وحجّ بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب، وكان عامله على مكة عتاب بن أسيد، وعلى اليمن يعلى بن أميّة، وعلى سائر أمصار المسلمين الذين كانوا عمّاله في السنة التي قبلها. وقد ذكرناهم قبل.
ذكر تعديل الفتوح بين أهل الكوفة والبصرة
وفي هذه السنة عدّل عمر فتوح أهل الكوفة والبصرة بينهم.
ذكر الخبر بذلك
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو، وسعيد، قالوا: أقام عمّار بن ياسر عاملًا على الكوفة سنةً في إمارة عمر وبعض أخرى. وكتب عمر بن سراقة وهو يومئذ على البصرة إلى عمر ابن الخطاب يذكر له كثرة أهل البصرة، وعجز خراجهم عنهم؛ ويسأله أن يزيدهم أحد الماهين أو ما سبذان. وبلغ ذلك أهل الكوفة، فقالوا لعمّار: اكتب لنا إلى عمر أنّ رامهرمز وإيذج لنا دونهم، لم يعينونا عليهما بشيء؛ ولم يلقحوا بنا حتى افتتحناهما، فقال عمّار: مالي ولما هاهنا! فقال له عطارد: فعلام تدع فيئنا أيها العبد الأجدع! فقال: لقد سببت أحبّ أذني إلي. ولم يكتب في ذلك فأبغضوه؛ ولما أبى أهل الكوفة إلّا الخصومة فيهما لأهل البصرة شهد لهم أقوام على أبي موسى؛ أنه قد كان آمن أهل رامهرمز وإيذج؛ وأنّ أهل الكوفة والنعمان راسلوهم وهم في أمان. فأجاز لهم عمر ذلك، وأجراها لأهل البصرة بشهادة الشهود. وادّعى أهل البصرة في إصبهان قريات افتتحها أبو موسى دون جي، أيام أمدّهم بهم عمر إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان، فقال أهل الكوفة: أتيتمونا مددًا وقد افتتحنا البلاد، فآسيناكم في المغانم، والذّمة ذمتنا، والأرض أرضنا؛ فقال عمر: صدقوا. ثمّ إنّ أهل الأيّام وأهل القادسيّة من أهل البصرة أخذوا في أمر آخر حتى قالوا: فليعطونا نصيبنا مما نحن شركاؤهم فيه من سوادهم وحواشيه. فقال لهم عمر: أترضون بماه؟ وقال لأهل الكوفة: أترضون أن نعطيهم من ذلك أحد الماهين؟ فقالوا: ما رأيت أنه ينبغي فاعمل به، فأعطاهم ماه دينار بنصيبهم لمن كان شهد الأيام والقادسيّة منهم إلى سواد البصرة ومرهجانقذق، وكان ذلك لمن شهد الأيّام والقادسيّة من أهل البصرة. ولما ولي معاوية بن أبي سفيان - وكان معاوية هو الذي جنّد قنّسرين من رافضة العراقين أيام علي، وإنما كانت قنّسرين رستاقًا من رساتيق حمص حتى مصّرها معاوية وجنّدها بمن ترك الكوفة والبصرة في ذلك الزمان، وأخذ لهم معاوية بنصيبهم من فتوح العراق أذربيجان والموصل والباب، فضمّها فيما ضمّ، وكان أهل الجزيرة والموصل يومئذ ناقلة رميتا بكلّ من كان ترك هجرته من أهل البلدين؛ وكانت الباب وأذربيجان والجزيرة والموصل من فتوح أهل الكوفة - نقل ذلك إلى من انتقل منهم إلى الشام أزمان علي؛ وإلى من رميت به الجزيرة والموصل ممن كان ترك هجرته أيام علي، وكفر أهل أرمينية زمان معاوية؛ وقد أمّر حبيب بن مسلمة على الباب - وحبيب يومئذ بجرزان - وكاتب أهل تفليس وتلك الجبال؛ ثم ناجزهم؛ حتى استجابوا واعتقدوا من حبيب. وكتب بينه وبينهم كتابًا بعد ما كاتبهم: بسم الله الرحمن الرحيم. من حبيب بن مسلمة إلى أهل تفليس من جرزان أرض الهرمز. سلم أنتم؛ فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلّا هو؛ فإنه قد قدم علينا رسولكم تفلى، فبلّغ عنكم، وأدّى الذي بعثتم. وذكر تفلى عنكم أنّا لم نكن أمّة فيما تحسبون؛ وكذلك كنا حتى هدانا الله عز وجل بمحمد ، وأعزّنا بالإسلام بعد قلة وذلة وجاهلية. وذكر تفلى أنكم أحببتم سلمنا. فما كرهت والذين آمنوا معي، وقد بعثت إليكم عبد الرحمن بن جزء السلمي؛ وهو من أعلمنا من أهل العلم بالله وأهل القرآن؛ وبعثت معه بكتابي بأمانكم، فإن رضيتم دفعه إليكم؛ وإن كرهتم آذنكم بحرب على سواء إنّ الله لا يحبّ الخائنين: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من حبيب بن مسلمة لأهل تفليس من جرزان أرض الهرمز؛ بالأمان على أنفسكم وأموالكم وصوامعكم وبيعكم وصلواتكم؛ على الإقرار بصغار الجزية؛ على كلّ أهل بيت دينار واف، ولنا نصحكم ونصركم على عدوّ الله وعدوّنا، وقرى المجتاز ليلة من حلال طعام أهل الكتاب وحلال شرابهم، وهداية الطريق في غير ما يضّرّ فيه بأ؛ د منكم. فإن أسلمتم وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة، فإخواننا في الدين وموالينا؛ ومن تولّى عن الله ورسله وكتبه وحزبه فقد آذناكم بحرب على سواء؛ إن الله لا يحبّ الخائنين. شهد عبد الرحمن بن خالد؛ والحجّاج، وعياض. وكتب رباح، وأشهد الله وملائكته والذين آمنوا، وكفى بالله شهيدًا.
ذكر عزل عمار عن الكوفة
وفي هذه السنة عزل عمر بن الخطاب عمّارًا عن الكوفة؛ واستعمل أبا موسى في قول بعضهم؛ وقد ذكرت ما قال الواقدي في ذلك قبل.
