صفحة 8 من 28 الأولىالأولى ... 67891018 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 29 إلى 32 من 110

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء التاسع)


  1. #29
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فقال علي بن الجهم:
    العسليات التي فرقت ** بين ذوي الرشدة والغي
    وما على العاقل إن تكثروا ** فإنه أكثر للفي
    ظهور محمود بن الفرج النيسابوري

    وفي هذه السنة ظهر بسامرا رجلٌ يقال له محمود بن الفرج النيسابوري فزعم أنه ذو القرنين، ومعه سبعة وعشرون رجلًا عند خشبة بابك، وخرج من أصحابه بباب العامة رجلان، وببغداد في مسجد مدينتها آخران، وزعما أنه نبي، وأنه ذو القرنين؛ فأتى به وبأصحابه المتوكل، فأمر بضربه بالسياط؛ فضرب ضربًا شديدًا، فمات من بعد من ضربه ذلك، وحبس أصحابه؛ وكانوا قدموا من نيسابور، ومعهم شيء يقرءونه، وكان معهم عيالاتهم، وفيهم شيخ يشهد له بالنبوة، ويزعم أنه يوحى إليه، وأن جبريل يأتيه بالوحي، فضرب محمود مائة سوط، فلم ينكر نبوته حين ضرب، وضرب الشيخ الذي كان يشهد له أربعين سوطًا، فأنكر نبوته حين ضرب. وحُمل محمود إلى باب العامة، فأكذب نفسه، وقال: الشيخ قد اختدعني، وأمر أصحاب محمود أن يصفعوه فصفعوه؛ كل واحد منهم عشر صفعات، وأخذ له مصحف فيه كلام قد جمعه ذكر أنه قرآنه، وأن جبريل عليه السلام كان يأتيه به، ثم مات يوم الأربعاء لثلاث خلون من ذي الحجة في هذه السنة ودفن في الجزيرة.
    ذكر عقد المتوكل البيعة لبنيه الثلاثة

