وفيها كانت وفاة هشام بن عبد الملك. وكانت خلافته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر، وسنّة خمس وخمسون سنة. فتحدّث سالم قال:
« خرج علينا هشام بن عبد الملك يوما وهو كئيب، يعرف ذلك في وجهه، مسترخ ثيابه، قد أرخى عنان دابّته. فلمّا سار ساعة انتبه، فجمع ثيابه وأخذ بعنان دابّته، وقال للرّبيع:
« أدع الأبرش. » فسار بيني وبين الأبرش فقال له الأبرش:
« يا أمير المؤمنين، لقد رأيت منك اليوم ما غمّنى. » قال:
« وما هو؟ » فوصف حاله. قال:
« وكيف لا أكون كذلك وقد زعم أهل العلم أنّى ميّت إلى ثلاثة وثلاثين يوما؟ » قال سالم: فلمّا عدت إلى منزلي كتبته في قرطاس: زعم أمير المؤمنين يوم كذا أنّه يسافر إلى ثلاثة وثلاثين يوما. فمات في اليوم الثّالث والثّلاثين.
قال: فأغلق الخزّان الأبواب لما سنذكره. فطلبوا قمقما يسخن فيه الماء لغسله. فما وجد، حتى استعاروه من بعض الجيران.
فقال الحاضرون:
« إنّ في هذا لمعتبرا لمن اعتبر. » وكانت وفاته بالذّبحة.
ذكر بعض سيرة هشام
حكى عقّال بن شبّة قال: دخلت على هشام حين وجّهنى إلى خراسان وعليه قباء أخضر عليه فنك. فجعل يوصيني وأنا أنظر إلى القباء وأتأمّله. ففطن وقال:
« مالك؟ » قلت:
« إني رأيت عليك قبل أن تلى الخلافة قباء فنك أخضر، فأنا أتأمّل هل هو ذاك. » قال:
« هو - والله الّذى لا إله غيره - ذاك. ما لي قباء غيره وما ترون من جمعى هذا المال وصونه إلّا لكم. » وكان عقّال يقول: دخلت على هشام، فرأيت رجلا محشوّا عقلا.
ولم يكن يسير أيّام هشام أحد في موكب إلّا مسلمة بن عبد الملك. ورأى هشام يوما سالما في موكب. فزجره وقال:
« لا أعلمنّ متى سرت في موكب! » فكان بعد ذلك إذا قدم الرّجل الغريب، فسار مع سالم، وقف له سالم ويقول: حاجتك؟ ويمنعه أن يسير معه. هذا وسالم يرى كأنّه هو أمرّ هشاما.
ولم يكن أحد يأخذ العطاء إلّا ألزمه الغزو، فمنهم من يغزو، ومنهم من يخرج بديلا.
وولّى هشام بعض مواليه ضيعة، فعمرها، فجاءت بغلّة كثيرة، ثم عمرها أيضا، فأضعفت الغلّة، وبعث بها مع ابنه فجزاه خيرا ووجد ابن هذا المولى منه انبساطا، فقال:
« يا أمير المؤمنين، إنّ لي حاجة. » قال:
« ما هي؟ » قال:
« زيادة عشرة دنانير في العطاء. » فقال:
« ما يخيّل إلى أحدكم عشرة دنانير زيادة إلّا بقدر الجوز. لا لعمري، لا أفعل. »
وقال غسّان بن عبد الحميد: لم يكن أحد من بنى مروان أشدّ نظرا، ولا أشدّ مبالغة في الفحص عن أمور أصحابه ودواوينه من هشام.
وكان أقطع هشام قبل الخلافة أرضا يقال لها: دورين. فلمّا أرسل في قبضها، وجدها خرابا. فقال لكاتب كان بالشّام يقال له. دويد: « ويحك! كيف الحيلة؟ » قال:
« ما تجعل لي؟ » قال:
« خمسمائة دينار. » فكتب دويد دورين وقراها. ثم أمضاها في الدّواوين، فأخذ شيئا كثيرا.
فلمّا ولى هشام دخل عليه دويد. فقال:
« يا دويد، دورين وقراها لا والله، لا تلى لي ولاية أبدا. » فأخرجه من الشّام.
وقال له بعض آل مروان يوما:
« أتطمع في الخلافة وأنت بخيل جبان؟ » قال:
« ولم لا أطمع، وأنا عليم عفيف سائس؟ » وأتى هشاما محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب فقال:
« ما لك عندي شيء. » ثم قال:
« إيّاك أن يغرّك أحد فيقول: لم يعرفك أمير المؤمنين. أنت محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب. فلا تقيمنّ وتنفق ما معك. فليس عندي صلة.
