صفحة 8 من 11 الأولىالأولى ... 678910 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 29 إلى 32 من 41

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثامن)


  1. #29
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر الخبر عن سبب تولية الرشيد جعفرا مصر وتولية جعفر عمر بن مهران إياها

    ذكر محمد بن عمر أن أحمد بن مهران حدثه أن الرشيد بلغه أن موسى بن عيسى عازم على الخلع - وكان على مصر - فقال: والله لا أعزله إلا بأخس من على بابي. انظروا لي رجلًا، فذكر عمر بن مهران - وكان إذ ذاك يكتب للخيزران، ولم يكتب لغيرها، وكان رجلًا أحول مشوه الوجه، وكان لباسه لباسًا خسيسًا، أرفع ثيابه طيلسانه، وكانت قيمته ثلاثين درهمًا، وكان يشمر ثيابه ويقصر أكمامه، ويركب بغلًا وعليه رسن ولجام حديد، ويردف غلامه خلفه - فدعا به، فولاه مصر، خراجها وضياعها وحربها. فقال: يا أمير المؤمنين، أتولاها على شريطة، قال: وما هي؟ قال: يكون إذني إلي، إذا أصلحت البلاد انصرفت. فجعل ذلك له، فمضى إلى مصر، واتصلت ولاية عمر بن مهران بموسى بن عيسى؛ فكان يتوقع قدومه، فدخل عمر بن مهران مصر على بغل، وغلامه أبو درة على بغل ثقل، فقصد دار موسى بن عيسى والناس عنده، فدخل فجلس في أخريات الناس، فلما تفرق أهل المجلس، قال موسى بن عيسى لعمر: ألك حاجة يا شيخ؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير! ثم قام بالكتب فدفعها إليه، فقال: يقدم أبو حفص، أبقاه الله! قال: فأنا أبو حفص، قال: أنت عمر بن مهران؟ قال: نعم، قال: لعن الله فرعون حين يقول: أليس لي ملك مصر، ثم سلم له العمل ورحل، فتقدم عمر بن مهران إلى أبي درة غلامه، فقال له: لا تقبل من الهدايا إلا ما يدخل في الجراب، لا تقبل دابة ولا جارية ولا غلامًا؛ فجعل الناس يبعثون بهداياهم، فجعل يرد ما كان من الألطاف، ويقبل المال والثياب، ويأتي بها عمر؛ فيوقع عليها أسماء من بعث بها، ثم وضع الجباية؛ وكان بمصر قوم قد اعتادوا المطل وكسر الخراج، فبدأ برجل منهم، فلواه، فقال: والله ما تؤدي ما عليك من الخراج إلا في بيت المال بمدينة السلام إن سلمت، قال: فأنا أؤدي، فتحمل عليه، فقال: قد حلفت ولا أحنث، فأشخصه مع رجلين من الجند - وكان العمال إذ ذاك يكاتبون الخليفة - فكتب معهم الرشيد: إني دعوت بفلان بن فلان، وطالبته بما عليه من الخراج؛ فلواني واستنظرني، فأنظرته ثم دعوته، فدافع ومال إلى الإلطاط، فآليت ألا يؤديه إلا في بيت المال بمدينة السلام، وجملة ما عليه كذا وكذا، وقد أنفذته مع فلان بن فلان وفلان بن فلان، من جند أمير المؤمنين، من قيادة فلان بن فلان؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يكتب إلي بوصله فعل إن شاء الله تعالى.
    قال: فلم يلوه أحد بشيء من الخراج، فاستأدى الخراج، النجم الأول والنجم الثاني، فلما كان في النجم الثالث، وقعت المطالبة والمطل، فأحضر أهل الخراج والتجار فطالبهم، فدافعوه وشكوا الضيقة، فأمر بإحضار تلك الهدايا التي بعث بها إليه، ونظر في الأكياس وأحضر الجهبذ؛ فوزن ما فيها وأجزاها عن أهلها، ثم دعا بالأسفاط، فنادى على ما فيها، فباعها وأجزى أثمانها عن أهلها. ثم قال: يا قوم، حفظت عليكم هداياكم إلى وقت حاجتكم إليها، فأدوا إلينا ما لنا؛ فأدوا إليه حتى أغلق مال مصر؛ فانصرف ولا يعلم أنه أغلق مال مصر غيره، وانصرف، فخرج على بغل، وأبو درة على بغل - وكان إذنه إليه.
    وغزا الصائفة في هذه السنة عبد الرحمن بن عبد الملك، فافتتح حصنًا.
    وحج بالناس في هذه السنة سليمان بن أبي جعفر المنصور، وحجت معه - فيما ذكر الواقدي - زبيدة زوجة هارون وأخوها معها.
    ثم دخلت سنة سبع وسبعين ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    فما كان فيها من ذلك عزل الرشيد - فيما ذكر - جعفر بن يحيى عن مصر وتوليته إياها إسحاق بن سليمان، وعزله حمزة بن مالك عن خراسان وتوليته إياها الفضل بن يحيى؛ إلى ما كان يليه من الأعمال من الري وسجستان.
    وغزا الصائفة فيها عبد الرزاق بن عبد الحميد التغلبي.
    وكان فيها - فيما ذكر الواقدي - ريح وظلمة وحمرة ليلة الأحد لأربع ليال بقين من المحرم، ثم كانت ظلمة ليلة الأربعاء، لليلتين بقيتا من المحرم من هذه السنة؛ ثم كانت ريح وظلمة شديدة يوم الجمعة لليلة خلت من صفر.
    وحج بالناس فيها هارون الرشيد.
    ثم دخلت سنة ثمان وسبعين ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    فمما كان فيها من ذلك وثوب الحوفية بمصر؛ من قيس وقضاعة وغيرهم بعامل الرشيد عليهم إسحاق بن سليمان، وقتالهم إياه، وتوجيه الرشيد إليه هرثمة بن أعين في عدة من القواد المضمومين إليه مددًا لإسحاق بن سليمان؛ حتى أذعن أهل الحوف، ودخلوا في الطاعة، وأدوا ما كان عليهم من وظائف السلطان - وكان هرثمة إذ ذاك عامل الرشيد على فلسطين - فلما انقضى أمر الحوفية صرف هارون إسحاق بن سليمان عن مصر، وولاها هرثمة نحوًا من شهر، ثم صرفه وولاها عبد الملك بن صالح.
    وفيها كان وثوب أهل إفريقية بعبدويه الأنباري ومن معه من الجند هنالك، فقتل الفضل بن روح بن حاتم، وأخرج من كان بها من آل المهلب، فوجه الرشيد إليهم هرثمة بن أعين، فرجعوا إلى الطاعة.
    وقد ذكر أن عبدويه هذا لما غلب على إفريقية، وخلع السلطان، عظم شأنه وكثر تبعه، ونزع إليه الناس من النواحي، وكان وزير الرشيد يومئذ يحيى بن خالد بن برمك، فوجه إليه يحيى بن خالد بن برمك يقطين بن موسى ومنصور بن زياد كاتبه؛ فلم يزل يحيى بن خالد يتابع على عبدويه الكتب بالترغيب في الطاعة والتخويف للمعصية والإعذار إليه والإطماع والعدة حتى قبل الأمان، وعاد إلى الطاعة وقدم بغداد، فوفى له يحيى بما ضمن له وأحسن إليه، وأخذ له أمانًا من الرشيد، ووصله ورأسه.
    وفي هذه السنة فوض الرشيد أموره كلها إلى يحيى بن خالد بن برمك.
    وفيها خرج الوليد بن طريف الشاري بالجزيرة، وحكم بها، ففتك بإبراهيم بن خازم بن خزيمة بنصيبين، ثم مضى منها إلى إرمينية.
    ولاية الفضل بن يحيى على خراسان وسيرته بها

    وفيها شخص الفضل بن يحيى إلى خراسان واليًا عليها، فأحسن السيرة بها، وبنى بها المساجد والرباطات. وغزا ما وراء النهر، فخرج إليه خاراخره ملك أشروسنة؛ وكان ممتنعًا.