    وفي هذه السنة عقد المتوكل لبنيه الثلاثة: لمحمد وسماه المنتصر، ولأبي عبد الله بن قبيحة - ويختلف في اسمه، فقيل إن اسمه محمد، وقيل: اسمه الزبير ولقبه المعتز - ولإبراهيم وسماه المؤيد بولاية العهد، وذلك - فيما قيل - يوم السبت لثلاث بقين من ذي الحجة - وقيل لليلتين بقيتا منه - وعقد لكل واحد منهم لواءين؛ أحدهما أسود وهو لواء العهد، والآخر أبيض وهو لواء العمل، وضم إلى كل واحد من العمل ما أنا ذاكره.
    فكان ما ضم إلى ابنه محمد المنتصر من ذلك إفريقية والمغرب كله من عريش مصر إلى حيث بلغ سلطانه من المغرب وجند قنسرين والعواصم والثغور الشأمية والجزرية وديار مضر وديار ربيعة والموصل وهيت وعانات والخابور وقرقيسيا وكور باجرمى وتكريت وطساسيج السواد وكور دجلة والحرمين واليمن وعك وحضرموت واليمامة والبحرين والسند ومكران وقندابيل وفرج بيت الذهب وكور الأهواز والمستغلات بسامر وماه الكوفه وماه البصرة وماسبذان ومهرجان قذق وشهرزور ودراباذ والصامغان وأصبهان وقمّ وقاشان وقزوين وأمور الجبل والضياع المنسوبة إلى الجبال وصدقات العرب بالبصرة.
    وكان ما ضمّ إلى ابنه المعتز كور خراسان وما يضاف إليها، وطبرستان والري وإرمينية وأذربيجان وكور فارس. ضم إليه في سنة أربعين خزن بيوت الأموال في جميع الآفاق، ودور الضرب، وأمر بضرب اسمه على الدراهم. وكان ما ضم إلى ابنه الؤيد جند دمشق وجند حمص وجند الأردن وجند فلسطين، فقال أبو الغص الأعرابي:
    إن ولاه المسلمين الجله ** محمد ثم أبو عبد الله
    ثمت إبراهيم آبى الذله ** بورك في بني خليفة الله
    وكتب بينهم كتابًا نسخته: هذا كتاب كتبه عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين، وأشهد الله على نفسه بجميع ما فيه ومن حضر من أهل بيته وشيعته وقواده وقضاته وكفاته وفقهائه وغيرهم من المسلمين لمحمد المنتصر بالله، ولأبي عبيد الله المعتز بالله، وإبراهيم المؤيد بالله؛ بني أميرالمؤمنين؛ في أصالة من رأيه، وعموم من عافية بدنه، واجتماع من فهمه؛ مختارًا لما شهد به، متوخيًا بذلك طاعة ربه، وسلامة رعيته واستقامتها وانقياد طاعتها، واتساع كلمتها؛ وصلاح ذات بينها؛ وذلك في ذي الحجة سنة خمسة وثلاثين ومائتين " أنه جعل "؛ إلى محمد المنتصر بالله بن جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين ولاية عهد المسلمين في حياته والخلافة عليهم من بعده؛ وأمره بتقوى الله التي هي عصمة من اعتصم بها ونجاة من لجأ إليها، وعز من اقتصر عليها؛ فإن بطاعة الله تتم النعمة، وتجب من الله الرحمة، والله غفور رحيم. وجعل عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين الخلافة من بعد محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين إلى أبي عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين، ثم من بعد أبي عبد الله المعتز ابن أمير المؤمنين الخلافة إلى إبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين.
    وجعل عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين لمحمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين على أبي عبد الله المعتز بالله وإبراهيم المؤيد بالله ابني أمير المؤمنين السمع والطاعة والنصيحة والمشايعة والموالاة لأوليائه والمعاداة لأعدائه، في السر والجهر، والغضب والرضا، والمنع والإعطاء، والتمسك ببيعته، والوفاء بعهده، لا يبغيانه غائلة، ولا يحاولانه مخاتلة، ولا يمالئان عليه عدوًا، ولا يستبدان دونه بأمر يكون فيه نقض لما جعل إليه أمير المؤمنين من ولاية العهد في حياته والخلافة من بعده.
    وجعل عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين لأبي عبد الله المعتز بالله وإبراهيم المؤيد بالله ابني أمير المؤمنين الوفاء بما عقده لهما، وعهد به إليهما من الخلافة بعد محمد المنتصر بالله أمير المؤمنين، وإبراهيم المؤيد بالله أمير المؤمنين الخليفة من بعد أبي عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين، والإتمام على ذلك، وألا يخلعها ولا واحدًا منهما، ولا يعقد دونهما ولا دون واحد منهما بيعة لولد، ولا لأحد من جميع البرية، ولا يؤخر منهما مقدمًا، ولا يقدم منهما مؤخرًا، ولا ينقصهما ولا واحدًا منهما شيئًا من أعمالهما التي ولاهما عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين وكل واحد منهما؛ من الصلاة والمعاون والقضاء والمظالم والخراج والضياع والغيمة والصدقات وغير ذلك من حقوق أعمالهما، وما في عمل كل واحد منهما؛ من البريد والطرر وخزن بيوت الأموال والمعاون ودور الضرب وجميع الأعمال التي جعلها أمير المؤمنين، ويجعلها إلى كل واحد منهما، ولا ينقل عن واحد منهما أحدًا من احيته من القواد والجند والشاكرية والموالي والغلمان وغيرهم، ولا يعترض عليه في شئ من ضياعه وإقطاعاته وسائر أمواله وذخائره وجميع ما في يده، وما حواه وملكت يده من تالد وطارف، وقديم ومستأنف؛ وجميع ما يستفيده ويستفاد له بنقص، ولا يحرم ولا يجنف، ولا يعرض لأحد من عماله وكتابه وقضاته وخدمه ووكلائه وأصحابه، وجميع أسبابه بمناظرة ولا محاسبة؛ ولا غير ذلك من الوجوه والأسباب كلها، ولا يفسخ فيما وكده أمير المؤمنين لهما في هذا العقد والعهد، بما يزيل ذلك عن جهته، أو يؤخره عن وقته، أو يكون ناقضًا لشئ منه.
    وجعل عبد الله جعفر المتوكل على الله أمير المؤمنين على أبي عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين إن أفضت إليه الخلافة بعد محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين لإبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين مثل الشرائط التي اشترطها على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين بجميع ما سمى فيه ووصف في هذا الكتاب، وعلى ما بين وفسر، مع الوفاء من أبي عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين، بما جعله أمير المؤمنين لإبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين من الخلافة وتسليم ذلك راضيًا به ممضيًا له؛ مقدمًا ما فيه حق الله عليه وما أمره به أمير المؤمنين، غير ناكث ولا ناكب بذلك، ولا مبدل، فإن الله تعالى جده وعز ذكره يتوعد من خالف أمره، وعند عن سبيله في محكم كتابه: " فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذي يبدلونه إن الله سميع عليم " على أن لأبي عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين ولإبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين، الأمان، وهما مقيمان بحضرته أو أحدهما، أو كانا غائبين عنه؛ أو مجتمعين كانا أو متفرقين ويستمر أبو عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين في ولايته بخراسان وأعمالهما المتصلة بها والمضمومة إليها؛ ويستمر إبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين في ولايته بالشأم وأجنادها؛ فعلى محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين، أن يمضي أبا عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين إلى خراسان وأعمالهما المتصلة بها والمضمومة إليها، وأن يسلم له ولايتها وأعمالها كلها وأجنادها والكور الداخلة فيما ولى جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين أبا عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين، فلا يعوقه عنها، ولا يحبسه قبله ولا في شئ من البلدان دون خراسان والكور والأعمال المضمومة إليها، وأن يعجل إشخاصه إليها واليًا عليها وعلى جميع أعمالها، مفردًا بها مفوضًا إليه أعمالها كلها؛ لينزل حيث أحب من كور عمله، ولا ينقله عنها، وأن يشخص معه جميع من ضم إليه أمير المؤمنين، ويضم من مواليه وقواده وشاكريته وأصحابه وكتابه وعماله وخدمه ومن اتبعه من صنوف الناس بأهاليهم وأولادهم وعيالهم وأموالهم، ولا يحبس عنه أحدًا، ولا يشرك في شئ من أعماله أحدًا، ولا يوجه عليه أمينًا ولا كتابًا ولا بريدًا، ولا يضرب على يده في قليل ولا كثير.
    وأن يطلق محمد المنتصر بالله لإبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين الخروج إلى الشأم وأجنادها فيمن ضم أمير المؤمنين ويضمه إليه من مواليه وقواده وخدمه وجنوده وشاكريته وصحابته وعماله وخدامه ومن اتبعه من صنوف الناس بأهاليهم وأولا دهم وأموالهم، ولا يحبس عنهم أحدًا، ويسلم إليه ولايتها دونها، وأن يعجل إشخاصه إلى الشأم وأجنادها واليًا عليها، ولا ينقله عنها؛ وأن عليه له فيمن ضم إليه من القواد والموالي والغلمان والجنود والشاكرية وأصناف الناس وفي جميع الأسباب والوجوه مثل الذي اشترط على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين لأبي عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين في خراسان وأعمالهما على ما رسم من ذلك، وبين ولخص، وشرح في هذا الكتاب.
    ولإبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين على أبي عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين - إذا أفضت الخلافة إليه، وإبراهيم المؤيد بالله مقيم الشام - أن يقره بها أو كان بحضرته، أو كا غائبًا عنه، أن يمضيه إلى عمله من الشأم، ويسلم إليه أجنادها وولايتها وأعمالها كلها، ولا يعوّقه عنها، ولا يحبسه قبله ولا في شيء من البلدان دونها، وأن يعجّل إشخاصه إليها واليًا عليها وعلى جميع أعمالها؛ على مثل الشرط الذي أخذ لأبي عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين في خراسان وأعمالها؛ على ما رسم ووصف وشرط في شرط في هذا الكتاب؛ لم يجعل أمير المؤمنين لواحد ممن وقعت عليه وله هذه الشروط؛ من محمد المنتصر بالله، وأبى عبد الله المعتزّ بالله، وإبراهيم المؤيد بالله؛ بني أمير المؤمنين، أن يزيل شيئًا مما اشترطا في هذا الكتاب، ووكّدنا، وعليهم جميعًا الوفاء به؛ لا يقبل الله منهم إلّا ذلك، ولا التمسّك إلا بعهد الله فيه؛ وكان عهد الله مسؤلًا.
    أشهد الله ربّ العالمين جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين ومن حضره من المسلمين بجميع ما في الكتاب على إمضائه إياه؛ على محمد المنتصر بالله، وأبي عبد الله المعتز بالله، وإبراهيم المؤيد بالله، بني أمير المؤمنين بجميع ما سمّي ووصف فيه، وكفى بالله شهيدًا ومعينًا لمن أطاعه راجيًا، ووفىّ بعهده خائفًا وحسيبًاُ؛ ومعاقبًا من خالفه معاندًا، أو صدف عن أمره مجاهدًا.
    وقد كتب هذا الكتاب أربع نسخ، وقعت شهادة الشهود بحضرة أمير المؤمنين في كلّ نسخة منها؛ في خزانة أمير المؤمنين نسخة، وعند محمد المنتصر ابن أمير المؤمنين نسخة، وعند أبي عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين نسخة، ونسخة عند إبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين.
    وقد ولى جعفر الإمام المتوكل على الله أبا عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين أعمال فارس وإرمينية وأذربيجان إلى مايلي أعمال خراسان وكورها والأعمال المتّصلة بها والمضمونة إليها، على أن يجعل له على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين في ذلك الذي جعل له في الحياطة في نفسه، والوثاق في أعماله، والمضمومين إليه وسائر من يستعين به من الناس جميعًا في خراسان والكور المضمومة إليها والمتصلة بها على ما سمّي ووصف في هذا الكتاب.
    وقال إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول يمدح بني المتوكل الثلاثة: المنتصر، والمعتزّ، والمؤيد:
    أضحت عرى الإسلام وهي منوطةٌ ** بالنّصر والإعزاز والتأييد
    بخليفة من هاشمٍ وثلاثةٍ ** كنفوا الخلافة من ولاة عهود
    قمرٌ توالت حوله أقماره ** يكنفن مطلع سعده بسعود
    كنفتهم الآباء واكتنفت بهم ** فسعوا بأكرم أنفس وجدود


