صفحة 7 من 21 الأولىالأولى ... 5678917 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 25 إلى 28 من 81

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء السابع)


  1. #25
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وقيل: إنّ يوسف لما قدم العراق أراد أن يولّي خراسان سلم بن قتيبة، فكتب بذلك إلى هشام، ويستأذنه فيه، فكتب إليه هشام: إنّ سلم بن قتيبة رجل ليس له بخراسان عشيرة؛ ولو كان له بها عشيرة لم يقتل بها أبوه.
    وقيل إن يوسف كتب إلى الكرماني بولاية خراسان مع رجل من بني سليم وهو بمرو؛ فخرج إلى الناس يخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر أسدًا وقدومه خراسان، وما كانوا فيه من الجهد والفتنة، وما صنع لهم على يديه. ثم ذكر أخاه خالدًا بالجميل، وأثنى عليه؛ وذكر قدوم يوسف العراق، وحثّ الناس على الطاعة ولزوم الجماعة، ثم قال: غفر الله للميت - يعني أسدًا - وعافى الله المعزول، وبارك للقادم. ثم نزل.
    وفي هذه السنة عزل الكرماني عن خراسان، ووليها نصر بن سيار بن ليث بن رافع بن ربيعة بن جري بن عوف بن عامر بن جندع بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وأمّه زينب بنت حسان من بني تغلب.
    ذكر الخبر عن سبب ولاية نصر بن سيار خراسان

    ذكر علي بن محمد عن شيوخه أن وفاة أسد بن عبد الله لما انتهت إلى هشام بن عبد الملك استشار أصحابه في رجل يصلح لخراسان؛ فأشاروا عليه بأقوام، وكتبوا له أسماءهم؛ فكان ممن كتب له عثمان بن عبد الله بن الشخير ويحيى بن حضين بن المنذر الرقاشي ونصر بن سيّار الليثي وقطن بن قتيبة بن مسلم والمجشّر بن مزاحم السلمي أحد بني حرام؛ فأما عثمان بن عبد الله ابن الشخير، فقيل له: إنه صاحب شراب، وقيل له: المجشّر شيخ هم، وقيل له: ابن حضين رجل فيه تيه وعظمة، وقيل له: قطن بن قتيبة موتور؛ فاختار نصر بن سيّار؛ فقيل له: ليست له بها عشيرة، فقال هشام: أنا عشيرته. فولّاه وبعث بعهده مع عبد الكريم بن سليط بن عقبة الهفاني؛ هفان بن عدي بن حنيفة. فأقبل عبد الكريم بعهده، ومعه أبو المهند كاتبه مولى بنى حنيفة، فلما قدم سرخس ولا يعلم به أحد، وعلى سرخس حفص بن عمر بن عباد التيمي أخو تميم بن عمر، فأخبره أبو المهند، فوجه حفص رسولًا، فحمله إلى نصر، ونفذ ابن سليط إلى مرو، فأخبر أبو المهند الكرماني، فوجّه الكرماني نصر بن حبيب بن بحر بن ماسك بن عمر الكرماني إلى نصر بن سيار، فسبق رسول حفص إلى نصر بن سيار؛ فكان أوّل من سلم عليه بالإمرة، فقال له نصر: لعلك شاعر مكار! فدفع إليه الكتاب. وكان جعفر بن حنظلة ولّى عمرو بن مسلم مرو، وعزل الكرماني وولّى منصور بن عمر أبرشهر، وولّى نصر بن سيار بخاري، فقال جعفر ابن حنظلة: دعوت نصرًا قبل أن يأتيه عهده بأيام؛ فعرضت عليه أن أولّية بخارى، فشاور البختري بن مجاهد، فقال له البختري، وهو مولى بني شيبان: لا تقبلها، قال: ولمَ؟ قال: لأنك شيخ مضر بخراسان؛ فكأنك بعهدك قد جاء على خراسان كلها؛ فلما أتاه عهده بعث إلى البختري فقال البختري لأصحابه: قد ولى نصر بن سيار خراسان؛ فلما أتاه سلم عليه بالإمرة، فقال له: أنّى علمت؟ قال: لما بعثت إلي، وكنت قبل ذلك تأتيني، علمت أنك قد وليت.
    قال: وقد قيل إنّ هشامًا قال لعبد الكريم حين أتاه خبر أسد بن عبد الله بموته. من ترى أن نولّي خراسان، فقد بلغني أنّ لك بها وبأهلها علمًا؟ قال عبد الكريم: قلت: يا أمير المؤمنين؛ أما رجل خراسان حزمًا ونجدة فالكرماني؛ فأعرض بوجهه، وقال: ما اسمه؟ قلت: جديع بن علي، قال: لا حاجة لي فيه؛ وتطيّر، وقال: سم لي غيره، قلت: اللسن المجرّب يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني أبو الميلاء، قال: ربيعة لا تسد بها الثغور - قال عبد الكريم: فقلت في نفسي: كره ربيعة واليمن، فأرميه بمضر - فقلت: عقيل بن معقل الليثي، إن اغتفرت هنةً، قال: ما هي؟ قلت: ليس بالعفيف، قال: لا حاجة لي به، قلت: منصور بن أبي الخرقاء السلمي، إن اغتفرت نكره فإنه مشئوم، قال: غيره، قلت: المحشّر بن مزاحم السلمي، عاقل شجاع، له رأي مع كذب فيه، قال: لا خير في الكذب، قلت: يحيى بن حضين، قال: ألم أخبرك أنّ ربيعة لا تسدّ بها الثغور! قال: فكان إذا ذكرت له ربيعة، واليمن أعرض. قال عبد الكريم: وأخرّت نصرًا وهو أرجل القوم وأ؛ زمهم وأعلمهم بالسياسة، فقلت: نصر بن سيار الليثي، قال: هو لها، قلت: إن اغتفرت واحدة؛ فإنه عفيف مجرّب عاقل، قال: ما هي؟ قلت: عشيرته بها قليلة، قال: لا أبا لك، أتريد عشيرة أكثر مني! أنا عشيرته.
    وقال آخرون: لما قدم يوسف بن عمر العراق قال: أشيروا علي برجل أولّه خراسان، فأشاروا عليه بمسلمة بن سليمان بن عبد الله ابن خازم وقديد بن منيع المنقري ونصر بن سيّار وعمرو بن مسلم ومسلم بن عبد الرحمن بن مسلم ومنصور بن أبي الخرقاء وسلم بن قتيبة ويونس بن عبد ربّه وزياد بن عبد الرحمن القشيري؛ فكتب يوسف بأسمائهم إلى هشام، وأطرى القيسية، وجعل آخر من كتب اسمه نصر بن سيار الكناني، فقال هشام: ما بال الكناني آخرهم! وكان في كتاب يوسف إليه: يا أمير المؤمنين، نصر بخراسان قليل العشيرة. فكتب إليه هشام: قد فهمت كتابك وإطراءك القيسيّة. وذكرت نصرًا وقلة عشيرته، فكيف يقلّ من أنا عشيرته! ولكنك تقيّست علي، وأنا متخندف عليك؛ ابعث بعهد نصر؛ فلم يقلّ من عشيرته أمير المؤمنين؛ بله ما إن تميمًا أكثر أهل خراسان. فكتب إلى نصر أن يكاتب يوسف بن عمر، وبعث يوسف سلمًا وافدًا إلى هشام؛ وأثنى عليه فلم يوله، ثم أوفد شريك بن عبد ربه النميري، وأثنى عليه ليولّيه خراسان، فأبى هشام.
    قال: وأوفد نصر من خراسان الحكم بن يزيد بن عمير الأسدي إلى هشام، وأثنى عليه نصر، فضربه يوسف ومنعه من الخروج إلى خراسان؛ فلما قدم يزيد بن عمر بن هبيرة استعمل الحكم بن يزيد على كرمان، وبعث بعهد نصر مع عبد الكريم الحنفي - ومعه كاتبه أبو المهند مولى بني حنيفة - فلما أتى سرخس وقع الثلج، فأقام ونزل على حفص بن عمر بن عباد التيمي، فقال له: قدمت بعهد نصر على خراسان؛ قال: وهو عامل يومئذ على سرخس - فدعا حفص غلامه، فحمله على فرس وأعطاه مالًا، وقال له: طر واقتل الفرس؛ فإن قام عليك فاشتر غيره حتى تأتي نصرًا. قال: فخرج الغلام حتى قدم على نصر ببلخ، فيجده في السوق، فدفع إليه الكتاب، فقال: أتدري ما في هذا الكتاب؟ قال: لا، فأمسكه بيده، وأتى منزله، فقال الناس: أتى نصرًا عهده على خراسان، فأتاه قوم من خاصته، فسألوه فقال: ما جاءني شيء، فمكث يومه، فدخل عليه من الغد أبو حفص بن علي، أحد بني حنظلة - وهو صهره؛ وكانت ابنته تحت نصر، وكان أهوج كثير المال؛ فقال له: إنّ الناس قد خاصوا وأكثروا في ولايتك؛ وأقرأه الكتاب، فقال: ما كان حفص ليكتب إليك إلا بحق، قال: فبينا هو يكلمه إذ استأذن عليه عبد الكريم، فدفع غليه عهده، فوصله بعشرة آلاف درهم. ثم استعمل نصر على بلخ مسلم بن عبد الرحمن بن مسلم، واستعمل وشاح ابن بكير بن وشاح على مرو الروذ، والحارث بن عبد الله بن الحشرج لعى هراة، وزياد بن عبد الرحمن القشيري على أبرشهر، وأبا حفص بن علي ختنه على خوارزم، وقطن بن قتيبة على السغد. فقال رجل من أهل الشأم من اليمانية: ما رأيت عصبية مثل هذه! قال: بلى، التي كانت قبل هذه. فلم يستعمل أربع سنين إلا مضريًا، وعمرت خراسان عمارة لم تعمر قبل ذلك مثلها، ووضع الخراج، وأحسن الولاية والجباية. فقال سوار بن الأشعر:
    أضحت خراسان بعد الخوف آمنة ** من ظلم كل غشوم الحكم جبار
    لما أتى يوسفًا أخبار ما لقيت ** اختار نصرًا لها؛ نصر بن سيار
    وقال نصر بن سيار فمن كره ولايته:
    تعز عن الصبابة لا تلام ** كذلك لا يلم بك احتمام
    أأن سخطت كبيرة بعد قرب ** كلفت بها واشرك السقام!