ذكر السبب في ذلك
قد تقدّم ذكري بعض سبب عزله، ونذكر بقيّته. ذكر السري - فيما كتب به إلي - عن شعيب، عن سيف، عمّن تقدم ذكري من شيوخه، قال: قالوا: وكتب أهل الكوفة؛ عطارد ذلك وأناس معه إلى عمر في عمّار، وقالوا: إنه ليس بأمير، ولا يحتمل ما هو فيه، ونزا به أهل الكوفة. فكتب عمر إلى عمّار: أن أقبل؛ فخرج بوفد من أهل الكوفة، ووفّد رجالًا ممن يرى أنهم معه، فكانوا أشدّ عليه ممن تخلّف، فجزع فقيل له: يا أبا اليقظان، ما هذا الجزع! فقال: والله ما أحمد نفسي عليه؛ ولقد ابتليت به - وكان سعد بن مسعود الثقفي عمّ المختار، وجرير بن عبد الله معه - فسعيا به، وأخبرا عمر بأشياء يكرهها، فعزله عمر ولم يولّه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل، قال: قيل لعمّار: أساءك العزل؟ فقال: والله ما سرّني حين استعملت، ولقد ساءني حين عزلت.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن إسماعيل بن أبي خالد ومجالد، عن الشعبي، قال: قال عمر لأهل الكوفة: أي منزليكم أعجب إليكم؟ - يعني الكوفة أو المدائن - وقال: إني لأسألكم وإني لأعرف فضل أحدهما على الآخر في وجوهكم، فقال جرير: أما منزلنا هذا الأدنى فإنه أدنى محلّةً من السواد من البرّ، وأما الآخر فوعك البحر وغمّه وبعوضه. فقال عمار: كذبت؛ فقال عمر لعمّار: بل أنت أكذب منه، وقال: ما تعرفون من أميركم عمّار؟ فقال جرير: هو والله غير كاف ولا مجز ولا عالم بالسياسة.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن زكرياء بن سياه، عن هشام بن عبد الرحمن الثقفي، أن سعد بن مسعود، قال: والله ما يدري علام استعملته! فقال عمر: علام استعملتك يا عمّار؟ قال: على الحيرة وأرضها. فقال: قد سمعت بذكرها في القرآن. قال: وعلى أي شيء؟ قال: على المدائن وما حولها، قال: أمدائن كسرى؟ قال: نعم. قال: وعلى أي شيء؟ قال: على مهرجا نقذق وأرضها. قالوا: قد أخبرناك أنه لا يدري علام بعثته! فعزله عنهم، ثم دعاه بعد ذلك، فقال: أساءك حين عزلتك؟ فقال: والله ما فرحت به حين بعثتني، ولقد ساءني حين عزلتني. فقال: لقد علمت ما أنت بصاحب عمل، ولكني تأوّلت: " ونريد أن نمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين ".
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن خليد بن ذفرة النمري، عن أبيه بمثله وزيادة، فقال: أو تحمد نفسك بمعرفة من تعالجه منذ قدمت! وقال: والله يا عمّار لا ينتهي بك حدّك حتى يلقيك في هنة، وتالله لئن أدركك عمر لترقّنّ، ولئن رققت لتبتلينّ، فسل الله الموت. ثمّ أقبل على أهل الكوفة فقال: من تريدون يا أهل الكوفة؟ فقالوا: أبا موسى. فأمّره عليهم بعد عمار، فأقام عليهم سنة، فباع غلامه العلف. وسمعه الوليد بن عبد شمس، يقول: ما صحبت قومًا قطّ إلا آثرتهم؛ ووالله ما منعني أن أكذّب شهود البصرة إلّا صحبتهم، ولئن صحبتكم لأمنحنّكم خيرًا. فقال الوليد: ما ذهب بأرضنا غيرك؛ ولا جرم لا تعمل علينا. فخرج وخرج معه نفر، فقالوا: لا حاجة لنا في أبي موسى، قال: ولم؟ قالوا: غلام له يتّجر في حشرنا. فعزله عنهم وصرفه إلى البصرة، وصرف عمر بن سراقة إلى الجزيرة. وقال لأصحاب أبي موسى الذين شخصوا في عزله من أهل الكوفة: أقوي مشدّد أحبّ إليكم أم ضعيف مؤمن؟ فلم يجد عندهم شيشئًا، فتنحّى، فخلا في ناحية المسجد، فنام فأتاه المغيرة بن شعبة فكلأه حتى استيقظ، فقال: ما فعلت هذا يا أمير المؤمنين إلّا من عظيم؛ فهل نابك من نائب؟ قال: وأي نائب أعظم من مائة ألف لا يرضون عن أمير، ولا يرضى عنهم أمير! وقال في ذلك ما شاء الله.
واختطّت الكوفة حين اختطّت على مائة ألف مقاتل؛ وأتاه أصحابه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما شأنك؟ قال: شأني أهل الكوفة قد عضّلوا بي. أعاد عليهم عمر المشورة التي استشار فيها، فأجابه المغيرة فقال: أمّا الضعيف المسلم فضعفه عليك وعلى المسلمين وفضله له، وأمّا القوىّ المشدّد فوّته لك وللمسلمين، وشداده عليه وله. فبعثه عليهم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله، عن سعيد بن عمرو؛ أنّ عمر قال قبل أن استعمل المغيرة: ما تقولون في تولية رجل ضعيف مسلم أو رجل قوي مشدّد؟ فقال المغيرة: أما الضعيف المسلم فإنّ إسلامه لنفسه وضعفه عليك، وأما القوي المشدّد فإنّ شداده لنفسه وقوّته للمسلمين. قال: فإنّا باعثوك يا مغيرة. فكان المغيرة عليها حتى مات عمر رضي الله تعالى عنه وذلك نحو من سنتين وزيادة. فلما ودّعه المغيرة للذهاب إلى الكوفة، قال له: يا مغيرة. ليأمنك الأبرار، وليخفك الفجّار. ثم أراد عمر أن يبعث سعدًا على عمل المغير فقتل قبل أن يبعثه، فأوصى به؛ وكان من سنّة عمر وسيرته أن يأخذ عمّاله بموافاة الحجّ في كل سنة للسياسة، وليحجزهم بذلك عن الرعيّة، وليكون لشكاة الرعيّة وقتًا وغاية ينهونها فيه إليه.
وفي هذه السنة غزا الأحنف بن قيس - في قول بعضهم خراسان - وحارب يزدجرد؛ وأما في رواية سيف فإنّ خروج الأحنف إلى خراسان كان في سنة ثمان عشرة من الهجرة.
