صفحة 8 من 33 الأولىالأولى ... 67891018 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 29 إلى 32 من 131

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)


  1. #29
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    وأقام أبرهة ملكًا على صنعاء ومخالفيها، ولم يبعث إلى النجاشي بشيء، فقيل للنجاشي: إنه قد خلع طاعتك، ورأى أنه قد استغنى بنفسه، فوجه إليه جيشًا عليه رجل من أصحابه، يقال له أرياط، فلما حل بساحته، بعث إليه أبرهة أنه يجمعني وإياك البلاد والدين، والواجب علي وعليك أن ننظر لأهل بلادنا وديننا ممن معي ومعك، فإن شئت فبارزني؛ فأينا ظفر بصاحبه كان الملك له، ولم يقتل الحبشة فيما بيننا. فرضي بذلك أرياط، وأجمع أبرهة على المكر به، فاتعدا موضعًا يلتقيان فيه، وأكمن أبرهة لإرياط عبدًا له يقال له أرنجده، في وهدةٍ قريب من الموضع الذي التقيا فيه، فلما التقيا سبق أرياط فزرق أبرهة بحربته، فزالت الحربة عن رأسه وشرمت أنفه فسمي الأشرم، ونهض أرنجده من الحفرة، فزرق أرياط فأنفذه، فقتله، فقال أبرهة لأرنجده: احتكم فقال: لا تدخل امرأة اليمن على زوجها حتى يبدأ بي، قال: لك ذاك، فغبر بذلك زمانًا. ثم إن أهل اليمن عدوا عليه فقتلوه، فقال أبرهة: قد أنى لكم أن تكونوا أحرارًا، وبلغ النجاشي قتل أرياط، فآلى ألا يكون له ناهية دون يهريق دم أبرهة، ويطأ بلاده، وبلغ أبرهة أليته، فكتب إليه: أيها الملك؛ إنما كان أرياط عبدك، وأنا عبدك، قدم علي يريد توهين ملكك، وقتل جندك، فسألته أن يكف عن قتالي إلى أن أوجه إليك رسولًا، فإن أمرته بالكف عني، وإلا سلمت إليه جميع ما أنا فيه، فأبى إلا محاربتي، فحاربته فظهرت عليه، وإنما سلطاني لك، وقد بلغني أنك حلفت ألا تنتهي حتى تهريق دمي، وتطأ بلادي. وقد بعثت إليك بقارورة من دمي، وجراب من تراب أرضي؛ وفي ذلك خروجك من يمينك، فاستتم أيها الملك يدك عندي؛ فإنما أنا عبدك وعزي عزك. فرضي عنه النجاشي وأقره على عمله.
    رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. قال: فأقام أرياط باليمن سنين في سلطانه ذلك، ثم نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشي، وكان في جنده حتى تفرقت الحبشة عليهما، فانحاز إلى كل واحد منهما طائفة منهم؛ ثم سار أحدهما إلى الآخر، فلما تقارب الناس، ودنا بعضهم من بعض أرسل أبرهة إلى أرياط: إنك لن تصنع بأن تلقى الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها شيئًا، فابرز لي وأبرز لك، فأينا ما أصاب صاحبه انصرف إليه جنده.
    فأرسل إليه أرياط: أن قد أنصفتني فاخرج. فخرج إليه أبرهة، وكان رجلًا قصيرًا لحيمًا حادرًا، وكان ذا دين في النصرانية، وخرج إليه أرياط وكان رجلًا عظيمًا طويلًا وسيمًا وفي يده حربة وخلف أبرهة ربوة تمنع ظهره وفيها غلام يقال له عتودة، فلما دنا أحدهما من صاحبه رفع أرياط الحربة فضرب بها على رأس أبرهة - يريد يافوخه - فوقعت الحربة على جبهة أبرهة، فشرمت حاجبه وعينه وأنفه وشفته؛ فبذلك سمي أبرهة الأشرم، وحمل غلام أبرهة عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله، وانصرف جند أرياط إلى أبرهة، فاجتمعت عليه الحبشة باليمن، فقال عتودة في قتله أرياط: " أنا عتوده، من فرقة أرده، لا أبٌ ولا أم نجده "، أي يقول: قتلك عبده، قال: فقال الأشرم عند ذلك لعتودة: حكمك يا عتودة.. وإن كنت قتلته، ولا ينبغي لنا ذلك إلا ديته، فقال عتودة: حكمي ألا تدخل عروس من أهل اليمن على زوجها منهم حتى أصيبها قبله. فقال: ذلك لك، ثم أخرج دية أرياط، وكان كل ما صنع أبرهة بغير علم النجاشي ملك الحبشة، فلما بلغه ذلك غضب غضبًا شديدًا، وقال: عدا علي أميري، فقتله بغير أمري. ثم حلف ألا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده، ويجز ناصيته؛ فلم بلغ ذلك أبرهة حلق رأسه، ثم ملأ جرابًا من تراب اليمن، ثم بعث إليه إلى النجاشي، وكتب إليه: أيها الملك؛ إنما كان أرياط عبدك، وأنا عبدك، فاختلفنا في أمرك، وكل طاعته لك، إلا أني كنت أقوى منه على أمر الحبشة، وأضبط لها وأسوس لها، وقد حلقت رأسي كله حين بلغني قسم الملك، وبعثت إليه بجراب من تراب أرض اليمن، ليضعه تحت قدميه فيبر قسمه.
    فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضي عنه، وكتب إليه: أن اثبت على عملك بأرض اليمن، حتى يأتيك أمري. فلما رأى أبرهة أن النجاشي قد رضي عنه، وملكه على الحبشة وأرض اليمن بعث إلى أبي مرة بن ذي يزن، فنزع منه امرأته ريحانة ابنة علقمة بن مالك بن زيد بن كهلان - وأبو ريحانة ذو جدن، وقد كانت ولدت لأبي مرة معد يكرب بن أبي مرة، وولدت لأبرهة بعد أبي مرة مسروق بن أبرهة، وبسباسة ابنة أبرهة، وهرب منه أبو مرة فأقام أبرهة باليمن وغلامه عتودة رجل من حمير - أو من خثعم - فقتله، فلما بلغ أبرهة قتله - وكان رجلًا حليمًا سيدًا شريفًا ورعًا في دينه من النصرانية - قال: قد أنى لكم يا أهل اليمن أن يكون فيكم رجل حازم، يأنف مما يأنف منه الرجال؛ إنى والله لو علمت حين حكمته أنه يسأل الذي سأل ما حكمته، ولا أنعمته عينًا، وايم الله لا يؤخذ منكم فيه عقل، ولا يتبعكم مني في قتله شيء تكرهونه.
    قال: ثم إن أبرهة بنى القليس بصنعاء، فبنى كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض، ثم كتب إلى النجاشي ملك الحبشة: إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنتهٍ حتى أصرف إليها حاج العرب.
    فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي غضب رجل من النسأة أحد بني فقيم، ثم أحد بني مالك، فخرج حتى أتى القليس فقعد فيها، ثم خرج فلحق بأرضه؛ فأخبر بذلك أبرهة، فقال: من صنع هذا؟ فقيل: صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكة، لما سمع من قولك: أصرف إليه حاج العرب، فغضب فجاء فقعد فيها؛ أي أنها ليست لذلك بأهل. فغضب عند ذلك أبرهة، وحلف ليسيرن إلى البيت فيهدمه، وعند أبرهة رجال من العرب، قد قدموا عليه يلتمسون فضله، منهم محمد بن خزاعي بن حزابة الذكواني، ثم السلمي، في نفر من قومه، معه أخ له، يقال له قيس بن خزاعي؛ فبينا هم عنده غشيهم عيد لأبرهة، فبعث إليهم فيه بغدائه، وكان يأكل الخصى، فلما أتى القوم بغدائه قالوا: والله لئن أكلنا هذا لا تزال تعيبنا به العرب ما بقينا، فقام محمد بن خزاعي، فجاء أبرهة فقال: أيها الملك، هذا يوم عيد لنا، لا نأكل فيه إلا الجنوب والأيدي، فقال له أبرهة: فسنبعث إليكم ما أحببتم؛ فإنما أكرمتكم بغدائي لمنزلتكم مني.
    ثم إن أبرهة توج محمد بن خزاعي، وأمره على مضر، وأمره أن يسير في الناس يدعوهم إلى حج القليس؛ كنيسته التي بناها. فسار محمد بن خزاعي، حتى إذا نزل ببعض أرض بني كنانة - وقد بلغ أهل تهامة أمره، وما جاء له - بعثوا إليه رجلًا من هذيل، يقال له عروة بن حياض الملاصي، فرماه بسهم فقتله. وكان مع محمد بن خزاعي أخوه قيس، فهرب حين قتل أخوه، فلحق بأبرهة، فأخبره بقتله، فزاد ذلك أبرهة غضبًا وحنقًا، وحلف ليغزون بني كنانة وليهدمن البيت.
    وأما هشام بن محمد، فإنه قال: بنى أبرهة بعد أن رضي عنه النجاشي وأقره على عمله كنيسة صنعاء، فبناها بناء معجبًا لم ير مثله، بالذهب والأصباغ المعجبة، وكتب إلى قيصر يعلمه أنه يريد بناء كنيسة بصنعاء، يبقى أثرها وذكرها، وسأله المعونة له على ذلك فأعانه يالصناع والفسيفساء والرخام، وكتب أبرهة إلى النجاشي حين استتم بناؤها: إني أريد أن أصرف إليها حاج العرب. فلما سمعت بذلك العرب أعظمته، وكبر عليها، فخرج رجل من بني مالك بن كنانة حتى قدم اليمن، فدخل الهيكل، فأحدث فيه، فغضب أبرهة، وأجمع على غزو مكة وهدم البيت، فخرج سائرًا بالحبشة ومعه الفيل، فلقيه ذو نفر الحميري، فقاتله فأسره، فقال: أيها الملك؛ إنما أنا عبدك فاستبقني، فإن حياتي خير لك من قتلي، فاستبقاه، ثم سار فلقيه نفيل ابن حبيب الخثعمي، فقاتله فهزم أصحابه، وأسره، فسأله أن يستبقيه، ففعل وجعله دليله في أرض العرب.
    رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. قال: ثم إن أبرهة حين أجمع السير إلى البيت أمر الحبشان فتهيأت وتجهزت، وخرج معه بالفيل - قال: وسمعت العرب بذلك فأعظموه، وفظعوا به، ورأوا جهاده حقًا عليهم حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام - فخرج له رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم، يقال له: ذو نفر، فدعا قومه ومن أجابه منهم من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله، وما يريد من هدمه وإخرابه، فأجابه من أجابه إلى ذلك، وعرض له فقاتله، فهزم ذو نفر وأصحابه، وأخذ له ذو نفر أسيرًا، فأتي به فلما أراد قتله قال له ذو نفر: أيها الملك، لا تقتلني؛ فإنه عسى أن يكون كوني معك خيرًا لك من قتلي. فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق - وكان أبرهة رجلًا حليمًا - ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك، يريد ما خرج له، حتى إذا كان بأرض خثعم، عرض له نفيل ابن حبيب الخثعمي في قبيلي خثعم: شهران وناهس ومن تبعه من قبائل العرب، فقاتله فهزمه
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #30
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    أبرهة، وأخذ له نفيل أسيرًا، فأتى به؛ فلما هم بقتله قال له نفيل: أيها الملك، لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي لك على قبيلى خثعم، شهران وناهس بالسمع والطاعة، فأعفاه وخلى سبيله، وخرج به معه يدله على الطريق، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن متعب في رجال ثقيف، فقال له: أيها الملك؛ إنما نحن عبيدك، سامعون لك مطيعون ليس لك عندنا خلاف، وليس بيتنا هذا بالبيت الذي تريد - يعنون اللات - إنما تريد البيت الذي بمكة - يعنون الكعبة - ونحن نبعث معك من يدلك. فتجاوز عنهم، وبعثوا معه أبا رغال، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال، حتى أنزله المغمس، فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك، فرجمت العرب قبره، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس. ولما نزل أبرهة المغمس بعث رجلًا من الحبشة، يقال له الأسود بن مقصود على خيل له حتى انتهى إلى مكة، فساق إليه أموال أهل مكة من قريش وغيرهم، وأصاب منها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم؛ وهو يومئذ كبير قريش وسيدها، فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بالحرم من سائر الناس بقتاله، ثم عرفوا أنه لا طاقة لهم به؛ فتركوا ذلك، وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة، وقال له: سل عن سيد هذا البلد وشريفهم؛ ثم قل له: إن الملك يقول لكم: إني لم آت لحربكم؛ إنما جئت لهدم البيت؛ فإن لم تعرضوا دونه بحرب، فلا حاجة لي بدمائكم؛ فإن لم يرد حربي فأتني به.
    فلما دخل حناطة مكة سأل عن سيد قريش وشريفها، فقيل له: عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي، فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة. فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة؛ هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم - أو كما قال - فإن يمنعه فهو بيته وحرمه، وإن يخل بينه وبينه، فوالله ما عندنا من دفع عنه - أو كما قال له - فقال له حناطة: فانطلق إلى الملك، فإنه قد أمرني أن آتيه بك - فانطلق معه عبد المطلب، ومعه بعض بنيه، حتى أتى العسكر فسأل عن ذي نفر - وكان له صديقًا - حتى دل عليه، وهو في محبسه، فقال له: يا ذا نفر، هل عندك غناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نفر: وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله غدوًا أو عشيًا! ما عندي غناء في شيء مما نزل بك إلا أن أنيسًا سائس الفيل لي صديق، فسأرسل إليه فأوصيه بك، وأعظم عليه حقك، وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلمه بما تريد، ويشفع لك عنده بخير، إن قدر على ذلك. قال: حسبي.