فبادر، والحق بأهلك! » وحجّ هشام، فأخذ الأبرش مخنّثين معهم برابط. فقال هشام:
« احبسوهم وبيعوا متاعهم هذا وما أدري ما هو، وصيّروا ثمنه في بيت المال، فإذا صلحوا فردّوا الثّمن عليهم. » وكان هشام ينزل الرّصافة. وكان سبب ذلك أنّ الخلفاء وأبناءهم كانوا يهربون من الطاعون، فينزلون البرّيّة. فعزم هشام على نزول الرّصافة. فقيل له:
« لا تخرج، فإنّ الخلفاء لا يطعنون، لم نر خليفة طعن! » فقال:
« أفتريدون أن تجرّبوا بي؟ » فخرج إلى الرّصافة، وهي برّيّة. فابتنى بها قصرين. والرّصافة كانت مدينة روميّة بنتها الرّوم في القديم، ثم خربت.
وبعث يوسف بن عمر إلى هشام بياقوتة حمراء يخرج طرفاها من كفّ القابض، وحبّة لؤلؤ أعظم ما يكون الحبّ على يد كاتبه قحذم.
قال: فدخلت عليه، ودنوت منه، فلم أر وجهه من طول السّرير وكثرة الفرش. فتناول الحجر والحيّة فقال:
« أكتب معك وزنهما. » قلت:
« يا أمير المؤمنين، هما أجلّ من أن يكتب بوزنهما ومن أين يوجد مثلهما؟ » قال:
« صدقت. » وكانت الياقوتة لجارية خالد بن عبد الله القسري ويقال لها: رائقة، اشترتها بثلاثة وسبعين ألف دينار.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
فخرج عياض من السّجن وختم أبواب الخزائن وأمر بهشام، فأنزل عن فرشه. فما وجدوا قمقما يسخّن له فيه الماء حتى استعاروه، ولا وجدوا كفنا من الخزائن، فكفّنه غالب مولى هشام.
استعمال الوليد العمال
واستعمل الوليد العمّال، وجاءته بيعته من الآفاق، وكتب إليه العمّال، وجاءته الوفود، وجاءه كتاب من مروان بن محمّد وكان إليه ارمينية وآذربايجان بليغ يثنى عليه، ويذكر أنّه قد بايع له من قبله ويستأذنه في المصير إليه لمشاهدته.
إجراء على الزمنى والعميان
وأجرى الوليد على الزّمنى والعميان، وأمر لكلّ إنسان منهم بخادم، وأخرج لعيالات النّاس الطّبيب والكسوة، وزاد النّاس جميعا في العطاء عشرات، ثم زاد أهل الشّام بعد زيادة العشرات عشرة عشرة، وأضعف جوائز أهل بيته ولم يقل قطّ في شيء سئله: لا.
عقد الوليد بن اليزيد للخلافة بعده لابنيه الحكم وعثمان
وفي هذه السنة عقد الوليد لابنيه: الحكم وعثمان، بعده وجعلهما وليّى عهده، أحدهما بعد الآخر، وكتب بذلك إلى الأمصار، إلى يوسف بن عمر بالعراق، وإلى نصر بن سيّار بخراسان.
ونسخة البيعة: « تبايع لعبد الله بن الوليد أمير المؤمنين وللحكم بن أمير المؤمنين إن كان بعده، وعثمان بن أمير المؤمنين إن كان بعد الحكم، على السّمع والطّاعة. فإن حدث بواحد منهما حدّث، فأمير المؤمنين أملك في ولده ورعيّته، يقدّم من أحبّ ويؤخّر من أحبّ. عليك بذلك عهد الله وميثاقه. » وفي هذه السنّة ولّى الوليد نصر بن سيّار خراسان كلّها وأفرده بها.
وفيها كتب يوسف بن عمر إلى نصر بن سيّار يأمره بالقدوم عليه، وبحمل ما قدر عليه من الهدايا والأموال، وبعياله أجمعين.
فلمّا أتى نصرا كتابه قسم على أهل خراسان الهدايا وعلى عمّاله، ولم يدع بخراسان جارية، ولا عبدا: ولا برذونا فارها، إلّا أعدّه، واشترى ألف مملوك وأعطاهم السّلاح، وحملهم على الخيل، وأعدّ خمسمائة وصيفة، وأمر بصنعة أباريق الذّهب والفضة، وتماثيل الظباء، ورؤوس السباع والأيائل، وغير ذلك. فلمّا فرع من جميع ذلك كتب الوليد يستحثّه، فسرّح أوائلها حتى بلغ ذلك بيهق، وكتب الوليد إليه يأمره أن يبعث إليه برابط وطنابير، وأن يجمع له كلّ صنّاجة بخراسان يقدر عليها وكلّ باز هناك، ثم يسير بذلك كلّه بنفسه، مع ما أعدّه، وبوجوه أهل خراسان.
وكان المنجّمون يخبرون نصرا بفتنة تكون. فبعث نصر إلى صدقة بن وثّاب، وكان منجّما محذقا ببلخ فأحضره فكان مقيما عنده، وألحّت عليه الكتب. فلم يزل يتباطأ حتى وجّه إليه يوسف رسولا وأمره بلزومه واستحثاثه، فإن أبطأ، أشاع في الناس أنّه خلع.