    ترجّى اليوم ما وعدت حديثًا ** وقد كذبت مواعدها الكرام
    ألم تر أن ما صنع الغواني ** عسير لا يريع به الكلام
    أبت لي طاعتي وأبى بلائي ** وفوزي حين يعترك الخصام
    وإنا لا نضيع لنا ملمًا ** ولا حسبًا إذا ضاع الذمام
    ولا نغضي على غدر وإنا ** نقيم على الوفاء فلا نلام
    خليفتنا الذي فازت يداه ** بقدح الحمد والملك الهمام
    نسوسهم به ولنا عليهم ** إذا قلنا مكارمه جسام
    أبو العاصي أبوه وعبد شمس ** وحرب والقماقمة الكرام
    ومروان أبو الخلفاء عال ** عليه المجد فهو لهم نظام
    وبيت خليفة الرحمن فينا ** وبيتاه المقدس والحرام
    ونحن الأكرمون إذا نسبنا ** وعرنين البرية والسنام
    فأمسينا لنا من كل حي ** خراطيم البرية والزمام
    لنا أيد نريش بها ونبري ** وأيد في بوادرها السمام
    وبأس في الكريهة حين نلقى ** إذا كان النذير بها الحسام
    قال: وأتى نصرًا عهده في رجب من سنة عشرين ومائة، وقال له البختري: اقرأ عهدك واخطب الناس؛ فخطب الناس فقال في خطبته: استمسكوا أصحابنا بجدتكم، فقد عرفنا خيركم وشركم.
    وحجّ بالناس في هذه السنة محمد بن هشام بن إسماعيل، كذلك حدثني أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر.
    وقد قيل: إن الذي حجّ بهم فيها سليمان بن هشام.
    وقيل: حج بهم يزيد بن هشام.
    وكان العامل في هذه السنة على المدينة ومكة والطائف محمد بن هشام، وعلى العراق والمشرق كله يوسف بن عمر، وعلى خراسان نصر بن سيار - وقيل جعفر بن حنظلة - وعلى البصرة كثير بن عبد الله السلمي من قبل يوسف بن عمر، وعلى قضائها عامر بن عبيدة الباهلي، وعلى أرمينية وأذربيجان مروان بن محمد، وعلى قضاء الكوفة ابن شبرمة.
    ثم دخلت سنة إحدى وعشرين ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    فمن ذلك غزوة مسلمة بن هشام بن عبد الملك الروم، فافتتح بها مطامير. وغزوة مروان بن محمد بلاد صاحب سرير الذهب، فافتتح قلاعه وخرّب أرضه، وأذعن له بالجزية، في كلّ سنة ألف رأس يؤدّيه إليه، وأخذ منه بذلك الرهن، وملّكه مروان على أرضه.
    وفيها ولد العباس بن محمد.
    ذكر الخبر عن ظهور زيد بن علي

    وفيها قتل زيد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب في قول الواقدي في صفر؛ وأما هشام بن محمد فإنه زعم أنه قتل في سنة اثنتين وعشرين ومائة، في صفر منها.


  • #26
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر الخبر عن سبب مقتله وأموره وسبب مخرجه
    اختلف في سبب خروجه؛ فأما الهيثم بن عدي فإنه قال - فيما ذكر عنه، عن عبد الله بن عياش - قال: قدم زيد بن علي ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وداود بن علي بن عبد الله بن عباس على خالد بن عبد الله وهو على العراق، فأجازهم ورجعوا إلى المدينة؛ فلما ولّى ابن يوسف بن عمر كتب إلى هشام بأسمائهم وبما أجازهم به، وكتب يذكر أن خالدًا ابتاع من زيد بن علي أرضًا بالمدينة بعشرة آلاف دينار، ثم ردّ الأرض عليه. فكتب هشام إلى عامل المدينة أن يسرّحهم إليه ففعل، فسألهم هشام فأقرّوا بالجائزة، وأنكروا ما سوى ذلك، فسأل زيدًا عن الأرض فأنكرها، وحلفوا لهشام فصدّقهم.
    وأما هشام بن محمد الكلبي فإنه ذكر أن أبا مخنف حدثه أن أوّل أمر زيد بن علي كان أنّ يزيد بن خالد القسري ادّعى مالًا قبل زيد بن علي ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وداود بن علي بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب وإبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري وأيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة المخزومي، فكتب فيهم يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك - وزيد بن علي يومئذ بالرصافة يخاصم بني الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب في صدقة رسول الله ، ومحمد بن عمر بن علي يومئذ مع زيد بن علي - فلما قدمت كتب يوسف ابن عمر على هشام بن عبد الملك بعث إليهم فذكر لهم ما كتب به يوسف ابن عمر إليه مما ادّعى قبلهم يزيد بن خالد، فأنكروا، فقال لهم هشام: فإنا باعثون بكم إليه يجمع بينكم وبينه، فقال له زيد بن علي: أنشدك الله والرّحم أن تبعث بي إلى يوسف بن عمر! قال: وما الذي تخاف من يوسف بن عمر؟ قال: أخاف أن يعتدى علي، قال له هشام: ليس ذلك له، ودعا هشام كاتبه فكتب إلى يوسف بن عمر: أما بعد، فإذا قدم عليك فلان وفلان، فاجمع بينهم وبين يزيد بن خالد القسري، فإن هم أقروا بما ادّعى عليهم فسرح بهم إلي، وإن هم أنكروا فسله بيّنة، فإن هو لم يقم البيّنة فاستحلفهم بعد العصر بالله الذي لا إله إلا هو؛ ما استودعهم يزيد بن خالد القسري وديعة، ولا له قبلهم، شيء! ثم خلّ سبيلهم.
    فقالوا لهشام: إنا نخاف أن يتعدّى كتابك، ويطول علينا، قال: كلا، أنا باعث معكم رجلًا من الحرس يأخذه بذلك؛ حتى يعجّل الفراغ، فقالوا: جزاك الله والرحم خيرًا؛ لقد حكمت بالعدل. فسرح بهم إلى سوسف، واحتبس أيوب بن سلمة؛ لأن أمّ هشام بن عبد الملك ابنة هشام ابن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي. وهو في أخواله، فلم يؤخذ بشيءٍ من ذلك القرف.
    فلما قدموا على يوسف، أدخلوا عليه، فأجلس زيد بن علي قريبًا منه، وألطفه في المسأة، ثم سألهم عن المال، فأنكروا جميعًا، وقالوا: لم يستودعنا مالًا، ولا له قبلنا حق، فأخرج يوسف يزيد بن خالد إليهم، فجمع بينه وبينهم، وقال له: هذا زيد بن علي، وهذا محمد بن عمر بن علي وهذا فلان وفلان الذين كنت ادّعيت عليهم ما ادّعيت، فقال: مالي قبلهم قليل ولا كثير، فقال يوسف: أفبي تهزأ أم بأمير المؤمنين! فعذّبه يومئذ عذابًا ظنّ أنه قد قتله، ثم أخرجهم إلى المسجد بعد صلاة العصر، فاستحلفهم فحلفوا له، وأمر بالقوم فبسط عليهم؛ ما عدا زيد بن علي فإنه كف عنه فلم يقتدر عند القوم على شيء. فكتب إلى هشام يعلمه اعلحال. فكتب إليه هشام: أن استحلفهم، وخلّ سبيلهم. فخلّى عنهم فخرجوا فلحقوا بالمدينة، وأقام زيد بن علي بالكوفة.
    وذكر عبيد بن جنّاد، عن عطاء بن مسلم الخفّاف أنّ زيد بن علي رأى في منامه أنه أضرم في العراق نارًا، ثم أطفأها ثم مات. فهالته، فقال لابنه يحيى: يا بني، إني رأيت رؤيا قد راعتني، فقصّها عليه. وجاءه كتاب هشام بن عبد الملك بأمره بالقدوم عليه، فقدم، فقال له: الحق بأميرك يوسف، فقال له: نشدتك بالله يا أمير المؤمنين، فوالله ما آمن إن بعثتني إليه ألّا أجتمع أنا وأنت حيّين على ظهر الأرض بعدها، فقال: الحق بيوسف كما تؤمر؛ فقدم عليه.
    وقد قيل: إن هشام بن عبد الملك إنما استقدم زيدًا من المدينة عن كتاب يوسف بن عمر؛ وكان السبب في ذلك - فيما زعم أبو عبيدة - أن يوسف بن عمر عذّب خالد بن عبد الله، فادّعى خالد أنه استودع زيد بن علي وداود بن علي ابن عبد الله بن عباس ورجلين من قريش: أحدهما مخزومي والآخر جمحي مالًا عظيمًا، فكتب بذلك يوسف إلى هشام، فكتب هشام إلى خاله إبراهيم بن هشام - وهو عامله على المدينة - يأمره بحملهم إليه. فدعا إبراهيم بن هشام زيدًا وداود، فسألهما عما ذكر خالد، فحلفا ما أودعهما خالد شيئًا، فقال: إنكما عندي لصادقان؛ ولكن كتاب أمير المؤمنين قد جاء بما تريان، فلا بدّ من إنفاذه. فحملهما إلى الشأم، فحلفا بالأيمان الغلاظ ما أودعهما خالد شيئًا قط. وقال داود: كنت قدمت عليه العراق، فأمر لي بمائة ألف درهم، فقال هشام: أنتما عندي أصدق من ابن النصرانية، فاقدما على يوسف، حتى يجمع بينكما وبينه فتكذّباه في وجهه.