    وذكر أن الفضل بن يحيى اتخذ بخراسان جندًا من العجم سماهم العباسية، وجعل ولاءهم لهم، وأن عدتهم بلغت خمسمائة ألف رجل، وأنه قدم منهم بغداد عشرون ألف رجل، فسموا ببغداد الكرنبية، وخلف الباقي منهم بخراسان على أسمائهم ودفاترهم؛ وفي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة:
    ما الفضل إلا شهاب لا أفول له ** عند الحروب إذا ما تأفل الشهب
    حامٍ على ملك قوم عز سهمهم ** من الوراثة في أيديهم سبب
    أمست يد لبني ساقي الحجيج بها ** كتائب ما لها في غيرهم أرب
    كتائب لبني العباس قد عرفت ** ما ألف الفضل منها العجم والعرب
    أثبت خمس مئين في عدادهم ** من الألوف التي أحصت لك الكتب
    يقارعون عن القوم الذين هم ** أولى بأحمد في الفرقان إن نسبوا
    إن الجواد بن يحيى الفضل لا ورق ** يبقى على جود كفيه ولا ذهب
    ما مر يوم له مذ شد مئزره ** إلا تمول أقوام بما يهب
    كم غايةٍ في الندى والبأس أحرزها ** للطالبين مداها دونها تعب
    يعطي الله حين لا يعطي الجواد ولا ** ينبو إذا سلت الهندية القضب
    ولا الرضى والرضى لله غايته ** إلى سوى الحق يدعوه ولا الغضب
    قد فاض عرفك حتى ما يعادله ** غيث مغيث ولا بحر له حدب
    قال: وكان مروان بن أبي حفصة قد أنشد الفضل في معسكره قبل خروجه إلى خراسان:
    ألم تر أن الجود من لدن آدمٍ ** تحدر حتى صار في راحة الفضل
    إذا ما أبو العباس راحت سماؤه ** فيا لك من هطل ويا لك من وبل
    إذا أم طفل راعها جوع طفلها ** دعته باسم الفضل فاستعصم الطفل
    ليحيا بك الإسلام إنك عزه ** وإنك من قوم صغيرهم كهل
    وذكر محمد بن العباس بن يحيى أمر له بمائة ألف درهم، وكساه وحمله على بغلة. قال: وسمعته يقول: أصبت في قدمتي هذه سبعمائة ألف درهم. وفيه يقول:
    تخيرت للمدح بن يحيى بن خالد ** فحسبي ولم أظلم بأن أتخيرا
    له عادة أن يبسط العدل والندى ** لمن ساس من قحطان أو من تنزرا
    إلى المنبر الشرقي سار ولم يزل ** له والد يعلو سريرًا ومنبرا
    يعد ويحيى البرمكي ولا يرى ** لدى الدهر إلا قائدًا أو مومرا
    ومدحه سلم الخاسر، فقال:
    وكيف تخاف من بؤسٍ بدارٍ ** تكنفها البرامكة البحور
    وقوم منهم الفضل بن يحيى ** نفير ما يوازنه نفير
    له يومان: يوم ندىً وبأسٍ ** كأن الدهر بينهما أسير
    إذا ما البرمكي غدا ابن عشرٍ ** فهمته وزير أو أمير
    وذكر الفضل بن إسحاق الهاشمي أن إبراهيم بن جبريل خرج مع الفضل بن يحيى إلى خراسان وهو كاره للخروج، فأحفظ ذلك الفضل عليه. قال إبراهيم: فدعاني يومًا بعد ما أغفلني حينًا، فدخلت عليه؛ فلما صرت بين يديه سلمت، فما رد علي، فقلت في نفسي: شر والله - وكان مضطجعًا، فاستوى جالسًا - ثم قال: ليفرخ روعك يا إبراهيم، فإن قدرتي عليك تمنعني منك؛ قال: ثم عقد لي على سجستان، فلما حملت خراجها، وهبه لي وزادني خمسمائة ألف درهم. قال: وكان إبراهيم على شرطه وحرسه، فوجهه إلى كابل، فافتحها وغنم غنائم كثيرة. قال: وحدثني الفضل بن العباس بن جبريل - وكان مع عمه إبراهيم - قال: وصل إلى إبراهيم في ذلك الوجه سبعة آلاف درهم، فلما قدم بغداد وبنى داره في البغيين استزار الفضل ليريه نعمته عليه، وأعد له الهدايا والطرف وآنية الذهب والفضة، وأمر بوضع الأربعة الآلاف في ناحية من الدار. قال: فلما قعد الفضل بن يحيى قدم إليه الهدايا والطرف، فأبى أن يقبل منها شيئًا، وقال: لم آتك لأسلبك، فقال: إنها نعمتك أيها الأمير. قال: ولك عندنا مزيد، قال: فلم بأخذ من جميع ذلك إلا سوطًا سجزيًا، وقال: هذا من آلة الفرسان، فقال له: هذا المال من مال الخراج، فقال: هو لك، فأعاد عليه، فقال: أما لك بيت يسعه! فسوغه ذلك، وانصرف.
    قال: ولما قدم الفضل بن يحيى من خراسان خرج الرشيد إلى بستان أبي جعفر يستقبله، وتلقاه بنو هاشم والناس من القواد والكتاب والأشراف، فجعل يصل الرجل بالألف ألف، وبالخمسمائة ألف، ومدحه مروان بن أبي حفصة، فقال:
    حمدنا الذي أدى ابن يحيى فأصبحت ** بمقدمه تجري لنا الطير أسعدا
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #30
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وما هجعت حتى رأته عيوننا ** وما زلن حتى آب بالدمع حشدا
    لقد صبحتنا خيله ورجاله ** بأروع بذ الناس بأسًا وسوددا
    نفى عن خراسان العدو كما نفى ** ضحى الصبح جلباب الدجى فتعردا
    لقد راع من أمسى بمرو مسيره ** إلينا، وقالوا شعبنا قد تبددا
    على حين ألقى قفل كل ظلامةٍ ** وأطلق بالعفو الأسير المقيدا
    وأفشى بلا من مع العدل فيهم ** أيادي عرفٍ باقياتٍ وعودا
    فأذهب روعات المخاوف عنهم ** وأصدر باغي الأمن فيهم وأوردا
    وأجدى على الأيتام فيهم بعرفه ** فكان من الآباء أحنى وأعودا
    إذا الناس راموا غاية الفضل في الندى ** وفي البأس ألفوها من النجم أبعدا
    سما صاعدًا بالفضل يحيى وخالد ** إلى كل أمر كان أسنى وأمجدا
    يلين لمن أعطى الخليفة طاعةً ** ويسقي دم العاصي الحسام المهندا
    أذلت مع الشرك النفاق سيوفه ** وكانت لأهل الدين عزًا مؤبدا
    وشد القوى من بيعة المصطفى الذي ** على فضله عهد الخليفة قلدا
    سمي النبي الفاتح الخاتم الذي ** به الله أعطى كل خير وسددا
    أبحت جبال الكابلي ولم تدع ** بهن لنيران الضلالة موقدا
    فأطلعتها خيلًا وطئن جموعه ** قتيلًا ومأسورًا وفلًا مشردا
    وعادت على ابن البرم نعماك بعدما ** تحوب مخذ ولا يرى الموت مفردا
    وذكر العباس بن جرير، أن حفص بن مسلم - وهو أخو رزام بن مسلم، مولى خالد بن عبد الله القسري - حدثه أنه قال: دخلت على الفضل بن يحيى مقدمه خراسان، وبين يديه بدر تفرق بخواتيمها، فما فضت بدرة منها، فقلت:
    كفى الله بالفضل بن يحيى بن خالدٍ ** وجود يديه بخل كل بخيل
    قال: فقال لي مروان بن أبي حفصة: وددت أني سبقتك إلى هذا البيت، وأن علي غرم عشرة آلاف درهم.
    وغزا فيها الصائفة معاوية بن زفر بن عاصم، وغزا الشاتية فيها ابن راشد، ومعه البيد بطريق صقلية.
    وحج بالناس فيها محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي، وكان على مكة.
    ثم دخلت سنة تسع وسبعين ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    فمما كان فيها من ذلك انصراف الفضل بن يحيى عن خراسان واستخلافه عليها عمرو بن شرحبيل.
    وفيها ولى الرشيد خراسان منصور بن يزيد بن منصور الحميري.
    وفيها شري بخراسان حمزة بن أترك السجستاني.
    وفيها عزل الرشيد محمد بن خالد بن برمك عن الحجبة، وولاها الفضل بن الربيع.