فلمّا جاء الرسول أجازه وأرضاه، وتحوّل إلى قصره الذي هو دار الإمارة اليوم. فلم يأت لذلك إلّا يسير، حتى وقعت الفتنة، فحوّل نصر إلى قصره بماجان، واستخلف عصمة بن عبد الله الأسرى على خراسان، وولّى كلّ كورة ثقة له، وأمرهم، إذا بلغهم خروجه من مرو، أن يستجلبوا الترك، وأن يغيروا على ما وراء النهر لينصرف بعد خروجه، يعتلّ بذلك. فبينا هو يسير يوما إلى العراق طرقه ليلا مولى لبنى ليث وناجاه.
فلمّا أصبح أذن للناس، وبعث إلى رسل الوليد، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
« قد كان من مسيري ما رأيتم، وبعثني بالهدايا ما علمتم، فطرقنى فلان ليلا وأخبرني أنّ الوليد قد قتل، ووقعت الفتنة بالشام، وقدم منصور بن جمهور العراق، وقد هرب يوسف بن عمر منه، ونحن في بلاد قد علمتم حالها وكثرة عدوّها. »
ثم دعا بالقادم، فأحلفه أنّ ما جاء به حقّ. فحلف.
فقال سلم بن أحوز:
« أصلح الله الأمير، لو حلفت لكنت صادقا أنّه بعض مكايد قريش، أرادوا تهجين طاعتك. فسر ولا تهجّنّا. » فقال:
« يا سلم، أنت رجل لك علم بالحروب، ولك مع ذلك حسن طاعته لبني أمية. فأمّا مثل هذا من الأمور فرأيك فيه رأى أمة هتماء. » ثم قال لمن حضر:
إني لم أشهد بعد ابن خازم أمرا مفظعا إلّا كنت المفرع في الرأي. » فقال الناس:
« قد علمنا ذلك، فالرأي رأيك. »
يوسف الثقفي يولى المدينة ومكة
وفي هذه السنة وجّه الوليد بن يزيد خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي واليا على المدينة ومكّة، ودفع إليه إبراهيم ومحمّدا ابني هشام بن إسماعيل المخزومي موثقين في عباءتين. فقدم بهما المدينة وأقامهما للناس ثم بعث بهما إلى يوسف بن عمر وهو يومئذ عامله على العراق فعذّبهما حتى قتلهما وقد كان رفع عليهما عند الوليد أنّهما أخذا مالا كثيرا.
ذكر أبي مسلم
وفي هذه السنة قدم سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم ولاهز بن قريظ وقحطبة بن شبيب مكّة على محمّد بن عليّ وأخبروه بقصّة أبي مسلم وما رأوا منه. فقال لهم:
« أحرّ هو أم عبد؟ » قالوا:
« أمّا عيسى فيزعم أنّه عبد وأمّا هو فيزعم أنّه حرّ. » قال:
« فاشتروه وأعتقوه وأعطوا محمّد بن عليّ مائتي ألف درهم. » وكسى بثلاثين ألف درهم. فقال لهم:
« ما أظنّكم تلقوني بعد عامي هذا فإن حدث بي حدث فصاحبكم إبراهيم بن محمّد فانّه مأمون وأنا أثق به لكم وأوصيكم به خيرا وقد أوصيته بكم. » فصدروا من عنده.
وفي هذه السنة قتل يحيى بن زيد بن عليّ بخراسان.
ذكر مقتل يحيى بن زيد والسبب فيه
أقام يحيى بن زيد ببلخ عند الحريش بن عمر بن داود حتى هلك هشام وولى الوليد بن يزيد بن عبد الملك. فكتب يوسف بن عمر إلى نصر بن سيّار بمسير يحيى بن زيد وبمنزله ببلخ حتى قال أنّه عند الحريش وقال له:
« ابعث إليه فخذه أشدّ الأخذ. »
فبعث نصر إلى عقيل بن معقل يأمره أن يأخذ الحريش فلا يفارقه حتى يزهق نفسه أو يأتيه بيحيى بن زيد، فبعث إليه عقيل فسأله عنه فقال:
« لا علم لي به. » فجلده ستمائة سوط. فقال له الحريش:
« والله لو أنّه كان تحت قدمي ما رفعتها لك عنه. » فلمّا رأى ذلك قريش بن الحريش أتى عقيلا فقال له:
« لا تقتل أبي وأنا أدلّك عليه. » فأرسل معه فدلّه عليه وهو في بيت جوف بيت فأخذه فأتى به نصر بن سيّار فحبسه وكتب إلى يوسف بن عمر يخبره بذلك فكتب بذلك يوسف إلى الوليد بن يزيد فكتب الوليد إلى نصر بن سيّار يأمره أن يؤمنه ويخلّى سبيله وسبيل أصحابه وكان معه نفر خرجوا معهم من الكوفة فظفر بهم فدعاه نصر بن سيّار وأمره بتقوى الله وحذّره الفتنة وأمره أن يلحق بالوليد بن يزيد وأمر له بألفي درهم وبغلين فخرج هو وأصحابه إلى سرخس وأقام بها فكتب نصر إلى عامله بسرخس أن يشخصه منه وكتب إلى عامله بطوس:
« انظر يحيى بن زيد إذا مرّ بك فلا تدعه يقيم بطوس. » وأمرهما إذا مرّ بهما أن لا يفارقاه حتى يدفعاه إلى عمرو بن زرارة بأبرشهر ففعل به ذلك ووكّل به سرحان بن فرّوخ بن مجاهد بن بلعاء العنبري.
