وفي هذه السنة جلس حسين بن حسن الأفطس وكان خرج من قبل أبي السرايا. فجلس على نمرقة مثنّية خلف المقام فأمر بثياب الكعبة التي عليها فجرّدت منها حتى لم يبق عليها شيء وبقيت حجارة. ثم كساها ثوبين من قزّ رقيق وجّه بهما أبو السرايا مكتوب عليهما:
« ممّا أمر به الأصفر بن الأصفر ابن السرايا داعية آل محمد لكسوة بيت الله وأن يطرح عنه كسوة الظلمة من ولد العباس لتطهّر من كسوتهم وكتب في سنة تسع وتسعين ومائة. » ثم أمر الحسين بالكسوة التي كانت على الكعبة فقسّمت بين أصحابه من العلويّين وأتباعهم، وعمد إلى ما في خزانة الكعبة من مال فأخذه ولم يسمع بأحد عنده وديعة لأحد من ولد العباس وأتباعهم إلّا هجم عليه في داره فأخذه. وإن لم يجد عنده شيئا أخذه فحبسه وعاقبه حتى يفتدى بقدر طوله حتى أفقر خلقا وهرب كثير من أهل النعم فتعقّبهم بهدم دورهم، حتى صار أصحابه إلى أخذ الحرم وأخذ أبناء الناس وتهتّكوا وجعلوا يحكّون الذهب الرقيق الذي في أسافل رؤوس أساطين المسجد الحرام، فيخرج من الأسطوانة بعد التعب الشديد قدر مثقال ذهبا، وقلعوا الحديد الذي على شبّاك كوى المسجد الحرام وقلعوا شبّاك زمزم وباعوها، فتغيّر لهم الناس ولعنوهم.
اجتماع الحسين وأصحابه إلى محمد بن جعفر لمبايعته بالخلافة
وبلغهم أنّ أبا السرايا قتل، وطرد من كور العراق كلّها الطالبيّون، وأنّ الولاية رجعت بها لولد العباس. فعلم حسين أنّه لا ثبات له ولا لأصحابه لسوء السيرة التي ظهرت منهم. فاجتمعوا إلى محمد بن جعفر بن محمد الصادق وكان شيخا ودعا يروى العلم عن أبيه جعفر بن محمد، وينتابه الناس فيكتبون عنه، وكان له سمت وزهد، وفارق ما كان عليه أهل بيته، فكان محبّبا في الناس. فلمّا اجتمع إليه حسين وأصحابه قالوا له:
« قد تعلم حالك في الناس، فأبرز شخصك نبايع لك بالخلافة، فليس يختلف عليك اثنان. » فأبى إباء شديدا. فلم يزل به ابنه عليّ وحسين بن حسن الأفطس حتى غلبا الشيخ على رأيه فأجابهم. فأقاموه يوم الجمعة فبايعوه بالخلافة، وحشروا إليه الناس من أهل مكّة والمجاورين، فبايعوه وسمّوه: أمير المؤمنين. فأقام شهورا ليس له من الأمر إلّا اسمه، وابنه عليّ وحسين وجماعة معهما أسوأ ما كانوا سيرة.
فوثب حسين بن حسن على امرأة من قريش ولها زوج، وكانت ذات جمال بارع. فانتزعها وأخاف زوجها حتى توارى، واغتصبها نفسها بعد أن كسر عليها بابها وحملت حملا إلى حسين.