    وقيل: إن زيدًا إنما قدم على هشام مخاصمًا ابن عمّه عبد الله بن حسن بن حسن بن علي، ذكر ذلك عن جويرية بن أسماء، قال: شهدت زيد بن علي وجعفر بن حسن بن حسن يختصمان في ولاية وقوف علي، وكان زيد يخاصم عن بني حسين، وجعفر يخاصم عن بني حسن؛ فكان جعفر وزيد يتبالغان بين يدي الوالي إلى كلّ غاية، ثم يقومان فلا يعيدان مما كان بينهما حرفًا. فلما مات جعفر قال عبد الله: من يكفينا زيدًا؟ قال حسن بن حسن بن حسن: أنا أكفيكه، قال: كلا، إنا نخاف لسانك ويدك؛ ولكنى أنا، قال: إذن لا تبلغ حاجتك وحجتك، قال: أما حجتي فسأبلغها؛ فتنازعا إلى الوالي - والوالي يومئذ عندهم فيما قيل إبراهيم بن هشام - قال: فقال عبد الله لزيد: أتطمع أن تنالها وأنت لأمة سندية! قال: قد كان إسماعيل لأمة؛ فنال أكثر منها؛ فسكت عبد الله، وتبالغا يومئذ كل غاية؛ فلما كان الغد أحضرهم الوالي، وأحضر قريشًا والأنصار، فتنازعا، فاعترض رجل من الأنصار، فدخل بينهما، فقال له زيد: وما أنت والدخول بيننا، وأنت رجل من قحطان! قال: أنا والله خير منك نفسًا وأبًا وأمًا. قال: فسكت زيد، وانبرى له رجل من قريش فقال: كذبت، لعمر الله لهو خير منك نفسًا وأبًا وأمًا وأولًا وآخرًا، وفوق الأرض وتحتها، فقال الوالي: وما أنت وهذا! فأخذ القرشي كفًا من الحصى، فضرب به الأرض وقال: والله ما على هذا من صبر، وفطن عبد الله وزيد لشماتة الوالي بهما، فذهب عبد الله ليتكلم فطلب إليه زيد فسكت، وقال زيد للوالي: أما والله لقد جمعتنا لأمر ما كان أبو بكر ولا عمر ليجمعانا على مثله؛ وإني أشده الله ألّا أنازعه إليك محقًا ولا مبطلًا ما كنت حيًا. ثم قال لعبد الله: انهض يا بن عمّ؛ فنهضا وتفرّق الناس.
    وقال بعضهم: لم يزل زيد ينازع جعفر بن حسن ثم عبد الله بعده؛ حتى ولّى هشام بن عبد الملك خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم المدينة، فتنازعا، فأغلظ عبد الله لزيد، وقال: يا بن الهندكيّة! فتضاحك زيد، وقال: قد فعلتها يا أبا محمد! ثم ذكر أمّه بشيء.
    وذكر المدائني أن عبد الله لما قال ذلك لزيد قال زيد: أجل والله، لقد صبرت بعد وفاة سيّدها فما تعتّبت بابها إذ لم يصبر غيرها. قال: ثم ندم زيد واستحيا من عمته؛ فلم يدخل عليها زمانًا، فأرسلت إليه: يا بن أخي، إني لأعلم أن أمّك عندك كأمّ عبد الله عنده.
    وقيل: إن فاطمة أرسلتْ إلى زيد: إن سبّ عبد الله أمك فاسبب أمه؛ وأنها قالت لعبد الله: أقلت لأم زيد كذا وكذا؟ قال: نعم، قالت: فبئس والله ما صنعت! أما والله لنعم دخيلة القوم كانت!
    فذكر أن خالد بن عبد الملك، قال لهما: اغدوا علينا غدًا، فلست لعبد الملك إن لم أفصل بينكما. فباتت المدينة تغلي كالمرجل، يقول قائل: كذا وقائل كذا؛ قائل يقول قال زيد كذا، وقائل يقول: قال عبد الله كذا. فلما كان الغدُ جلس خالد في المجلس في المسجد، واجتمع الناس، فمن شامت ومن مهموم، فدعا بهما خالد، وهو يحبّ أن يتشاتما، فذهب عبد الله يتكلم، فقال زيد: لا تجل يا أبا محمد، أعتق زيد ما يملك إن خاصمك إلى خالد أبدًا؛ ثم أقبل على خالد فقال له: يا خالد؛ لقد جمعت ذرّية رسول الله لأمر ما كان يجمعهم عليه أبو بكر ولا عمر؛ قال خالد: أما لهذا السفيه أحد! فتكلم رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم، فقال: يا بن أبي تراب وابن حسين السفيه، ما ترى لوالٍ عليك حقًا ولا طاعة! فقال زيد: اسكت أيها القحطاني، فإنا لا نجيب مثلك، قال: ولم ترغب عني! فوالله إني لخير منك، وأبي خير من أبيك، وأمّي خير من أمك! فتضاحك زيد، وقال: يا معشر قريش، هذا الدين قد ذهب، أفذهبت الأحساب! فوالله إنه ليذهب دين القوم وما تذهب أحسابهم. فتكلم عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فقال: كذبت والله أيها القحطاني؛ فوالله لهو خير منك نفسًا وأبًا وأمًا ومحتدًا، وتناوله بكلام كثير؛ قال القحطاني: دعنا منك يا بن واقد؛ فأخذ ابن واقد كفًا من حصىً؛ فضرب بها الأرض، ثم قال له: والله ما لنا على هذا صبر، وقام. وشخص زيد إلى هشام بن عبد الملك، فجعل هشام لا يأذن له، فيرفع إليه القصص؛ فكلّما رفع إليه قصّة كتب هشام في أسفلها: ارجع إلى أميرك؛ فيقول زيد: والله لا أرجع إلى خالد أبدًا، وما أسأل مالًا؛ إنما أنا رجل مخاصم؛ ثم أذن له يومًا بعد طول حبس.
    فذكر عمر بن شبّة، عن أيوب بن عمر بن أبي عمرو، قال: حدثني محمد بن عبد العزيز الزهري قال: لما قدم زيد بن علي على هشام بن عبد الملك أعلمه حاجبه بمكانه، فرقي هشام إلى علية له طويلة، ثم أذن له، وأمر خادمًا أن يتبعه، وقال: لا يرينك، واسمعما يقول. قال: فأتعبته الدرجة - وكان بادنًا - فوقف في بعضها، فقال: والله لا يحب الدنيا أحد إلا ذلّ، فلما صار إلى هشام قضى حوائجه، ثم مضى نحو الكوفة، ونسي هشام أن يسأل الخادم حتى مضى لذلك أيام، ثم سأله فأخبره، فالتفت إلى الأبرش. فقال: والله ليأتينّك خلعه أول شيء، وكان كما قال.
    وذكر عن زيد أنه حلف لهشام على أمر؛ فقال له: لا أصدقك، فقال: يا أمير المؤمنين؛ إنّ الله لم يرفع قدر أحد عن أن يرضى بالله، ولم يضع قدر أحد عن ألا يرضى بذلك منه، فقال له هشام: لقد بلغني يا زيد أنك تذكر الخلافة وتتمناها، ولست هناك وأ، ت ابن أمة! فقال زيد: إن لك يا أمير المؤمنين جوابًا، قال: تكلم، قال: ليس أحد أولى بالله، ولا أرفع عنده منزلة من نبي ابتعثه؛ وقد كان إسماعيل من خير الأنبياء، وولد خيرهم محمدًا ، وكان إسماعيل ابن أمة وأخوه ابن صريحة مثلك؛ فاختاره الله عليه، وأخرج منه خير البشر؛ وما على أحد من ذلك جده رسول الله ما كانت أمه أمة. فقال له هشام: اخرج، قال: أخرج ثم لا تراني إلّا حيث تكره، فقال له سالم: يا أبا الحسين؛ لا يظهرنّ هذا منك.
    رجع الحديث إلى حديث هشام بن محمد الكلبي عن أبي مخنف. قال: فجعلت الشيعة تختلف إلى زيد بن علي، وتأمره بالخروج، ويقولون: إنا لنرجو أن تكون المنصور. وأن يكون هذا الزمان الذي يهلك فيه بنو أمية. فأقام بالكوفة، فجعل يوسف بن عمر يسأل عنه، فقال: هو هاهنا، فيبعث إليه أن اشخص، فيقول: نعم؛ ويعتل له بالوجع. فمكث ما شاء الله، ثم سأل أيضًا عنه فقيل له: هو مقيم بالكوفة بعد لم يبرح، فبعث إليه، فاستحثه بالشخوص، فاعتل عليه بأشياء يبتاعها، وأخبره أنه في جهازه، ورأى جد يوسف في أمره فتهيأ، ثم شخص حتى أتى القادسيّة. وقال بعض الناس: أرسل معه رسولًا حتى بلّغه العذيب، فلحقته الشيعة، فقالوا له: أين تذهب عنا ومعك مائة ألف رجل من أهل الكوفة، يضربون دونك بأسيافهم غدًا وليس قبلك من أهل الشأم إلا عدّة قليلة، لو أن قبيلة من قبائلنا نحو مذحج أو همدان أو تميم أو بكر نصبت لهم لكفتكهم بإذن الله تعالى! فننشدك الله لما رجعت؛ فلم يزالوا به حتى ردّوه إلى الكوفة.
    وأما غير أبي مخنف؛ فإنه قال ما ذكر عبيد بن جناد، عن عطاء بن مسلم، أن زيد بن علي لما قدم على يوسف، قال له يوسف: زعم خالد أنه قد أودعك مالًا، قال: أنّى يودعني مالًا وهو يشم آبائي على منبره! فأرسل إلى خالد، فأحضره في عباءة، فقال له: هذا زيد، زعمت أنك قد أودعته مالًا، وقد أنكر؛ فنظر خالد في وجههما، ثم قال: أتريد أن تجمع مع إثمك في إثمًا في هذا! وكيف أودعه مالًا وأنا أشتمه وأشتم آباءه على المنبر! قال: فشتمه يوسف، ثم ردّه.
    وأما أبو عبيدة، فذكر عنه، أنه قال: صدّق هشام زيدًا ومن كان يوسف قرفه بما قرفه به، ووجههم إلى يوسف، وقال: إنهم قد حلفوا لي، وقبلت أيمانهم وأبرأتهم من المال، وإنما وجهت بهم إليك لتجمع بينهم وبين خالد فيكذبوه. قال: ووصلهم هشام؛ فلما قدموا على يوسف أنزلهم وأكرمهم، وبعث إلى خالد فأتى به، فقال: قد حلف القوم، وهذا كتاب أمير المؤمنين ببراءتهم، فهل عندك بيّنة بما ادعيت؟ فلم تكن له بينة، فقال القوم لخالد: ما دعاك إلى ما صنعت؟ قال: غلّظ علي العذاب فادّعيت ما ادعيت، وأملت أن يأتي الله بفرج قبل قدومكم. فأطلقهم يوسف، فمضى القرشيان: الجمحي والمخزومي إلى المدينة؛ وتخلّف الهاشميّان: داود بن علي وزيد ابن علي بالكوفة.