قال سرحان: فدخلت يوما عليه فذكر نصر بن سيّار وما أعطاه وإذا هو يستقلّه وذكر الوليد فأثنى عليه ثم اعتذر من مجيئه بأصحابه. وأنّه لم يأت بهم إلّا مخافة أن يسمّ أو يغمّ ثم عرض بيوسف وذكر أنّه يتخوّفه وهمّ بالوقوع فيه ثم أمسك فبسطته وقلت:
« قل ما أحببت يرحمك الله، فليس عليك مني عين. » ثم اعتذرت إليه من مسيري معه وكنت أسير معه على رأس فرسخ حتى تلقّانا عمرو بن زرارة فدفعنا إليه فأشخاصه إلى بيهق وهي أقصى خراسان وأدناه من قومس فأقبل في سبعين رجلا وكان يخاف اغتيال يوسف إيّاه ومرّ به قوم تجّار فأخذ دوابّهم وقال:
« علينا أثمانها. » وكتب عمرو بن زرارة إلى نصر: أنّ يحيى قد أقبل وفعل كيت وكيت.
فكتب نصر إلى عبد الله بن قيس وإلى الحسن بن زيد أن يمضيا إلى عمرو بن زرارة فهو عليهم ثم يقاتلوا يحيى بن زيد حتى يقتلوه أو يأخذوه أسيرا فانتهوا إلى عمرو بن زرارة وكانوا عشرة آلاف وأتاهم يحيى وليس معه إلّا سبعون رجلا فهزمهم وقتل عمرو بن زرارة وأصاب دوابّ ومتاعا كثيرا.
وأقبل يحيى بن زيد حتى مرّ بهراة، وعليها مغلّى بن زياد فلم يعرض له ولا عرض هو لمغلّى وقطع هراة فسرّح نصر بن سيّار سلم بن أحوز في طلب يحيى فتبعه حتى لحقه بالجوزجان بقرية منها وقد لحق بيحيى نفر من الشيعة فصافّه سلم بن أحوز وأمر سلم جماعة بتعبئة الناس فتباطؤوا عليه حتى عبّأهم سورة بن محمد بن عزير الكندي واقتتلوا فقتل أصحاب يحيى من عند آخرهم ومرّ سورة بيحيى صريعا فأخذ رأسه وبعث به إلى يوسف بن عمر فنصبه فكتب الوليد بن يزيد إليه أن أحرقه ثم انسفه في اليمّ نسفا. فأمر يوسف بإنزاله من جذعه وأحرقه بالنار ثم رضّه وجعله في قوصرة وأمر بأن يذّر في الفرات.
ودخلت سنة ستّ وعشرين ومائة
وفيها قتل الوليد بن يزيد قتله يزيد بن الوليد.
خلافة يزيد الناقص
ذكر السبب في قتل الوليد وخلافة يزيد الناقص
كان سبب اضطراب أمره وفساد نيّات الناس له اشتغاله بالمجون والخلاعة وتهاونه بأمر الدين واستخفافه به وقد حكى عنه ما لا يلفظ به ولا فائدة في ذكره وكان من أعظم ما جنى على نفسه إفساده بنى عمّيه: ولد هشام وولد الوليد ابني عبد الملك بن مروان وأفسد أيضا على نفسه اليمانية وهم عظم أهل الشام.