    وفيها رجع الوليد بن طريف الشاري إلى الجزيرة واشتدت شوكته، وكثر تبعه، فوجه الرشيد إليه يزيد بن مزيد الشيباني، فراوغه يزيد، ثم لقيه وهو مغتر فوق هيت، فقتله وجماعة كانوا معه، وتفرق الباقون، فقال الشاعر:
    وائل بعضها يقتل بعضًا ** لا يفل الحديد إلا الحديد
    وقالت الفارعة أخت الوليد:
    أيا شجر الخابور ما لك مورقًا ** كأنك لم تجزع على ابن طريف
    فتىً لا يحب الزاد إلا من التقى ** ولا المال إلا من قنًا وسيوف
    واعتمر الرشيد في هذه السنة في شهر رمضان، شكرًا لله على ما أبلاه في الوليد بن طريف، فلما قضى عمرته انصرف إلى المدينة، فأقام بها إلى وقت الحج، ثم حج بالناس، فمشى من مكة إلى منى، ثم إلى عرفات، وشهد المشاهد والمشاعر ماشيًا، ثم انصرف على طريق البصرة.
    وأما الواقدي فإنه قال: لما فرغ من عمرته أقام بمكة حتى أقام للناس حجهم.
    ثم دخلت سنة ثمانين ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ذكر الخبر عن العصبية التي هاجت بالشام

    فمما كان فيها من ذلك، العصبية التي هاجت بالشام بين أهلها.
    ذكر الخبر عما صار إليه أمرها
    ذكر أن هذه العصبية لما حدثت بالشام بين أهلها وتفاقم أمرها، اغتم بذلك من أمرهم الرشيد، فعقد لجعفر بن يحيى على الشام، وقال له: إما أن تخرج أنت أو أخرج أنا، فقال له جعفر بل أقيك بنفسي؛ فشخص في جلة القواد والكراع والسلاح، وجعل على شرطه العباس بن محمد بن المسيب بن زهير، وعلى حرسه شبيب بن حميد بن قحطبة، فأتاهم فأصلح بينهم؛ وقتل زواقيلهم، والمتلصصة منهم، ولم يدع بها رمحًا ولا فرسًا، فعادوا إلى الأمن والطمأنينة؛ وأطفأ تلك النائرة، فقال منصور النمري لما شخص جعفر:
    لقد أوقدت بالشام نيران فتنةٍ ** فهذا أوان الشأم تخمد نارها
    إذا جاش موج البحر من آل برمكٍ ** عليها، خبت شهبانها وشرارها
    رماها أمير المؤمنين بجعفرٍ ** وفيه تلاقى صدعها وانجبارها
    رماها بميمون النقيبة ماجد ** تراضى به قحطانها ونزارها
    تدلت عليهم صخرة برمكيةً ** دموغ لهام الناكبين انحدارها
    غ*** تزجى غابة في رءوسها ** نجوم الثريا والمنايا ثمارها
    إذا خفقت راياتها وتجرست ** بها الريح هال السامعين انبهارها
    فقولوا لأهل الشأم: لا يسلبنكم ** حجاكم طويلات المنى وقصارها
    فإن أمير المؤمنين بنفسه ** أتاكم وإلا نفسه فخيارها
    هو الملك المأمول للبر والتقى ** وصولاته لا يستطاع خطارها
    وزير أمير المؤمنين وسيفه ** وصعدته والحرب تدمى شفارها
    ومن تطو أشرار الخليفة دونه ** فعندك مأواها وأنت قرارها
    وفيت فلم تغدر لقوم بذمةٍ ** ولم تدن من حالٍ ينالك عارها
    طبيب بإحياء الأمور إذا التوت ** من الدهر أعناق، فأنت جبارها
    إذا ما ابن يحيى جعفر قصدت له ** ملمي خطب لم ترعه كبارها
    لقد نشأت بالشأم منك غمامة ** يؤمل جدواها ويخشى دمارها
    فطوبى لأهل الشأم يا ويل أمها ** أتاها حياها، أو أتاها بوارها
    فإن سالموا كانت غمامة نائلٍ ** وغيثٍ، وإلا فالدماء قطارها
    أبوك أبو الأملاك يحيى بن خالدٍ ** أخو الجود والنعمى الكبار صغارها
    كأين ترى في البرمكيين من ندىً ** ومن سابقاتٍ ما يشق غبارها
    غدا بنجوم السعد من حل رحله ** إليك، وعزت عصبة أنت جارها
    عذيري من الأقدار هل عزماتها ** مخلفتي عن جعفرٍ واقتسارها
    فعين الأسى مطروفة لفراقه ** ونفسي إليه ما ينام ادكارها
    وولى جعفر بن يحيى صالح بن سليمان البلقاء وما يليها، واستخلف على الشأم عيسى بن العكي وانصرف، فازداد الرشيد له إكرامًا. فلما قدم على الرشيد دخل عليه - فيما ذكر - فقبل يديه ورجليه، ثم مثل بين يديه، فقال: الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي آنس وحشتي، وأجاب دعوتي، ورحم تضرعي، وأنسأ في أجلي، حتى أراني وجه سيدي، وأكرمني بقربه، وامتن علي بتقبيل يده، وردني إلى خدمته؛ فوالله إن كنت لأذكر غيبتي عنه ومخرجي، والمقادير التي أزعجتني؛ فاعلم أنها كانت بمعاصٍ لحقتني وخطايا أحاطت بي؛ ولو طال مقامي عنك يا أمير المؤمنين - جعلني الله فداك - لخفت أن يذهب عقلي إشفاقًا على قربك، وأسفًا على فراقك، وأن يعجل بي عن إذنك الاشتياق إلى رؤيتك؛ والحمد لله الذي عصمنيفي حال الغيبة، وأمتعني بالعافية، وعرفني الإجابة ومسكني بالطاعة، وحال بيني وبين استعمال المعصية؛ فلم أشخص إلا عن رأيك، ولم أقدم إلا عن إذنك وأمرك؛ ولم يخترمني أجل دونك. والله يا أمير المؤمنين - ولا أعظم من اليمين بالله - لقد عاينت ما لو تعرض لي الدنيا كلها لاخترت عليها قربك، ولما رأيتها عوضًا من المقام معك. ثم قال له بعقب هذا الكلام في هذا المقام: إن الله يا أمير المؤمنين - لم يزل يبليك في خلافتك بقدر ما يعلم من نيتك، ويريك في رعيتك غاية أمنيتك، فيصلح لك جماعتهم، ويجمع إلفتهم، ويلم شعثهم؛ حفظًا لك فيهم، ورحمة لهم؛ وإنما هذا للتمسك بطاعتك، والاعتصام بحبل مرضاتك؛ والله المحمود على ذلك وهو مستحقه. وفارقت يا أمير المؤمنين أهل كور الشأم وهم منقادون لأمرك، نادمون على ما فرط من معصيتهم لك، متمسكون بحبلك، نازلون على حكمك، طالبون لعفوك، واثقون بحلمك، مؤملون فضلك، آمنون بادرتك، حالهم في ائتلافهم كحالهم كانت في اختلافهم، وحالهم في ألفتهم كحالهم كانت في امتناعهم، وعفو أمير المؤمنين عنهم وتغمده لهم سابق لمعذرتهم، وصلة أمير المؤمنين لهم، وعطفه عليهم متقدم عنده لمسألتهم. وأيم الله يا أمير المؤمنين لئن كنت قد شخصت عنهم، وقد أخمد الله شرارهم وأطفأ نارهم، ونفى مراقهم، وأصلح دهماءهم، وأولاني الجميل فيهم، ورزقني الانتصار منهم؛ فما ذلك كله إلا ببركتك ويمنك، وريحك ودوام دولتك السعيدة الميمونة الدائمة، وتخوفهم منك، ورجائهم لك. والله يا أمير المؤمنين ما تقدمت إليهم إلا بوصيتك، وما عاملتهم إلا بأمرك، ولا سرت فيهم إلا على حد ما مثلته لي ورسمته، ووقفتني عليه؛ ووالله ما انقادوا إلا لدعوتك، وتوحد الله بالصنع لك، وتخوفهم من سطوتك. وما كان الذي كان مني - وإن كنت بذلت جهدي، وبلغت مجهودي - قاضيًا ببعض حقك علي؛ بل ما ازدادت نعمتك علي عظمًا؛ إلا وازددت عن شكرك عجزًا وضعفًا وما خلق الله أحدًا من رعيتك أبعد من أن يطمع نفسه في قضاء حقك مني، وما ذلك إلا أن أكون باذلًا مهجتي في طاعتك، وكل ما يقرب إلى موافقتك؛ ولكني أعرف من أياديك عندي ما لا أعرف مثلها عند غيري؛ فكيف بشكري وقد أصبحت واحد أهل دهري فيما صنعته في وبي! أم كيف بشكري وإنما أقوى على شكري بإكرامك إياي! وكيف بشكري ولو جعل الله شكري في إحصاء ما أوليتني لم يأت على ذلك عدي وكيف بشكري وأنت كهفي دون كل كهف لي! وكيف بشكري وأنت لا ترضى لي ما أرضاه لي! وكيف بشكري وأنت تجدد من نعمتك عندي ما يستغرق كل ما سلف عندك لي! أم كيف بشكري وأنت تنسيني ما تقدم من إحسانك إلي بما تجدده لي! أم كيف بشكري وأنت تقدمني بطولك على جميع أكفائي! أم كيف بشكري وأنت وليي! أم كيف بشكري وأنت المكرم لي! وأنا أسأل الله الذي رزقني ذلك منك من غير استحقاق له؛ إذا كان الشكر مقصرًا عن بلوغ تأدية بعضه، بل دون شقص من عشر عشيره، أن يتولى مكافأتك عني بما هو أوسع له، وأقدر عليه، وأن يقضي عني حقك، وجليل منتك؛ فإن ذلك بيده، وهو القادر عليه! وفي هذه السنة أخذ الرشيد الخاتم من جعفر بن يحيى، فدفعه إلى أبيه يحيى بن خالد.