  • #30
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وله في المعتزّ بالله:
    أشرق المشرق بالمع ** تزّ بالله ولاحا
    إنما المعتز طيبٌ ** بثّ في الناس ففاحا
    وله أيضًا:
    الله أظهر دينه ** وأعزّه بمحمد
    والله أكرم بالخلا ** فة جعفر بن محمد
    والله أيّد عهده ** بمحمدٍ ومحمد
    ومؤيّد لمؤيدين ** إلى النبي محمّد
    وفيها كانت وفاة إسحاق بن إبراهيم صاحب الجسر في يوم الثلاثاء لست بقين من ذي الحجة، وقيل كانت وفاته لسبع بقين منه. وصيّر ابنه مكانه، وكسى خمس خلع، وقلّد سيفًا، وبعث المتوكل حين انتهى إليه خبر مرضه بابنه المعتزّ لعيادته مع بغا الشرابي وجماعة من القواد والجند.
    وذكر أن ماء دجلة تغيّر في هذه السنة إلى الصفرة ثلاثة أيام، ففرح الناس لذلك، ثم صار في لون ماء المدود وذلك في ذي الحجة.
    وفيها أتى المتوكل بيحيى بن عمر بن حسين بن زيد بن علي بن أبي طالب عليه السلام من بعض النواحي؛ وكان - فيما ذكر - قد جمع قومًا، فضربه عمر بن فرج ثمان عشرة مقرعة، وحبس ببغداد في المطبق.
    وحجّ بالناس في هذه السنة محمد بن داود.
    ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    خبر مقتل محمد بن إبراهيم بن مصعب