ووثب عليّ بن محمد وهو ابن أمير المؤمنين محمد بن جعفر على غلام من قريش، ابن قاض بمكّة يقال له: إسحاق بن محمد، كان جميلا بارعا في الجمال. فاقتحم عليه بنفسه نهارا جهارا في داره على الصفا مشرفا على المسعى، حتى حمله على فرسه في السرج، وركب عليّ على عجز الفرس، وخرج به يشقّ السوق. فلمّا رآه أهل مكّة ومن بها من المجاورين خرجوا، فاجتمعوا في المسجد الحرام وغلّقت الدكاكين ومال معهم أهل الطواف بالكعبة، حتى أتوا أباه محمد بن جعفر فقالوا:
« لنخلعنّك ولنقتلنّك أو تردّ إلينا هذا الغلام الذي أخذه ابنك جهرة. » فأغلق بابه وكلّمهم من شبّاك الشارع في المسجد وقال:
« والله ما علمت، فأمهلونى. » ثم أرسل إلى حسين بن حسن الأفطس وسأله أن يركب إلى ابنه فيستنقذ الغلام من يده. فأبى ذلك حسين وقال:
« والله إنّك لتعلم أنّى لا أقوى على ابنك، ولو جئته لقاتلنى في أصحابه. » فلمّا رأى محمد بن جعفر ذلك، قال لأهل مكّة:
« آمنونى حتى أركب إليه وآخذ الغلام. » فآمنوه فركب بنفسه حتى صار إلى ابنه، فأخذ الغلام منه وسلّمه إلى أهله.
فلم يلبثوا إلّا يسيرا حتى أقبل إسحاق بن موسى العباسي إليهم، فاجتمع العلويّون إلى محمد بن جعفر وقالوا:
« هذا إسحاق بن موسى مقبلا إلينا في الخيل والرجال، وقد رأينا أن نخندق خندقا وتبرز شخصك ليراك الناس فيتحاربوا معك. » وبعثوا إلى من حولهم من الأعراب ففرضوا لهم وخندقوا بأعلى مكّة.
فورد إسحاق وقاتلهم أيّاما ثم كره إسحاق الحرب وخرج يريد العراق. فلقيه ورقاء بن جميل ومن كان معه من أصحاب الجلودي فقالوا لإسحاق:
« إرجع معنا إلى مكّة ونحن نكفيك القتال. » فرجع معهم واجتمع إلى محمد من كان معه، فتقاتلوا عند بئر ميمون يوما ثم عاودهم بعد ذلك بيوم، فكانت الهزيمة على أصحاب محمد بن جعفر. فبعث محمد بن جعفر رجالا من قريش فيهم قاضى مكّة يسألون لهم الأمان حتى يخرجوا من مكّة ويذهبوا حيث شاءوا. فأجابهم إسحاق وورقاء إلى ذلك وأجّلوهم ثلاثة أيّام. ثم دخل إسحاق وورقاء مكّة وتفرّق الطالبيّون وأخذ كلّ قوم ناحيته.
وفي هذه السنة شخص هرثمة من معسكره إلى المأمون بمرو
ذكر خروج هرثمة ومراغمته للحسن والفضل وما آل إليه أمره
لمّا فرغ هرثمة من أمر أبي السرايا ومحمد بن محمد العلوي ودخل الكوفة، أقام في معسكره أيّاما. ثم أتى نهر صرصر والناس يظنّون أنّه يأتى الحسن بن سهل بالمدائن. فلمّا بلغ نهر صرصر خرج على عقرقوف، ثم أتى البردان ثم أتى النهروان. ثم سار حتى أتى خراسان فاستقبلته كتب من المأمون في غير منزل أن يرجع فيلي الشام والحجاز. فأبى وقال:
« لا أرجع حتى ألقى أمير المؤمنين. » إدلالا منه عليه لما كان يعرف من نصيحته له ولآباءه وأراد أن يعرّف المأمون ما يدبّر عليه الفضل بن سهل وما يكتم عنه من الأخبار، وألّا يدعه حتى يردّه إلى بغداد دار خلافة آباءه وملكهم، ليتوسّط سلطانه ويشرف على أطرافه. فعلم الفضل ما يريد فقال للمأمون:
« إنّ هرثمة قد أنغل عليك العباد والبلاد، وظاهر عليك عدوّك، وعادى وليّك، ولقد دسّ أبا السرايا وإنّما هو بعض خوله، حتى عمل ما عمل. ولو شاء هرثمة ألّا يفعل ذلك أبو السرايا ما فعله. » وقد كتب إليه أمير المؤمنين عدّة كتب أن يرجع فيلي الشام والحجاز فأبى، وقد رجع إلى باب أمير المؤمنين عاصيا مشاقّا يظهر القول الغليظ ويتوعّد بالأمر الجليل وإن أطلق هذا كان مفسدة لغيره. فأشرب قلب المأمون عليه. وأبطأ هرثمة في المسير. فلم يصل إلى خراسان إلّا في شهور.