    وذكر أن زيدًا أقام بالكوفة أربعة أشهر أو خمسة ويوسف يأمره بالخروج، ويكتب إلى عامله على الكوفة وهو يومئذ بالحيرة يأمره بإزعاج زيد، وزيد يذكر أنه ينازع بعض آل طلحة بن عبيد الله في مال بينه وبينهم بالمدينة، فيكتب العامل بذلك إلى يوسف، فيقرّه أيمًا، ثم يبلغه أنّ الشيعة تختلف إليه؛ فيكتب إليه أن أخرجه ولا تؤخّره؛ وإن ادّعى أنه ينازع فليجر جرًا، وليوكل من يقوم مقامه فيما يطالب به؛ وقد بايعه جماعة منهم سلمة بن كهيل ونصر بن خزيمة العبسي ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري وحجيّة بن الأجلح الكندي وناس من وجوه أهل الكوفة؛ فلما رأى ذلك داود ابن علي قال له: يا بن عمّ، لا يغرنّك هؤلاء من نفسك؛ ففي أهل بيتك لك عبرة، وفي خذلان هؤلاء إياهم. فقال: يا داود، إنّ بني أمية قد عتوا وقست قلوبهم؛ فلم يزل به داود حتى عزم على الشخوص، فشخصا حتى بلغا القادسية.
    وذكر عن أبي عبيدة، أنه قال: اتّبعوه إلى الثعلبيّة وقالوا له: نحن أربعون ألفًا، إن رجعت إلى الكوفة لم يتخلّف معنك أحد، وأعطوه المواثيق والأيمان المغلّظة، فجعل يقول: إني أخاف أن تخذلوني وتسلموني كفعلكم بأبي وجدّي. فيحلفون له، فيقول داود بن علي: يا بن عمّ، إن هؤلاء يغرّونك من نفسك! أليس قد خذلوا من كان أعزّ عليهم منك؛ جدّك علي بن أبي طالب حتى قتل! والحسن م بعده بايعوه ثم وثبوا عليه فانتزعوا رداءه من عنقه، وانتهبوا فسطاطه، وجرّحوه! أو ليس قد أخرجوا جدّك الحسين، وحلّفوا له بأوكد الأيمان ثم خذلوه وأسلموه، ثم لم يرضوا بذلك حتى قتلوه! فلا تفعل ولا ترجع معهم. فقالوا: إن هذا لا يريد أن تظهر أنت، ويزعم أنه وأهل بيته أحق بهذا الأمر منكم، فقال: زيد لداود: إن عليًا كان يقاتله معاوية بدهائه ونكرانه بأهل الشأم، وإن الحسين قاتله يزيد بن معاوية والأمر عليهم مقبل؛ فقال له داود: إني لخائف إن رجعت معهم ألّا يكون أحد أشد عليك منهم، وانت أعلم. ومضى داود إلى المدينة ورجع زيد إلى الكوفة.
    وقال عبيد بن جنّاد. عن عطاء بن مسلم الخفاف، قال: كتب هشام إلى يوسف أن أشخص زيدًا إلى بلده، فإنه لا يقيم ببلد غيره فيدعو أهله إلا أجابوه، فأشخصه، فلما كان بالثعلبية - أو القادسية - لحقه المشائيم - يعني أهل الكوفة - فردوه وبايعوه، فأتاه سلمة بن كهيل، فأستاذن عليه، فأذن له، فذكر قرابته من رسول الله وحقه فأحسن. ثم تكلم زيد فأحسن، فقال له سلمة: اجعل لي الأمان، فقال: سبحان الله! مثلك يسأل مثلي الأمان! وإنما أراد سلمة أن يسمع ذلك أصحابه، ثم قال: لك الأمان، فقال: نشدتك بالله، كم بايعك؟ قال: أربعون ألفًا، قال: فكم بايع جدّك؟ قال: ثمانون ألفًا، قال: فكم حصل معه؟ قال: ثلثمائة، قال: نشدتك الله أنت خير أم جدّك؟ قال: بل جدي، قال: أفقرنك الذي خرجت فيهم خير أم القرن الذي خرج فيهم جدك؟ قال: بل القرن الذي خرج فيهم جدّي، قال: أفتطمع أن يفي لك هؤلاء، وقد غدر أولئك بجدّك! قال: قد بايعوني، ووجبت البيعة في عنقي وأعناقهم، قال: أفتأذن لي أن أخرج من البلد؟ قال: لمَ؟ قال: لا آمن أن يحدث في أمرك حدث فلا أملك نفسي، قال: قد أذنت لك، فخرج إلى اليمامة، وخرج زيد فقتل وصلب. فكتب هشام إلى يوسف يلومه على تركه سلمة ابن كهيل يخرج من الكوفة، ويقول: مقامه كان خيرًا من كذا وكذا من الخيل تكون معك.


  • #27
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وذكر عمر عن أبي إسحاق - شيخ من أهل أصبهان حدثه - أن عبد الله ابن حسن كتب إلى زيد بن علي: يا بن عمّ؛ إن أهلّ الكوفة نفخ العلانية، خور السريرة، هوج في الرخاء، جزع في اللقاء؛ تقدمهم ألسنتهم، ولا تشايعهم قلوبهم، لا يبيتون بعدة في الأحداث، ولا ينوءون بدولة مرجوّة؛ ولقد تواترت إلي كتبهم بدعوتهم، فصمّمت عن ندائهم؛ وألبست قلبي غشاءً عن ذكرهم؛ يأسًا منهم واطراحًا لهم؛ وما لهم مثل إلا ما قال علي بن أبي طالب: إن أهملتم خضتم، وإن حوربتم خرتم، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، وإن أجبتم إلى مشاقة نكصتم.
    وذكر عن هشام بن عبد الملك، أنه كتب إلى يوسف بن عمر في أمر زيد بن علي: أما بعد فقد علمت بحال أهل الكوفة في حبهم أهل هذا لابيت، ووضعهم إياهم في غير مواضعهم؛ لأنهم افترضوا على أنفسهم طاعتهم، ووظفوا عليهم شرائع دينهم، ونحلوهم علم ما هو كائن؛ حتى حملوهم من تفريق الجماعة على حال استخفوهم فيها إلى الخروج، وقد قدم زين بن علي على أمير المؤمنين في خصومة عمر بن الوليد، ففصل أمير المؤمنين بينهما، ورأى رجلًا جدلًا لسنًا خليقًا بتمويه الكلام وصوغه، واجترار الرجال بحلاوة لسانه، وبكثرة مخارجه في حججه، وما يدلى به عند لدد الخصام من السطوة على الخصم بالقوّة الحادّة لنيل الفلج؛ فعجل إشخاصه إلى الحجاز، ولا تخلّه والمقام قبلك؛ فإنه إن أعاره القوم أسماعهم فحشاها من لين لفظه، وحلاوة منطقه، مع ما يدلي به من القرابة برسول الله ، وجدهم ميلًا إليه؛ غير متئدة قلوبهم ولا ساكنة أحلامهم، ولا مصونة عندهم أديانهم؛ وبعض التحامل عليه فيه أذى له، وإخراجه وتركه مع السلامة للجميع والحقن للدماء والأمن للفرقة أحب إلي من أمر فيه سفك دمائهم، وانتشار كلمتهم وقطع نسلهم؛ والجماعة حبل الله المتين، ودين الله القويم وعروته الوثقى؛ فادع إليك أشارف أهل المصر، وأوعدهم العقوبة في الأبشار، واستصفاء الأموال؛ فإن من له عقد أو عهد منهم سيبطىء عنه، ولا يخفّ معه إلّا الرعاع وأهل السواد ومن تنهضه الحاجة؛ استلذاذًا للفتنة؛ وأولئك ممن يستعبد إبليس؛ وهو يستعبدهم. فبادهم بالوعيد. وأعضضهم بسوطك، وجرّد فيهم سيفك، وأخف الأشراف قبل الأوساط، والأوساط قبل السفلة. والعم أنك قائم على باب ألفة، وداع إلى طاعة، وحاض على جماعة، ومشمر لدين الله؛ فلا تستوحش لكثرتهم، واجعل معقلك الذي تأوي غليه، وضغوك الذي تخرج منه الثقة بربك، والغضب لدينك، والمحاماة عن الجماعة، ومناصبة من أراد كسر هذا الباب الذي أمرهم الله بالدخول فيه، والتشاح عليه؛ فإن أمير المؤمنين قد أعذر إليه وقضى من ذمامه، فليس له منزىً إلى ادعاء حقّ هو له ظلمة من نصيب نفسه، أو فيء، أو صلة لذي قربى، إلا الذي خاف أمير المؤمنين من حمل بادرة السفلة على الذي عسى أن يكونوا به أشقى وأضل؛ ولهم أمر، ولأمير المؤمنين أعز وأسهل إلى حياطة الدين والذب عنه، فإنه لا يحب أن يرى في أمته حالًا متفاوتًا نكالًا لهم مفنيًا؛ فهو يستديم النظرة، ويتأتى للرشاد، ويجتنبهم على المخاوف، ويستجرّهم إلى المراشد، ويعدل بهم عن المهالك، فعل الوالد الشفيق على ولده، والرّاعي الحدب على رعيته.
    واعلم أنّ من حجّتك عليهم في استحقاق نصر الله لك عند معاندتهم توفيتك أطماعهم، وأعطية ذرّيتهم، ونهيك جندك أن ينزلوا حريمهم ودورهم؛ فانتهز رضا الله فيما أنت بسبيله؛ فإنه ليس ذنب أسرع تعجيل عقوبة من بغى؛ وقد أوقعهم الشيطان، ودلّاهم فيه، ودلّهم عليه؛ والعصمة بتارك البغي أوْلى؛ فأمير المؤمنين يستعين الله عليهم وعلى غيرهم من رعيته، ويسأل إلهه ومولاه ووليّه أن يصلح منهم ما كان فاسدًا، وأن يسرع بهم إلى النجاة والفوز؛ إنه سميع قريب.