    فمن ذلك ما كان من مقتل محمد بن إبراهيم بن مصعب بن زريق، أخي إسحاق بن إبراهيم بفارس.
    ذكر الخبر عن مقتله وكيف قتل
    حدثني غير حد، عن محمد بن إسحاق بن إبراهيم؛ أن أباه إسحاق بلغه عنه أنه أكول لا يملأ جوفه شيء، وأنه أمر باتخاذ الطعام والأكثار منه؛ ثم أرسل إليه فدعاه؛ ثم أمره أن يأكل، وقال له: إني أحب أن أرى أكلك فأكل وأكثر حتى عجب إسحاق منه ثم قدم إليه بعد ما ظنّ أنه شبع وامتلأ من الطعام حملٌ مشوي، فأكل منه حتى لم يبق منه إلا عظامه؛ فلما فرغ من أكله، قال: يا بني، مال أبيك لا يقوم بطعام بطنك؛ فالحق أمير المؤمنين؛ فإنّ ماله أحمل لك من مالي. فوجّهه إلى الباب وألزمه الخدمة، فكان في خدمة السلطان حياة أبيه، وخليفة أبيه ببابه، حتى مات أبوه إسحاق؛ فعقد له المعتز على فارس، وعقد له المنتصر على اليامة والبحرين وطريق مكة، في المحرم من هذه السنة، وضم إليه المتوكل أعمال أبيه كلها، وزاده المنتصر ولاية مصر؛ وذلك أنه كان - فيما ذكر - حمل إلى المتوكل وأولياءه عهده مما كان في خزائن أبيه من الجواهر والأشياء النفسية ما حظي به عندهم، فرفعوه ورفعوا مرتبته. فلما بلغ محمد بن إبراهيم ما فعل بابن أخيه محمد بن إسحاق تنكر للسلطان، وبلغ المتوكل عنه أمور أنكرها، فأخبرني بعضهم أن تنكر محمد بن إبراهيم إنما كان لابن أخيه محمد بن إسحاق، واعتلاله عليه بحمل خراج فارس إليه. وإن محمدًا شكا إلى المتوكل ما كان من تنكر عمه محمد بن إبراهيم في ذلك، فبسط يده عليه، وأطلق له العمل فيه بما أحب، فوفى محمد بن إسحاق الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب فارس، وعزل عمه، وتقدم محمد إلى الحسين بن إسماعيل في قتل عمه محمد بن إبراهيم؛ فذكر أنه لما صار إلى فارس أهدى إليه في يوم النيروز هدايا؛ فكان فيما أهدى إليه حلواء، فأكل محمد بن إبراهيم منها ثم دخل الحسين بن إسماعيل عليه، فأمر بإدخاله إلى موضع آخر وإعادة الخلواء عليه، فأكل أيضًا منها، فعطش فاستسقى، فمنع الماء، ورام الخروج من الموضع الذي أدخل إليه؛ فإذا هو محبوس لا سبيل له إلى الخروج؛ فعاش يومين وليلتين، ومات. فحمل ماله وعياله إلى سامرا على مائة جمل. ولما ورد نعى محمد بن إبراهيم على المتوكل أمر بالكتاب فيه إلى طاهر بن عبد الله بن طاهر بالتعزية فكتب: أما بعد، فإن أمير المؤمنين يوجب لك مع كل فائدة ونعمة تهنئتك بمواهب الله وتعزيتك عن ملمات أقداره؛ وقد مضى الله في محمد بن إبراهيم مولى أمير المؤمنين ما هو قضاؤه في عباده؛ حتى يكون الفناء لهم والبقاء له. وأمير المؤمنين يعزيك عن محمد بما أوجب الله لمن عمل بما أمره به في مصائبه؛ من جزيل ثوابه وأجره؛ فليكن الله وما قربك منه أولى بك في أحوالك كلها؛ فإن مع شكر الله مزيده، ومع التسليم لأمر الله رضاه؛ وبالله توفيق أمير المؤمنين. والسلام.
    ذكر خبر وفاة الحسن بن سهل

    وفي هذه السنة توفي الحسن بن سهل في قول بعضهم في أول ذي الحجة منها، وقال قائل هذه المقالة: مات محمد بن إسحاق بن إبراهيم في هذا الشهر لأربع بقين منه. وذكر عن القاسم بن أحمد الكوفي، أنه قال: كنت في خدمة الفتح بن خاقان في سنة خمس وثلاثين ومائتين، وكان الفتح يتولى للمتوكل أعمالًا، منها أخبار الخاصة والعامة بسامرا والهاروني وما يليها؛ فورد كتاب إبراهيم بن عطاء المتولي الأخبار بسامرا يذكر وفاة الحسن بن سهل، وأنه شرب شربة دواء في صبيحة يوم الخميس لخميس ليال بقين من ذي العقدة من سنة خمس وثلاثين ومائتين أفرطت عليه، وأنه توفي في هذا اليوم وقت الظهر، وأن المتوكل أمر بتجهيز جهازه من خزائنه. فلما وضع على سريره تعلق به جماعة من التجار من غرماء الحسن بن سهل، ومنعوه من دفنه، فتوسط أمرهم يحيى بن خاقان وإبراهيم بن عتاب ورجل يعرف ببرغوث؛ فقطعوا أمرهم، ودفن. فلما كان من الغد ورد كتاب صاحب البريد بمدينة السلام بوفاة محمد بن إسحاق بن إبراهيم بعد الظهر يوم الخميس لخمس خلون من ذي الحجة، فجزع عليه المتوكل جزعًا، وقال: تبارك الله وتعالى! كيف توافيت منية الحسن ومحمد بن إسحاق في وقت واحد!
    ذكر خبر هدم قبر الحسين بن علي

    وفيها أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه؛ فذكر أن عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق؛ فهرب الناس، وامتنعوا من المصير إليه؛ وحرث ذلك الموضع، وزرع ما حواليه.
    وفيها استكتب المتوكل عبيد الله بن يحيي بن خاقان، وصرف محمد بن الفضل الجرجرائي.
    وفيها حج محمد المنتصر، وحجت معه جدته شجاع أم المتوكل، فشيعها المتوكل إلى النجف.
    وفيها هلك أبو سعيد محمد بن يوسف المروزي الكبح فجاءة، ذكر أن فارس بن بغا الشرابي وهو خليفة أبيه، عقد لأبي سعيد هذا، وهو مولى طيء على أذربيجان وأرمينية، فعسكر بالكرخ؛ كرخ فيروز؛ فلما كان لسبع بقين من شوال وهو بالكرخ مات فجاءة، لبس أحد خفيه ومد الآخر ليلبسه فسقط ميتًا، فولى المتوكل ابنه يوسف ما كان أبوه وليه من الحرب، وولاه بعد ذلك خراج الناحية وضياعها، فشخص إلى الاحية فضبطها ووجه عماله في كل ناحية. وحج المتوكل بالناس في هذه السنة المنتصر محمد بن جعفر المتوكل.
    ثم دخلت سنة سبع وثلاثين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ذكر وثوب أهل إرمينية بعاملهم يوسف بن محمد

    فمن ذلك ما كان من وثوب أهل إرمينية بيوسف بن محمد فيها.