وكان قد اشتدّ على الجند وعلى بنى هشام ضربه سليمان بن هشام مائة سوط وحلق رأسه ولحيته، وغرّبه إلى عمان وكان يتعرّض لجوارى أبيه وأولادهم وأراد خالد بن عبد الله القسري على البيعة لابنيه فأبى فقال له أهله:
« ويحك أبيت على أمير المؤمنين. » قال:
« ويحكم كيف أبايع من لا أصلّى خلفه ولا أقبل شهادته وهم صبيان. » قالوا:
« فالوليد تقبل شهادته مع فسقه؟ » قال:
« أمر الوليد مغيّب عني ولا أعلمه يقينا إنّما هي أخبار الناس. » فغضب الوليد على خالد وحبسه ثم رمى الناس الوليد بكلّ فاحشة واتهموه بالزندقة وكان أشدّ الناس عليه يزيد بن الوليد الذي لقّب فيما بعد بالناقص وكان الناس يميلون إليه لأنّه كان يظهر النسك ويتواضع فكان يحمل الناس على الفتك به وأجمع قوم من اليمانية وقضاعة من أهل دمشق خاصّة على قتل الوليد فاجتمع رؤساؤهم إلى خالد بن عبد الله فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم فسألوه أن يكتم عليهم قال:
« لا أسمّى أحدا منكم. » وأراد الوليد الحجّ فخاف خالد أن يفتكوا به في الطريق، فأتاه فقال:
« يا أمير المؤمنين أخّر الحجّ العام. » قال:
« ولم؟ » فلم يخبره فأمر بحبسه وأن يستأدى ما عليه من بقايا أموال العراق.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
وهمّ الوليد بعزل يوسف عن العراق فكتب إليه:
« إنّك كنت كتبت إلى أمير المؤمنين بتخريب ابن النصرانية البلاد وقد كنت تحمل إلى هشام ما تحمل وقد ينبغي أن تكون عمرت البلاد ووفّرت الدخل فاشخص إلى أمير المؤمنين وصدّق ظنّه بك فيما تحمل إليه لعمارتك البلاد وليعرف أمير المؤمنين فضلك على غيرك، فانّك خاله وأحقّ الناس بالتوفير وقد علمت ما أمر به أمير المؤمنين لأهل الشام وغيرهم من الزيادة في أعطياتهم وما وصل به أهل بيته لطول جفوة هشام إيّاهم حتى أضرّ ذلك ببيوت الأموال. » فخرج يوسف واستخلف عمّه يوسف بن محمد وحمل من الأموال والأمتعة والآنية ما لم يحمل من العراق مثله، فقدم يوسف وخالد بن عبد الله محبوس فلقيه حسّان النبطي ليلا فأخبره أنّ الوليد عازم على تولية عبد الملك بن محمد بن الحجّاج بن يوسف. وقال له:
« لا بدّ لك من إصلاح أمر وزرائه. » فقال:
« ليس عندي فضل درهم. » قال:
« فعندي خمسمائة ألف درهم إن شئت فهي لك وإن شئت فارددها إذا تيسّرت. » قال:
« فأنت أعرف بالقوم ومنازلهم من الخليفة مني ففرّقها على قدر علمك فيهم. » ففعل. فقدم يوسف والقوم يعظّمونه. فقال له حسّان:
« لا تغد إلى أمير المؤمنين ولكن رح إليه رواحا واكتب على لسان خليفتك كتابا إليك: إني كتبت ولا أملك إلّا القصر ثم ادخل على الوليد والكتاب معك متحازنا فأقرئه الكتاب وأمر ابان بن عبد الرحمن أن يشترى منه خالدا بأربعين ألف ألف. » ففعل يوسف فقال له الوليد:
« إرجع إلى عملك. » فقال ابان بن عبد الرحمن:
« ادفع إليّ خالدا وأحمل إليك أربعين ألف ألف. » قال:
« ومن يضمن عنك؟ » قال:
« يوسف. » فقال:
« أتضمن عنه؟ » قال:
« بل ادفعه إليّ فأنا أستأديه خمسين ألف ألف. » فدفعه إليه فحمله في غير وطاء في محمل مكشوف وقدم به الكوفة فقتله بالعذاب.
وكانت اليمانية أتت يزيد بن الوليد فأرادوه على البيعة فشاور فقيل:
« لا يبايعك الناس فشاور أخاك العبّاس بن الوليد فإنّه سيّد بنى مروان فإن بايعك لن يخالفك أحد وإن أبي كان الناس أطوع له، فإن أبيت إلّا المضيّ على رأيك فأظهر أنّ العبّاس قد بايعك. » وكانت الشام وبيئة تخرج الملوك منها إلى البوادي وكان يزيد بن الوليد بن عبد الملك متبدّيا وكذلك العبّاس بن الوليد وبينهما أميال يسيرة فأتى يزيد أخاه العبّاس فشاوره وعاب الوليد.