    فبعث ذو نفر إلى أنيس، فجاء به، فقال: يا أنيس، إن عبد المطلب سيد قريش وصاحب عير مكة يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رءوس الجبال، ولقد أصاب له الملك مائتي بعير فاستأذن له عليه، وانفعه عنده بما استطعت. قال: أفعل، فكلم أنيس أبرهة فقال: أيها الملك؛ هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك، وهو صاحب عير مكة يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رءوس الجبال، فأذن له عليك، فيكلمك بحاجته وأحسن إليه. قال: فأذن له أبرهة - وكان عبد المطلب رجلًا عظيمًا وسيمًا جسيمًا - فلما رآه أبرهة أجله وأكرمه أن يجلس تحته، وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سرير ملكه، فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال لترجمانه: قل له حاجتك إلى الملك، فقال له ذلك الترجمان، فقال عد المطلب: حاجتي إلى الملك أن يرد علي مائتي بعير أصابها لي. فلما فقال له ذلك، قال أبرهة لترجمانه: قل له قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدت فيك حين كلمتني؛ أتكلمني في مائتي بعير قد أصبتها لك وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه! قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربًا سيمنعه، قال: ما كان ليمنع مني، قال: أنت وذاك، اردد إلي إبلي.
    وكان - فيما زعم بعض أهل العلم - قد ذهب عبد المطلب إلى أبرهة حين بعث إليه حناطة بعمرو بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة - وهو يومئذ سيد بني كنانة - وخويلد بن واثلة الهذلي - وهو يومئذ سيد هذيل - فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عنهم، ولا يهدم البيت، فأبى عليهم. والله أعلم.
    وكان أبرهة قد رد على عبد المطلب الإبل التي أصاب له، فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شعف الجبال والشعاب تخوفًا عليهم معرة الجيش، ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة الباب باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب، وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:
    يا رب لا أرجو لهم سواكا ** يا رب فامنع منهم حماكا
    إن عدو البيت من عاداكا ** امنعهم أن يخربوا قراكا
    ثم قال أيضًا:
    لا هم إن العبد يمن ** ع رحله فامنع حلالك
    لا يغلبن صليبهم ** ومحالهم غدوًا محالك
    فلئن فعلت فربما ** أولى فأمرٌ ما بدا لك
    ولئن فعلت فإنه ** أمرٌ تتم به فعالك
    جروا جموع بلادهم ** والفيل كي يسبوا عيالك
    عمدوا حماك بكيدهم ** جهلًا وما رقبوا جلالك
    وقال أيضًا:
    وكنت إذا أتى باغٍ بسلمٍ ** نرجى أن تكون لنا كذلك
    فولوا لم ينالوا غير خزيٍ ** وكان الحين يهلكهم هنالك
    ولم أسمع بأرجس من رجالٍ ** أرادوا العز فانتهكوا حرامك
    ثم أرسل عبد المطلب حلقة الباب، باب الكعبة، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال، فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها. فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله، وعبى جيشه - وكان اسم الفيل محمودًا - وأبرهة مجدمع لهدم البيت ثم الانصراف إلى اليمن؛ فلما وجهوا الفيل أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي حتى قام إلى جنبه، ثم أخذ بأذنه، فقال: ابرك محمود، وارجع راشدًا من حيث جئت؛ فإنك في بلد الله الحرام. ثم أرسل أذنه، فبرك الفيل وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى صعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبى، وضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى، فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه ليقوم فأبى، فوجهوه راجعًا إلى اليمن، فقام يهرول، ووجهوه إلى الشأم ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك، وأرسل الله عليهم طيرًا من البحر أمثال الخطاطيف، مع كل طير منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره، وحجران في رجليه مثل الحمص والعدس لا تصيب منهم أحدًا إلا هلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا، ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته:
    أين المفر والإله الطالب ** والأشرم المغلوب غير الغالب!
    وقال نفيل أيضًا:
    ألاحييت عنا يا ردينا ** نعمناكم مع الإصباح عينا
    أتانا قابسٌ منكم عشاءً ** فلم يقدر لقابسكم لدينا
    ردينة لو رأيت ولكم تريه ** لدى جنب المحصب ما رأينا
    إذًا لعذرتني وحمدت رأيي ** ولم تأسى على ما فات بينا
    حمدت الله إذ عاينت طيرًا ** وخفت حجارةً تلقى علينا
    فكل القوم يسأل عن نفيلٍ ** كأن علي للحبشان دينا!
    فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون على كل منهل، وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم تسقط أنامله أنملةً أنملةً، كلما سقطت منه أنملة اتبعتها منه مدة تمث قيحًا ودمًا حتى قدموا به صنعاء؛ وهو مثل فرخ الطير، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه - فيما يزعمون.