ذكر مصير يزدجرد إلى خراسان وما كان السبب في ذلك
اختلف أهل السير في سبب ذلك وكيف كان الأمر فيه؛ فأمّا ما ذكره سيف عن أصحابه في ذلك، فإنه فيما كتب به إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو، قالوا: كان يزدجرد بن شهريار بن كسرى - وهو يومئذ ملك فارس - لما انهزم أهل جلولاء خرج يريد الري، وقد جعل له محمل واحد يطبق ظهر بعيره، فكان إذا سار نام فيه ولم يعرّس بالقوم. فانتهوا به إلى مخاضة وهو نائم في محمله، فأنبهوه ليعلم، ولئلا يفزع إذا خاض البعير إن هو استيقظ، فعنّفهم وقال: بئسما صنعتم! والله لو تركتموني لعلمت ما مدّة هذه الأمة، إني رأيت أني ومحمدًا تناجينا عند الله، فقال له: أملّكهم مائة سنة، فقال: زدني، فقال: عشرًا ومائة سنة، فقال: زدني، فقال: عشرين ومائة سنة، فقال: زدني، فقال: لك. وأنبهتموني، فلو تركتموني لعلمت ما مدّة هذه الأمة.
فلما انتهى إلى الري، وعليها آبان جاذويه، وثب عليه فأخذه، فقال: يا آبان جاذويه، تغدر بي! قال: لا، ولكن قد تركت ملكك، وصار في يد غيرك، فأحببت أن أكتتب على ما كان لي من شيء، وما أردت غير ذلك. وأخذ خاتم يزجرد ووصل الأدم؛ واكتتب الصكاك وسجّل السجلات بكلّ ما أعجبه، ثم ختم عليها وردّ الخاتم. ثم أتى بعد سعدًا فردّ عليه كلّ شيء في كتابه. ولما صنع آبان جاذويه بيزجرد ما صنع خرج يزدجرد من الري إلى إصبهان، وكره آبان جاذويه، فارًّا منه ولم يأمنه. ثم عزم على كرمان، فأتاها والنار معه، فأراد ان يضعها في كرمان، ثمّ عزم على خراسان، فأتى مرو، فنزلها وقد نقل النار، فبنى لها بيتًا واتّخذ بستانًا، وبنى أزجًا فرسخين من مرو إلى البستان؛ فكان على رأس فرسخين من مرو، واطمأنّ في نفسه وأمن أن يؤتى؛ وكاتب من مرو من بقيَ من الأعاجم فيما لم يفتتحه المسلمون، فدانوا له، حتى أثار أهل فارس والهرمزان فنكثوا، وثار أهل الجبال والفيرزان فنكثوا، وصار ذلك داعية إلى إذن عمر للمسلمين في الانسياح، فانساح أهل البصرة وأهل الكوفة حتى أثخنوا في الأرض؛ فخرج الأحنف إلى خراسان، فأخذ على مهرجان نقذق، ثم خرج إلى إصبهان - وأهل الكوفة محاصرو جى - فدخل خراسان من الطبسين، فافتتح هراة عنوة، واستخلف عليها صحار بن فلان العبدي. ثم سار نحو مرو الشاهجان، وأرسل إلى نيسابور - وليس دونها قتال - مطرف بن عبد الله بن الشخير والحارث بن حسان إلى سرخس؛ فلما دنا الأحنف من مرو الشاهجان خرج منها يزدجرد نحو مرو الروذ حتى نزلها، ونزل الأحنف مرو الشاهجان؛ وكتب يزدجرد وهو بمرو الروذ إلى خاقان يستمده؛ وكتب إلى ملك الصغد يستمده؛ فخرج رسولاه نحو خاقان وملك الصغد، وكتب إلى ملك الصين يستعينه، وخرج الأحنف من مرو الشاهجان؛ واستخلف عليها حاتم بن النعمان الباهلي بعد ما لحقت مبه أمداد أهل الكوفة، على أربعة أمراء: علقمة بن النضر النضري، وربعي بن عامر التميمي، وعبد الله بن أبي عقيل الثقفي، وابن أم غزال الهمداني؛ وخرج سائرًا نحو مرو الروذ؛ حتى إذا بلغ ذلك يزدجرد خرج إلى بلخ، ونزل الأحنف مرو الروذ؛ وقدم أهل الكوفة؛ فساروا إلى بلخ، وأتبعهم الأحنف، فالتقى أهل الكوفة ويزد جرد ببلخ؛ فهزم الله يزدجرد، وتوجه في أهل فارس إلى النهر فعبر، ولحق الأحنف بأهل الكوفة؛ وقد فتح الله عليهم؛ فبلخ من فتوح أهل الكوفة. وتتابع أهل خراسان ممن شذّ أو تحصّن على الصلح فيما بين نيسابور إلى طخارستان ممن كان في مملكة كسرى؛ وعاد الأحنف إلى مرو الروذ، فنزلها واستخلف على طخارستان ربعي بن عامر؛ وهو الذي يقول فيه النجاشي - ونسبه إلى أمه؛ وكانت من أشراف العرب:
ألا رب من يدعى فتى ليس بالفتى ** ألا إن رعي ابن كأس هو الفتى
طويل قعود القوم في قعر بيته ** إذ شبعوا من ثفل جفتته سقى
كتب الأحنف إلى عمر بفتح خراسان، فقال: لوددت مأني لم أكن بعثت إليها جندًا، ولوددت أنه كان بيننا وبينها بحر من نار؛ فقال علي: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: لأن أهلها سينفضون منها ثلاث مرات، فيجتاحون في الثالثة، فكان أن يكون ذلك بأهلها أحب إلى من أن يكون بالمسلمين.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عبد الرحمن الفزاري، عن أبي الجنوب اليشكري، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: لما قدم عمر على فتح خراسان، قال: لوددت أن بيننا وبينها بحرًا من نار، فقال علي: وما يشتد عليك من فتحها! فإنّ ذلك لموضع سرور، قال: أجل ولكني.. حتى أتى على آخر الحديث.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عيسى بن المغيرة، وعن رجل من بكر بن وائل يدعى الوازع بن زيد بن خليدة، قال: لما بلغ عمر غلبة الأحنف على المروين وبلخ، قال: وهو الأحنف، وهو سيد أهل المشرق المسمّى بغير اسمه. وكتب عمر إلى الأحنف: أما بعد، فلا تجوزن النهر واقتصر على ما دونه، وقد عرفتم بأي شيء دخلتم على خراسان، فداوموا معلى الذي دخلتم به خراسان يدم لكم النصر؛ وإياكم أن تعبروا فتفضّوا.