فقال له العبّاس:
« مهلا يا يزيد فإنّ في نقض عهد الله فساد الدين والدنيا. » فرجع يزيد إلى منزله ودبّ في الناس فبايعوه سرّا، وبثّ ثقاته يدعون إليه ويلعنون الوليد وبلغ العبّاس أخاه، فقال له:
« لئن عاودت لما يبلغني لأشدّنّك وثاقا ولأحملنّك إلى أمير المؤمنين. » فلم ينته يزيد وبلغ معاوية بن عمرو بن عتبة خوض الناس فأتى الوليد فقال:
« يا أمير المؤمنين إنّك تبسط لساني بالأنس بك وأكفّه بالهيبة لك وأنا أسمع ما لا تسمع وأخاف عليك ما أراك تأمن. أفأتكلّم ناصحا أم أسكت مطيعا؟ » قال:
« كلّ مقبول منك ولله فينا علم غيب نحن صائرون إليه، ولو علم بنو مروان أنّ ما يوقدون عليّ رضف يلقونه في أجوافهم ما فعلوا، ونعود فأسمع منك. » وبلغ مروان بن محمد بأرمينية أنّ يزيد يؤلّب الناس ويدعوا إلى خلع الوليد فكتب إلى سعيد بن عبد الملك يأمره أن ينهى الناس ويكفّهم وكان سعيد يتألّه، فقال:
« إنّ الله جعل لكلّ أهل بيت أركانا يعتمدون عليها ويتّقون بها المخاوف وأنت بحمد ربّك ركن من أركان أهل بيتك وقد بلغني أنّ قوما من سفهاء أهل بيتك قد أسّسوا أمرا إن تمّت لهم رؤيّتهم فيه على ما أجمعوا عليه من نقض بيعتهم، استفتحوا بابا لن يغلقه الله عنهم حتى يسفك دماء كثير منهم، وأنا مشغول بأعظم الثغور فرجا، ولو جمعتني وإيّاهم لرممت فساد أمرهم بيدي ولساني، ولخفت الله في ترك ذلك لعلمي بما في عواقب الفرقة وأنّه لن ينتقل سلطان قوم إلّا بتشتت كلمتهم وأنّ كلمتهم إذا تشتّتت طمع فيهم عدوّهم وأنت أقرب إليهم مني فاحتل لعلم ذلك بإظهار المتابعة لهم فإذا صرت إلى علم ذلك فتهدّدهم بإظهار إسرارهم وخذهم بلسانك وخوّفهم العواقب لعل الله أن يرد عليهم ما قد عزب من أحلامهم فإنّ فيما سعوا فيه تغيّر النعم وذهاب الدولة فعاجل الأمر وحبل الألفة مشدود والناس سكون والثغور محفوظة وقد أمّل القوم في الفتنة أملا لعلّ أنفسهم تهلك دون ما أمّلوا ولكلّ أهل بيت مشائيم يغيّر الله بهم النعمة فأعاذك الله من ذلك وحفظ عليك دينك. » فأعظم سعيد ذلك وبعث بكتابه إلى العبّاس فأعاد العبّاس موعظة يزيد وتهديده وقال:
« يا أخي أخاف أن يكون بعض من حسدنا على هذه النعمة أراد أن يغرى بيننا. » وحلف له أنّه لم يفعل. فصدّقه.
فلمّا اجتمع ليزيد أمره وهو متبدّ أقبل إلى دمشق وبينه وبينها أربع ليال متنكّرا في سبعة على حمر وكان أهل دمشق قد بايعوا ليزيد سرّا، إلّا معاوية بن مصاد وكان سيّد أهل المزّة، وبين المزّه وبين دمشق ميل.
فمضى يزيد من ليلته ما شاء في نفير من أصحابه إلى مزّة فأصابهم مطر شديد فأتوا منزل معاوية فضربوا بابه ففتح لهم فلمّا رأى يزيد قال:
« إلى الفراش أصلحك الله. » قال:
« إنّ في رجلي طينا وأكره أن أفسد بساطك. » قال:
« إنّ الذي تريدنا عليه أفسد. » وكلّمه يزيد، فبايعه، ورجع يزيد إلى دمشق ونزل دار سليمان بن سعيد الجشمي وكان على دمشق عبد الملك بن محمد بن الحجّاج بن يوسف فخاف الوباء وخرج واستخلف ابنه وكان على شرطته أبو العاج كثير بن عبد الله السّلمى، فأجمع يزيد على الظهور. وقيل للعامل: إنّ يزيد خارج. فلم يصدّق، وأرسل يزيد أصحابه بين المغرب والعشاء ليلة الجمعة سنة ستّ وعشرين ومائة، فكمنوا عند باب الفراديس حتى سمعوا أذان العتمة، فدخلوا المسجد وصلّوا وللمسجد حرس قد وكّلوا بإخراج الناس من المسجد باليل. فلما صلّى الناس صاح الحرس وتباطأ أصحاب يزيد وجعلوا يخرجون من باب ويدخلون من باب حتى لم يبق إلّا الحرس وأصحاب يزيد.