    وفيها ولى جعفر بن يحيى خراسان وسجستان، واستعمل جعفر عليهما محمد بن الحسن بن قحطبة.
    وفيها شخص الرشيد من مدينة السلام مريدًا الرقة على طريق الموصل، فلما نزل البردان، ولى عيسى بن جعفر خراسان، وعزل عنها جعفر بن يحيى؛ فكانت ولاية جعفر بن يحيى إياها عشرين ليلة.
    وفيها ولى جعفر بن يحيى الحرس.
    وفيها هدم الرشيد سور الموصل بسبب الخوارج الذين خرجوا منها، ثم مضى إلى الرقة فنزلها واتخذها وطنًا.
    وفيها عزل هرثمة بن أعين عن إفريقية، وأقفله إلى مدينة السلام، فاستخلفه جعفر بن يحيى الحرس.
    وفيها كانت بأرض مصر زلزلة شديدة، فسقط رأس منارة الإسكندرية.
    وفيها حكم خراشة الشيباني وشري بالجزيرة، فقتله مسلم بن بكار بن مسلم العقيلي.
    وفيها خرجت المحمرة بجرجان، فكتب علي بن عيسى بن ماهان أن الذي هيج ذلك عليه عمرو بن محمد العمركي، وأنه زنديق، فأمر الرشيد بقتله، فقتل بمرو.
    وفيها عزل الفضل بن يحيى عن طبرستان والرويان، وولى ذلك عبد الله بن خازم. وعزل الفضل أيضًا عن الري، ووليها محمد بن يحيى بن الحارث بن شخير، وولي سعيد بن سلم الجزيرة.
    وغزا الصائفة فيها معاوية بن زفر بن عاصم.
    وفيها صار الرشيد إلى البصرة منصرفة من مكة، فقدمها في المحرم منها، فنزل المحدثة أيامًا، ثم تحول منها إلى قصر عيسى بن جعفر بالخريبة، ثم ركب في نهر سيحان الذي احتفره يحيى بن خالد؛ حتى نظر إليه، وسكر نهر الأبلة ونهر معقل، حتى استحكم أمر سيحان، ثم شخص عن البصرة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم، فقدم مدينة السلام، ثم شخص إلى الحيرة، فسكنها وابتنى فيها المنازل، وأقطع من معه الخطط، وأقام نحوًا من أربعين يومًا فوثب به أهل الكوفة، وأساءوا مجاورته، فارتحل إلى مدينة السلام، ثم شخص من مدينة السلام إلى الرقة، واستخلف بمدينة السلام حين شخص إلى الرقة محمدًا الأمين، وولاه العراقين.
    وحج بالناس في هذه السنة موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي.
    ثم دخلت سنة إحدى وثمانين ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    فكان فيها غزو الرشيد أرض الروم، فافتتح بها عنوةً حصن الصفصاف، فقال مروان بن أبي حفصة:
    إن أمير المؤمنين المصطفى ** قد ترك الصفصاف قاعًا صفصفا
    وفيها غزا عبد الملك بن صالح الروم، فبلغ أنقرة وافتتح مطمورة.
    وفيها توفي الحسن بن قحطبة وحمزة بن مالك.
    وفيها غلبت المحمرة على جرجان.
    وفيها أحدث الرشيد عند نزوله الرقة في صدور كتبه الصلاة على محمد .
    وحج بالناس في هذه السنة هارون الرشيد، فأقام للناس الحج، ثم صدر معجلًا. وتخلف عنه يحيى بن خالد، ثم لحقه بالغمرة فاستعفاه من الولاية فأعفاه، فرد إليه الخاتم، وسأله الإذن في المقام فأذن له، فانصرف إلى مكة.
    ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    فكان فيها انصراف الرشيد من مكة ومسيره إلى الرقة، وبيعته بها لابنه عبد الله المأمون بعد ابنه محمد الأمين، وأخذ البيعة له على الجند بذلك بالرقة، وضمه إياه إلى جعفر بن يحيى، ثم توجيهه إياه إلى مدينة السلام، ومعه من أهل بيته جعفر بن أبي جعفر المنصور وعبد الملك بن صالح، ومن القواد علي بن عيسى، فبويع له بمدينة السلام حين قدمها، وولاه أبوه خراسان وما يتصل بها إلى همذان، وسماه المأمون.
    وفيها حملت ابنة خاقان ملك الخزر إلى الفضل بن يحيى، فماتت ببرذعة، وعلى إرمينية يومئذ سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي، فرجع من كان فيها من الطراخنة إلى أبيها، فأخبروه أن ابنته قتلت غيلة، فحنق لذلك، وأخذ في الأهبة لحرب المسلمين.
    وانصرف فيها يحيى بن خالد إلى مدينة السلام.
    وغزا فيها الصائفة عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح، فبلغ دفسوس مدينة أصحاب الكهف.
    وفيها سملت الروم عيني ملكهم قسطنطين بن أليون، وأقروا أمه رييني، وتلقب أغسطة.
    وحج بالناس فيها موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي.


  • #31
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين ومائة

    ذكر الخبر عن الأحداث التي كانت فيه

    فمن ذلك خروج الخزر بسبب ابنه خاقان من باب من الأبواب وإيقاعهم بالمسلمين هناك وأهل الذمة، وسبيهم - فيما ذكر - أكثر من مائة ألف. فانتهكوا أمرًا عظيمًا لم يسمع في الإسلام بمثله، فولى الرشيد إرمينية يزيد بن مزيد مع أذربيحان، وقواه بالجند؛ ووجهه، وأنزل خزيمة بن خازم نصيبين ردءًا لا أهل إرمينية.
    وقد قيل سبب دخول الخزر إرمينية غير هذا القول؛ وذلك ما ذكره محمد بن عبد الله، أن أباه حدثه أن سبب دخول الخزر إرمينية في زمان هارون كان أن سعيد بن سلم ضرب عنق المنجم السلمي بفأس، فدخل ابنه بلاد الخزر، واستجاشهم على سعيد، فدخلوا إرمينية من الثلمة، فانهزم سعيد، ونكحوا المسلمات، وأقاموا فيها - أظن - سبعين يومًا، فوجه هارون خزيمة بن خازم ويزيد بن مزيد إلى إرمينية حتى أصلحا ما أفسد سعيد، وأخرجا الخزر، وسدت الثلمة.