ولما بلغ رسولا يزدجرد خاقان وغوزك، لم يستتب لهما إنجاده حتى عبر إليهما النهر مهزومًا، وقد استتب فأنجده خاقان - والملوك ترى على أنفسها إنجاد الملوك - فأقبل في الترك، وحشر أهل فرغانة والصغد؛ ثم خرج بهم، وخرج يزدجرد راجعًا إلى خراسان، حتى عبر إلى بلخ، وعبر معه خاقان، فأرز أهل الكوفة إلى مرو الروذ إلى الأحنف، وخرج المشركون من بلخ حتى نزلوا على الأحنف بمرو الروذ. وكان الأحنف حين بلغه عبور خاقان والصغد نهر بلخ غازيًا له، خرج في عسكره ليلاُ يتسمع: هل يسمعبرأي ينتفع به؟ فمر برجلين ينقيان علفًا، إما تبنًا وإما شعيرًا، وأحدهما يقول لصاحبه: لو أن الأمير أسندنا إلى هذاالجبل، فكان النهر بيننا وبين عدونا خندقًا؛ وكان الجبل في ظهورنا من أن نؤتي من خلفنا، وكان قتالنا من وجه واحد رجوت أن ينصرنا الله. فرجع واجتزأ بها، وكان في ليلة مظلمة، فلما أصبح جمع الناس، ثم قال: إنكم قليل، وإنّ عدوكم كثير، فلا يهولنكم؛ فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله وه مع الصابرين؛ ارتحلوا من مكانكم هذا، فاسندوا إلى هذا الجبل، فاجعلوه في ظهوركم، واجعلوا النهر بينكم وبين عدوكم، وقاتلوهم من وجه واحد. ففعلوا، وقد أعدوا ما يصلحهم، وهو في عشرة آلاف من أهل البصرة وأهل الكوفة نحو منهم. وأقبلت الترك ومن أجلبت حتى نزلوا بهم، فكانوا يغادونهم ويراوحونهم ويتنحون عنهم بالليل ما شاء الله. وطلب الأحنف علم مكانهم بالليل، فخرج ليلة بعد ما علم علمهم؛ طليعة لأصحابه حتى كان قريبًا من عسكر خاقان فوقف، فلما كان في وجه الصبح خرج فارس من الترك بطوقه، وضرب بطبله، ثم وقف من العسكر موقفًا يقفه مثله، فحمل عليه الأحنف، فاختلفا طعنتين، فطعنه الأحنف فقتله، وهو يرتجز ويقول:
إن على كل رئيس حقا ** أن يخضب الصغدة أو تندقا
إن لنا شيخًا بها ملقى ** سيف أبي حفص الذي تبقى
ثم وقف موقف التركي وأخذ طوقه، وخرج آخر من الترك، ففعل فعل صاحبه الأول، ثم وقف دونه فحمل عليه الأحنف، فاختلفا طعنتين، فطعنه الأحنف فقتله وهو يرتجز:
إن الرئيس يرتبي ويطلع ** ويمنع الخلاء إما أربعوا
ثم وقف موقف التركي الثاني، وأخذ طوقه، ثم خرج ثالث من الترك، ففعل فعل الرجلين، ووقف دون الثاني منهما، فحمل عليه الأحنف، فاختلفا طعنتين، فطعنته الأحنف، فقتله وهو يرتجز:
جرى الشموس ناجزًا بناجز ** محتفلًا في جريه مشارز
ثم انصرف الأحنف إلى عسكره؛ ولم يعلم بذلك أحد منهم حتى دخله واستعد. وكان من شيمة الترك أنهم لا يخرجون حتى يخرج ثلاثة من فرسانهم كهؤلاء؛ كلهم يضرب بطلبه، ثم يخرجون بعد خروج الثالث، فخرجت الترك ليلتئذ بعد الثالث، فأتوا على فرسانهم مقتلين، فتشاءم خاقان وتطير، فقال: قد طال مقامنما، وقد أصيب هؤلاء القوم بمكنمان لم يصب بمثله قط؛ ما لنا في قتال هؤلاء القوم من خير، فانصرفوا بنا؛ فكان وجوههم راجعين، وارتفع النهار للمسلمين ولا يرون شيئًا، وأتاهم الخير بانصراف خاقان إلى بلخ. وقد كان يزدجرد بن شهر يار بن كسى ترك خاقن بمرو الروذ، وخرج إلى مرو الشاهجان؛ فتحصن منه حاتم بن النعمان ومن معه، فحصرهم واستخرج خزائنه من موضعها؛ وخاقان ببلخ مقيم له، فقال المسلمون للأحنف: ما ترى في اتباعهم؟ فقال: أقيموا بمكانكم ودعوهم. ولما جمع يزدجرد ما كان في يديه مما وضع بمرو، فأعجل عنه؛ وأراد أن يستقل مبه منها، إذْ هو أمر عظيم من خزائن أهل فارس، وأراد اللحاق بخاقان فقال له أهل فارس: أي شيء تريد أن تصنع؟ فقال: أريد اللحاق بخاقان، فأكون معه أو بالصين، فقالوا له: مهلًا؛ فإنّ هذا رأى سوء، إنّك إنما تأتي قومًا في مملكتهم وتدع أرضك وقومك؛ ولكن ارجع بنا إلى هؤلاء القوم فنصالحهم؛ فإنهم أوفياء وأهل دين؛ وهم يلون بلادنا، وإن عدوًا يلينا في بلادنا أحب إلينا مملكة من عدو يلينا في بلاده ولا يديهن لهم؛ ولا ندري ما وفاؤهم؛ فأبى عليهم وأبوا عليه؛ فقالوا: فدع خزائننا نردها إلى بلادنا ومن يليها، ولا تخرجها من بلادنا إلى غيرها، فأبى؛ فقالوا: فإنا لا ندعك؛ فاعتزلوا وتركوه في حاشيته، فاقتتلوا، فهزوه وأخذوا الخزائن، واستولوا عليها ونكبوه، وكتبوا إلى الأحنف بالخبر، فاعترضهم المسلمون والمشركون بمر يثفنونه، فقاتلوه وأصابوه في أخر القوم، وأعجلوه عن الأثقال؛ ومضى مموائلا حتى قطع النهر إلى فرغانة والترك؛ فلم يزل مقيمًا زمان عمر رضي الله عنه كله يكاتبهم ويكاتبونه، أو من شاء الله منهم.
فكفر أهل خراسان زمان عثمان. وأقبل أهل فارس على الأحنف فصالحوه وعاقدوه، ودفعوا إله تلك الخزائن والأموال، وتراجعوا إلى بلدانهم وأموالهم على أفضل ما كانوا في زمان الأكاسرة؛ فكانوا كأنما هم في ملكهم؛ إلا أن المسلمين أوفى لهم وأعدل عليهم، فاغتبطوا وغبطوا؛ وأصاب الفارس يوم يزدجرد كسهم الفارس يوم القادسية.