  • #31
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر الخبر عن سبب وثوبهم به
    قد ذكرنا فيما مضى قبل سبب استعمال المتوكل يوسف بن محمد هذا إياه على إرمينية؛ فأما سبب وثوب أهل إرمينية به؛ فإنه كان - فيما ذكر أنه لما صار إلى عمله من إرمينية خرج رجل من البطارقة يقال له بقراط بن أشوط؛ وكان يقال له بطريق البطارقة، يطلب الإمارة؛ فأخذه يوسف بن محمد، وقيده وبعث به إلى باب الخليفة، فأسلم بقراط وابنه؛ فذكر أن يوسفلما حمل بقراط بن أشوط اجتمع عليه ابن بقراط بن أشوط وجماعة من بطارقة إرمينية، وكان الثلج قد وقع في المدينة التي فيها يوسف؛ وهي - فيما قيل - طرون؛ فلما سكن الثلج أناخوا عليها من كل ناحية، وحاصروا يوسف ومن معه في المدينة، فخرج يوسف إلى باب المدينة، فقاتلهم فقتلوه وكل من قاتل معه؛ فأما من لم يقاتل معه؛ فإنهم قالوا له: ضع ثيابك، وانج عريانًا فطرح قوم منهم كثير ثيابهم، ونجوا عراة حفاة، فمات أكثرهم من البرد، وسقطت أصابع قوم منهم ونجوا؛ وكانت البطارقة لما حمل يوسف بقراط بن أشوط تحالفوا على قتله، وذروا ووافقهم على ذلك موسى بن زرارة، وهو على ابنه بقراط، فنهى سوادة بن عبد الحميد الحجافي يوسف بن أبي سعيد عن المقام بموضعه، وأعلمه بما أتاه من أخبار البطارقة، فأبى أن يفعل، فوافاه القوم في شهر رمضان، فأحدقوا بسور المدينة والثلج ما بين عشرين ذراعًا إلى أقل حول المدينة إلى خلاط إلى دبيل، والدنيا كلها ثلج وكان يوسف قبل ذلك قد فرق أصحابه في رساتيق عمله، فتوجه إلى كل ناحية منها قوم من أصحابه، فوجه إلى كل طائفة منهم من البطارقة، ممن معهم جماعة، فقتلوهم في يوم واحد، وكانوا قد حاصروه في المدينة أيامًا، فخرج إليهم فقاتل حتى قتل، فوجه المتوكل بغا الشرابي إلى إرمينية طالبًا بدم يوسف، فشخص إليها من ناحية الجزيرة، فبدأ بأرزون بموسى بن زرارة، وهو " أبو الحر " وله أخوة: إسماعيل وسليمان وأحمد وعيسى ومحمد وهارون، فحمل بغا موسى بن زرارة إلى باب الخليفة، ثم سار فأناخ بجبل الخويثية؛ وهم جمة أهل إرمينية، وقتلة يوسف بن محمد، فحاربهم فظفر بهم، فقتل زهاء ثلاثين ألفًا، وسبي منهم خلقًا كثيرًا، فباعهم بإرمينية، ثم سار إلى بلاد الباق فأسر أشوط بن حمزة أبا العباس وهو صاحب الباق - والباق من كور البسفرجان وبني النشوى، ثم سار إلى مدينة دبيل من إرمينية، فأقام بها شهرًا، ثم سار إلى تفليس.
    وفي هذه السنة ولى عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بغداد ومعاون السواد. وفيها قدم محمد بن عبد الله بن طاهر من خراسان، لثمان بقين من شهر ربيع الآخر، فولى الشرطة والجزية وأعمال السواد وخلافة أمير المؤمنين بمدينة السلام، ثم صار إلى بغداد.
    وفيها عزل المتوكل محمد بن أحمد بن أبي داود عن المظالم، وولاها محمد ابن يعقوب المعروف بأبي الربيع.
    وفيها رضى عن ابن أكثم، وكان ببغداد فأشخص إلى سامرا، فولى القضاء على القضاة، ثم ولى أيضًا بالمظالم، وكان عزل المتوكل محمد بن أحمد ابن أبي داود عن مظالم سامرا لعشر بقين من صفر من هذه السنة.
    ذكر غضب المتوكل على ابن أبي دواد

    وفيها غضب المتوكل على ابن أبي دواد؛ وأمر بالتوكل على ضياع أحمد ابن أبي داود لخمس بقين من صفر، وحبس يوم لثلاث خلون من شهر ربيع الأول ابنه أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي دواد في ديوان الخراج، وحبس إخوته عند عبيد الله بن السري خليفة صاحب الشرطة، فلما كان يوم الاثنين حمل أبو الوليد مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار وجواهر بقيمة عشرين ألف دينار، ثم صولح بعد ذلك على ستة عشر ألف درهم، وأشهد عليهم جميعًا ببيع كل ضيعة لهم؛ وكان أحمد بن أبي داود قد فلج، فلما كان يوم الأربعاء لسبع خلون من شعبان، أمر المتوكل بولد أحمد بن أبي داود، فحدروا إلى بغداد، فقال أبو العتاهية:
    لو كنت في الرأي منسوبًا إلى رشد ** وكان عزمك عزمًا فيه توفيق
    لكان في الفقه شغلٌ لو قنعت به ** عن أن تقول: كلام الله مخلوق
    ماذا عليك وأصل الدين يجمعهم ** ما كان في الفرع لولا الجهل والموق
    وأقيم فيها الخلنجي للناس في جمادى الآخرة.
    وفيها ولى ابن أكثم قضاء الشرقية حيان بن بشر، وولى سوار بن عبد الله العنبري قضاء الجانب الغربي، وكلاهما أعور، فقال الجماز
    رأيت من الكبائر قاضيين ** هما أحدوثة في الخافقين
    هما اقتسما العمى نصفين قدًا ** كما اقتسما قضاء الجانبين
    وتحسب منهما من هز رأسًا ** لينظر في مواريث ودين
    كأنك قد وضعت عليه دنًا ** فتحت بزاله من فرد عين
    هما فأل الزمان بهلك يحيي ** إذ افتتح القضاء بأعورين
    خبر إنزال جثة ابن نصر ودفعه إلى أوليائه