    رجع الحديث إلى حديث هشام. قال: فرجع زيد إلى الكوفة، فاستخفى، قال: فقال له محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب حيث أراد الرجوع إلى الكوفة: أذكّرك الله يا زيد لمّا لحقت بأهلك؛ ولم تقبل قول أحد من هؤلاء الذين يدعونك إلى ما يدعونك إليه؛ فإنهم لا يفون لك؛ فلم يقبل منه ذلك، ورجع.
    قال هشام: قال أبو مخنف: فأقبلت الشيعة لما رجع إلى الكوفة يختلفون إليه، ويبايعون له، حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل، فأقام بالكوفة بضعة عشر شهرًا؛ إلّا أنه قد كان منها بالبصرة نحو شهرين، ثم أقبل إلى الكوفة، فأقام بها، وأرسل إلى أهل السواد وأهل الموصل رجالًا يدعون إليه.
    قال: وتزوج حيث قدم الكوفة ابنة يعقوب بن عبد الله السلمي، أحد بني فرقد، وتزوج ابنة عبد الله بن أبي العنبس الأزدي. قال: وكان سبب تزوّجه إياها أن أمها أم عمرو بنت الصلت كانت ترى رأي الشيعة، فبلغها مكان زيد، فأتته لتسلّم عليه - وكانت امرأة جسيمة جميلة لحيمة، قد دخلت في السنّ، إلا أن الكبر لا يستبين عليها - فلمّا دخلت على زيد بن علي فسلمت عليه ظنّ أنها شابة، فكلمته فإذا أفصح الناس لسانًا، وأجمله منظرًا، فسألها عن نسبها فأنتسبت له، وأخبرته ممن هي، فقال لها: هل لك رحمك الله أن تتزوجيني؟ قالت: أنت والله - رحمك الله - رغبة لو كان من أمري التزويج، قال لها: وما الذي يمنعك؟ قالت: يمنعني من ذلك أني قد أسننت، فقال لها: كلّا قد رضيت، ما أبعدك من أن تكوني قد أسننت! قالت: رحمك الله، أنا أعلم بنفسي منك؛ وبما أتى علي من الدهر؛ ولو كنت متزوجة يومًا من الدهر لما عدلت بك؛ ولكن لي ابنة أبوها ابن عمي؛ وهي أجمل مني، وأنا أزوّجكها إن أحببت، قال: رضيت أن تكون مثلك، قالت له: لكن خالقها ومصورها لم يرض أن يجعلها مثلي، حتى جعلها أبيض وأوسم وأجسم، وأحسن مني دلًا وشكلًا. فضحك زيد، وقال لها: قد رزقت فصاحة ومنطقًا حسنًا، فأين فصاحتها من فصاحتك؟ قالت: أما هذا فلا علم لي به؛ لأني نشأت بالحجاز، ونشأت ابنتي بالكوفة، فلا أدري علّ ابنتي قد أخذت لغة أهلها. فقال زيد: ليس ذلك بأكره إلي، ثم واعدها موعدًا فأتاها فتزوّجها، ثم بنى بها فولدت له جاريةً. ثم إنها ماتت بعد؛ وكان بها معجبًا.
    قال: وكان زيد بن علي ينزل بالكوفة منازل شتى، في دار امرأته في الأزد مرة، ومرة في أصهاره السلميين، ومرة عند نصر بن خزيمة في بني عبس، ومرة في بني غبر. ثم إنه تحوّل من بني غبر إلى دار معاوية ابن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري في أقصى جباّانة سالم السلولي، وفي بني نهد وبني تغلب عند مسجد بني هلال بن عامر، فأقام يبايع أصحابه؛ وكانت بيعته التي يبايع عليها الناس: " إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ، وجهاد الظالمين، والدّفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسم هذا الفيء بين أهله بالسواء، وردّ الظالمين، وإقفال المجمر ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا وجهل حقنا "، أتبايعون على ذلك فإذا قالوا: نعم، وضع يده على يده، ثم يقول: عليك عهد الله وميثاقه وذمّته وذمّة رسوله، لتفينّ بيعتي ولتقاتلنّ عدوّي ولتنصحنّ في السرّ والعلانية؟ فإذا قال: نعم مسح يده على يده، ثم قال: اللهمّ اشهده. فمكث بذلك بضعة عشر شهرًا؛ فلما دنا خروجه أمر أصحابه بالاستعداد والتهيّؤ، فجعل من يريد أن يفي ويخرج معه يستعدّ لو يتهيّأ، فشاع أمره في الناس.
    ذكر الخبر عن غزوة نصر بن سيار ما وراء النهر

    وفي هذه السنة غزا نصر بن سيار ما وراء النهر مرّتين، ثم غزا الثالثة، فقتل كور صول.
    ذكر الخبر عن غزواته هذه
    ذكر علي عن شيوخه، أن نصرًا غزا من بلخ ما وراء النهر من ناحية باب الحديد؛ ثم قفل إلى مرو، فخطب الناس، فقال: ألا إن بهرامسيس كان مانحج المجوس، يمنحهم ويدفع عنهم، ويحمل أثقالهم على المسلمين؛ ألا إنّ اشبداد بن جريجور كان مانح النصارى؛ ألا إن عقيبة اليهودي كان مانح اليهود يفعل ذلك. ألا إني مانح المسلمين، أمنحهم وأدفع عنهم، وأحمل أثقالهم على المشركين؛ ألا إنه لا يقبل مني إلا توفي الخراج على ما كتب ورفع. وقد استعملت عليكم منصور بن عمر بن أبي الخرقاء، وأمرته بالعدل عليكم. فأيما رجل منكم من المسلمين كان يؤخذ منه جزية من رأسه، أو ثقل عليه في خراجه، وخفّف مثل ذلك عن المشركين، فليرفع ذلك إلى المنصور بن عمر، يحوّله عن المسلم إلى المشرك. قال: فما كانت الجمعة الثانية؛ حتى أتاه ثلاثون ألف مسلم، كانوا يؤدون الجزية عن رءوسهم وثمانون ألف رجل من المشركين قد ألقيت عنهم جزيتهم، فحوّل ذلك عليهم، وألقاه من المسلمين. ثم صنّف الخراج حتى وضعه مواضعه، ثم وظّف الوظيفة التي جرى عليها الصلح. قال: فكاانت مرو يؤخذ منها مائة ألف سوى الخراج أيام بني أميّة. ثم غزا الثانية إلى ورغسر وسمرقند ثم قفل، ثم غزا الثانية إلى الشاش من مرو، فحال بينه وبين قطوع النهر نهر الشاش كورصول في خمسة عشر ألفًا، استأجر كلّ رجل منهم في كلّ شهر بشقّة حرير؛ الشقة يومئذ بخمسة وعشرين درهمًا، فكانت بينهم مراماة، فمنع نصرًا من القطوع إلى الشاش. وكان الحارث بن سريج يومئذ بأرض الترك، فأقبل معهم؛ فكان بإزاء نصر، فرمى نصرًا؛ وهو على سريره على شاطىء النهر بحسبان، فوقع السهم في شدق وصيف لنصر يوضّئه. فتحوّل نصر عن سريره، ورمى فرسًا لرجل من أهل الشأم فنفق. وعبر كورصول في أربعين رجلًا، فبيّت أهل العسكر، وساق شاء لأهل بُخارى، وكانوا في الساقة، وأطاف بالعسكر في ليلة مظلمة؛ ومع نصر أهل بخارى وسمرقند وكسّ وأشروسنة، وهم عشرون ألفًا، فنادى نصر في الأخماس: ألا لا يخرجنّ أحد من بنائه، وأثبتوا على مواضعكم. فخرج عاصم بن عمير وهو على جند أهل سمرقند. حتى مرّت خيل كورصول، وقد كانت الترك صاحت صيحة. فظن أهل العسكر أن الترك قد قطعوا كلّهم. فلما مرّت خيل كورصول على ذلك حمل على آخرهم، فأسر رجلًا؛ فإذا هو ملك من ملوكهم صاحب أربعة آلاف قبّة، فجاءوا به إلى نصر، فإذا هو شيخ يسحب درعه شبرًا، وعليه رانا ديباج فيهما حلق، وقباء فرند مكفف بالديباج، فقال له نصر: من أنت؟ قال: كورصول، فقال نصر: وأنا أعطيك ألف بعير من إبل الترك، وألف برذون تقوّى بها جندك، وخلّ سبيلي! فقال نصر لمن حوله من أهل الشأم وأهل خراسان: ما تقولون؟ فقالوا: خلّ سبيله، فسأله عن سنّه، قال: لا أدري، قال: كم غزوت؟ قال: اثنتين وسبعين غزوة، قال: أشهدت يوم العطش؟ قال: نعم، قال: لو أعطيتني ما طلعت عليه الشمس ما أفلت من يدي بعد ما ذكرت من مشاهدك. وقال لعاصم بن عمير السغدي: قم إلى سلبه فخذه؛ فلما أيقن بالقتل، قال: من أسرني؟ قال نصر وهو يضحك: يزيد بن قرّان الحنظلي - وأشار إليه - قال: هذا لا يستطيع أن يغسل استه - أو قال: لا يستطيع أن يتمّ بوله - فكيف يأسرني! فأخبرني من أسرني؛ فإني أهلٌ أن أقتل سبع قتلات، قيل له: عاصم بن عمير، قال: لست أجد مسّ القتل إذ كان الذي أسرني فارسًا من فرسان العرب. فقتله وصلبه على شاطىء النهر. قال: وعاصم بن عمير هو الهزارمرد، قتل بنهاود أيام قحطبة.
    قال: فلما قتل كورصول تخدّرت الترك وجاءوا بأبنيته فحرقوها، وقطعوا آذانهم، وجردّوا وجوههم. وطفقوا يبكون عليه؛ فلما أمسى نصر وأراد الرحلة، بعث إلى كورصول بقارورة نفط، فصبّها عليه، وأشعل فيه النار لئلا يحملوا عظامه. قال: وكان ذلك أشدّ عليهم من قتله.