ولما خلع أهل خراسان زمان عثمان أقبل يزدجرد حتى نزل بمرو، فلما اختلف هو ومن معه وأهل خراسان. أوى إلى طاحونة، فأتوا عليه يأكل من كرد حول الرحا؛ فقتلوه ثم رموا مبه في النهر.
ولما أصيب يزدجرد بمرو - وهو يومئذ مختيىء في طاحونة يريد أن يطلب اللحاق بكرمان - فاحتوى فيئه المسلمون والمشركون، وبلغ ذلك الأحنف، فسار من فوره ذلك في الناس إلى بلخ يريد خاقان، ويتبع حاشية يزدجرد وأهله في المسلمين والمشركين من أهل فارس، وخاقان والترك ببلخ. فلما سمع بما ألقى يزدجرد وبخروج المسلمين مع الأحنف من مرو الروذ نحوه، ترك بلخ وعبر النهر؛ وأقبل الأحنف حتى نزل بلخ؛ ونزل أهل الكوفة في كورها الأربع، ثم رجع إلى مرو الروذ فنزل بها، وكتب بفتح خاقان ويزدجرد إلى عمر، وبعث إليه بالأخماس، ووقد إليه الوفود.
قالوا: ولما عبر خاقان النهر، وعبرت معه حاشية آل كسرى، أو من أخذ نحو بلخ منهم مع بزدجرد، لقوا رسول يزدجرد الذي كان بعث إلى ملك الصين، وأهدي إليه معه هدايا، ومعه جواب كتابه من ملك الصين. فسألوه عما وراءه، فقال: لما قدمت عليه بالكتاب والهدايا أنا بما ترون - وأراهم هديته. وأجاب يزدجرد، فكتب إليه بهذا الكتاب بعد ماكان قال لي: قد عرفت أنّ حقًا على الملوك إنجاد الملوك على من غلبهم، فصف لي صفة هؤلاء القوم الذين أخرجوكم من بلادكم؛ فإني أراك تذكر قلة منهم وكثرة منكم؛ ولا يبلغ أمثال هؤلاء القليل الذين تصف منكم فيما أسمع من كثرتكم إلّا بخير عندهم وشر فيكم؛ فقلت: سلني عما أجبت، فقال: أوفون بالعهد؟ قلت: نعم، قال: وما يقولون لكم قبل أن يقاتلوكم؟ قلت: يدعوننا إلى واحدة من ثلاث: إما دينهم فإن أجبناهم أجرونا مجراهم، أو الجزية والمنعة، أو المنابذة. قال: فكيف طاعتهم أمراءهم؟ قلت: أطوع قوم لمرشدهم، قال: فما يحلون وما يحرمون؟ فأخبرته، فقال: أو يحرمون ما حلل لهم، أو يحلون ما حرم عليهم؟ قالت: لا، قال: فإن هؤلاء القوم لا يهلكون أبدًا حتى يحلوا حرامهم ويحرموا حلالهم. ثم قال: أخبرني عن لباسهم؛ فأخبرته، وعن مطاياهم، فقلت: الخيل العراب - ووصفتها - فقال: نعمت الحصون هذه! ووصفت له الإبل وبروكها وانبعاثها بحملها، فقال: هذهصفة دواب طوال الأعناق.
وكتب معه إلى يزدجرد كتابًا إنه لم يمنعني مأن أبعث إليك بجيش أوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما يحق على، ولكن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك صفتهم لو يحاولن الجبال لهدوها، ولو خلى سربهم أزالوني ما داموا على ما وصف؛ فسالمهم وارض منهم بالمساكنة؛ ولا تهجهم ما لم يهيجوك. وأقام يزدجرد وآل كسرى بفرغانة، معهم عهد من خاقان. ولما وقع الرسول بالفتح والوفد بالخبر ومعهم الغنائم بعمر بن الخطاب من قبل الأحنف، جمع الناس وخطبهم، وأمر بكتاب الفتح فقرىء عليهم، فقال في خطبته: إن الله تبارك وتعالى ذكر رسوله وما بعثه به من الهدى، ووعد على اتباعه من عاجل الثواب وآجله خير الدنيا والآخرة. فقال: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون )، فالحمد الذي أنجز موعده، ونصر جنده. ألا إن الله قد أهلك ملك المجوسية، وفرق شملهم، فليسوا يملكون من بلادهم شبرًا يضر بمسلم. ألا وإن الله قد أورثم أرضهم وديارهم وأموالهم وأبناءهم؛ لنظر كيف تعملون! ألا وإنّ المصرين من مسالحها اليوم كأنتم والمصرين فيما مضى من البعد، وقد وغلوا في البلاد، والله بالغ أمره، ومنجز وعده، ومتبع آخر ذلك أوله، فقوموا في أمره على رجل يوف لكم بعهده، ويؤتكم وعده؛ ولا تبدلوا ولا تغيروا، فيستبدل الله بكم غيركم؛ فإني لا أخاف على هذه الأمة أن تؤتي إلا من قبلكم.
قال أبو جعفر: ثم إن أداني أهل خراسان وأقاصيه اعترضوا زمان عثمان ابن عفان لسنتين خلتا من إمارته؛ وسنذكر بقية خبر انتقاضهم في موضعه إن شاء الله مع مقتل يزدجرد.
وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب، وكانت عماله على الأمصار فيها عماله الذين كانوا عليها في سنة إحدى وعشرين غير الكوفة والبصرة؛ فإن عامله على الكوفة وعلى الأحداث كان المغيرة بن شعبة، وعلى البصرة أبا موسى الأشعري.
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين
فكان فيها فتح إصطخر في قول أبي معشر؛ حدثني بذلك أحمد بن ثابت الرازي، قال: حدثنا محدث، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، قال: كانت إصطخر الأولى وهمذان سنة ثلاث وعشرين. وقال الواقدي مثل ذلك. وقال سيف: كان فتح إصطخر بعد توج الآخرة.