  • #31
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    حدثني الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان، عن أبيه. قال: وحدثنا محمد بن عبد الرحمن بن السلماني، عن أبيه. قال: وحدثنا عبد الله ابن عمرو بن زهير الكعبي، عن أبي مالك الحميري عن عطاء بن يسار. قال: وحدثنا محمد بن أبي سعد الثقفي عن يعلي بن عطاء، عن وكيع بن عدس، عن عمه أبي رزين العقيلي. قال: وحدثنا سعيد بن مسلم، عن عبد الله ابن كثير، عن مجاهد، عن ابن عباس؛ دخل حديث بعضهم في حديث بعض؛ قالوا: كان النجاشي قد وجه أرياط أبا صحم في أربعة آلاف إلى اليمن، فأداخها وغلب عليها، فأعطى الملوك، واستذل الفقراء، فقام رجل من الحبشة يقال له أبرهة الأشرم أبو يكسوم، فدعا إلي طاعته، فأجابوه فقتل أرياط، وغلب على اليمن، ورأى الناس يتجهزون أيام الموسم للحج إلى البيت الحرام، فسأل: أين يذهب الناس؟ فقالوا: يحجون إلى بيت الله بمكة، قال: مم هو؟ قالوا: من حجارة، قال: فما كسوته؟ قالوا: ما يأتي هاهنا من الوصائل، قال والمسيح لأبنين لكم خيرًا منه! فبنى لهم بيتًا، عمله بالرخام الأبيض والأحمر والأصفر والأسود، وحلاه بالذهب والفضة، وحفه بالجوهر، وجعل له أبوابًا عليها صفائح الذهب ومسامير الذهب، وفصل بينهما بالجوهر، وجعل فيها ياقوتة حمراء عظيمة، وجعل لها حجابًا، وكان يوقد بالمندل، ويلطخ جدره بالمسك، فيسوده حتى يغيب الجوهر. وأمر الناس فحجوه، فحجه كثير من قبائل العرب سنين، ومكث فيه رجال يتعبدون ويتألهون، ونسكوا له، وكان نفيل الخثعمي يؤرض له ما يكره، فلما كان ليلة من الليالي لم ير أحدًا يتحرك، فقام فجاء بعذرة فلطخ بها قبلته، وجمع جيفًا فألقاها فيه. فأخبر أبرهة بذلك، فغضب غضبًا شديدًا، وقال: إنما فعلت هذا العرب غضبًا لبيتهم، لأنقضنه حجرًا حجرًا. وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك، ويسأله أن يبعث إليه بفيله " محمود " - وكان فيلًا لم ير مثله في الأرض عظمًا وجسمًا وقوة - فبعث به إليه، فلما قدم عليه الفيل سار أبرهة بالناس ومعه ملك حمير، ونفيل بن حبيب الخثعمي، فلما دنا من الحرم أمر أصحابه بالغارة على نعم الناس فأصابوا إبلا لعبد المطلب، وكان نفيل صديقًا لعبد المطلب، فكلمه في إبله، فكلم نفيل أبرهة، فقال: أيها الملك، قد أتاك سيد العرب وأفضلهم قدرًا، وأقدمهم شرفًا، يحمل على الجياد، ويعطى الأموال، ويطعم ما هبت الريح. فأدخله على أبرهة، فقال: حاجتك! قال: ترد على إبلي، فقال: ما أرى ما بلغني عنك إلا الغرور، وقد ظننت أنك تكلمني في بيتكم الذي هو شرفكم، فقال عبد المطلب: اردد على إبلي، ودونك البيت؛ فإن له ربًا سيمنعه. فأمر برد إبله عليه، فلما قبضها قلدها النعال، وأشعرها، وجعلها هديًا، وبثها في الحرم لكي يصاب منها شيء فيغضب رب الحرم، وأوفى عبد المطلب على حراء ومعه عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ومطعم بن عدي وأبو مسعود الثقفي، فقال عبد المطلب:
    لا هم إن المرء يمن ** ع رحله فامنع حلالك
    لا يغلبن صليبهم ** ومحالهم غدوًا محالك
    إن كنت تاركهم وقب ** لتنا فأمرٌ ما بدا لك
    قال: فأقبلت الطير من البحر أبابيل، مع كل طير منها ثلاثة أحجار: حجران في رجله وحجر في منقاره، فقذفت الحجارة عليهم، لا تصيب شيئًا إلا هشمته، وإلا نفط ذلك الموضع، فكان ذلك أول ما كان الجدرى والحصبة والأشجار المرة، فأهمدتهم الحجارة، وبعث الله سيلًا أتيًا، فذهب بهم فألقاهم في البحر.
    قال: وولى أبرهة ومن بقى معه هرابًا، فجعل أبرهة يسقط عضوًا عضوًا. وأما محمود فيل النجاشي فربض ولم يشجع على الحرم فنجا، وأما الفيل الآخر فشجع فحصب. ويقال: كانت كانت ثلاثة عشر فيلا، ونزل عبد المطلب من حراء، فأقبل رجلان من الحبشة فقبلا رأسه وقالا: أنت كنت أعلم.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يعقوب ابن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن أول ما رئيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام، وأنه أول ما رئى بها مرار الشجر: الحرمل والحنضل والعشر، ذلك العام.
    قال ابن إسحاق: ولما هلك أبرهة ملك اليمن ابنه في الحبشة يكسوم بن أبرهة - وبه كان يكنى - فذلت حمير وقبائل اليمن ووطئتهم الحبشة؛ فنكحوا نساءهم، وقتلوا رجالهم، واتخذوا أبنائهم تراجمة بينهم وبين العرب.