    وارتفع نصر إلى فرغانة، فسبى منها ثلاثين ألف رأس، قال: فقال عنبر بن برعمة الأزدي: كتب يوسف بن عمر إلى نصر: سر إلى هذا الغارز ذنبه بالشاش - يعني الحارث بن سريج - فإن أظفرك الله به وبأهل الشاش، فخرّب بلادهم، واسب ذراريّهم؛ وإياك وورطة المسلمين.
    قال: فدعا نصر الناس، فقرأ عليهم الكتاب، وقال: ما ترون؟ فقال يحيى بن حضين: امض لأمر أمير المؤمنين وأمر الأمير، فقال نصر: يا يحيى، تكلمت ليالي عاصم بكلمة؛ فبلغت الخليفة فحظيت بها، وزيد في عطائك، وفرض لأهل بيتك، وبلغت الدرجة الرفيعة، فقلت: أقول مثلها. سر يا يحيى، فقد وليتك مقدّمتي؛ فأقبل الناس على يحيى يلومونه، فقال نصر يومئذ: وأي ورطة أشدّ من أن تكون في السفر وهم في القرار! قال: فسار إلى الشاش، فأتاه الحارث بن سريج فنصب عرّادتين تلقاء بني تميم؛ فقيل له: هؤلاء بنو تميم، فنقلهما فنصبهما على الأزد - ويقال: علي بكر بن وائل - وأغار عليهم الأخرم، وهو فارس الترك، فقتله المسلمون، وأسروا سبعة من أصحابه، فأمر نصر بن سيار برأس الأخرم، فرمى به في عسكرهم بمنجنيق، فلما رأوه ضجوا ضجة عظيمة، ثم ارتحلوا منهزمين، ورجع نصر، وأراد أن يعبر، فحيل بينه وبين ذلك، فقال أبو نميلة صالح بن الأبّار:
    كنا وأوبة نصر عند غيبته ** كراقب النوء حتى جاده المطر
    أودى بأخرم منه عارض برد ** مسترجف بمنايا القوم منهمر
    وأقبل نصر فنزل سمرقند في السنة التي لقي فيها الحارث بن سريج، فأتاه بخارا خذاه منصرفًا؛ وكانت المسلحة عليهم، ومعهم دهقانان من دهاقين بخارى، وكانا أسلما على يدي نصر، وقد أجمعا على الفتك بواصل بن عمرو القيسي عامل بخارى وببخاراخذاه يتظلّمان من بخاراخذاه، - واسمه طوق شياده - فقال بخاراخذاه لنصر: أصلح الله الأمير! قد علمت أنهما قد أسلما على يديك، فما بالهما معلّقي الخناجر عليهما! فقال لهما نصر: ما بالكما معلقي الخناجر وقد أسلمتما! قال: بيننا وبين بخاراخذاه عداوة فلا نأمنه على أنفسنا. فأمر نصر هارون بن السياوش مولى بني سليم - وكان يكون على الرابطة - فاجتذبهما فقطعهما، ونهض بخارخذاه إلى نصر يسارّه في أمرهما، فقالا: نموت كريمين؛ فشدّ أحدهما على واصل ابن عمرو فطعنه في بطنه بسكين، وضربه واصل بسيفه على رأسه؛ فأطار قحف رأسه فقتله، ومضى الآخر إلى بخارخذاه - وأقيمت الصلاة، وبخارخذاه جالس على كرسي - فوثب نصر، فدخل السرادق، وأحضر بخارخذاه، فعثر عند باب السرادق فطعنه، وشدّ عليه الجوزجان بن الجوزجان، فضربه بجرز كان معه فقتله، وحُمل بخاراخذاه فأدخل سرادق نصر، ودعا له نصر بوسادة فاتّكأ عليها، وأتاه قرعة الطبيب، فجعل يعالجه وأوصى إلى نصر، ومات من ساعته، ودفن واصل في السرادق، وصلى عليه نصر. وأما طوق شياده فكشطوا عنه لحمه، وحملوا عظامه إلى بخارى.
    قال: وسار نصر إلى الشاش، فلما قدم أشروسنة عرض دهقانها أباراخرّه مالًا، ثم نفذ إلى الشاش، واستعمل على فرغانة محمد بن خالد الأزدي، وجهه إليها في عشرة نفر، وردّ من فرغانة أخاجيش فيمن كان معه من دهاقين الختل وغيرهم، وانصرف منها بتماثيل كثيرة، فنصبها في أشروسنة.
    وقال بعضهم: لما أتى نصر الشاش تلقّاه قدر ملكها بالصلح والهدية والرهن، واشترط عليه إخراج الحارث بن سريج من بلده، فأخرجه إلى فاراب؛ واستعمل على الشاش نيزك بن صالح مولى عمرو بن العاص، ثم سار حتى نزل قباء من أرض فرغانة، وقد كانوا أحسوا بمجيئه، فأحرقوا الحشيش وحبسوا الميرة. ووجّه نصر إلى ولي عهد صاحب فرغانة في بقية سنة إحدى وعشرين ومائة، فحاصروه في قعلة من قلاعها، فغفل عنهم المسلمون، فخرجوا على دوابّهم وكمنوا لهم، فخرجوا فاستاقوا بعضها، وخرج عليهم المسلمون فهزموهم، وقتلوا الدهقان، وأسروا منهم أسراء، وحمل ابن الدهقان المقتول على ابن المثنى، فختله محمد بن المثنىّ، فأسره، وهو غلام أمرد، فأتى به نصرًا، فضرب عنقه.
    وكان نصر بعث سليمان بن صول إلى صاحب فرغانة بكتاب الصلح بينهما. قال سليمان: فقدمت عليه فقال لي: من أنت؟ قلت: شاكري خليفة كاتب الأمير، قال: فقال: أدخلوه الخزائن ليرى ما أعددنا، فقيل له: قم، قال: قلت ليس بي مشي، قال: قدّموا له دابة يركبها، قال: فدخلت خزائنه، فقلت في نفسي: يا سليمان، شمت بك إسرايل وبشر بن عبيد؛ ليس هذا إلّا لكراهة الصحل، وسانصرف بخفّي حنين. قال: فرجعت إليه، فقال: كيف رأيت الطريق فيما بيننا وبينكم؟ قلت: سهلًا كثير الماء والمرعى؛ فكره ما قلت له، فقال: ما علمك؟ فقلت: قد غزوت غرشستان وغور والختّل وطبرستان، فكيف لا أعلم! قال: فكيف رأيت ما أعددنا؟ قلت: رأيت عدة حسنة؛ ولكن أما علمت أن صاحب الحصار لا يسلم من خصال! قال: وما هن؟ قلت: لا يأمن أقرب الناس إليه وأحبهم إليه وأوثقهم في نفسه أن يثب به يطلب مرتبته، ويتقرّب بذلك، أو يفنى ما قد جمع، فيسلم برمته، أو يصيبه داء فيموت. فقطّب وكره ما قلت له وقال: انصرف إلى منزلك، فانصرفت فأقمت يومين، وأنا لا أشكّ في تركه الصلح، فدعاني فحملتُ كتاب الصلح مع غلامي، وقلت له: إن أتاك رسولي يطلب الكتاب فانصرف إلى المنزل، ولا تظهر الكتاب، وقل لي: إني خلفت الكتاب في المنزل. فدخلت عليه، فسألني عن الكتاب، فقلت: خلّفته في المنزل. فقال: ابعث من يجيئك به، فقبل الصلح، وأحسن جائزتي، وسرّح معي أمّه، وكانت صاحبة أمره.
    قال: فقدمت على نصر؛ فلما نظر إلي قال: ما مثلك إلا كما قال الأوّل: فأرسل حكيمًا ولا توصه فأخبرته، فقال: وفقت، وأذن لمه عليه، وجعل يكلمها والترجمان يعبّر عنها، فدخل تميم بن نصر، فقال للترجمان: قل لها: تعرفين هذا؟ فقالت: لا، فقال: هذا تميم بن نصر، فقالت: والله ما أرى له حلاوة الصغير، ولا نبل الكبير.
    قال أبو إسحاق بن ربيعة: قالت لنصر: كل ملك لا يكون عنده ستة أشياء فليس بملك: وزيرٌ يباثّه بكتاب نفسه وما شجر في صدره من الكلام، ويشاوره ويثق بنصيحته، وطباخ إذا لم يشته الطعام اتخذ له ما يشتهي، وزوجة إذا دخل عليها مغتمًا فنظر إلى وجهها زال غمه، وحصن إذا فزع أو جهد فزع إليه فأنجاه - تعني البرذون - وسيف إذا قارع الأقران لم يخش خيانته، وذخيرة إذا حملها فأين وقع بها من الأرض عاش بها.
    ثم دخل تميم بن نصر في الأزفلة وجماعة، فقالت: من هذا؟ قالوا: هذا فتى خراسان، هذا تميم بن نصر، قالت: ما له نبل الكبار ولا حلاوة الصغار.
    ثم دخل الحجاج بن قتيبة فقالت: من هذا؟ فقالوا: الحجاج بن قتيبة، قال: فحيّته، وسألت عنه؛ وقالت: يا معشر العرب، ما لكم وفاء؛ لا يصلح بعضكم لبعض. قتيبة الذي وطّن لكم ما أرى، وهذا ابنه تقعده دونك! فحقك أن تجلسه هذا المجلس، وتجلس أنت مجلسه.
    وحجّ بالناس في هذه السنة محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي - كذلك قال أبو معشر، حدثني بذلك أحمد بن ثابت. عمّن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عنه. وكذلك قال الواقدي وغيره.
    وكان عامل هشام بن عبد الملك على المدينة ومكة والطائف في هذه السنة محمد بن هشام، وعامله على العراق كلّه يوسف بن عمر، وعامله على أذربيجان وأرمينية مروان بن محمد، وعلى خراسان نصر بن سيّار، وعلى قضاء البصرة عامر بن عبيدة، وعلى قضاء الكوفة ابن شبرمة.