    وفيها كتب الرشيد إلى علي بن عيسى بن ماهان وهو بخراسان بالمصير إليه؛ وكان سبب كتابه إليه بذلك؛ أنه كان حمل عليه، وقيل له: إنه قد أجمع على الخلاف، فاستخلف علي بن عيسى ابنه يحيى على خراسان، فأقره الرشيد، فوافاه علي، وحمل إليه مالًا عظيمًا، فرده الرشيد إلى خراسان من قبل ابنه المأمون لحرب أبي الخصيب، فرجع.
    وفيها خرج بنسا من خراسان أبو الخصيب وهيب بن عبد الله النسائي مولى الحريش.
    وفيها مات موسى بن جعفر بن محمد ببغداد ومحمد بن السماك القاضي وفيها حج بالناس العباس بن موسى الهادي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي.
    ثم دخلت سنة أربع وثمانين ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ففيها قدم هارون مدينة السلام في جمادى الآخرة منصرفًا إليها من الرقة في الفرات في السفن، فلما صار إليها أخذ الناس بالبقايا.
    وولي استخراج ذلك - فيما ذكر - عبد الله بن الهيثم بن سام بالحبس والضرب، وولي حماد البربري مكة واليمن، وولي داود بن يزيد بن حاتم المهلبي السند، ويحيى الحرشي الجبل، ومهرويه الرازي طبرستان، وقام بأمر إفريقية إبراهيم الأغلب، فولاها إياه الرشيد.
    وفيها خرج أبو عمرو الشاري فوجه إليه زهير القصاب فقتله بشهرزور.
    وفيها طلب أبو الخصيب الأمان، فأعطاه ذلك علي بن عيسى، فوافاه بمرر فأكرمه.
    وحج بالناس فيها إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي.
    ثم دخلت سنة خمس وثمانين ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    فمن ذلك ما كان من قتل أهل طبرستان مهرويه الرازي وهو واليها، فولى الرشيد مكانه عبد الله بن سعيد الحرشي.
    وفيها قتل عبد الرحمن الأبناوي أبان بن قحطبة الخارجي بمرج القلعة.
    وفيها عاث حمزة الشاري بباذغيس من خراسان، فوثب عيسى بن علي بن عيسى على عشرة آلاف من أصحاب حمزة فقتلهم، وبلغ كابل وزايلستان والقندهار، فقال أبو العذافر في ذلك:
    كاد عيسى يكون ذا القرنين ** بلغ المشرقين والمغربين
    لم يدع كابلًا ولا زابلستا ** ن فما حولها إلى الرخجين
    وفيها خرج أبو الخصيب ثانية بنسا، وغلب عليها وعلى أبيورد وطوس ونيسابور، وزحف إلى مرو، فأحاط بها، فهزم، ومضى نحو سرخس، وقوي أمره.
    وفيها مات يزيد بن مزيد ببرذعة، فولي مكانه أسد بن يزيد.
    وفيها مات يقطين بن موسى ببغداد.
    وفيها مات عبد الصمد بن علي ببغداد في جمادى الآخرة، ولم يكن ثغر قط؛ فأدخل القبر بأسنان الصبي، ومانقص له سن.
    وشخص فيها الرشيد إلى الرقة على طريق الموصل.
    واستأذنه فيها يحيى بن خالد في العمرة والجوار، فأذن له، فخرج في شعبان، واعتمر عمرة شهر رمضان، ثم رابط بجدة إلى وقت الحج، ثم حج. ووقعت في المسجد الحرام صاعقة فقتلت رجلين.
    وحج بالناس فيها منصور بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي.
    ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ففيها كان خروج علي بن عيسى بن ماهان من مرو لحرب أبي الخصيب إلى نسا، فقتله بها، وسبى نساءه وذراريه، واستقاما خراسان.
    وفيها حبس الرشيد ثمامة بن أشرس لوقوفه على كذبه في أمر أحمد بن عيسى بن زيد.
    وفيها مات جعفر بن أبي جعفر المنصور عند هرثمة. وتوفي العباس بن محمد ببغداد.
    ذكر حج الرشيد ثم كتابته العهد لأبنائه

    وحج بالناس فيها هارون الرشيد؛ وكان شخوصه من الرقة للحج في شهر رمضان من هذه السنة، فمر بالأنبار، ولم يدخل مدينة السلام؛ ولكنه نزل منزلًا على شاطئ الفرات يدعى الدارات، بينه وبين مدينة السلام سبعة فراسخ، وخلف بالرقة إبراهيم بن عثمان بن نهيك، وأخرج معه ابنيه: محمدًا الأمين وعبد الله المأمون؛ وليي عهده؛ فبدأ بالمدينة، فأعطى أهلها ثلاثة أعطية؛ كانوا يقدمون إليه فيعطيهم عطاء، ثم إلى محمد فيعطيهم عطاءً ثانيًا، ثم إلى المأمون فيعطيهم عطاء ثالثًا، ثم صار إلى مكة فأعطى أهلها، فبلغ ذلك ألف ألف دينار وخمسين ألف دينار.
    وكان الرشيد عقد لابنه محمد ولاية العهد - فيما ذكر محمد بن يزيد عن إبراهيم بن محمد الحجبي - يوم الخميس في شعبان سنة ثلاث وسبعين ومائة، وسماه الأمين، وضم إليه الشأم والعراق في سنة خمس وسبعين ومائة، ثم بايع لعبد الله المأمون بالرقة في سنة ثلاث وثمانين ومائة، وولاه من حد همذان إلى آخر المشرق، فقال في ذلك سلم بن عمرو الخاسر:
    بايع هارون إمام الهدى ** لذي الحجى والخلق الفاضل
    المخلف المتلف أمواله ** والضامن الأثقال للحامل
    والعالم النافذ في علمه ** والحاكم الفاضل والعادل
    والراتق الفاتق حلف الهدى ** والقائل الصادق والفاعل
    لخير عباس إذا حصلوا ** والمفضل المجدي على العائل
    أبرهم برًا وأولاهم ** بالعرف عند الحدث النازل
    لمشبه المنصور في ملكه ** إذا تدجت ظلمة الباطل
    فتم بالمأمون نور الهدى ** وانكشف الجهل عن الجاهل
    وذكر الحسن بن قريش أن القاسم بن الرشيد، كان في حجر عبد الملك بن صالح، فلما بايع الرشيد لمحمد المأمون، كتب إليه عبد الملك بن صالح:
    يأيها الملك الذي ** لو كان نجمًا كان سعدا
    اعقد لقاسم بيعة ** واقدح له في الملك زندا
    الله فرد واحد ** فاجعل ولاة العهد فردا
    فكان ذلك أول ما حض الرشيد على البيعة للقاسم. ثم بايع للقاسم ابنه، وسماه المؤتمن، وولاه الجزيرة والثغور والعواصم، فقال في ذلك:
    حب الخليفة حب لا يدين به ** من كان لله عاصٍ يعمل الفتنا
    الله قلد هارونًا سياستنا ** لما اصطفاه فأحيا الدين والسننا
    وقلد الأرض هارون لرأفته ** بنا أمينًا ومأمونًا ومؤتمنا
    قال:
    ولما قسم الأرض بين أولاده الثلاثة، قال بعض العامة: قد أحكم أمر الملك، وقال بعضهم: بل ألقى بأسهم بينهم، وعاقبة ما صنع في ذلك مخوفة على الرعية، وقالت الشعراء في ذلك، فقال بعضهم:
    أقول لغمة في النفس مني ** ودمع العين يطرد اطرادا
    خذي للهول عدته بحزمٍ ** سنلقى ما سيمنعك الرقادا
    فإنك إن بقيت رأيت أمرًا ** يطيل لك الكآبة والسهادا
    رأى الملك المهذب شر رأيٍ ** بقسمته الخلافة والبلادا
    رأى ما لو تعقبه بعلمٍ ** لبيض من مفارقه السوادا
    أراد به ليقطع عن بنيه ** خلافهم ويبتذلوا الودادا
    فقد غرس العداوة غير آلً ** وأورث شمل ألفتهم بدادا
    وألقح بينهم حربًا عوانًا ** وسلس لاجتنابهم القيادا
    فويل للرعية عن قليل ** لقد أهدى لها الكرب الشدادا
    وألبسها بلاءً غير فانٍ ** وألزمها التضعضع والفسادا
    ستجري من دمائهم بحور ** زواخر لا يرون لها نفادا
    فوزر بلائهم أبدًا عليه ** أغيًا كان ذلك أم رشادا
    قال: وحج هارون ومحمد وعبد الله معه وقواده ووزراؤه وقضاته في سنة ست وثمانين ومائة، وخلف بالرقة إبراهيم بن عثمان بن نهيك العكي على الحرم والخزائن والأموال والعسكر، وأشخص القاسم ابنه إلى منبج، فأنزله إياها بمن ضم إليه من القواد والجند، فلما قضى مناسكه كتب لعبد الله المأمون ابنه كتابين، أجهد الفقهاء والقضاة آراءهم فيهما، أحدهما على محمد بما اشترط عليه من الوفاء بما فيه من تسليم ما ولي عبد الله من الأعمال، وصير إليه من الضياع والغلات والجواهر والأموال، والآخر نسخة البيعة التي أخذها على الخاصة والعامة والشروط لعبد الله على محمد وعليهم، وجعل الكتابين في البيت الحرام بعد أخذه البيعة على محمد، وإشهاده عليه بها الله وملائكته ومن كان في الكعبة معه من سائر ولده وأهل بيته ومواليه وقواده ووزرائه وكتابه وغيرهم.
