكان أول نبي بعث نوح عليه السلام.
ذكر الأحداث التي كانت في عهد نوح عليه السلام
قد ذكرنا اختلاف المختلفين في ديانة القوم الذي أرسل إليهم نوح عليه السلام، وأن منهم من يقول: كانوا قد أجمعوا على العمل بما يكرهه الله، من ركوب الفواحش وشرب الخمور والاشتغال بالملاهي عن طاعة الله عز وجل، وأن منهم من يقول: كانوا أهل طاعة بيوراسب، وكان بيوراسب أول من ظهر القول بقول الصابئين، وتبعه على ذلك الذين أرسل إليهم نوح عليه السلام، وسأذكر إن شاء الله خبر بيوراسب فيما بعد.
فأما كتاب الله فإنه ينبئ عنه أنهم كانوا أهل أوثان، وذلك أن الله عز وجل يقول مخبرًا عن نوح: " قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارًا. ومكروا مكرًا كبارًا، وقالوا لا تدرن آلهتكم ولا تذرن ودًا ولا سواعًا، ولا يغوثُ ويعوق نسرًا، وقد أضلوا كثيرًا ". فبعث الله إليهم نوحًا مخوفهم بأسه، ومحذرهم سطوته، وداعيًا لهم إلى التوبة والمراجعة إلى الحق، والعمل بما أمر الله به رسله وأنزله في صحف آدم وشيث وأخنوخ. ونوح يوم ابتعثه الله نبيًا إليهم - فيما ذكر - ابن خمسين سنة.
وقيل أيضًا ما حدثنا به نصر بن علي الجهضمي، قال: حدثنا نوح بن قيس، قال: حدثنا عون بن أبي شداد، قال: إن الله تبارك وتعالى أرسل نوحًا إلى قومه وهو إبن خمسين وثلاثمائة سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلى خمسين عامًا، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة سنة.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا هشام، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: بعث الله نوحًا إليهم وهو ابن أربعمائة سنة وثمانين سنة، ثم دعاهم في نبوته مائة وعشرين سنة، وركب السفينة وهو ابن ستمائة سنة، ثم مكث بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين سنة.
قال أبو جعفر: فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا كما قال الله عز وجل يدعوهم إلى الله سرًا وجهرًا، يمضي قرن بعد قرن، فلا يستجيبون له، حتى مضى قرون ثلاثة على ذلك من حاله وحالهم، فلما أراد الله عز وجل إهلاكهم دعا عليهم نوح عليه السلام فقال: " رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارًا "، فأمر الله تعالى ذكره أن يغرس شجرة فغرسها، فعظمت وذهبت كل مذهب، ثم أمره بقطعها من بعد ما غرسها بأربعين سنة، فيتخذ منها سفينة، كما قال الله له: " واصنع الفلك بأعيننا ووحينا "، فقطعها وجعل يعملها.
وحدثنا صالح بن مسمار المروزي والمثنى بن إبراهيم، قالا: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثنا موسى بن يعقوب، قال: حدثني فائد مولى عبيد الله ابن علي بن أبي رافع، أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة، أخبره أن عائشة زوج النبي أخبرته أن رسول الله : قال " لو رحم الله أحدًا من قوم نوح لرحم أم الصبي "، قال رسول الله : " كان نوح مكث في قومه ألف سنة إلى خمسين عامًا، يدعوهم إلى الله عز وجل، حتى كان آخر زمانه غرس شجرة فعظمت وذهبت كل مذهب ثم قطعها، ثم جعل يعمل سفينة فيمرون فيسألونه فيقول: أعملها سفينة، فيسخرون منه، ويقولون: تعمل سفينة في البر فكيف تجري! فيقول: سوف تعلمون. فلما فرغ منها وفار التنور وكثر الماء في السكك خشيت أم الصبي عليه - وكانت تحبه حبًا شديدًا - فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء خرجت حتى بلغث ثلثي الجبل، فلما بلغها الماء خرجت حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيدها، حتى ذهب به الماء، فلو رحم الله منهم أحدًا الرحمن أم الصبي ".
حدثني ابن أبي منصور، قال: حدثنا علي بن الهيثم، عن المسيب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك، قال: قال سلمان الفارسي: عمل نوح السفينة أربعمائة سنة، وأنتب الساج أربعين سنة، حتى كان طوله ثلاثمائة ذراع، والذراع إلى المنكب.
فعمل نوح بوحي الله إليه، وتعليمه إياه، عملها فكانت إن شاء الله كما حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن طول السفينة ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون ذراعًا، وطولها في السماء ثلاثون دراعًا، وبابها في عرضها.
حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مبارك، عن الحسن، قال: كان طول سفينة نوح ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن مفضل بن فضالة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: قال الحواريون العيسى بن مريم: لو بعثت لنا رجلًا شهد السفينة فحدثنا عنها! فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفًا من ذلك التراب بكفه، قال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا قبر حام بن نوح، قال: فضرب الكثيب بعصاه وقال: ثم بإذن الله، فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه، وقد شاب، فقال له عيسى عليه السلام: هكذا هلكت؟ قال: لا، ولكني مت وأنا شاب، ولكني ظننت أنها الساعة، فمن ثم شبتُ. قال: حدثنا عن سفينة نوح، قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات: فطبقة فيها الدواب والوحش، وطبقة فيها الإنس وطبقة فيها الطير، فلما كثر أرواث الدواب أوحى الله إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل، فغمز فوقع منه خنزير وخنزيرة، فأقبلا على الروث، فلما وقع الفار يخرز السفينة يقرضه، أوحى الله إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد، فخرج من منخره سنور وسنورة، فأقبلا على الفأر، فقال له عيسى: كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت، قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر، فوجد جيفة فوقع عليها، فدعا عليه بالخوف، فلذلك لا يألف البيوت. قال: ثم بعث الحمامة، فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها، فعلم أن البلاد قد غرقت. قال: فطوقها الخضرة التي في عنقها، دعا لها أن تكون من أنس وأمان، فمن ثمن تألف البيوت. قال: فقالت الحواريون: يا رسول الله، ألا تنظلق به إلى أهلنا، فيجلس معنا ويحدثنا؟ قال: كيف يتبعكم من لارزق له؟ قال: فقال له: عد بإذن الله، فعاد ترابًا.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: اخبرني هشام، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: نجر نوح السفينة بجبل بوذ، من ثم تبدى الطوفان، قال: وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع بذراع جد أبي نوح، وعرضها خمسين ذراعًا، وطولها في السماء ثلاثين ذراعًا، وخرج منها من الماء ستة أذرع، وكانت مطبقة، وجعل لها ثلاثة أبواب، بعضها أسفل من بعض.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عمن لا يتهم، عن عبيد بن عمير الليثي، أنه كان يحدث أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به - يعني قوم نوح بنوح - فيخنقونه حتى يغشي عليه، فإذا أفاق قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
قال ابن إسحاق: حتى إذا تمادوا في المعصية، وعظمت في الأرض منهم الخطيئة، وتطاول عليه وعليهم الشأن، واشتد عليهم منه البلاء، وانتظر النجل بعد النجل، فلا يأتي قرن إلا كانت أخبث من الذي قبله، حتى إن كان الآخر منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا ومع أجدادنا، هكذا مجنونًا! لا يقبلون منه شيئًا، حتى شكا ذلك منأمرهم نوح إلى الله عز وجل، فقال كما قص الله عز وجل علينا في كتابه: " رب إني دعوت قومي ليلًا ونهارًا، فلم يزدهم دعائي إلى فرارًا " إلى أخر القصة، حتى قال: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا "، إلى آخر القصة. فلما شكا ذلك منهم نوح إلى الله عز وجل واستنصره عليهم أوحى الله إليه أن " اصنع الفلك بأعييننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ". فأقبل نوح على عمل الفلك، ولها عن قومه، وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد، ويهيئ عدة الفلك من القار وغيره مما لا يصلحه إلا هو، وجعل قومه يمرون به، وهو في ذلك من عمله، فيسخرون منه، ويستهزئون به فيقول: " إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون، فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ". قال: ويقولون - فيما بلغني -: يا نوح قد صرت نجارًا بعد النبوة! قال: وأعقم الله أرحام النساء فلا يولد لهم.