  • #28
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من أحداث

    خبر مقتل زيد بن علي

    فمن ذلك مقتل زيد بن علي.
    ذكر الخبر عن ذلك
    ذكر هشام عن أبي مخنف، أنّ زيد بن علي لما أمر أصحابه بالتأهب للخروج والاستعداد، أخذ من كان يريد الوفاء له بالبيعة فيما أمرهم به من ذلك، فانطلق سليمان بن سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر، فأخبره خبره، وأعلمه أنه يختلف إلى رجل منهم يقال له عامر. وإلى رجل من بني تميم يقال له طعمة؛ ابن أخت لبارق؛ وهو نازل فيهم. فبعث يوسف يطلب زيد بن علي في منزلهما فلم يوجد عندهما، وأخذ الرجلان، فأتيَ بهما، فلما كلمهما استبان له أمر زيد وأصحابه. وتخوّف زيد بن علي أن يؤخذ، فتعجّل قبل الأجل الذي جعله بينه وبين أهل الكوفة. قال: وعلى أهل الكوفة يومئذ الحكم بن الصلت، وعلى شرطه عمرو بن عبد الرحمن، رجل من القارة؛ وكانت ثقيف أخواله؛ وكان فيهم ومعه عبيد الله بن العباس الكندي، في أناس من أهل الشأم، ويوسف بن عمر بالحيرة. قال: فلما رأى أصحاب زيد بن علي الذين بايعوه أنّ يوسف بن عمر قد بلغه أمر زيد، وأنه يدسّ إليه، ويستبحث عن أمره، اجتمعت إليه جماعة من رءوسهم، فقالوا: رحمك الله! ما قولك في أبي بكر وعمر؟ قال زيد: رحمهما الله وغفر لهما، ما سمعت أحدًا من أهل بيتي يتبرّأ منهما ولا يقول فيهما إلا خيرًا، قالوا: فلم تطلب إذًا بدم أهل هذا البيت؛ إلّا أن وثبا على سلطانكم فنزعاه من أيديكم! فقال لهم زيد: إن أشدّ ما أقول فيما ذكرتم أنّا كنا أحقّ بسلطان رسول الله من الناس أجمعين، وإنّ القوم استأثروا علينا، ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرًا، قد ولّوا فعدلوا في الناس، وعملوا بالكتاب والسنة. قالوا: فلم يظلمك هؤلاء! وإن كان أولئك لم يظلموك، فلم تدعو إلى قتال قوم ليسوا لك بظالمين! فقال: وإنّ هؤلاء ليسوا كأولئك؛ إنّ هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم؛ وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ، وإلى السنن أن تحيا، وإلى البدع أن تطفأ؛ فإن أنتم أجبتمونا سعدتم، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل. ففارقوه ونكثوا بيعته، وقالوا: سبق الإمام - وكانوا يزعمون أنّ أبا جعفر محمد بن علي أخا زيد بن علي هو الإمام، وكان قد هلك يومئذ - وكان ابنه جعفر بن محمد حيًّا، فقالوا: جعفر إمامنا اليوم بعد أبيه؛ وهو أحقّ بالأمر بعد أبيه؛ ولا نتبع زيد بن علي فليس بإمام. فسمّاهم زيد الرافضة، فهم اليوم يزعمون أن الذي سماهم الرافضة المغيرة حيث فارقوه. وكانت منهم طائفة قبل خروج زيد مرّوا إلى جعفر بن محمد بن علي، فقالوا له: إن زيد بن علي فينا يبايع؛ أفترى لنا أن نبايعه؟ فقال لهم: نعم بايعوه؛ فهو والله أفضلنا وسيدنا وخيرنا فجاءوا، فكتموا ما أمرهم به.
    قال: واستتبّ لزيد بن علي خروجه، فواعد أصحابه ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة.
    وبلغ يوسف بن عمر أنّ زيدًا قد أزمع على الخروج، فبعث إلى الحكم ابن الصلت، فأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم يحصرهم فيه، فبعث الحكم إلى العرفاء والشرط والمناكب والمقاتلة؛ فأدخلهم المسجد، ثم نادى مناديه: ألا إنّ الأمير يقول: من أدركناه في رحلة فقد برئت منه الذمّة؛ ادخلوا المسجد الأعظم. فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد بيوم، وطلبوا زيدًا في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري، فخرج ليلًا؛ وذلك ليلة الأربعاء، في ليلة شديدة البرد، من دار معاوية بن إسحاق، فرفعوا الهرادي فيها النيران، ونادوا: يا منصور أمت، أمت يا منصور. فكلما أكلت النار هرديًا رفعوا آخر، فما زالوا كذلك حتى طلع الفجر؛ فلما أصبحوا بعث زيد بن علي القاسم التنعي ثم الحضرمي ورجلًا آخر من أصحابه، يناديان بشعارهما، فلما كانوا في صحراء عبد القيس لقيهم جعفر بن العباس الكندي، فشدوا عليه وعلى أصحابه، فقتل الرجل الذي كان مع القاسم التنعي، وارتُثّ القاسم، فأتى به الحكم فكلمه فلم يردّ عليه شيئاّ، فأمر به فضربت عنقه على باب القصر؛ فكان أول من قتل من أصحاب زيد ابن علي هو وصاحبه. وأمر الحكم بن الصلت بدروب السوق فغلقت، وغلقت أبواب المسجد على أهل الكوفة. وعلى أرباع الكوفة يومئذ؛ على ربع أهل المدينة إبراهيم بن عبد الله بن جرير البجلي، وعلى مذحج وأسد عمرو ابن أبي بذل العبدي، وعلى كندة وربيعة المنذر بن محمد بن أشعث بن قيس الكندي، وعلى تميم وهمدان محمد بن مالك الهمداني ثم الخيواني.
    قال: وبعث الحكم بن الصلت إلى يوسف بن عمر، فأخبره الخبر، فأمر يوسف مناديه فنادى في أهل الشأم: من يأتي الكوفة فيقترب من هؤلاء القوم فيأتيني بخبرهم؟ فقال جعفر بن العباس الكندي: أنا، فركب في خمسين فارسًا، ثم أقبل حتى انتهى إلى جبّانة سالم السَّلولي، فاستخبرهم، ثم رجع إلى يوسف بن عمر فأخبره، فلما أصبح إلى تلّ قريب من الحيرة، فنزل عليه ومعه قريش وأشراف الناس؛ وعلى شرطته يومئذ العباس بن سعيد المزني، فبعث الريان بن سلمة الإراشي في ألفين ومعه ثلثمائه من القيقاينّة رجلًا معهم النُّشاب.
    وأصبح زيد بن علي، فكان جميع من وافاه تلك الليلة مائتي رجل وثمانية عشر رجلًا، فقال زيد: سبحان الله! اين الناس! فقيل له: هم في المسجد الأعظم محصورون، فقال: لا والله ما هذا لمن بايعنا بعذر. وسمع نصر ابن خزيمة النداء، فأقبل إليه، فلقي عمر بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت في خيله من جهينة عند دار الزبير بن أبي حكمة في الطريق الذي يخرج إلى مسجد بني عدي، فقال نصر بن خزيمة: يا منصور أمت؛ فلم يردّ عليه شيئًا، فشدّ عليه نصر وأصحابه، فقتل عمر بن عبد الرحمن، وانهزم من كان معه، وأقبل زيد بن علي من جبّانة سالم حتى انتهى إلى جبّانه الصائديّين، وبها خمسمائة من أهل الشأم، فحمل عليهم زيد بن علي فيمن معه فهزمهم. وكان تحت زيد بن علي يومئذ برذون أدهم بهيم؛ اشتراه رجل من بني نهد بن كهمس بن مروان النجّاري بخمسة وعشرين دينارًا، فلما قتل زيد بعد ذلك أخذه الحكم بن الصلت.
    قال: وانتهى زيد بن علي إلى باب دار رجل من الأزد، يقال له أنس ابن عمرو - وكان فيمن بايعه - فنودي وهو في الدار فجعل بجيب، فناداه زيد يا أنس: اخرج إلىّ رحمك الله، فقد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا. فلم يخرج إليه، فقال زيد: ما أخلفكم! قد فعلتموها، الله حسيبكم!
    قال: ثم إن زيدًا مضى حتى انتهى إلى الكناسة، فحمل على جماعة بها من أهل الشأم فهزمهم؛ ثم خرج حتى ظهر إلى الجبّانة ويوسف بن عمر على التلّ ينظر إليه هو وأصحابه، وبين يديه حزام بن مرة المزني وزمزم بن سليم الثعلبي؛ وهما على المجفّفة، ومعه نحو من مائتي رجل؛ والله لو أقبل على يوسف لقتله، والرّيان بن سلمة يتبع أثر زيد بن علي بالكوفة في أهل الشأم. ثم إن زيدًا أخذ ذات اليمين على مصلّى خالد بن عبد الله حتى دخل الكوفة، وكانت فرقة من أصحاب زيد بن علي حيث وجّه إلى الكناسة قد انشعبت نحو جبّانة مخنف بن سليم. ثم قال بعضهم لبعض: ألا ننطلق نحو جبّانة كندة! قال: فما زاد الرجل على أن تكلم بهذا الكلام. وطلع أهل الشأم؛ فلما رأوهم دخلوا زقاقًا فمضوا فيه، وتخلف رجل منهم، فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين، ثم خرج إليهم فقاتلهم ساعة. ثم إنهم صروعه، فجعلوا يضربونه بأسيافهم؛ فنادى رجل منهم مقنع بالحديد: أن اكشفوا المغفر ثم اضربوا رأسه بعمود حديد؛ ففعلوا، وقتل وحمل أصحابه عليهم فكشفوهم عنه وقد قتل، وانصرف أهل الشأم؛ وقد اقتطعوا رجلًا، ونجا سائرهم. فذهب ذلك الرجل حتى دار عبد الله بن عوف فدخل أهل الشأم عليه فأسروه، فذهب به إلى يوسف بن عمر فقتله.