    وكانت الشهادة بالبيعة والكتاب في البيت الحرام، وتقدم إلى الحجبة في حفظهما، ومنع من أراد إخراجهما والذهاب بهما، فذكر عبد الله بن محمد ومحمد بن يزيد التيمي وإبراهيم الحجبي، وأن الرشيد حضر وأحضر وجوه بني هاشم والقواد والفقهاء، وأدخلوا البيت الحرام، وأمر بقراءة الكتاب على عبد الله ومحمد، وأشهد عليهما جماعة من حضر، ثم رأى أن يعلق الكتاب في الكعبة، فلما رفع ليعلق وقع، فقيل إن هذا الأمر سريع انتقاضه قبل تمامه. وكانت نسخة الكتاب: " بسم الله الرحمن الرحيم ". هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين، كتبه محمد بن هارون أمير المؤمنين، في صحة من عقله، وجوازٍ من أمره، طائعًا غير مكره. إن أمير المؤمنين ولاني العهد من بعده، وصير البيعة لي في رقاب المسلمين جميعًا، وولى عبد الله بن هارون العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين بعدي، برضًا مني وتسليم، طائعًا غير مكره، وولاه خراسان وثغورها وكورها وحربها وجندها وخراجها وطرزها وبريدها، وبيوت أموالها، وصدقاتها وعشرها وعشورها، وجميع أعمالها، في حياته وبعده. وشرطت لعبد الله هارون أمير المؤمنين برضًا مني وطيب نفسي، أن لأخي عبد الله بن هارون علي الوفاء بما عقد له هارون أمير المؤمنين من العهد والولاية والخلافة وأمور المسلمين جميعًا بعدي، وتسليم ذلك له؛ وما جعل له من ولاية خراسان وأعمالها كلها، وما أقطعه أمير المؤمنين من قطعية، أو جعل له من عقدة أو ضيعة من ضياعه، أو ابتاع من الضياع والعقد، وما أعطاه في حياته وصحته من مال أو حلي أو جوهر، أو متاع أو كسوة، أو منزل أو دواب، أو قليل أو كثير؛ فهو لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين، موفرًا مسلمًا إليه. وقد عرفت ذلك كله شيئًا شيئًا.


  • #32
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فإن حدث بأمير المؤمنين حدث الموت، وأفضت الخلافة إلى محمد بن أمير المؤمنين، فعلى محمد إنفاذ ما أمره به هارون أمير المؤمنين في تولية عبد الله بن هارون أمير المؤمنين خراسان وثغورها ومن ضم إليه من أهل بيت أمير المؤمنين بقرماسين؛ وأن يمضي عبد الله ابن أمير المؤمنين إلى خراسان والري والكور التي سماها أمير المؤمنين حيث كان عبد الله ابن أمير المؤمنين من معسكر أمير المؤمنين وغيره من سلطان أمير المؤمنين وجميع من ضم إليه أمير المؤمنين حيث أحب، من لدن الري إلى أقصى عمل خراسان. فليس لمحمد بن أمير المؤمنين أن يحول عنه قائدًا ولا مقودًا ولا رجلًا واحدًا ممن ضم إليه من أصحابه الذين ضمهم أمير المؤمنين، ولا يحول عبد الله ابن أمير المؤمنين عن ولايته التي ولاه إياها هارون أمير المؤمنين من ثغور خراسان وأعمالها كلها، ما بين عمل الري مما يلي همذان إلى أقصى خراسان وثغورها وبلادها؛ وما هو منسوب إليها، ولا يشخصه إليه، ولا يفرق أحدًا من أصحابه وقواده عنه، ولا يولي عليه أحدًا، ولا يبعث عليه ولا على أحد من عماله وولاة أموره بندارًا، ولا محاسبًا ولا عاملًا، ولا يدخل عليه في صغير من أمره ولا كبير ضررًا، ولا يحول بينه وبين العمل في ذلك كله برأيه وتدبيره، ولا يعرض لأحد ممن ضم إليه أمير المؤمنين من أهل بيته وصحابته وقضاته وعماله وكتابه وقواده وخدمه ومواليه وجنده؛ بما يلتمس إدخال الضرر والمكروه عليهم في أنفسهم ولا أقربائهم ولا مواليهم، ولا أحد بسبيل منهم، ولا في دمائهم ولا في أموالهم ولا في ضياعهم ودورهم ورباعهم وأمتعتهم ورقيقهم ودوابهم شيئًا من ذلك صغيرًا ولا كبيرًا، ولا أحد من الناس بأمره ورأيه وهواه، وبترخيص له في ذلك وإدهانٍ منه فيه لأحد من ولد آدم، ولا يحكم في أمرهم ولا أحد من قضاته ومن عماله وممن كان بسبب منه بغير حكم عبد الله ابن أمير المؤمنين ورأيه ورأي قضاته.
    وإن نزع إليه أحد ممن ضم أمير المؤمنين إلى عبد الله ابن أمير المؤمنين من أهل بيت أمير المؤمنين وصحابته وقواده وعماله وكتابه وخدمه ومواليه وجنده، ورفض اسمه ومكتبه ومكانه مع عبد الله ابن أمير المؤمنين عاصيًا له أو مخالفًا عليه؛ فعلى محمد ابن أمير المؤمنين رده إلى عبد الله ابن أمير المؤمنين بصغر له وقماء حتى ينفذ فيه رأيه وأمره.
    فإن أراد محمد ابن أمير المؤمنين خلع عبد الله ابن أمير المؤمنين عن ولاية العهد من بعده، أو عزل عبد الله ابن أمير المؤمنين عن ولاية خراسان وثغورها وأعمالها، والذي من حد عملها مما يلي همذان والكور التي سماها أمير المؤمنين في كتابه هذا أو صرف أحد من قواده الذين ضمهم أمير المؤمنين إليه ممن قدم قرماسين، أو أن ينتقصه قليلًا أو كثيرًا مما جعله أمير المؤمنين له بوجهٍ من الوجوه، أو بحيلة من الحيل؛ صغرت أو كبرت؛ فلعبد الله ابن هارون أمير المؤمنين الخلافة بعد أمير المؤمنين، وهو المقدم على محمد ابن أمير المؤمنين، وهو ولي الأمر بعد أمير المؤمنين والطاعة من جميع قواد أمير المؤمنين هارون من أهل خراسان وأهل العطاء وجميع المسلمين في جميع الأجناد والأمصار لعبد الله ابن أمير المؤمنين، والقيام معه، والمجاهدة لمن خالفه، والنصر له والذب عنه؛ ما كانت الحياة في أبدانهم. وليس لأحدٍ منهم جميعًا منكانوا، أو حيث كانوا، أن يخالفه ولا يعصيه، ولا يخرج من طاعته، ولا يطيع محمد ابن أمير المؤمنين في خلع عبد الله ابن هارون أمير المؤمنين وصرف العهد عنه من بعده إلى غيره، أو ينتقصه شيئًا مما جعله له أمير المؤمنين هارون في حياته وصحته، واشترط في كتابه الذي كتبه عليه في البيت الحرام في هذا الكتاب. وعبد الله ابن أمير المؤمنين المصدق في قوله، وأنتم في حل من البيعة التي في أعناقكم محمد ابن أمير المؤمنين هارون إن نقص شيئًا مما جعله له أمير المؤمنين هارون، وعلى محمد بن هارون أمير المؤمنين أن ينقاد لعبد الله ابن أمير المؤمنين هارون ويسلم له الخلافة.