قال: ويزعم أهل التوراة أن الله عز وجل أمره أن يصنع الفلك خشب الساج، وأن يصنعه أزور، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعًا وعرضه خمسين ذراعًا، وطوله في السماء ثلاثين ذراعًا، وأن يجعله ثلاثة أطباق: سفلا ووسطًا وعلوًا، وأن يجعل فيه كوًا، ففعل نوح كما أمره الله عز وجل، حتى إذا فرغ منه وقد عهد الله إليه: " إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ". وقد جعل التنور آية فيما بينه وبينه، فقال: إذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها في كل زوجين اثنين واركب. فلما فار التنور حمل نوح في الفلك من أمره الله تعالى به - وكان قليلًا كما قال - وحمل فيها من كل زوجين اثنين مما فيه الروح والشجر، ذكرًا وأنثى. فحمل فيه بنية الثلاثة: سام وحام ويافث ونساءهم، وستة أناس من كان آمن به فكانوا عشرة نفر: نوح وبنوه وأزواجهم، ثم أدخل ما أمره الله به من الدواب، وتخلف عنه ابنه يام، وكان كافرًا.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن ابن دينار، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: سمعته يقول: كان أول ما حمل نوح في الفلك من الدواب الذرة، وأخر ما حمل الحمار، فلما أدخل الحمار ودخل صدره تعلق إبليس لعنه الله بذنبه فلم تستقل رجلاه، فجعل نوح يقول: ويحك! ادخل، فينهض فلا يستطيع، حتى قال نوح، ويحك! ادخل وإن كان الشيطان معك، قال كلمة زلت عن لسانه، فلما قالها نوح خلي الشيطان سبيله، فدخل ودخل الشيطان معه، فقال له نوح: ما أدخلك علي يا عدو الله! قال: ألم تقل: " ادخل وإن كان الشيطان معك! " قال: أخرج عني يا عدو الله، فقال: مالك بد من أن تحملني، فكان - فيما يزعمون - في ظهر الفلك، فلما اطمأن نوح في الفلك وأدخل فيه كل من آمن به، وكان ذلك في الشهر من السنة التي دخل فيها نوح بعد ستمائة سنة من عمره لسبع عشرة ليلة مضت من الشهر، فلما دخل وحمل معه من حمل، تحرك ينابيع الغوط الأكبر، وفتحت أبواب السماء، كما قال الله لنبيه : " ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونًا فالتقى الماء على أمر قد قدر ". فدخل نوح ومن معه الفلك وغطاه عليه وعلى من معه بطبقة، فكان بين أن أرسل الله الماء وبين أن احتمل الماء الفلك أربعون يومًا وأربعون ليلة. ثم احتمل الماء كما يزعم أهل التوراة وكثر واشتد وارتفع، يقول الله عز وجل لنبيه محمد : " وجعلناه على ذات ألواح ودسر، تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر ".
والدسر: االمسامير، مسامير الحديد، فجعلت الفلك تجري به وبمن معه في موج كالجبال، ونادى نوح ابنه الذي هلك فيمن هلك، وكان في معزل حين رأى نوح من صدق موعود ربه ما رأى، فقال: " يا بني اركب معنا ولا تكن من الكافرين "، وكان شقيًا قد أضمر كفرًا، " قال سأوي إلى جبل يعصمني من الماء "، وكان عهد الجبال وهي حرز من الأمطار إذا كانت، فظن أن ذلك كما كان يكون، قال نوح: " لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ".
وكثر الماء وطغى، وارتفع فوق الجبال - كما يزعم أهل التوراة - خمسة عشر ذراعًا، فباد ما على وجه الأرض من الخلق من كل شيء فيه الروح أو شجر، فلم يبق شيء من الخلائق إلا نوح ومن معه في الفلك، وإلا عوج بن عنق - فيما يزعم أهل الكتاب - فكان بين أن أرسل الله الطوفان وبين أن غاض الماء ستة أشهر وعشر ليال.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: أرسل الله المطر أربعين يومًا وأربعين ليلة، فأقبلت الوحوش حين أصابها المصر والدواب والطير كلها إلى نوح، وسخرت له، فحمل منها كما أمره الله عز وجل: " من كل زوجين اثنين "، وحمل معه جسد آدم، فجعله حاجزًا بين النساء والرجال، فركبوا فيها لعشر ليال مضين من رجب، وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم، فلذلك صام من صام يوم عاشوراء. وأخرج الماء نصفين، فذلك قول الله عز وجل " ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر "، يقول: منصب، " وفجرنا الأرض عيونًا "، يقول: شققنا الأرض، " فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر " فصار الماء نصفين: نصف من السماء ونصف من الأرض، وارتفع الماء على أطول جبل في الأرض خمسة عشر ذراعًا، فسارت بهم السفينة، فطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقر على شيء، حتى أتت الحرم فلم تدخله، ودارت بالحرم أسبوعًا، ورفع البيت الذي بناه آدم عليه السلام، رفع من الغرق، - وهو البيت المعمور والحجر الأسود - على أبي قبيس، فلما دارت بالحرم ذهب في الأرض تسير بهم، حتى انتهت إلى الجودي - وهو جبل بالحضيض من أرض الموصل - فاستقرت بعد ستة أشهر لتمام السبع، فقيل بعد السبعة الأشهر: " بعدًا للقوم الظالمين "، فلما استقرت على الجودي " قيل يا أرض ابلعي ماءك "، يقول: أنشفي ماءك الذي خرج منك، " ويا سماء أقلعي "، يقول: احبسي ماءك، " وغيض الماء " نشفته الأرض، فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي ترون في الأرض، فآخر ما بقي من الطوفان في الأرض ماء بحسمي بقي في الأرض أربعين سنة بعد الطوفان ثم ذهب.