    قال: وأقبل زيد بن علي، وقد رأى خذلان الناس إيّاه، فقال: يا نصر بن خزيمة، أتخاف أن يكون قد جعلوهها حسينيّة! فقال له: جعلني الله لك الفداء! أما أنا فوالله لأضربنّ معك بسيفي هذا حتى أموت؛ فكان قتاله يومئذ بالكوفة. ثم إن نصر بن خزيمة قال لزيد بن علي: جعلني الله لك الفداء! إن الناس في المسجد الأعظم محصورون، فامض بنا نحوهم، فخرج بهم زيد نحو المسجد، فمرّ على دار خالد بن عرفطة. وبلغ عبيد الله ابن العباس الكندي إقباله، فخرج في أهل الشأم، وأقبل زيد فالتقوا على باب عمر بن سعد أبي وقّاص، فكعّ صاحب لواء عبيد الله - وكان لواؤه مع سلمان مولاه - فلما أراد عبيد الله الحملة ورآه قد كعّ عنه، قال: احمل يابن الخبيثة! فحمل عليهم، فلم ينصرف حتى خضِّب لواؤه بالدم.
    ثم إن عبيد الله برز فخرج إليه واصل الحنّاط، فاضطربا بسيفهما، فقال للأحوال: خذها منّي وأنا الغلام الحنّاط! وقال الآخر: قطع الله يدي إن كلت بقفيز أبدًا. ثم ضربه فلم يصنع شيئًا. وانهزم عبيد الله بن العباس وأصحابه، حتى انتهوا إلى دار عمرو بن حريث. وجاء زيد وأصحابه حتى انتهوا إلى باب الفيل؛ فجعل أصحاب زيد يدخلون راياتهم من فوق الأبواب، ويقولون: يا أهل المسجد، اخرجوا. وجعل نصر بن خزيمة يناديهم، ويقول: يا أهل الكوفة، اخرجوا من الذل اخرجوا إلى الدين والدنيا؛ فإنكم لستم في دين ولا دنيا. فأشرف عليهم أهل الشأم، فجعلوا يرمونهم بالحجارة من فوق المسجد - وكان يومئذ جمع كبير بالكوفة في نواحيها، وقيل في جبّانة سالم - وانصرف الريان بن سلمة إلى الحيرة عند المساء، وانصرف زيد بن علي فيمن معه، وخرج إليه ناس من أهل الكوفة، فنزل دار الرزق، فأتاه الريان بن سلمة، فقاتله عند دار الرزق قتالًا شديدًا، فجرح من أهل الشأم وقتل منهم ناس كثير، وتبعهم أصحاب زيد من دار الرزّق؛ حتى انتهوا إلى المسجد؛ فرجع أهل الشأم مساء يوم الأربعاء أسوأ شيء ظنًا؛ فلما كان من الغد غداة يوم الخميس، دعا يوسف بن عمر الريان بن سلمة، فلم يوجد حاضرًا تلك الساعة.
    وقال بعضهم: بل أتاه وليس عليه سلاحه فأفّف به، وقال له: أفٍّ لك من صاحب الخيل! اجلس. فدعا العباس بن سعيد المزني صاحب شرطته، فبعثه في أهل الشأم، فسار حتى انتهى إلى زيد بن علي في دار الرزق، وثمّ خشب للتجار كثير، فالطريق متضايق. وخرج زيد في أصحابه، وعى مجنّبتيه نصر بن خزيمه العبسي ومعاوية بن إسحاق الأنصاري، فلما رآهم العباس - ولم يكن معه رجال - نادى: يا أهل الشأم، الأرض والأرض! فنزل ناس كثير ممن معه، فاقتتلوا قتالًا شديدًا في المعركة. وقد كان رجل من أهل الشأم من بني عبس يقال له نائل بن فروة قال ليوسف بن عمر: والله لئن أنا ملأت عيني من نصر بن خزيمة لأقتلنه أو ليقتلني، فقال له يوسف: خذ هذا السيف؛ فدفع إليه بسيف لا يمرّ بشيء ألا قطعه. فلما التقى أصحاب العباس بن سعيد وأصحاب زيد واقتتلوا، بصر نائل بن فروة بنصر بن خزيمة، فأقبل نحوه، فضرب نصرًا فقطع فخذه، وضربه نصر ضربةً فقتله؛ فلم يلبث نصر أن مات، واقتتلوا قتالًا شديدًا.
    ثم إن زيد بن علي هزمهم وقتل من أهل الشأم نحوًا من سبعين رجلًا، فانصرفوا وهم بشرّ حال. وقد كان العباس بن سعيد نادى في أصحابه أن اركبوا؛ فإن الخيل لاتطيق الرجال في المضيق فركبوا، فلما كان العشي عبأهم يوسف بن عمر ثم سرحهم، فأقبلوا حتى التقواهم وأصحاب زيد، فحمل عليهم زيد في أصحابه فكشفهم، ثم تبعهم حتى أخرجهم إلى السبَّخة، ثم شدّ عليهم بالسبخة حتى أخرجهم إلى بني سليم، ثم تبعهم في خيله ورجاله؛ حتى أخذوا على المسناة.
    ثم إن زيدًا ظهر لهم فيما بين بارق ورؤاس، فقاتلهم هنالك قتالًا شديدًا. وصاحب لوائه يومئذ رجل يقال له عبد الصمد بن أبي مالك بن مسروح، من بني العباس بن زيد، حليف العباس بن عبد المطلب، وكان مسروح السعدي تزوج صفية بنت العباس بن عبد المطلب، فجعلت خيلهم لا تثبت لخيله ورجله، فبعث العباس إلى يوسف بن عمر ييعلمه ذلك، فقال له: ابعث إلي الناشبة، فبعث إليهم سليمان بن كيسان الكلبي في القيقانيّة والبخاريّة؛ وهم ناشبة، فجعلوا يرمون زيدًا وأصحابه، وكان زيد حريصًا على أن يصرفهم حين انتهوا إلى السبخة، فأبوا عليه، فقاتل معاويه بن إسحاق الأنصاري بين يدي زيد بن علي قتالًا شديدًا، فقتل بين يديه، وثبت زيد بن علي ومن معه حتى إذا جنح الليل رمى بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى، فتشبث في الدماغ، فرجع ورجع أصحابه؛ ولا يظن أهل الشأم أنهم رجعوا إلا للمساء والليل.
    قال: فحدثني سلمة بن ثابت الليثي - وكان مع زيد بن علي، وكان آخر من انصرف من الناس يومئذ، هو وغلام لمعاوية بن إسحاق - قال: أقبلت أنا وصاحبي نقصُّ أثر زيد بن علي، فنجده قد أنزل؛ وأدخل بيت حرّان ابن كريمة مولى لبعض العرب في سكة البريد في دور أرحب وشاكر. قال سلمة بن ثابت: فدخلت عليه، فقلت له: جعلني الله فداك أبا الحسين! وانطلق أصحابه فجاءوا بطبيب يقال له شقير مولى بني رؤاس فانتزع النصل من جبهته، وأنا أنظر إليه، فوالله ما عدا أن انتزعه جعل يصيح، ثم لم يلبث أن قضى؛ فقال القوم: أين ندفنه، وأين نواريه؟ فقال بعض أصحابه: نلبسه درعه ونطرحه في الماء، وقال بعضهم: بل نحتز رأسه ونضعه بين القتلى، فقال ابنه يحيى: لا والله لا تأكل لحم أبي الكلاب. وقال بعضهم: لا بل نحمله إلى العباسيّة فندفنه.
    قال سلمة: فأشرت عليهم أن ننطلق به إلى الحفرة التي يؤخذ منها الطين فندفنه فيها، فقبلوا رأيي وانطلقنا، وحفرنا له بين حفرتين، وفيه حينئذ ماء كثير؛ حتى إذا نحن أمكنّا له دفناه، وأجرينا عليه الماء، وكان معنا عبد له سندي قال: ثم انصرفنا حتى نأتي جبّانة السيبع، ومعنا ابنه، فلمم نزل بها، وتصدّع الناس عنا، وبقيت في رهط معه لا يكونون عشرة، فقلت له: أين تريد؟ هذا الصبح قد غشيك - ومعه أبو الصبَّار العبدي - قال: فقال: النهرين، فظننت أنه يريد أن يتشطّط الفرات ويقاتلهم - فقلت له: لاتبرح مكانك، تقاتلهم حتى تقتل، أو يقضي الله ما هو قاض. فقال لي: أنا أريد نهري كربلاء. فقلت له: فالنجاء قبل الصبح، فخرج من الكوفة، وأنا معه وأبوا الصبّار ورهط معنا، فلما خرجنا من الكوفة سمعنا أذان المؤذّنين، فصلينا الغداة بالنُّخيلة سراعًا قبل نينوى، فقال لي: إني أريد سباقًا مولى بشر بن عبد الملك بن بشر فأرسع السير، وكنت إذا لقيت القوم أستطعمهم فأطعم الأغرفة فأطعمها إياه، فيأكل ونأكل معه؛ فانتهينا إلى نينوى وقد أظلمنا، فأتينا منزل سابق، فدعوت على الباب، فخرج إلينا فقلت له: أما أنا فآتي الفيّوم، فأكون به؛ فإذا بدا لك أن ترسل إلي فأرسل. قال: ثم إني مضيت وخلّفته عند سابق؛ فذلك آخر عهدي به.
    قال: ثم إنّ يوسف بن عمر بعث أهل الشأم يطلبون الجرحى في دور أهل الكوفة، فكانوا يخرجون النساء إلى صحن الدار، ويطوفون البيت يتلمسون الجرحى.
    قال: ثم دلّ غلام زيد بن علي السندي يوم الجمعة على زيد، فبعث الحكم بن الصلت العباس بن سعيد المزني وابن الحكم بن الصلت، فانطلقا فاستخرجاه، فكره العباس أن يغلب عليه ابن الحكم بن الصلت، فتركه وسرح بشيرًا إلى يوسف بن عمر غداة يوم الجمعة برأس زيد بن علي مع الحجاج بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل، فقال أبوا الجورية مولى جهينة:
    قل للذين انتهكوا المحارم ** ورفعوا الشمع بصحرا مالم
    كيف وجدتم وقعة الأكارم ** يا يوسف بن الحكم بن القاسم

  • صفحة 7 من 21 الأولىالأولى ... 5678917 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 72
      آخر مشاركة: 08-14-2010, 11:05 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1