فأخذوا الحرس ومضى ابن عنبسة إلى يزيد بن الوليد وقال:
« قم يا أمير المؤمنين وأبشر بنصر الله تعالى وعونه. » فقام وقال:
« اللهم إن كان هذا لك رضا فأعنّى عليه وإن كان غير رضا فاصرفه عني بموت. » وأقبل في اثنى عشر رجلا فلمّا كانوا عند سوق الحمر لقوا أربعين رجلا من أصحابهم. فلمّا كانوا عند سوق القمح لقيهم زهاء مائتي رجل من أصحابهم فمضوا إلى المسجد ودخلوه فضربوا باب المقصورة وقال رسل الوليد: ففتح لهم خادم الباب فأخذوه ودخلوا فأخذوا أبا العاج وهو سكران وأخذوا خزّان بيت المال وصاحب البريد. وأرسل إلى كلّ من يحذره، فأخذوه. وتوجّه رسل يزيد من ليلته إلى محمد بن عبيد وهو على بعلبك فأخذه وأرسل من ليلته إلى محمد بن عبد الملك بن الحجّاج بن يوسف، فأخذه وقال:
« استدعوا أصحابنا من النواحي. » وقال للبوّابين:
« لا تفتحوا الباب غدوة إلّا لمن أخبركم بشعارنا. » فتركو الأبواب بالسلاسل فلمّا أصبحوا جاء أهل المزّة وغيرهم فما انتصف النهار حتى تتابع الناس وكان في المسجد سلاح كثير قدم به سليمان بن هشام من الجزيرة فلم يكن الخزّان قد قبضوه فأصابوا سلاحا كثيرا عتيدا وتتابع الناس من كلّ ناحية وأرسل يزيد بن الوليد إلى عبد العزيز بن الحجّاج بن عبد الملك وأمره أن يقف بباب الجابية وقال:
« من كان له عطاء فليأت إلى عطاءه ومن لم يكن له عطاء فله ألف درهم معونة. » وقال لبنى الوليد بن عبد الملك وكان معه منهم ثلاثة عشر:
« تفرقوا في الناس يروكم، وحضّوهم. » ونادى مناديه:
« من ينتدب إلى الفاسق وله ألف درهم؟ » فانتدب ألف رجل. ثم نادى مناديه:
« من ينتدب وله ألف وخمسمائة؟ » فانتدب نحو من ألفين. فعقد لجماعة. وجعل عليهم جميعا عبد العزيز بن الحجّاج عبد الملك. فخرج عبد العزيز حتى عسكر بالحيرة. وبلغ الخبر الوليد فأنفذ أبا محمّد ابن عبد الله بن يزيد بن معاوية وأجازه وجهّزه ووجهه إلى دمشق. فخرج أبو محمّد. فلمّا انتهى إلى ذنبة أقام فوجّه إليه يزيد بن الوليد عبد الرحمن بن مصاد فسالمه أبو محمّد وبايع ليزيد بن الوليد وأتى الوليد الخبر وهو بالأعدف.
ذكر آراء أشير بها على الوليد فساقه الحين إلى أحدهما
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
فقال له يزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية:
« يا أمير المؤمنين سر حتى تنزل حمص فإنّها حصينة ووجّه الجنود إلى يزيد فإنّه يقتل أو يؤسر. » فقال عبد الله بن عنبسة بن سعد بن العاص:
« ما ينبغي للخليفة أن يدع عسكره ونساءه قبل أن يقاتل ويعذر، والله مؤيّد أمير المؤمنين وناصره. » فقال يزيد بن خالد:
« وما ذا تخاف على حرمه؟ » وإنّما أتاه عبد العزيز بن الحجّاج بن عبد الملك وهو ابن عمّهنّ. فأخذ بقول ابن عنبسة.
فقال له الأبرش:
« يا أمير المؤمنين تدمر حصينة وبها قومي يمنعونك. » فقال:
« أهلها بنو عامر وهم الذين خرجوا عليّ ولكن دلّنى على منزل حصين. » قال:
« أنزل القرية. » قال « أكرهها. » قال:
« فهذا الهريم قال:
« أكره اسمه. » قال:
« فهذا البخراء قصر النعمان بن بشير. » قال:
« ويحك ما أقبح أسماء مياهكم. » وأقبل في طريق السماوة فقال له بيهس بن زميل:
« أمّا إذ أبيت أن تمضى إلى حمص وتدمر فهذا الحصن البخراء وهو حصين وهو من بناء العجم فأنزله. » فنزله.
وندب يزيد بن الوليد الناس إلى الوليد ونادى مناديه:
« من سار فله ألفان. » فانتدب ألفا رجل فأعطاهم ألفين ألفين وقال: موعدكم بذنبة وسار فوافاه بذنبة ألف ومائتان ثم سار، فتلقاهم ثقل الوليد فأخذوه ونزلوا قريبا من الوليد وأرسل العبّاس إلى الوليد:
« إني آتيك، فاختر بين أن آتيك، أو آتى يزيد فأكفّه. »
فاتهمه وقال:
« بل ائتني. » فبلغ عبد العزيز مسير العبّاس بن الوليد فأرسل إليه منصور بن جمهور في خيل وقال:
« إنّكم ستلقون العبّاس بن الوليد في الشّعب ومعه بنوه فخذوهم وجيئوني بهم. » فخرج منصور في خيل فلمّا صاروا في الشّعب إذا هم بالعبّاس في ثلاثين من أهل بيته.
فقالوا له:
« اعدل إلى عبد العزيز. » فشتمهم. فقال له منصور:
« والله لئن تقدّمت لأنفذنّ حصينك. » « ويقال بل الذي لقيه، يعقوب بن عبد الرحمن بن سليم وقال له:
« والله لئن أبيت لأضربنّ ما فيه عيناك. » ولم يكن مع العبّاس أصحابه، لأنّه تقدّمهم وكان معه بنوه فقال:
« إنّا لله. » وأتوا به عبد العزيز. فقال:
« بايع لأخيك يزيد بن الوليد. » فبايع.