فلمّا بلغ مرو خشي أن يكتم المأمون قدومه، فضرب بالطبول لكي يسمعها المأمون. فسمعها فقال:
« ما هذا؟ » قالوا: « هرثمة قد أقبل يرعد ويبرق. » وظنّ هرثمة أنّ قوله هو المقبول فأمر بإدخاله فلمّا دخل كان قد أشرب قلب المأمون ما أشرب فقال له:
« يا هرثمة مالأت أهل الكوفة والعلويين وداهنت ودسست إلى أبي السرايا حتى خلع وعمل ما عمل، وكان رجلا من أصحابك ولو أردت أن تأخذهم جميعا لفعلت، ولكنّك أرخيت خناقهم وأجررت لهم رسنهم. » فذهب هرثمة ليتكلّم ويعتذر ويدفع عن نفسه ما قرف به، فلم يقبل ذلك منه وأمر به فوجئ على أنفه وديس في بطنه وسحب من بين يديه.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
وكان تقدّم الفضل بن سهل إلى الأعوان في الغلظة عليه والتشديد، حتى حبس. ثم دسّ إليه، بعد أن أذلّه من قتله. وقالوا مات.
هياج الشغب ببغداد بين الحربية والحسن بن سهل
وفي هذه السنة هاج الشغب ببغداد بين الحربية والحسن بن سهل.
ذكر السبب في ذلك
لمّا خرج هرثمة إلى خراسان وثبوا وقالوا:
« لا نرضى حتى نطرد الحسن بن سهل وعمّاله عن بغداد. » وكان من عمّاله بها محمد بن أبي خالد، وأسد بن أبي الأسد. فأخرجوهم وطردوا أسبابهم، وصيّروا إسحاق بن موسى بن المهدي خليفة للمأمون ببغداد، فاجتمع أهل الجانبين على ذلك ورضوا به.
وكان الحسن بن سهل مقيما بالمدائن منذ شخص هرثمة إلى خراسان وإلى أن اتصل بأهل بغداد خبر هرثمة وما صنع به المأمون. فلمّا علم الحسن بن سهل أنّ أهل بغداد قد وقفوا على ذلك أرسل إلى عليّ بن هشام، وهو والى بغداد من قبله أن:
« امطل جند الحربية والبغداديين أرزاقهم ومنّهم ولا تعطهم. » فلمّا وثب أهل بغداد بأصحابه دسّ إلى قوم من قوّادهم أن يشغّبوا على إسحاق بن موسى. فشغّبوا، فحوّل الحربية لإسحاق إليهم وأنزلوه على دجيل، وبعث الحسن بن سهل عليّ بن هشام من الجانب الآخر وجاء هو ومحمد بن أبي خالد وقوّادهم ليلا حتى دخلوا بغداد، فقاتل الحربية ثلاثة أيّام على قنطرة الصراة العتيقة والجديدة والأرجاء.
ثم إنّه وعد الحربية أن يعطيهم رزق ستّة أشهر إذا أدركت الغلّة فسألوه أن يعجّل لهم خمسين درهما لكلّ رجل لينفقوها في شهر رمضان. فأجابهم إلى ذلك ثم دافعهم بها ولم يف لهم بإعطاء الخمسين، فشدّوا على عليّ بن هشام فطردوه.
وكان المتولّى ذلك والقيّم بأمر الحربية محمد بن أبي خالد وذلك أنّ عليّ بن هشام كان يستخفّ به ويضع من مقداره. ووقع بين محمد بن أبي خالد وأزهر بن زهير بن المسيّب كلام فقنّعه أزهر بالسوط. فغضب محمد وتحوّل إلى الحربية واجتمع إليه الناس فلم يقربهم عليّ بن هشام حتى أخرجوه من بغداد.
وفي هذه السنة تقدّم المأمون بإحصاء ولد العباس فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفا ما بين ذكر وأنثى.