    وليس لمحمد ابن أمير المؤمنين هارون، ولا لعبد الله ابن أمير المؤمنين أن يخلعا القاسم ابن أمير المؤمنين هارون، ولا يقدما عليه أحدًا من أولادهما وقراباتهما ولا غيرهم من جميع البرية؛ فإذا أفضت الخلافة إلى عبد الله ابن أمير المؤمنين، فالأمر إليه في إمضاء ما جعله أمير المؤمنين من العهد للقاسم بعده، أو صرف ذلك عنه إلى من رأى من ولده وإخوته، وتقديم من أراد أن يقدم قبله، وتصيير القاسم ابن أمير المؤمنين بعد من يقدم قبله، يحكم في ذلك بما أحب وأرى.
    فعليكم معشر المسلمين إنفاذ ما كتب به أمير المؤمنين في كتابه هذا، وشرط عليهم وأمر به، وعليكم السمع والطاعة لأمير المؤمنين فيما ألزمكم وأوجب عليكم لعبد الله ابن أمير المؤمنين، وعهد الله وذمته وذمة رسوله وذمم المسلمين والعهود والمواثيق التي أخذ الله على الملائكة المقربين والنبيين المرسلين، ووكدها في أعناق المؤمنين والمسلمين، لتفن لعبد الله أمير المؤمنين بما سمى، ولمحمد وعبد الله والقاسم بني أمير المؤمنين بما سمى وكتب في كتابه هذا، واشترط عليكم وأقررتم به على أنفسكم؛ فإن أنتم بدلتم من ذلك شيئًا، أو غيرتم، أو نكثتم، أو خالفتم ما أمركم به أمير المؤمنين، واشترط عليكم في كتابه هذا، فبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله محمد وذمم المؤمنين والمسلمين، وكل مال هو اليوم لكل رجل منكم أو يستفيده إلى خمسين سنة فهو صدقة على المساكين، وعلى كل رجل منكم المشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكة خمسين حجة، نذرًا واجبًا ولا يقبل الله منه إلا الوفاء بذلك؛ وكل مملوك لأحد منكم - أو يملكه فيما يستقبل إلى خمسين - حر، وكل امرأة له فهي طالق ثلاثًا البتة طلاق الحرج، لا مثنوية فيها. والله عليم بذلك كفيل وراع، وكفى بالله حسيبا.
    نسخة الشرط الذي كتب عبد الله ابن أمير المؤمنين بخط يده في الكعبة

    هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين، كتبه له عبد الله بن هارون أمير المؤمنين، في صحة عقله، وجوازٍ من أمره، وصدق نية فيما كتب في كتابه هذا، ومعرفة بما فيه من الفضل والصلاح له ولأهل بيته وجماعة المسلمين. إن أمير المؤمنين هارون ولاني العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين في سلطانه بعد أخي محمد بن هارون، وولاني في حياته ثغور خراسان وكور وجميع أعمالها، وشرط على محمد بن هارون الوفاء بما عقد لي من الخلافة وولاية أمور العباد والبلاد بعده، وولاية خراسان وجميع أعمالها، ولا يعرض لي في شيء مما أقطعني أمير المؤمنين، أو أبتاع من الضياع والعقد والرباع أو ابتعت منه من ذلك، وما أعطاني أمير المؤمنين من الأموال والجوهر والكساء والمتاع والدواب والرقيق وغير ذلك، ولا يعرض لي ولا لأحد من عمالي وكتابي بسبب محاسبة، ولا يتبع لي في ذلك ولا لأحد منهم أبدًا، ولا يدخل علي ولا على ولا عليهم ولا على من كان معي ومن استعنت به من جميع الناس مكروهًا؛ في نفس ولا دم ولا شعر ولا بشر ولا مال، ولا صغير من الأمور ولا كبير. فأجابه إلى ذلك، وأقر به وكتب له كتابًا، أكد فيه على نفسه ورضي به أمير المؤمنين هارون وقبله، وعرف صدق نيته فيه. فشرطت لأمير المؤمنين وجعلت له على نفسي أن أسمع لمحمد وأطيع ولا أعصيه، وأنصحه ولا أغشه، وأوفي بيعته وولايته، ولا أغدر، ولا أنكث، وأنفذ كتبه وأموره، وأحسن موازرته وجهاد عدوه في ناحيتي، ما وفى لي بما شرط لأمير المؤمنين في أمري، وسمى في الكتاب الذي كتبه لأمير المؤمنين، ورضي به أمير المؤمنين، ولم يتبعني بشيء من ذلك، ولم ينقض أمرًا من الأمور التي شرطها أمير المؤمنين لي عليه.
    فإن احتاج محمد بن أمير المؤمنين إلى جند، وكتب إلي يأمرني بإشخاصه إليه، أو إلى ناحية من النواحي، أو عدو من أعدائه؛ خالفه أو أراد نقص شيء من سلطانه أو سلطاني الذي أسنده أمير المؤمنين إلينا وولانا إياه؛ فعلي أن أنفذ أمره ولا أخالفه، ولا أقصر في شيء كتب به إلي. وإن أراد محمد أن يولي رجلًا من ولده العهد والخلافة من بعدي؛ فذلك له ما وفى لي بما جعله أمير المؤمنين إلي واشترطه لي عليه، وشرط على نفسه في أمري، وعلى إنفاذ ذلك والوفاء له به؛ ولا أنقص من ذلك ولا أغيره ولا أبدله، ولا أقدم قبله أحدًا من ولدي، ولا قريبًا ولا بعيدًا من الناس أجمعين؛ إلا أن يولي أمير المؤمنين هارون أحدًا من ولده العهد من بعدي؛ فيلزمني ومحمدًا الوفاء له.
    وجعلت لأمير المؤمنين ومحمد على الوفاء بما شرطت وسميت في كتابي هذا، ما وفى لي محمد بجميع ما اشترط لي أمير المؤمنين عليه في نفسي، وما أعطاني أمير المؤمنين من جميع الأشياء المسماة في هذا الكتاب الذي كتبه لي، وعلى عهد الله وميثاقه وذمة أمير المؤمنين وذمتي وذمم آبائي وذمم المؤمنين وأشد ما أخذ الله على النبيين والمرسلين من خلقه أجمعين، من عهوده ومواثيقه، والأيمان المؤكدة التي أمر الله بالوفاء بها، ونهى عند نقضها وتبديلها؛ فإن أنا نقضت شيئًا مما شرطت وسميت في كتابي هذا أو غيرت أو بدلت، أو نكثت أو غدرت، فبرئت من الله عز وجل ومن ولايته ودينه، ومحمد رسول الله ، ولقيت الله يوم القيامة كافرًا مشركًا؛ وكل امرأة هي لي اليوم أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة طالق ثلاثًا البتة طلاق الحرج؛ وكل مملوك هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله، وعلي المشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكة ثلاثين حجة، نذرًا واجبًا علي في عنقي حافيًا راجلًا؛ لا يقبل الله مني إلا الوفاء بذلك، وكل مال لي أو أملكه إلى ثلاثين سنة هدى بالغ الكعبة؛ وكل ما جعلت لأمير المؤمنين وشرطت في كتابي هذا لازم لا أضمر غيره، ولا أنوي غيره.
    وشهد سليمان بن أمير المؤمنين وفلان وفلان. وكتب في ذي الحجة سنة ست وثمانين ومائة.