    وفيها أمر المتوكل في يوم الفطر منها بإنزال جثة أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي، ودفعه إلى أوليائه.
    ذكر خبر عما فعل به وما كان من الأمر بسبب ذلك ذكر أن المتوكل لما أمر بدفع جتثه إلى أوليائه لدفنه، فعل ذلك، فدفع إليهم؛ وقد كان المتوكل لما أفضت إليه الخلافة، نهى عن الجدال في القرآن وغيره، وفذت كتبه بذلك إلى الآفاق وهم بإنزال أحمد بن نصر عن خشبته، فاجتمع الغوغاء والرعاع إلى موضع تلك الخشبة، وكثروا وتكلموا، فبلغ ذلك المتوكل، فوجه إليهم نصر من الليث، فأخذ منهم نحوًا من عشرين رجلًا فضربهم وحبسهم وترك إنزال أحمد بن نصر من خشبته لما بلغه من أطلقوا؛ فلما دفع بدنه إلى أوليائه في الوقت الذي ذكرت حمله ابن أخيه موسى إلى بغداد، وغسل ودفن، وضم رأسه إلى بدنه، وأخذ عبد الرحمن بن حمزة جسده في منديل مصري، فمضى به إلى منزله، فكفنه وصلى عليه، وتولى إدخاله القبر مع بعض أهله رجلٌ من التجار، ويقال له الأبرازي فكتب صاحب البريد ببغداد - وكان يعرف بابن الكلبي، من موضع بناحية واسط، يقال له الكلبانية - إلى المتوكل بخبر العامة، وما كان من اجتماعها وتمسحها بالجنازة؛ جنازة أحمد بن نصر وبخشبة رأسه؛ فقال المتوكل ليحيى بن أكثم: كيف دخل ابن الأبرازي القبر على كبرة خزاعة! فقال: يا أمير المؤمنين، كان صديقًا له. فأمر المتوكل إلى محمد بن عبد الله ابن طاهر بمنع العامة من الإجتماع والحركة في مثل هذا وشبهه؛ وكان بعضهم أوصى ابنه عند موته أن يرهب العامة؛ فكتب المتوكل ينهى عن الإجتماع.
    وغزا الصائفة في هذه السنة علي بن يحيى الأزمتي.
    وحج بالناس فيها علي بن عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور، وكان والي مكة.
    ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ذكر ظفر بغا بإسحاق بن إسماعيل وإحراقه مدينة تفليس

    فمن ذلك ما كان من ظفر بغا بإسحاق بن إسماعيل مولى بني أمية بتفليس وإحراقه مدينة تفليس.
    ذكر الخبر عما كان من بغا في ذلك
    ذكر أن بغا لما صار إلى دبيل بسبب قتل القاتلين من أهل إرمينية يوسف ابن محمد، أقام بها شهرًا؛ فلما كان يوم السبت لعشر خلون من شهر ربيع الأول من سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وجه بغا زيرك التركي، فجاوز الكر - وهو نهر عظيم مثل الصراة ببغداد وأكبر، وهو ما بين المدينة وتفليس في الجانب الغربي وصغدبيل في الجانب الشرقي - وكان معسكرًا بغا في الشرقي، فجاوز زيرك الكر إلى مدينة تفليس، ولتفليس خمسة أبواب: باب الميدان، وباب قريس، وباب الصغير، وباب الربض، وباب صغدبيل - والكر نهر ينحدر مع المدينة - ووجه أيضًا أبا العباس الواثي النصراني إلى أهل إرمينية عربها وعجمها، فأتاهم زيرك مما يلي الميدان وأبو العباس مما يلي باب الربض، فخرج إسحاق بن إسماعيل إلى زيرك، فناوشه القتال، ووقف بغا على تل مطل على المدينة مما يلي صغدبيل؛ لينظر ما يصنع زيرك وأبو العباس، فبعث بغا النفاطين فضربوا المدينة بالنار؛ وهي من خشب الصنوبر، فهاجت الريح في الصنوبر، فأقبل إسحاق بن إسماعيل إلى المدينة لينظر؛ فإذا النار قد أخذت في قصره وجواريه، وأحاطت به النار؛ ثم أتاه الأتراك والمغاربة فأخذوه أسيرًا، وأخذوا ابنه عمرًا، فأتوا بهما بغا، فأمر بغا به، فرد إلى باب الحسك، فضربت عنقه هناك صبرًا، وحمل رأسه إلى بغا، وصلبت جيفته على الكر؛ وكان شيخًا محدودًا ضخم الرأس، يخضب بالوسمة، آدم أصلع أحول؛ فنصب رأسه على باب الحسك.
    وكان الذي تولى قتله غامش خليفة بغا، واحترق في المدينة نحو من خمسين ألف إنسان، وأطفئت النار في يوم وليلة؛ لأنها نار الصنوبر، لا بقاء لها، وصبحهم المغاربة، فأسروا من كان حيًا، وسلبوا الموتى. وكانت امرأة إسحاق نازلةً بصغدبيل، وهي حذاء تفليس في الجانب الشرقي، وهي مدينة بناها كسرى أنوشروان؛ وكان إسحاق قد حصنها وحفر خندقها، وجعل فيها مقاتلة من الخويثية وغيرهم. وأعطاهم بغا الأمان على أن يضعوا أسلحتهم، ويذهبوا حيث شاء. وكات امرأة إسحاق ابنة صاحب السرير.
    ثم وجه بغا - فيما ذكر - زيرك إلى قلعة الجردمان - وهي بين برذعة وتفليس - في جماعة من جنده، ففتح زيرك الجردما، وأخذ بطريقها القطريج أسيرًا، فحمله إلى العسكر. ثم نهض بغا إلى عيسى بن يوسف بن أخت اصطفانوس؛ وهو في قلعة كثيش من كورة البيلقان، وبينها وبين البيلقان عشرة فراسخ، وبينها وبين برذعة خمسة عشر فرسخًا، فحاربه، ففتحها، وأخذه وحمله وحمل ابنه معه وأباه، وحمل أبا العباس الواثي - واسمه سنباط بن أشوط - وحمل معه معاوية بن سهل بن سنباط بطريق أران، وحمل آذر نرسى بن إسحاق الخاشني.
    ذكر مقدم الروم بمراكبهم إلى دمياط