    قال: ولما رد الله الحبشة عن مكة، فأصابهم ما أصابهم من النقمة، عظمت العرب قريشًا، وقالوا: أهل الله، قاتل الله عنهم، فكفاهم مؤونة عدوهم.
    قال: ولما هلك يكسوم بن أبرهة ملك اليمن في الحبشة أخوه مسروق ابن أبرهة، فلما طال البلاء على أهل اليمن - وكان ملك الحبشة باليمن فيما بين أن دخلها أرياط إلى أن قتلت الفرس مسروقًا، وأخرجوا الحبشة من اليمن ثنتين وسبعين سنة، توارث ذلك منهم أربعة ملوك: أرياط، ثم أبرهة، ثم يكسوم بن أبرهة، ثم مسروق بن أبرهة - خرج سيف بن ذي يزن الحميري، وكان يكنى بأبي مرة، حتى قدم على قيصر ملك الروم، فشكا ما هم فيه، وطلب إليه أن يخرجهم عنه، ويليهم هو، ويبعث إليهم من شاء من الروم، فيكون له ملك اليمن، فلم يشكه ولم يجد عنده شيئًا مما يريد، فخرج حتى قدم الحيرة على النعمان بن المنذر - وهو عامل كسرى على الحيرة وما يليها من أرض العرب من العراق - فشكا إليه ما هم فيه من البلاء والذل، فقال له النعمان: إن لي على كسرى وفادة في كل عام، فأقم عندي حتى يكون ذلك، فأخرج بك معي. قال: فأقام عنده حتى خرج النعمان إلى كسرى، فخرج معه إلى كسرى، فلما قدم النعمان على كسرى وفرغ من حاجته، ذكر له سيف بن ذي يزن وما قدم له، وسأل أن يأذن له عليه، ففعل. وكان كسرى إنما يجلس في إيوان مجلسه الذي فيه تاجه، وكان تاجه مثل القنقل العظيم، مضروبًا فيه الياقوت الزبرجد واللؤلؤ والذهب والفضة، معلقًا بسلسلة من ذهب في رأس طاق مجلسه ذلك، كانت عنقه لا تحمل تاجه، إنما يستر بالثياب حتى يجلس في مجلسه ذلك، ثم يدخل رأسه في تاجه، فإذا استوى في مجلسه كشف الثياب عنه فلا يراه رجل لم يره قبل ذلك إلا برك هيبة له، فلما دخل عليه سيف بن ذي يزن برك، ثم قال: ايها الملك غلبتنا على بلاد الأغربة، فقال كسرى: أي الأغربة؟ الحبشة أم السند؟ قال: بل الحبشة، فجئتك لتنصرني عليهم، وتخرجهم عني، ويكون ملك بلادي لك، فأنت أحب إلينا منهم. قال: بعدت أرضك من أرضنا، وهي أرض قليلة الخير؛ إنما بها الشاء والبعير، وذلك مما لا حاجة لنا به، فلم أكن لأورط جيشًا من فارس بأرض العرب. لا حاجة لي بذلك! ثم أمر فأجيز بعشرة آلاف درهم وافٍ، وكساه كسوة حسنة.
    فلما قبض ذلك سيف بن ذي يزن، خرج فجعل ينثر الورق للناس ينهبها الصبيان والعبيد والإماء، فلم يلبث ذلك أن دخل على كسرى، فقيل له: العربي الذي أعطيته ما أعطيته ينثر دراهمه للناس ينهبها العبيد والصبيان والإماء.
    فقال كسرى: إن لهذا الرجل لشأنًا، ائتوني به، فلما دخل عليه قال: عمدت إلى حباء الملك الذي حباك به تنثره للناس! قال: وما أصنع بالذي أعطاني الملك! ما جبال أرضى التي جئت منها إلا ذهب وفضة - يرغبه فيها لما رأى من زهادته فيها - إنما جئت الملك ليمنعني من الظلم، ويدفع عنى الذل، فقال له كسرى: أقم عندي حتى أنظر في أمرك. فأقام عنده.


  • #32
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    وجمع كسرى مرازبته وأهل الرأي ممن كان يستشيره في أمره، فقال: ما ترون في أمر هذا الرجل، وما جاء له؟ فقال قائل منهم: أيها الملك، إن في سجونك رجالًا قد حبستهم للقتل، فلو أنك بعثتهم معه، فإن هلكوا كان الذي أردت بهم، وإن ظهروا على بلاده كان ملكًا ازددته إلى ملكك. فقال: إن هذا الرأي! أحصوا لي كم في سجوني من الرجال؛ فحسبوا له، فوجدوا في سجونه ثمانمائة رجل، فقال: انظروا إلى أفضل رجل منهم حسبًا وبيتًا، اجعلوه عليهم. فوجدوا أفضلهم حسبًا وبيتًا وهرز - وكان ذا سن - فبعثه مع سيف، وأمره على أصحابه، ثم حملهم في ثماني سفائن، في كل سفينة مائة رجل، وما يصلحهم في البحر.