    نسخة كتاب هارون بن محمد الرشيد إلى العمال

    بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإن الله ولي أمير المؤمنين وولي ما ولاه، والحافظ لما استرعاه وأكرمه به من خلافته وسلطانه، والصانع له فيما قدم وأخر من أموره، والمنعم عليه بالنصر والتأييد في مشارق الأرض ومغاربها، والكالئ والحافظ والكافي من جميع خلقه؛ وهو المحمود على جميع آلائه، المسئول تمام حسن ما أمضى من قضائه لأمير المؤمنين، وعادته الجميلة عنده، وإلهام ما يرضى به، ويوجب عليه أحسن المزيد من فضله. وقد كان من نعمة الله عز وجل عند أمير المؤمنين وعندك وعند عوام المسلمين ما تولى الله من محمد وعبد الله ابني أمير المؤمنين، من تبليغه بهما أحسن ما أملت الأمة، ومدت إليه أعناقها، وقذف الله لهما في قلوب العامة من المحبة والمودة والسكون إليهما والثقة بهما، لعماد دينهم، وقوام أمورهم؛ وجمع ألفتهم، وصلاح دهمائهم، ودفع المحذور والمكروه من الشتات والفرقة عنهم؛ حتى ألقوا إليهما أزمتهم، وأعطوهما بيعتهم وصفقات أيمانهم، بالعهود والمواثيق ووكيد الأيمان المغلظة عليهم. أراد الله فلم يكن له مرد، وأمضاه فلم يقدر أحد من العباد على نقضه ولا إزالته، ولا صرفٍ له عن محبته ومشيئته، وما سبق في علمه منه. وأمير المؤمنين يرجو تمام النعمة عليه وعليهما في ذلك وعلى الأمة كافة؛ ولا عاقب لأمر الله ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.
    ولم يزل أمير المؤمنين منذ اجتمعت الأمة على عقد العهد لمحمد بن أمير المؤمنين من بعد أمير المؤمنين ولعبد الله ابن أمير المؤمنين من بعد محمد ابن أمير المؤمنين، يعمل فكره ورأيه ورويته فيما فيه الصلاح لهما ولجميع الرعية والجمع للكلمة، واللم للشعث، والدفع للشتات والفرقة، والحسم لكيد أعداء النعم؛ من أهل الكفر والنفاق والغل والشقاق، والقطع لآمالهم من كل فرصة يرجون إدراكها وانتهازها منهما بانتقاص حقهما. ويستخير الله أمير المؤمنين في ذلك، ويسأله العزيمة له على ما فيه الخيرة لهما ولجميع الأمة، والقوة في أمر الله وحقه وائتلاف أهوائهما، وصلاح ذات بينهما، وتحصينهما من كيد أعداء النعم، ورد حسدهم ومكرهم وبغيهم وسعيهم بالفساد بينهما.
    فعزم أمير المؤمنين على الشخوص بهما إلى بيت الله، وأخذ البيعة منهما لأمير المؤمنين بالسمع والطاعة والإنفاذ لأمره، واكتتاب الشرط على كل واحد منهما لأمير المؤمنين ولهما بأشد المواثيق والعهود، وأغلظ الأيمان والتوكيد، والأخذ لكل واحد منهما على صاحبه بما التمس به أمير المؤمنين اجتماع إلفتهما ومودتهما وتواصلهما وموازرتهما ومكانفتهما على حسن النظر لأنفسهما ولرعية أمير المؤمنين التي استرعاهما، والجماعة لدين الله عز وجل وكتابه وسنن نبيه ، والجهاد لعدو المسلمين؛ من كانوا وحيث كانوا، وقطع طمع كل عدو مظهر للعداوة، ومسر لها، وكل منافق ومارق، وأهل الأهواء الضالة المضلة من تكيد بكيد توقعه بينهما، وبدحس يدحس به لهما، وما يلتمس أعداء الله وأعداء النعم وأعداء دينه من الضرب بين الأمة، والسعي بالفساد في الأرض، والدعاء إلى البدع والضلالة؛ نظرًا من أمير المؤمنين لدينه ورعيته وأمة نبيه محمد ومناصحة لله ولجميع المسلمين، وذبًا عن سلطان الله الذي قدره، وتوحد فيه للذي حمله إياه والاجتهاد في كل ما فيه قربة إلى الله، وما ينال به رضوانه، والوسيلة عنده.
    فلما قدم مكة أظهر لمحمد وعبد الله رأيه في ذلك، وما نظر فيه لهما، فقبلا كل ما دعاهما إليه من التوكيد على أنفسهما بقبوله، وكتبا لأمير المؤمنين في بطن بيت الله الحرام بخطوط أيديهما، بمحضر ممن شهد الموسم من أهل بيت أمير المؤمنين وقواده وصحابته وقضاته وحجبة الكعبة وشهاداتهم عليها كتابين استودعهما أمير المؤمنين الحجبة، وأمر بتعليقهما في داخل الكعبة.
    فلما فرغ أمير المؤمنين من ذلك كله في داخل بيت الله الحرام وبطن الكعبة، أمر قضاته الذين شهدوا عليهما، وحضروا كتابهما، أن يعلموا جميع من حضر الموسم من الحجاج والعمار ووفود الأمصار ما شهدوا عليه من شرطهما وكتابهما، وقراءة ذلك عليهم ليفهموه ويعوه، ويعرفوه ويحفظوه، ويؤده إلى إخوانهم وأهل بلدانهم وأمصارهم، ففعلوا ذلك، وقرئ عليهم الشرطان جميعًا في المسجد الحرام، فانصرفوا. وقد اشتهر ذلك عندهم، وأثبتوا الشهادة عليه، وعرفوا نظر أمير المؤمنين وعنايته بصلاحهم وحقن دمائهم، ولم شعثهم وإطفاء جمرة أعداء الله؛ أعداء دينه وكتابه وجماعة المسلمين عنهم، وأظهروا الدعاء لأمير المؤمنين والشكر لما كان منه في ذلك.
    وقد نسخ لك أمير المؤمنين ذينك الشرطين اللذين كتبهما لأمير المؤمنين ابناه محمد وعبد الله في بطن الكعبة في أسفل كتابه؛ هذا فأحمد الله عز وجل على ما صنع لمحمد وعبد الله وليي عهد المسلمين حمدًا كثيرًا، وأشكره ببلائه عند أمير المؤمنين وعند وليي عهد المسلمين وعندك وعند جماعة أمة محمد كثيرًا.
    واقرأ كتاب أمير المؤمنين على من قبلك من المسلمين، وأفهمهم إياه وقم به بينهم، وأثبته في الديوان قبلك وقبل قواد أمير المؤمنين ورعيته قبلك واكتب إلى أمير المؤمنين بما يكون في ذلك، إن شاء الله وحسبنا الله ونعم الوكيل وبه الحول والقوة والطول. وكتب إسماعيل بن صبيح يوم السبت لسبع ليال بقين من المحرم سنة ست وثمانين ومائة.
    قال: وأمر هارون الرشيد لعبد الله المأمون بمائة ألف دينار، وحملت له إلى بغداد من الرقة.
    قال وكان الرشيد بعد مقتل جعفر بن يحيى بالعمر، صار إلى الرقة، ثم قدم بغداد؛ وقد كانت توالت عليه الشكاية من علي بن عيسى بن ماهان من خراسان وكثر عليه القول عنده، فأجمع على عزله من خراسان، وأحب أن يكون قريبًا منه. فلما صار إلى بغداد شخص بعد مدة منها إلى قرماسين، وذلك في سنة تسع وثمانين ومائة، وأشخص إليها عدة رجال من القضاة وغيرهم، وأشهدهم أن جميع ما له في عسكره من الأموال والخزائن والسلاح والكراع وما سواه أجمع لعبد الله المأمون، وأنه ليس فيه قليل ولا كثير بوجه ولا سبب، وجدد البيعة له على من كان معه، ووجه هرثمة بن أعين صاحب حرسه إلى بغداد، فأعاد أخذ البيعة على محمد بن هارون أمير المؤمنين وعلى من كان بحضرته لعبد الله والقاسم على النسخة التي كان أخذها عليه الرشيد بمكة، وجعل أمر القاسم في خلعه وإقراره إلى عبد الله إذا أفضت إليه الخلافة؛ فقال إبراهيم الموصلي في بيعة هارون لابنيه في الكعبة:
    خير الأمور مغبةً ** وأحق أمر بالتمام
    أمر قضى إحكامه الر ** حمان في البيت الحرام
    ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ذكر الخبر عن إيقاع الرشيد بالبرامكة

    فمما كان فيها من ذلك قتل الرشيد جعفر بن يحيى بن خالد وإيقاعه بالبرامكة.

  • صفحة 8 من 11 الأولىالأولى ... 678910 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 80
      آخر مشاركة: 08-15-2010, 11:10 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 72
      آخر مشاركة: 08-14-2010, 11:05 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1