ذكر الخبر عن فتح توج
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو، قالوا: خرج أهل البصرة الذين وجهّوا إلى فارس أمراء على فارس؛ ومعهم سارية بن زنيم ومن بعث معهم إلى ما وراء ذلك، وأهل فارس مجتمعون بتوّج؛ فلم يصمدوا لجمعهم بجموعهم؛ ولكن قصد كلّ أمير كورة منهم قصد إمارته وكورته التي أمر بها؛ وبلغ ذلك أهل فارس؛ فاقترقوا إلى بلدانهم؛ كما افترق المسلمون ليمنعوها؛ وكانت تلك هزيمتهم وتشتت أمورهم وتفريق جموعهم؛ فتطير المشركون من ذلك؛ وكأنما كانوا ينظرون إلى ما صاروا إليه، فقصد مجاشعبن مسعود لسابور وأردشير خره فيمن معه من المسلمين، فالتقوا بتوج وأهل فارس، فاقتتلوا ما شاء الله. ثم إن الله عز وجل هزم أهل توج للمسلمين، وسلط عليهم المسلمين، فقتلوهم كل قتلة، وبلغوا منهم ما شاءوا، وغنمهم ما مفي عسكرهم فحووه؛ وهذه توج الآخرة؛ ولم يكن لهابعدهاشوكة، والأولى التي تنقذ فيها جنود العلاء أيام طاوس، الوقعة التي اقتتلوا فيها؛ والوقعتان الأولى والآخرة كلتاهما متساجلتان.
ثم دعوا إلى الجزية والذمة؛ فراجعوا وأقروا، وخمس مجاشع الغنائم، وبعث بها، ووفدوا وفدًا؛ وقد كانت البشراء والوفود يجازون وتقضى لهم حوائجهم، لسنة جرت بذلك من رسول الله .
كتب إلي السري عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن سوقة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، قال: خرجنا مع مجاشع بن مسعود غازين توج، فحاصرناها، وقاتلناهم ما شاء الله، فلما افتتحناها وحوينا نهبها نهبًا كثيرًا، وقتلنا قتلى عظيمة؛ وكان على قميص قد تخرّق؛ فأخذت إبرة وسلكًا وجعلت أخيط قميصي بها. ثم إني نظرت إلى رجل في القتلى عليه قميص فنزعته، فأتيت به الماء، فجعلت أضربه بين حجرين حتى ذهب ما فيه، فلبسته؛ فلما جمعت الرثة، قام مجاشع خطيبًا، فحمد الله، وأثنى عليه، فقال: أيها الناس لا تغلوا، فإنه من غل جاء بما غل يوم القيامة. ردوا ولو الخميط. فلما سمعت ذلك نزعت القميص فألقيته في الأخماس.
فتح إصطخر
قال: وقصد عثمان بن أبي العاص لإصطخر؛ فالتقى هو وأهل إصطخر بجور فاقتتلوا ما شاء الله. ثم إنّ الله عز وجل فتح لهم جور؛ وفتح المسلمون إصطخر، فقتلوا ما شاء الله، وأصابوا ما شاءوا، وفر من فر. ثم إن عثمان دعا الناس إلى الجزاء والذمة، فراسلوه وراسلهم، فأجابه الهربذ وكل من هرب أو تنحى؛ فتراجعوا وباحوا بالجزاء، وقد كان عثمان لما هزم القوم جمع إليه ما أفاء الله عليهم، فخمسه، وبعث بالخمس إلى عمر، وقسم أربعة أخماس المغنم في الناس وعفّت الجند من النهاب، وأدوا الأمانة، واستدقوا الدنيا. فجمعهم عثمان؛ ثم قام فيهم، وقال: إنّ هذا الأمر لا يزال مقبلًا؛ ولا يزال أهله معافين مما يكرهون، ما لم يغلوا، فإذا غلوا رأوا ما ينكرون ولم يسد الكثير مسد القليل اليوم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي سفيان، عن الحسن، قال: قال عثمان بن أبي العاص يوم إصطخر: إن الله إذا أراد بقوم خيرًا كفهم، ووفر أمانتهم، فاحفظوها؛ فإنّ أوّل ما تفقدون من دينكم الأمانة؛ فإذا فقدتموها جدد لكم في كلّ يوم فقدان شيء من أموركم.
ثم إنّ شهرك خلع في آخر إمارة عمر وأوّل إمارة عثمان، ونشط أهل فارس، ودعاهم إلى النقض، فوجه إليه عثمان بن أبي العاص ثانية، وبعث معه جنود أمد بهم، عليهم عبيد الله بن معمر، وشبل بن معبد البجلى، فالتقوا بفارس، فقال شهرك لابنه وهو في المعركة؛ وبينهم وبين قرية تدعى ريشهر ثلاثة فراسخ، وكان بينهم وبين قرارهم اثنا عشر فرسخًا: يا بني، أين يكون غداؤنا؟ ها هنا أو ريشهر؟ فقال: يا أبت إن تركونا فلا يكون غداؤنا ها هنا ولا ريشهر، ولا يكونن إلا في المنزل، ولكن والله ما أراهم يتركوننا. فما فرغا من كلامهما حتى أنشب المسلمون القتال، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، قتل فيه شهرك وابنه، وقتل الله جلّ وعزّ منهم مقتلة عظيمة وولى قتل شهرك الحكم بن أبي العاص بن بشر بن دهمان، أخو عثمان.
وأما أبومعشر فإنّه قال: كانت فارس الأولى وإصطخر الآخرة في سنة ثمان وعشرين. قال: وكانت فارس الآخرة وجور سنة تسع وعشرين؛ حدثني بذلك أحمد بن ثابت الرازي، قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا سليمان بن صالح، قال: حدثني عبيد الله، قال: أخبرنا عبيد الله بن سليمان، قال: كان عثمان بن أبي العاص أرسل إلى البحرين، فأرسل أخاه الحكم بن أبي العاص في ألفين إلى توج؛ وكان كسى قد فرّ عن المدائن، ولحق بجور من فارس.
قال: فحدثني زياد مولى الحكم بن أبي العاص، عن الحكم بن أبي العاص، قال: قصد إلى شهرك - قال عبيد: وكان كسرى أرسله الحكم: فصعد إلي في الجنود فهبطوا من عقبة، عليهم الحديد، فخشيت أن تعشو أبصار الناس، فأمرت مناديًا، فنادى أنّ من كان عليه عمامة فليلفها على عينيه، ومن لم يكن عليه عمامة فليغمض بصره؛ وناديت أن حطوا عن دوابكم. فلما رأى شهرك ذلك حط أيضًا. ثم ناديت: أن اركبوا، فصففنا لهم وركبوا، فجعلت الجارود العبدي على الميمنة وأبا صفرة على الميسرة - يعني أبا المهلب - فحملوا على المسلمين فهزموهم؛ حتى ما أسمعلهم صوتًا، فقال لي الجارود: أيها الأمير؛ ذهب الجند، فقلت: إنك ستري أمرك، فلما لثنا أن رجعت خليهم، ليس عليها فرسانها، والمسلمون يتبعونهم يقتلونهم، فنثرت الرءوس بين يدي، ومعي بعض ملوكهم - يقال له المكعبر، فارق كسرى ولحق بي - فأتيت برأس ضخم، فقال المكعبر: هذا رأس الازدهاق - يعني شهرك - فحوصروا في مدينة سابور، فصالحهم - وملكهم آذريبان - فاستعان الحكم آذربيان على قتال أهل إصطخر، ومات عمر رضي الله عنه؛ فبعث عثمان عبيد الله بن ممعمر مكانه، فبلغ عبيد الله أن آذربيان يريد أن يغدر بهم، فقال له: إني أحبّ أن تتخذ لأصحابي طعامًا، وتذبح لهم بقرة، وتجعل عظامهما في الجفنة التي تليني، فإني أحبّ أن أتمشش العظام. ففعل، فجعل يأخذ العظم الذي لا يكسر إلا بالفئوس، فكسره بيده، فيتمخخه - وكان من أشد الناس - فقام الملك، فأخذ برجله، وقال: هذا مقام العائذ. فأعطاه عهدًا، فأصابت عبيد الله منجنيفة، فأوصاهم، فقال: إنكم ستفتحون هذه المدينة إن شاء الله فاقتلوهم بي فيها ساعة. ففعلوا فقتلوا منهم بشرًا كثيرًا.