    وفي هذه السنة جاءت للروم ثلثمائة مركب مع عرفا وابن قطوا وأمرداقه - وهم كانوا الرؤساء في البحر - مع كل واحد منهم مائة مركب، فأاخ ابن قطونا بدمياط، وبينها وبين الشط شبيه بالبحيرة يكون فيها الماء إلى صدر الرجل؛ فمن جازها إلى الأرض أمن من مراكب البحر؛ فجازها قوم فسلموا، وغرق قوم كثير من نساء وصبيان؛ واحتمل من كانت له قوة في السفن؛ فنجوا إلى ناحية الفسطاط، وبينها وبين الفسطاط مسيرة أربعة أيام. وكان والي معونة مصر عبسة بن إسحاق الضبي، فلما قرب العيد، أمر الجند الذي بدمياط أن يحضروا الفسطاط لتحمل لهم في العيد، وأخلى دمياط من الجند؛ فانتهى مراكب الروم من ناحية شطا التي يعمل فيها الشطوي، فأناخ بها مائة مركب من الشلندية؛ تحمل كل مركب ما بين الخمسين رجلًا إلى المائة؛ فخرجوا إليه وأحرقوا ما وصلوا إليه من دورها وأخصاصها، واحتملوا سلاحًا كان فيها أرادوا حمله إلى أبي حفص صاحب أقريطش نحوًا من ألف قناة وآلتها، وقتلوت من أمكنهم قتله من الرجال، وأخذوا من الأمتعة والقند والكتان ما كان عبئ ليحمل إلى العراق، وسبوا من المسلمات والقبطيات نحوًا من ستمائة امرأة؛ ويقال إن المسلمات منهن مائة وخمس وعشرون امرأة والباقي من نساء القبط.
    ويقال إن الروم الذين كانوا في الشلنديات التي أناخت بدمياط كانوا نحوًا من خمسة آلاف رجل، فأوقروا سفنهم من المتاع والأموال والنساء، وأحرقوا خزانة القلوع وهي شرع السفن، وأحرقوا مسجد الجامع بدمياط، وأحرقوا كنائس؛ وكان من حزر منهم ممن غرق في بحيرة دمياط من النساء والصبيان أكثر ممن سباه الروم. ثم رحل الروم عنها.
    وذكر أن ابن الأكشف كان محبوسًا في سجن دمياط، حبسه عنبسة، فكسر قيده وخرج؛ فقاتلهم، وأعانه قوم، فقتل من الروم جماعة، ثم صاروا إلى أشتوم تنيس، فلم يحمل الماء سفنهم إليها، فخشوا أن توحل؛ فلما لم يحملهم الماء صاروا إلى أشتومها - وهي مرسى بينه وبين تنيس أربعة فراسخ وأقل، وله سور وباب حديد كان المعتصم أمر بعمله - فخربوا عامته، وأحرقوا ما فيه من المجانيق والعرادات، وأخذوا بابيه الحديد؛ فحملوهما، ثم توجهوا إلى بلادهم، لم يعرض لهم أحد.
    وخرج المتوكل في هذه السنة يوم الاثنين لخمس خلون من جمادى الآخرة من سامرا يريد المدائن، فصار إلى الشماسية يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة، فأقام هنالك إلى يوم السبت، وعبر بالعشي إلى قطربل، ثم رجع ودخل بغداد يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت منه فمضى في سوقها وشارعها حتى نزل الزعفرانية، ثم صار إلى المدائن.
    وغزا الصائفة فيها علي بن يحيى الأرمني.
    وحجّ بالناس فيها علي بن عيسى بن جعفر بن أبي جعفر.


  • #32
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ثم دخلت سنة تسع وثلاثين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    فما كان فيها من ذلك أمر المتوكل بأخذ أهل الذمة بلبس دراعتين عسليتين على الأقبية والدراريع في المحرم منها، ثم أمره في صفر بالاقتصار في مراكبهم على ركوب البغال والحمر دون الخيل والبراذين.
    وفيها في المتوكل علي بن الجهم بن بدر إلى خراسان.
    وفيها قتل صاحب الصناريه بباب العامة في جمادى الآخرة منها.
    وفيها أمر المتوكل بهدم البيع المحدثة في الإسلام.
    وفيها مات أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي داود ببغداد في ذي الحجة. وفيها غزا الصائفة علي بن يحيى الأرمني.
    وحج بالناس فيها عبد الله بن محمد بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى بن محمد ابن علي، وكان والي مكة.
    وفيها حج جعفر بن دينار؛ وكان والي طريق مكة مما يلي الكوفة فولى أحداث الموسم.
    وفيها اتفق شعانين النصارى ويوم النيروز؛ وذلك يوم الأحد لعشرين ليلة خلت من ذي العقدة، فذكر أن النصارى زعمت أنهما لم يجتمعا في الإسلام قط.
    ثم دخلت سنة أربعين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ذكر الخبر عن وثوب أهل حمص بعاملهم