    فخرجوا حتى إذا لججوا في البحر، غرقت من السفن سفينتان بما فيهما، فخلص إلى ساحل اليمن من أرض عدن ست سفائن، فيهن ستمائة رجل، فيهم وهرز، وسيف بن ذي يزن، فلما اطمأنا بأرض اليمن، وقال وهرز لسيف: ما عندك؟ قال: ما شئت من رجل عربي، وفرس عربي؛ ثم اجعل رجلي مع رجلك؛ حتى نموت جميعًا أو نظهر جميعًا. قال وهرز: أنصفت وأحسنت! فجمع إليه سيف من استطاع من قومه، وسمع بهم مسروق بن أبرهة فجمع إليه جنده من الحبشة، ثم سار إليهم حتى إذا تقارب العسكران، ونزل الناس بعضهم إلى بعض بعث وهرز ابنًا له كان معه - يقال له نوزاذ - على جريدة خيل، فقال له: ناوشهم القتال، حتى ننظر كيف قتالهم. فخرج إليهم فناوشهم شيئًا من قتال، ثم تورط في مكان لم يستطع الخروج منه فقتلوه، فزاد ذلك وهرز حنقًا عليهم، وجدًا على قتالهم.
    فلما تواقف الناس على مصافهم قال وهرز: أروني ملكهم، فقالوا: ترى رجلًا على الفيل عاقدًا تاجه على رأسه، بين عينيه ياقوتة حمراء، قال: نعم، قالوا: ذاك ملكهم، قال: اتركوه. فوقفوا طويلًا، ثم قال: علام هو؟ قالوا: قد تحول على الفرس، فقال: اتركوه، فوقفوا طويلًا، ثم قال: علام هو؟ قالوا: قد تحول على البغلة، قال: ابنة الحمار! ذل وذل ملكه، هل تسمعون أنى سأرميه، فإن رأيتم أصحابه وقوفًا لم يتحركوا فاثبتوا حتى أوذنكم، فإنى قد أخطأت الرجل، وإن رأيتم القوم قد استداروا ولاثوا به، فقد أصبت الرجل، فاحملوا عليهم.
    ثم أوتر قوسه - وكانت فيما زعموا لا يوترها غيره من شدتها - ثم أمر بحاجبيه فعصبا له، ثم وضع قوسه نشابة فمغط فيها حتى إذا ملأها أرسلها فصك بها الياقوتة التي بين عينيه، فتغلغلت النشابة في رأسه، حتى خرجت من قفاه، وتنكس عن دابته؛ واستدارت الحبشة، ولاثت به، وحملت عليهم الفرس، وانهزمت الحبشة، فقتلوا وهرب شريدهم في كل وجه، فأقبل وهرز يريد صنعاء يدخلها؛ حتى إذا أتى بابها قال: لا تدخل رايتي منكسة أبدًا، اهدموا الباب. فهدم باب صنعاء، ثم دخلها ناصبًا رايته يساربها بين يديه.
    فلما ملك اليمن ونفى عنها الحبشة كتب إلى كسرى: إنى قد ضبطت لك اليمن، وأخرجت من كان بها من الحبشة؛ وبعث إليه بالأموال. فكتب إلبيه كسرى يأمره أن يملك سيف بن ذي يزن على اليمن وأرضها، وفرض كسرى على سيف بن ذي يزن جزية وخرجًا يؤديه إليه في كل عام معلوم، يبعث إليه في كل عام. وكتب إلى وهرز أن ينصرف إليه. فانصرف إليه وهرز، وملك سيف بن ذي يزن على اليمن، وكان أبوه ذو يزن من ملوك اليمن.
    فهذا ما حدثنا به ابن حميد، عن سلمة عن ابن إسحاق، من أمر حمير والحبشة، وملكهم وتوجيه كسرى من وجه لحرب الحبشة باليمن.
    وأما هشام بن محمد، فإنه قال: ملك بعد أبرهة يكسوم، ثم مسروق. قال: وهو الذي قتله وهرز في ملك كسرى بن قباذ، ونفى الحبشة عن اليمن.