ودخلت سنة إحدى ومائتين
مراودة أهل بغداد منصور بن المهدي على الخلافة
وفيها راود أهل بغداد منصور بن المهدي على الخلافة فامتنع من ذلك عليهم فراوده على الإمرة عليهم على أن يدعو للمأمون بالخلافة فأجابهم إلى ذلك.
ذكر السبب في ذلك
لمّا أخرج أهل بغداد عليّ بن هشام منها واتصل الخبر بالحسن بن سهل وكان بالمدائن انهزم حتى صار إلى واسط، فتبعه محمد بن أبي خالد مخالفا له، وقد تولّى القيام بأمر الناس، وولّى سعيد بن الحسن بن قحطبة الجانب الغربي، ونصر بن حمزة بن مالك الجانب الشرقي. وكانفه ببغداد منصور بن المهدي وخزيمة بن خازم والفضل بن الربيع، وقد كان الفضل بن الربيع مختفيا قبل قتل المخلوع. فلمّا رأى محمد بن أبي خالد قد بلغ واسطا بعث إليه يطلب منه الأمان فأعطاه إيّاه.
وظهر وقدم على محمد بن أبي خالد ابنه عيسى من عند طاهر بن عيسى فاجتمع مع أبيه على قتال الحسن فتعبّأ محمد بن أبي خالد للقتال وتقدّم هو وابنه عيسى مع أصحابهما حتى صاروا على ميلين من واسط.
فوجّه إليهم الحسن أصحابه وقوّاده فاقتتلوا قتالا شديدا عند أبيات واسط.
فلمّا كان بعد العصر هبّت ريح شديدة وغبرة حتى اختلط القوم بعضهم ببعض فكانت الهزيمة على أصحاب محمد بن أبي خالد فثبت، فأصابته جراحات شديدة في جسده، فانهزم هو وأصحابه هزيمة شديدة قبيحة، فقتل أصحاب الحسن منهم وسلبوا حتى بلغوا فم الصلح وقلعت الريح ما كان معهم من سفن فيها متاع وسلاح، حتى أدخلها واسطا فأخذها أصحاب الحسن وتبعوه، ولم يزل يقاتلهم في كلّ منزل بالنهار، ثم يرتحل بالليل حتى بلغ جرجرايا فاشتدّت به الجراحات. فأمر قوّاده أن يقيموا في عسكره، وحمله ابنه المعروف بأبي زنبيل حتى أدخله بغداد ومات محمد من ليلته ودفن في داره سرّا.
وكان زهير بن المسيّب محبوسا عند جعفر بن محمد بن أبي خالد فلمّا قدم أبو زنبيل مضى إلى خزيمة بن خازم فأعلمه خبر أبيه وأوصل إليه كتابا عن أخيه عيسى. فبعث خزيمة إلى بنى هاشم والقوّاد فأعلمهم الخبر وقرأ عليهم كتاب عيسى بن محمد بن أبي خالد إليه وأنّه يكفيهم الحرب، فرضوا به.
وصار عيسى مكان أبيه وانصرف أبو زنبيل من عند خزيمة حتى أتى زهير بن المسيّب، فأخرجه من محبسه وضرب عنقه ونصب رأسه على رمح وأخذوا جسده، فشدّوا في رجله حبلا وطافوا به على دوره ودور أهل بيته، ثم أداروا به في الكرخ وردّوه إلى باب الشام، ولمّا جنّ عليهم الليل رموه في دجلة.
ورجع أبو زنبيل إلى أخيه عيسى، فوجّهه عيسى إلى فم الصراة، وبلغ الحسن بن سهل موت محمد بن أبي خالد، فخرج من واسط ووجّه حميد بن عبد الحميد الطوسي وسعيد بن الساجور وغيره من القوّاد، فلقوا أبا زنبيل بفم الصراة فهزموه فانحاز إلى أخيه هارون بالنيل، ثم رجعوا إلى هارون فقاتلوه وهزموه مع أخيه أبي زنبيل، فخرجا هاربين إلى المدائن وبلغ الخبر بنى هاشم وقوّاد بغداد، فجدّوا في الخلاف على الحسن بن سهل وقالوا:
« لا نرضى بالمجوسي بن المجوسي بن سهل حتى نطرده ويرجع إلى خراسان ونخلع المأمون. » وتراضوا أيّاما.