وكان عبد العزيز قد أخرج أصحابه وعبّأهم فقاتل أصحاب الوليد وقد قتل من أصحابه جماعة. وحملت رؤوسهم إلى الوليد والوليد على باب البخراء جالس ينتظر العبّاس فلمّا بايع الناس على الكره وعلى سبيل المكر به، قال:
« إنّا لله، خدعة من خدع الشيطان هلك بنو مروان ونصب عبد العزيز راية. » وقالوا:
« هذه راية العبّاس بن الوليد وقد بايع لأمير المؤمنين يزيد. » فتفرّق الناس عن الوليد، ودخلوا في الأمان إلى عبد العزيز والعبّاس.
وظاهر الوليد بين درعين، وأتوه بفرسين: السندي والذائد. فقاتلهم، فناداهم رجل:
« اقتلوا عدوّ الله قتلة قوم لوط، ارموه بالحجارة. » فلمّا سمع ذلك دخل القصر وتبعه الناس يطلبونه. فدنا الوليد من الباب.
فقال:
« أما فيكم رجل شريف له حسب وحياء أكلّمه؟ » فقال له يزيد بن عنبسة السّكسكيّ:
« كلّمنى. » قال:
« من أنت؟ » قال:
« يزيد بن عنبسة. » قال:
« يا أخا السكاسك، ألم أزد في أعطياتكم، ألم أرفع المؤن عنكم، ألم أعط فقراءكم، ألم أخدم زمناكم؟ » « فأجابه وقال:
« ما ننقم عليك في أنفسنا، ولكن ننقم عليك في انتهاك ما حرّم الله، وشرب الخمر، ونكاح أمّهات أولاد أبيك، واستخفافك بالدين. » قال:
« حسبك يا أخا السكاسك، فلعمري لقد أكثرت وأغرقت. فإنّ فيما أحلّ الله لسعة عمّا ذكرت وو الله لا اجتمعت كلمتكم بعدي. » ورجع إلى القصر. وأخذ مصحفا فنشره وجلس يقرأ. وقال:
« يوم كيوم عثمان. » وكان أول من علا الحائط يزيد بن عنبسة. فتحدّث المثنى بن معاوية قال:
دخلت القصر فإذا الوليد قائم في قميص قصب وسروايل وشى ومعه سيف في غمد والناس يشتمونه. ثم كثر الناس عليه وتعاوروه بأسيافهم فقتل.
رأس الوليد وما فعل به
وكان جعل يزيد بن الوليد في رأس الوليد مائة ألف فانتهب الناس عسكر الوليد وخزائنه وأمر يزيد بنصب الرأس على رمح وطيف به في مدينة دمشق ثم قال:
« ادفعوه إلى سليمان أخي الوليد. » وكان سليمان أخو الوليد ممّن سعى على أخيه. فغسل الرأس ووضع في سفط وأتى به سليمان فنظر إليه ثم قال:
« بعدا له وسحقا أشهد أنّه كان شروبا للخمر فاسقا ماجنا ولقد أرادنى الفاسق على نفسي. » فخرج حامل الرأس وهو ابن فروة من الدار فتلقّته مولاة للوليد. فقال لها:
« ويحك ما أشدّ ما شتمه زعم أنّه أراده على نفسه. » قالت:
« كذب الخبيث ولئن كان أراده على نفسه لقد فعل. ما كان ليقدر على الامتناع منه. »
هرب المغنين
وكان مع الوليد مالك بن أبي السمح المغنّى وعمر الوادي. فلمّا تفرّق الوليد عن أصحابه وحصر قال مالك لعمر:
« اذهب بنا. » فقال عمر:
« ليس هذا من الوفاء ونحن لا يعرض لنا لأنّا لسنا ممّن يقاتل. » فقال مالك:
« ويلك والله لئن ظفروا بنا لا يقتل قبلي وقبلك أحد فيوضع رأسه بين رأسينا ويقال للناس: انظروا من كان معه في هذه الحال فلا يعيبونه بشيء أشدّ من هذا. » فهربا، وكان معهما أبو كامل العزيل المغنّى، وكان سبقهما إلى الهرب.
من صفات الوليد
وكان قتل الوليد يوم الخميس لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ستّ وعشرين ومائة وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر وكان له من السنين نيّف وأربعون سنة وقد اختلف في النيّف. وكان شديد البطش طويل أصابع الرجلين وكان يوتد له سكة حديد فيها خيط قوى فيشدّ الخيط في رجله ثم يثب على الدّابّة فينتزع السكّة ويركب ما يمسّ الدابّة بيده.
وكان شاعرا شروبا للخمر، أحصى عليه في ليلة سبعون قدحا، وكان صاحب صيد، ولمّا أفضت إليه الخلافة انهمك وأولع بالصيد، وكره الجلوس للناس وحجبهم وفعل تلك الأمور التي زادته بغضا إلى الناس حتى قتل ولم يتمتّع بملكه.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)