    قال: وكان من حديثه أن أبا مرة الفياض ذا يزن، كان من أشراف اليمن، وكانت تحته ريحانة ابنة ذي جدن، فولدت له غلامًا سماه معد يكرب، وكانت ذات جمال، فانتزعها الأشرم من أبي مرة، فاستنكحها، فخرج أبو مرة من اليمن، فلحق ببعض ملوك بنى المنذر - أظنه عمرو بن هند - فسأله أن يكتب له إلى كسرى كتابًا، يعلمه فيه قدره وشرفه ونزوعه إليه فيما نزع إليه فيه. فقال: لا تعجل، فإن لي عليه في كل سنة وفادة، وهذا وقتها، فأقام قبله حتى وفد عليه معه، فدخل عمرو بن هند على كسرى، فذكر له شرف ذي يزن وحاله، واستأذن له، فدخل فأوسع له عمرو، فلما رأى ذلك كسرى علم أن عمرًا لم يصنع به ذلك بين يديه إلا لشرفه، فأقبل عليه، فألطفه وأحسن مسألته وقال له: ما الأمر الذي نزع بك؟ قال: أيها الملك، إن السودان قد غلبونا على بلادنا، وركبوا منا أمورًا شنيعة، أجل الملك عن ذكرها، فلو أن الملك تناولنا بنصره من غير أن نستنصره، لكان حقيقًا بذلك لفضله وكرمه وتقدمه لسائر الملوك. فكيف وقد نزعنا إليه، مؤملين له، راجين أن يقصم الله عدونا وينصرنا عليهم، وينتقم لنا به منهم! فإن رأى الملك أن يصدق ظننا، ويحقق رجاءنا، ويوجه معى جيشًا ينفون هذا العدو عن بلادنا فيزدادها إلى ملكه - فإنها من أخصب البلدان وأكثرها خيرًا، وليست كما يلي الملك من بلاد العرب - فعل.
    قال: قد علمت أن بلادكم كما وصفت، فأي السودان غلبوا عليها؟ الحبشة أم السند؟ قال: بل الحبشة، قال أنوشروان: إنى لأحب أن أصدق ظنك، وأن تنصرف بحاجتك؛ ولكن المسلك للجيش إلى بلادك صعب، وأكره أن أغرره بجندى، ولى فيما سألت نظر، وأنت على ما تحب.
    وأمر بإنزاله وإكرامه؛ فلم يزل مقيمًا عنده حتى هلك. وقد كان أبو مرة قال قصيدة بالحميرية يمتدح فيها كسرى، فلما ترجمت له، أعجب بها.
    وولدت ريحانة ابنة ذي جدن لأبرهة الأشرم غلامًا، فسماه مسروقًا، ونشأ معد يكرب بن ذي يزن مع أمه ريحانة في حجر أبرهة فسبه ابن لأبرهة، فقال له: لعنك الله، ولعن أباك وكان معد يكرب لا يحسب إلا أن الأشرم أبوه، فأتى أمه فقال لها: من أبى؟ قالت: الأشرم، قال: لا والله، ما هو أبى، ولو كان أبى ما سبّني فلان، فاخبرته أن أباه أبو مرة الفياض، واقتضت عليه خبره، فوقع ذلك في نفس الغلام، ولبث بعد ذلك لبثًا.
    ثم إن الأشرم مات، ومات ابنه يكسوم، فخرج ابن ذي يزن قاصدًا إلى ملك الروم، وتجنب كسرى لإبطائه عن نصر أبيه، فلم يجد عند ملك الروم ما يحب، ووجده يحامى عن الحبشة لموافقتهم إياه على الدين، فانكفأ راجعًا إلى كسرى، فاعترضه يومًا وقد ركب، فصاح به: أيها الملك، إن لي عندك ميراثًا فدعا به كسرى لما نزل، وقال: من أنت؟ وما ميراثك؟ قال: أنا ابن الشيخ اليماني ذي يزن، الذي وعدته أن تنصره، فمات ببابك وحضرتك، فتلك العدة حق لي وميراث يجب عليك الخروج لي منه. فرق له كسرى، وأمر له بمال، فخرج الغلام، فجعل ينثر الدراهم، فانتهبها الناس، فأرسل إليه كسرى: ما الذي حملك على ما صنعت؟ قال: إني لم آتك للمال، إنما جئتك للرجال، ولتمنعني من الذل. فأعجب ذلك كسرى، فبعث إليه: أن أقم حتى أنظر في أمرك. ثم إن كسرى استشار وزراءه في توجيه الجند معه، فقال له الموبذان: إن لهذا الغلام حقًا بنزوعه وموت أبيه بباب الملك وحضرته، وما تقدم من عدته إياه، وفي سجون الملك رجال ذوو نجدة وبأس، فلو أن الملك وجههم معه، فإن أصابوا ظفرًا كان له، وإن هلكوا كان قد استراح وأراح أهل مملكته منهم، ولم يكن ذلك ببعيد من الصواب.

  • صفحة 8 من 33 الأولىالأولى ... 67891018 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(للطبري)1-
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 83
      آخر مشاركة: 07-24-2010, 03:55 AM
    2. معجم البلدان الجزء الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 110
      آخر مشاركة: 07-15-2010, 11:59 PM
    3. فن الرسم في الماء
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 07-03-2010, 10:24 PM
    4. فن الرسم على البطاطس
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 06-07-2010, 09:56 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1