ثم أرادوا منصور بن المهدي على أن يعقدوا له الخلافة فأبى عليهم. فما زالوا به حتى صيّروه أميرا وخليفة للمأمون بالعراق. وقوى أمر عيسى بمن ذكرنا وكثر جنده فأمره باحصائهم فكانوا مائة ألف وخمسة وعشرين ألفا بين
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
فارس وراجل. فأعطى الفارس أربعين درهما والراجل عشرين درهما. نكير المطوعة على الفساق ببغداد
وفي هذه السنة تجرّدت المطوّعة للنكير على الفسّاق ببغداد ورئيسهم خالد الدريوش وسهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان.
ذكر السبب الذي فعلت المطوعة له ذلك
كان فسّاق الحربية والشطّار الذين كانوا ببغداد والكرخ آذوا الناس أذى شديدا وأظهروا الفسق وقطع الطريق وأخذ الغلمان والنساء علانية من الطرق.
فكانوا يأتون الرجل فيأخذون ابنه فيذهبون به فلا يقدر أن يمتنع عليهم، وكانوا يسألون الرجل أن يقرضهم أو يصلهم، فلا يقدر أن يمتنع عليهم، وكانوا يجتمعون فيأتون القرى فيكابرون أهلها ويأخذون ما قدروا عليه من متاع ومال وغيره لا سلطان يمنعهم، ولا يقدر على ذلك منهم، لأنّ السلطان كان يعتزّ بهم فكان لا يقدر أن يمنعهم من فسق يركبونه، وكانوا يجبون المارّة في الطرق والسفن، ويخفرون البساتين، وكان الناس منهم في بلاء عظيم. وخرجوا يوما إلى قطربّل، فانتهبوها علانية وأخذوا المتاع والذهب والفضّة والغنم والبقر والحمير وغير ذلك، فأدخلوها بغداد وجعلوا يبيعونها علانية.
فلمّا رأى الناس ذلك وظهور البغي والفسق والنهب، وأنّ السلطان لا يغيّره، مشى بعضهم إلى بعض وقام صلحاء كلّ ربض ودرب، فمشى بينهم أماثلهم وقالوا:
« يا قوم إنّما في كلّ درب فاسق واثنان إلى عشرة، وعددكم بعد أكثر.
فلو اجتمعتم حتى يكون أمركم واحدا لقمعتم هؤلاء الفسّاق واحتشموكم. » فقام رجل من طريق الأنبار يعرف بالدريوش، فدعا جيرانه وأهل محلّته على أن يعاونوه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأجابوه إلى ذلك.
فشدّ على من يليه من الفسّاق والشطّار، فمنعهم ممّا كانوا يصنعون، فامتنعوا عليه فقاتلهم وهزمهم وأخذ بعضهم فضربهم وحبسهم.
قيام سهل بن سلامة
ثم قام بعده رجل آخر يقال له: سهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان، وتكنّى أبا حاتم، فدعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بكتاب الله وسنّة نبيه محمدوعلّق مصحفا في عنقه، ثم بدأ بجيرانه وأهل محلّته فأمرهم ونهاهم فقبلوا منه، ثم دعا الناس جميعا إلى ذلك، الشريف منهم والوضيع، وجعل ديوانا يثبت فيه اسم من أتاه يبايعه على ذلك وقتال من خالفه كائنا من كان، فأتاه خلق كثير فبايعوه. ثم إنّه طاف ببغداد وأسواقها وأرباضها وطرقها ومنع كلّ من يخفر ويجبى المارّة وقال:
« لا خفارة في الإسلام. » والخفارة أنّ الرجل منهم كان يأتى إلى من له دار أو بستان أو تجارة فيقول:
« أنت في خفرتى لا يتعرّض أحد لمالك، أدفع من أرادك بسوء ولى في عنقك كلّ شهر كذا وكذا درهما. » فيعطيه.