وكان عثمان بن أبي العاص لحق الحكم، وقد هزم شهرك، فكتب إلى عمر: إنّ بيني وبين الكوفة فرجة أخاف أن يأتيني العدوّ منها. وكتب صاحب الكوفة بمثل ذلك: إنّ بيني وبين كذا فرجة. فاتفق عنده الكتابان، فبعث أبا موسى في سبعمائة، فأنزلهم البصرة.
ذكر فتح فسا ودارابجرد
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو، قالوا: وقصج سارية بن زنيم، فسا ودارا بجرد، حتى انتهى إلى عسكرهم، فنزل عليهم وحاصرهم ما شاء الله. ثم إنهم استمدّوا، فتجمعّوا وتجمّعت إليهم أكراد فارس، فدهم المسلمين أمر عظيم، وجمع كثير؛ فرأى عمر في تلك الليلة فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في ساعة من النهار، فنادى من الغد: الصلاة جامعة! حتى إذا كان في الساعة التي رأى فيها ما رأى خرج إليهم؛ وكان أريهم والمسلمون بصحراء؛ إن أقاموا فيهاأحيط بهم، وإن أرزوا إلى جبل من خلفهم لم يؤتوا إلا من وجه واحد ثمّ قام فقال: يأيها الناس؛ إني رأيت هذين الجمعين - وأخبر بحالهما - ثم قال: يا سارية، الجبل، الجبل! ثمّ أقبل عليهم، وقال: إنّ لله جنودًا، ولعل بعضها أن يبلغهم؛ ولما كانت تلك الساعة من ذلك اليوم أجمع سارية والمسلمون على الإسناد إلى الجبل، ففعلوا وقاتلوا القوم من وجه واحد؛ فهزمهم الله لهم؛ وكتبوا بذلك إلى عمر واستيلائهم على البلد ودعاء أهله وتسكينهم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عمر دثار بن أبي شبيب، عن أبي عثمان وأبيعمرو بن العلاء، عن رجل من بني مازن، قالا: كان عمر قد بعث سارية بن زنيم الدؤلي إلى فسا ودار بجرد؛ فحاصرهم. ثم إنهم تداعوا فأصحروا له، وكثروه فأتوه من كلّ جانب، فقال عمر وهو يخطب في يوم جمعة: يا سارية بن زنيم، الجبل، الجبلّ ولما كان ذلك اليوم وإلى جنب المسلمين جبل، إن لجئوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد، فلجئوا إلى الجبل، ثم قاتلوهم فهزموهم، فأصاب مغانمهم وأصاب في المغانم سفطًا فيه جوهر، فاستوهبه المسلمين لعمر، فوهبوه له فبعث به مع رجل، وبالفتح. وكان الرسل والوفد يجازون وتقضى لهم حوائجهم، فقال له سارية: استقرض ما تبلّغ به وما تخلفه لأهلك على جائزتك. فقدم الرجل البصرة، ففعل، ثمّ خرج فقدم على عمر، فوجده يطعم الناس، ومعه عصاه التي يزجر بها بعيره، فقصد له، فأقبل عليه بها، فقال: اجلس، فجلس حتى إذا أكل القوم انصرف عمر، وقام فأتبعه، فظن عمر أنه رجل لم يشبع، فقال حين انتهى إلى باب داره: ادخل - وقد أمر الخبّاز أن يذهب بالخوان إلى مطبخ المسلمين - فلما جلس في البيت أتى بغدائه خبز وزيت وملح جريش، فوضع وقال: ألا تخرجين يا هذه فتأكلين؟ قالت: إني لأسمع حس رجل، فقال: أجل، فقالت: لو أردت أن أبرز للرجال اشتريت لي غير هذه الكسوة؛ فقال: أو ما ترضين أن يقال: أمّ كلثوم بنت علي وامرأة عمر! فقالت: ما أقل غناء ذلك عني! ثم قال للرجل: ادن فكل؛ فلو كانت راضية لكان أطيب مما ترى، فأكلا حتى إذا فرغ قال: رسول سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين.
فقال: مرحبًا وأهلًا، ثم أدناه حتى مسّت ركبته ركبته، ثم سأله عن المسلمين، ثم سأله عن سارية بن زنيم، فأخبره، ثم أخبره بقصّة الدرج، فنظر إليه ثم صاح به، ثم قال: لا ولا كرامة حتى تقدم على ذلك الجند فتقسمه بينهم. فطرده، فقال: يا أمير المؤمنين؛ إني قد أنضيت إبلي واستقرضت في جائزتي، فأعطني ما مأتبلّغ به؛ فما زال عنه حتى أبدله بعيرًا ببعيره من إبل الصدقة، وأخذ بعيره فأدخله في إبل الصدقة، ورجع الرسول مغضوبًا عليه محرومًا حتى قدم البصرة، فنفذ لأمر عمر، وقد كان سأله أهل المدينة عن سارية، وعن الفتح وهل سمعوا شيئًا يوم الوقعة؟ فقال: نعم، سمعنا: يا سارية، الجبل وقد كدنا نهلك، فلجأنا إليه، ففتح الله علينا.
كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن المجالد، عن الشعبي، مثل حديث عمرو.