وكان التنور الذي جعل الله تعالى ذكره آية ما بينه وبني نوح فوران الماء منه تنورا كان لحواء من حجارة، وصار إلى نوح.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، عن أبي محمد، عن الحسن، قال: كان تنورًا من حجارة، كان لحواء حتى صار إلى نوح، قال: فقيل له: إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك.
وقد اختلف في المكان الذي كان به التنور الذي جعل الله فوران مائة آية، ما بينه وبين نوح، فقال بعضهم: كان بالهند.
ذكر من قال ذلك
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبد الحميد الحماني، عن النضر أبي عمر الخزاز، عن عكرمة، عن ابن عباس: في " وفار التنور ". قال: فار بالهند.
وقال آخرون: كان ذلك بناحية الكوفة.
ذكر من قال ذلك
حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا خلف بن خليفة، عن ليث، عن مجاهد، قال: نبع الماء من التنور، فعلمت به امرأته فأخبرته، قال: وكان ذلك في ناحية الكوفة.
حدثني الحارث، قال: حدثنا القاسم: قال: حدثنا علي بن ثابت، عن السري بن إسماعيل، عن الشعبي، أنه كان يحلف بالله، ما فار التنور إلا من ناحية الكوفة.
واختلف في عدد من ركب الفلك من بنين آدم، فقال بعضهم: كانوا ثمانين نفسًا.
ذكر من قال ذلك
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حثنا زيد بن الحباب، قال: حدثين حسين بن واقد الخراسياني، قال: حدثنا أبو نهيك، قال: سمعت ابن عباس يقول: كان في سفينة نوح ثمانون رجلًا، أحدهم جرهم.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريح: قال ابن عباس: حمل نوح معه في السفينة ثمانين إنسانًا.
حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: قال سفيان: كان بعضهم يقول: كانوا ثمانين - يعني القليل الذين قال الله عز وجل: " وما آمن معه إلا قليل ".
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: حمل نوح في السفينة بنيه: سام، وحام، ويافث، وكنائنه، نساء بنيه هؤلاء، وثلاثة وسبعين من بين شيث، ممن آمن به، فكانوا ثمانين في السفينة.
وقال بعضهم: بل كانوا ثمانية أنفس.
ذكر من قال ذلك
حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنه لم يتم في السفينة إلا نوح وامرأته وثلاثة بنيه، ونساؤهم، فجميعهم ثمانية.
حدثنا ابن وكيع والحسن بن عرفة، قالا: حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنيمة، عن أبيه، عن الحكم: " وما آمن معه إلا قليلٌ "، قال: نوح، وثلاثة بنيه، وأربع كنائنه.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنى حجاج، قال: قال ابن جريح: حدثتُ أن نوحًا حمل معه بنيه الثلاثة وثلاث نسوة لبنيه، وامرأة نوح، فهم ثمانية بأزواجهم، وأسماءُ بنيه: يافث، وحام، وسام. فأصاب حام امرأته في السفينة، فدعا نوح أن تغير نطفته، فجاء بالسودان.
وقال آخرون: بل كانوا سبعة أنفس.
ذكر من قال ذلك
حدثني الحارث، قال: حدثني عبد العزيز، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش: " وما آمن معهُ إلا قليل " قال: كانوا سبعة: نوح، وثلاث كنائن، وثلاثة بنين له.
وقال آخرون: كانوا عشرة سوى نسائهم.
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حمل بنيه الثلاثة: سام وحام ويافث ونساءهم، وستة أناسي ممن كان آمن به، فكانوا عشرة نفر بنوح وبنيه وأزواجهم. وأرسل الله تبارك وتعالى الطوفان لمضي ستمائة سنة من عمر نوح - فيما ذكره أهل العلم من أهل الكتاب وغيرهم - ولتتمة ألفي سنة ومائتي سنة وست وخمسين من لدن أهبط آدم إلى الأرض.
وقيل: إن الله عز وجل أرسل الطوفان لثلاث عشرة خلت من آب، وإن نوحًا أقام في الفلك إلى أن غاض الماء واستوت الفلك على جبل الجودي بقردي، في اليوم السابع عشر من الشهر السادس. فملما خرج نوح منها اتخذ بناحية قردى من أرض الجزيرة موضعًا، وابتنى هناك قرية سماها ثمانين، لأنه كان بنى فيها بيتًا لكل إنسان ممن آمن معه وهم ثمانون فهي إلى اليوم تسمى سوق ثمانين.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)