وقوى على ذلك فقمع أهل الشرّ وكان يخالفه الدريوش في أنّه كان لا يغيّر على السلطان شيئا ولا يخالفه ولا يقاتله ويقول:
« أنا لا أرى مخالفة أمر السلطان بشيء. » وقال سهل بن سلامة:
« أنا أرى قتال كلّ من خالف الكتاب والسنّة كائنا من كان. » فلمّا فشا ذلك وقوى، ضعف أمر منصور بن المهدي وعيسى بن محمد بن أبي خالد لأنّ معظم أصحابهم الشطّار ومن لا خير فيه، فكسرهم ذلك.
ودخل منصور بن المهدي بغداد فكاتب الحسن بن سهل وسأله الأمان له ولأهل بيته على أن يعطى الحسن جنده وسائر أهل بغداد من المرتزقة رزق ستّة أشهر إذا أدركت الغلّة. فأجابه الحسن إلى ذلك. وارتحل الحسن من معسكره فدخل بغداد وتقوّضت تلك العساكر وأشرك بين عيسى ويحيى بن عبد الله ابن عم الحسن بن سهل في ولاية السواد وأعمال بغداد.
وكان أهل عسكر المهدي مخالفين لعيسى. فوثب المطّلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي يدعو إلى المأمون وإلى الفضل والحسن ابني سهل. فامتنع عليه سهل بن سلامة وقال:
« ليس على هذا بايعتني. » وتحوّل منصور بن المهدي وخزيمة بن خازم والفضل بن الربيع وكانوا بايعوا سهل بن سلامة على ما يدعو إليه من العمل بالكتاب والسنّة، فنزلوا بالحربية هربا من المطّلب، وجاء سهل بن سلامة إلى الحسن وبعث الى المطّلب، فأبى أن يجيبه فقاتله سهل أيّاما قتالا شديدا ثم اصطلح عيسى والمطلب، فدسّ عيسى إلى سهل من اغتاله وضربه بالسيف ضربة لم يعمل كبير عمل.
فلمّا اغتيل سهل رجع إلى منزله وقام عيسى بأمر الناس فكفّوا عن القتال.
ثم بعث عيسى إلى سهل بن سلامة، فاعتذر إليه ممّا صنع وبايعه، وأمره أن يعود إلى ما كان عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنّه عونه على ذلك، فعاد سهل إلى ما كان عليه.
المأمون يجعل علي بن موسى (ع) ولي عهد المسلمين
وفي هذه السنة جعل المأمون عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب وليّ عهد المسلمين، والخليفة من بعده، وسمّاه: الرضا من آل محمد، وأمر جنده بطرح السواد ولبس ثياب الخضرة، وكتب بذلك إلى الآفاق.
ذكر الخبر عن ذلك وسببه وما آل إليه الأمر
بينا عيسى بن محمد بن أبي خالد يعرض أصحابه منصرفه من معسكره إلى بغداد، إذ ورد عليه كتاب من الحسن بن سهل، يعلمه أنّ أمير المؤمنين المأمون قد جعل عليّ بن موسى وليّ عهده من بعده، وأنّه نظر في بنى العباس وبنى عليّ فلم يجد أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأنّه سمّاه: الرضا من آل محمد، وأمره بطرح السواد، ولبس ثياب الخضرة، وذلك في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين، ويأمره أن يأمر من قبله من أصحابه والجند وبنى هاشم بالبيعة له، وأن يأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم ويأخذ أهل بغداد بذلك.
فلمّا أتى عيسى ذلك دعا أهل بغداد إلى ذلك، على أن يعجّل لهم رزق شهر، والباقي إذا أدركت الغلّة.
فقال بعضهم:
« نبايع ونلبس الخضرة. » وقال بعضهم:
« لا نبايع ولا نخرج هذا الأمر من ولد العبّاس، وإنّما هذا دسيس من قبل الفضل بن سهل. » وغضب بنو العبّاس، ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا:
« نولّى بعضنا ونخلع المأمون. » وكان المتكلّم في هذا والساعي له منصور وإبراهيم ابنا المهدي.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
أهل بغداد يبايعون إبراهيم بن المهدي بالخلافة
وفي هذه السنة بايع أهل بغداد إبراهيم بن المهدي بالخلافة وخلعوا المأمون.