    فما كان فيها من ذلك وثوب أهل حمص بعاملهم على المعونة.
    ذكر الخبر عن سبب ذلك وما آل إليه أمرهم ووثوبهم
    ذكر أن عاملهم على المعونة قتل رجلًا كان من رؤسائهم؛ وكان العامل يومئذ أبو المغيث الرافعي موسى بن إبراهيم، فوثب أهل حمص في جمادى الآخرة من هذه السنة، فقتلوا جماعة من أصحابه، ثم أخرجوه وأخرجوا صاحب الخراج من مدينتهم؛ فبلغ ذلك المتوكل؛ فوجه إليهم عتاب بن عتاب، ووجه معه محمد بن عبدويه كراديس الأنباري، وأمره أن يقول لهم: إن أمير المؤمنين قد أبد لكم رجلًا مكان رجل؛ فإن سمعوا وأطاعوا ورضوا؛ فول عليهم محمد بن عبدويه؛ وإن أبوا وثبتوا على الخلاف فأقم بمكانك، واكتب إلي أمير المؤمنين حتى يوجه إليك رجاء، أو محمد بن رجاء الحضاري أو غيره من الخيل لمحاربتهم؛ فخرج عتاب بن عتاب من سامرا يوم الاثنين لخمس بقين من شهر جمادى الآخرة، فرضوا بمحمد بن عبدويه، فولاه عليهم ففعل فيهم الأعاجيب.
    وفيها مات أحمد بن أبي داود ببغداد في المحرم بعد ابنه أبي الوليد محمد؛ وكان ابنه محمد توفي قبله بعشرين يومًا في ذي الحجة ببغداد.
    وفيها عزل يحيى بن أكثم عن القضاء في صفر، وقبض منه ما كان له ببغداد ومبلغه خمسة وسبعون ألف دينار، ومن أسطوانة في داره ألفًا دينار وأربعة آلاف جريب بالبصرة.
    وفيها ولى جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان بن علي القضاء على القضاة في صفر.
    وحج بالناس في هذه السنة عبد الله بن محمد بن داود وحج بن دينار وهو والي الأحداث بالموسم.
    ثم دخلت سنة إحدى وأربعين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ذكر الخبر عن وثوب أهل حمص بعاملهم مرة أخرى

    فمن ذلك ما كان من وثوب أهل حمص بعاملهم على المعونة؛ وهو محمد ابن عبدويه.
    ذكر الخبرعما كان من أمرهم فيها وما آل إليه الأمر بينهم
    ذكر أن أهل حمص وثبوا في جمادى الآخرى من هذه السنة بمحمد بن عبدويه عاملهم على المعونة، وأعانهم على ذلك قوم من نصارى حمص، فكتب بذلك إلى المتوكل، فكتب إليه يأمره بمناهضتهم، وأمده بجند من راتبة دمشق، مع صالح العباسي التركي؛ وهو عامل دمشق وجند من جند الرملة، فأمره أن يأخذ من رؤسائهم ثلاثة نفر فيضربهم بالسياط ضرب التلف؛ فإذا ماتوا صلبهم على أبوابهم، وأن يأخذ بعد ذلك من وجوههم عشرين إنسانًا فيضربهم ثلثمائة سوط، كل واحد منهم، ويحملهم في الحديد إلى باب أمير المؤمنين، وأن يخرب ما بها من الكنائس والبيع، وأن يدخل البيعة التي إلى جانب مسجدها في المسجد، وألا يترك في المدينة نصرانيًا إلا أخرجه منها، وينادي فيهم قبل ذلك، فمن وجده فيها بعد ثلاثة أحسن أدبه. وأمر لمحمد بن عبدويه بخمسين ألف درهم، وأمر لقواده ووجوه أصحابه بصلات، وأمر لخليفته علي بن الحسين بخمسة عشر ألف درهم، ولقواده بخمسة آلاف، وأمر بخلع؛ فأخذ محمد بن عبدويه عشرة منهم؛ فكتب بأخذهم، وأنه قد حملهم إلى دار أمير المؤمنين ولم عشرة منهم؛ فكتب بأخذهم، وأنه قد حملهم إلى دار أمير المؤمنين ولم يضربهم؛ فوجه المتوكل رجلًا من أصحاب الفتح بن خاقان يقال له محمد بن رزق الله، ليرد من الذين وجه بهم ابن عبدويه محمد بن عبد الحميد الحميدي والقاسم بن موسى بن فوعوس إلى حمص، وأن يضربهما ضرب التلف، ويصلبهما على باب حمص، فردهما وضربهما بالسياط حتى ماتا، وصلبهما على باب حمص، وقدم بالآخرين سامرا وهم ثمانية؛ فلما صاروا بنصيبين مات واحد منهم، فأخذ المتوكل بهم رأسه، وقدم بسبعة منهم سامرا وبرأس الميت. ثم كتب محمد بن عبدويه أه أخذ عشرة نفر منهم بعد ذلك، وضرب منهم خمسة نفر بالسياط فماتوا، ثم ضرب خمسة فلم يموتوا. ثم كتب محمد ابن عبدويه بعد ذلك أنه ظفر برجل منهم من المخالفين يقال له عبد الملك بن إسحاق ابن عمارة - وكان فيما ذكر - رأسًا من رءوس الفتنة؛ فضربه بباب حمص بالسياط حتى مات، وصلبه على حصن يعرف بتل العباس.
    قال أبو جعفر: وفي هذه السنة مطر الناس - فيما ذكر - بسامرا مطرًا جودًا في آب. وفيها ولى القضاء بالشرقية في المحرم أبو حسان الزيادي.

  • صفحة 8 من 28 الأولىالأولى ... 67891018 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثامن)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 40
      آخر مشاركة: 09-01-2010, 05:38 AM
    2. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 80
      آخر مشاركة: 08-15-2010, 11:10 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 72
      آخر مشاركة: 08-14-2010, 11:05 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1