ذكر السبب في ذلك
قد ذكرنا ما أنكره العباسيون ببغداد على المأمون حتى أخرجوا الحسن بن سهل عن بغداد. فلمّا ورد أمره بالبيعة لعليّ بن موسى ولبس الخضرة وأخذ الناس به، أرادوا أن يبايعوا إبراهيم بن المهدي بالخلافة ويخلعوا المأمون، وبذلوا للجند عشرة دنانير لكلّ واحد منهم. فاضطرب الناس وقبل بعضهم ورضى وأبي قوم وامتنعوا، فاجتمعوا وأمروا رجلا يقول يوم الجمعة حين يؤذّن المؤذّن:
« إنّا نريد أن ندعو للمأمون ومن بعده إبراهيم يكون خليفته والنائب عنه. » ودسّوا قوما آخرين يقولون:
« إذا قام هذا الرجل وقال ما عنده لا نرضى إلّا أن تبايعوا لإبراهيم بالخلافة وتخلعوا المأمون، أتريدون أن تأخذوا أموالنا كما صنع منصور، ثم تجلسوا في بيوتكم؟ » فقال يوم الجمعة هذا الرجل ما وصّوه به، وقام الآخرون فقالوا ما وصّوا به، وماج الناس، فلم يصلّ تلك الجمعة ولا خطب أحد وإنّما صلّى الناس بعد ما حسّوا الفوت أربع ركعات وانصرفوا.
تحرك بابك الخرمى في الجاويذانية
وفي هذه السنة تحرّك بابك الخرّمى في الجاويذانية أصحاب جاويذان بن سهل صاحب البذّ، وادّعى أنّ روح جاويذان دخل فيه، وأخذ في العيث والفساد.
ودخلت سنة اثنتين ومائتين
فلمّا كان يوم الجمعة لخمس خلون من المحرّم أظهروا أمر إبراهيم، وصعد إبراهيم المنبر، فكان أوّل من بايعه عبيد الله بن العباس بن محمد، ثم منصور بن المهدي، ثم سائر بنى هاشم وكان المتولّى لأخذ البيعة المطّلب بن عبد الله بن مالك وقام في ذلك السندي وصالح صاحب المصلّى ومنجاب ونصير الوصيف وسائر الموالي - إلّا أنّ هؤلاء كانوا الرؤساء - غضبا منهم على المأمون حين أراد الخروج، وإخراج ولد العباس من الخلافة، ولتركه لباس آباءه.
ولمّا فرغ من ذلك وعد الجند أن يعطيهم أرزاقهم لستّة أشهر فدافعهم بها.
فلمّا رأوا ذلك شغبوا عليه، فأعطى كلّ رجل منهم مائتي درهم وكتب لبعضهم إلى السواد بقيمة ما لهم حنطة وشعيرا، فخرجوا في قبضها، فلم يمرّوا بشيء إلّا انتهبوه، وأخذوا النصيبين جميعا.
وخرج على إبراهيم بن المهدي، مهدى بن علوان الحروريّ فحكّم وظهر ببزرج سابور، وغلب على الراذانين ونهر بوق. فوجّه إبراهيم إليه أبا إسحاق ابن الرشيد في جماعة من القوّاد كثيرين، وكان مع أبي إسحاق غلمان له أتراك، فلقوا الشراة، فطعن رجل من الأعراب أبا إسحاق فحامى عنه غلام تركيّ، وقال له:
« يا مولاي، مرا بشناس. » فسمّاه يومئذ: أشناس.
إنفاذ العباس بن موسى بن جعفر إلى الكوفة
وأنفذ الحسن بن سهل العباس بن موسى بن جعفر، وهو أخو عليّ بن موسى الرضا، إلى الكوفة وأمره بلباس الخضرة، وأن يدعو أوّلا للمأمون ومن بعده لأخيه عليّ بن موسى، وأعانه بمائة ألف درهم وقال له:
« قاتل عن أخيك، فإنّ أهل الكوفة يجيبونك وأنا معك. » وكانت الكتب نفذت من جهة إبراهيم بن المهدي إلى الكوفة بتقلّده الأمر وقيامه بإمرة المؤمنين وخلع المأمون، ونفذت الكتب من جهة الحسن بن سهل بما رآه المأمون وكثر الخلاف. وكانت لهم أخبار لا يليق ذكرها بهذا الكتاب إذ كانت فتنا لا تجربة فيها وحروبا يقتل فيها بعض الناس بعضا من غير تدبير لطيف ولا مكر بديع، وإنّما كانت مصالتات بالسيوف، فمرّة يكون لهؤلاء ومرّة لهؤلاء.
فلمّا بلغ خبر العباس بن موسى بن جعفر العلوي أهل الكوفة، أجابه قوم كثيرون وقال قوم آخرون:
« إن كنت إنّما تدعو إلى المأمون ثم من بعده إلى أخيك، فلا حاجة لنا في دعوتك. وإن كنت تدعو إلى أخيك أو إلى نفسك أجبناك. » فقال: « إنّما أدعو إلى المأمون ثم من بعده لأخي. » فقعد عنه المستبصرون في التشيّع. وكان يظهر أنّ حميدا يأتيه ويعينه ويقويّه، وأنّ الحسن بن سهل يوجّه إليه قوما مددا له، فلم يأته منهم أحد، وتوجّه إليه أصحاب إبراهيم بن المهدي فهمزموه.
وكان كلّ فريق من أصحاب الخضرة والسواد ينهبون ويحرقون.
ثم أمر إبراهيم بن المهدي عيسى بن محمد بن أبي خالد أن يسير إلى ناحية واسط على طريق النيل، وأمر جماعة أن يسيروا ممّا يلي جوخى حتى عسكروا قرب واسط ممّا يلي الصيّادة وعليهم عيسى بن محمد بن أبي خالد، فتحصّن منهم الحسن بن سهل، فكان لا يخرج إليهم. ثم تهيّأ بعد أيّام الحسن للقتال فظنّ الناس أنّ ذلك لنظره في النجوم. ثم اختار يوما فخرجوا إليهم فاقتتلوا قتالا شديدا إلى الظهر، ووقعت الهزيمة على عيسى وأصحابه فانهزموا، فأخذ أصحاب الحسن جميع ما كان في عسكرهم من سلاح ودوابّ ومتاع وغير ذلك.
ظفر إبراهيم بسهل المطوعى
وفي هذه السنة ظفر إبراهيم بن المهدي بسهل بن سلامة المطوّعى فحبسه وعاقبه.
وكان السبب في ذلك
أنّ عيسى لمّا انهزم، أقبل هو وإخوته وأصحابه نحو سهل بن سلامة، لأنّه كان يذكرهم بأسوأ أعمالهم ويسمّيهم الفسّاق، ليس لهم عنده اسم غيره.
وكان أصحابه - الذين بايعوه على الكتاب والسنّة وألّا طاعة لمخلوق في معصية الخالق - وقد عمل كلّ رجل منهم على باب داره برجا بجصّ وآجر، وقد نصب عليه السلاح والمصاحف حتى بلغوا من الحربية إلى باب الشام سوى من أجابه من الكرخ وسائر الناس. فلمّا قصده عيسى لم يمكنه الوصول إليه. فأعطى أصحاب الدروب التي تقرب منه، الألف درهم والألفى درهم، على أن يتنحّوا له عن الدروب. فأجابوه إلى ذلك وكان نصيب الرجل الدرهم والدرهمان ونحو ذلك.
فلمّا كان يوم السبت لخمس بقين من شعبان تهيّئوا له من كلّ وجه وخذله أهل الدروب حتى وصلوا إلى مسجده ومنزله. فلمّا رآهم قد وصلوا إليه اختفى منهم وألقى سلاحه واختلط بالنظارة ودخل بين النساء. فدخلوا منزله فلم يظفروا به وأذكوا عليه العيون. فلمّا كان في الليل أخذوه في بعض الأزقّة فأتوا به إسحاق بن موسى الهادي وهو وليّ عهد عمّه إبراهيم وهو بمدينة السلام، فكلّمه وحاجّه وجمع بينه وبين أصحابه وقال له:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)