ذكر فتح كرمان
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو؛ قالوا: وقصد سهيل بن عدي إلى كرمان، ولحقه عبد الله بن عبد الله بن عتبان، وعلى مقدمة سهيل بن عدي النسير بن عمرو العجلي، وقد حشد له أهل كَرمان، واستعانوا بالقفس؛ فاقتتلوا في أدنى أرضهم، ففضّهم الله، فأخذوا عليهم بالطريق، وقتل النسير مرزبانها، فدخل سهيل من قبل طريق القرى اليوم إلى جيرفت، وعبد الله بن عبد الله من مفازة شير، فأصابوا ما شاءوا من بعير أوشاء، فقوّموا الإبل والغنم فتحاصوها باللأثمان لعظم البخت على العراب، وكرهوا أن يزيدوا، وكتبوا إلى عمر؛ فكتب إليهم: إن البعير العربي إنما قوم بتعيير اللحم؛ وذلك مثله؛ فإذا رأيتم أنّ في البخت فضلًا فزيدوا فإنما هي من قيمه.
وأما المداثني، فإنه ذكر أنّ علي بن مجاهد أخبره عن حنبل بن أبي حريدة - وكان قاضي قهستان - عن مرزبان قهستان، قال: فتح كرمان عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي في خلافة عمر بن الخطاب، ثم أتى الطبسين من كرمان، ثم قدم على عمر، فقال: يا أمير المؤمنين؛ إني افتتحت الطبسين فأقطعنيهما، فأراد أن يفعل، فقيل لعمر: إنهما رستاقان عظيمان، فلم يقطعه إياهما؛ وهما بابا خراسان.
ذكر فتح سجستان
قالوا: وقصد عاصم بن عمرو لسجستان، ولحقه عبد الله بن عمير، فاستقبلوهم فالتقوا هم وأهل سجستان في أدنى أرضهم، فهزموهم ثم أتبعوهم، حتى حصروهم بزرنج، ومخروا أرض سجستان ما شاءوا. ثمّ إنهم طلبوا الصلح على زرنج ما احتازوا من الأرضين؛ فأعطوه، وكانوا قد اشترطوا في صلحهم أنّ فدا فدها حمى؛ فكان المسلمون إذا خرجوا تناذروا خشية أن يصيبوا منها شيئًا، فيخفروا. فتم أهل سجستان على الخراج والمسلمون على الإعطاء؛ فكانت سجستان أعظم من خراسان، وأبعد فروجًا، يقاتلون القنارهار والترك وأممًا كثيرة، وكانتفيما بين السند إلى نهر بلخ بحياله، فلم تزل أعظم البلدين، وأصعب الفرجين، وأكثرها عددًا وجندًا؛ حتى زمان معاوية، فهرب الشاه من أخيه - واسم أخي الشاه يومئذ رتبيل - إلى بلد فيها يدعى آمل، ودانوا لسلم بن زياد، وهو يومئذ على سجسان، ففرح بذلك وعقد لهم، وأنزلهم بتلك البلاد، وكتب إلى معاوية بذلك يرى أنه قد فتح عليه. فقال معاوية: إنّ ابن أخي ليفرح بأنه ليحزنني وينبغي له أن يحزنه، قالوا: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: لأنّ آمل بلدة بينها وبين زرنج صعوبة وتضايق، وهؤلاء قوم نكر غدر، فيضطرب الحبل غدًا، فأهون ما يجيء منهم أني يغلبوا على بلاد آمل بأسرها وتم لهم على عهد ابن زياد؛ فلمّا وقعت الفتنة بعد معاوية كفر الشاه، وغلب على آمل، وخاف رتبيل الشاه فاعتصم منه بمكانه الذي هوبه اليوم، ولم يرضه ذلك حين تشاغل الناس عنه حتى طمع في زرنج، فغزاها فحصرهم حتى أتتهم الأمداد من البصرة، فصار رتبيل والذين جاءوا معه؛ فنزلوا تلك البلاد شجًا لم ينتزع إلى اليوم؛ وقد كانت تلك البلاد مذلّلة إلى أن مات معاوية.
فتح مكران
قالوا: وقصد الحكم بن عمرو التغلبي لمكران؛ حتى انتهى إليها؛ ولحق به شهاب بن المخارق بن شهاب، فانضمّ إليه، وأمدّه سهيل بن عدي، وعبد الله بن عبد الله بن عتبانبأنفسهما، فانتهوا إلى دوين النهر، وقد انفضّ أهل مكران إليه حتى نزلوا على شاطئه، فعسكروا، وعبر إليهم راسل ملكهم ملك السند، فازدلف بهم مستقبل المسلمين.
فالتقوا فاقتتلوا بمكان من مكران من النهر على أيام، بعد ما كان قد انتهى إليه أوائلهم، وعسكروا به ليلحق أخراهم، فهزم الله راسل وسلبه، وأباح المسلمين عسركهن وقتلوا في المعركة مقتلة عظيمة، وأتبعوهم يقتلونهم أيامًا، حتى انتهوا إلى النهر. ثم رجعوا فأقاموا بمكران. وكتب الحكم إلى عمر بالفتح، وبعث بالأخماس مع صحار العبدي، واستأمره في الفيلة، فقدم صحار على عمر بالخبر والمغانم، فسأله عمر عن مكران - وكان لا يأتيه أحد إلا سأله عن الوجه الذي يجيء منه - فقال: يا أمير المؤمنين، أرض سهلها جبل، وماؤها وشل، وتمرها دقل، وعدوها بطل، وخيرها قليل، وشرّها طويل، والكثير بها قليل، والقليلُ بها ضائع وما وراءها شر منها. فقال: اسجاعٌ أنت أم مخبر؟ قال: لا بل مخبر، قال: لا، والله يغزوها جيش لي ما أطعتُ؛ وكتب إلى الحكم بن عمرو وإلى سهيل ألا يجوزن مكران أحد من جنودكما واقتصرا على ما دون النهر؛ وأمره ببيع الفيلة بأرض الإسلام، وقسم أثمانها على من أفاءها الله عليه.
وقال الحكم بن عمرو في ذلك:
لقد شبع الأرامل غير فخر ** بفيء جاءهم من مكران
أتاهم بعد مشغبة وجهد ** وقد صفر الشتاء من الدخان
فإني لا يذم الجيش فعلى ** ولا سيفي يذم ولا سنان
غداة أدفع الأوباش دفعًا ** إلى السند العريضة والمداني
ومهران لنا فينا أردنا ** مطيع غير مسترخي العنان
فلولا ما نهى عنه أميري ** قطعناه إلى البدد الزواني
خبر بيروذ من الأهواز
قالوا: ولما فصلت الخيول إلى الكور اجتمع ببيروذ جمع عظيم من الأكراد وغيرهم، وكان عمر قد عهد إلى أبي موسى حين سارت الجنود إلى الكور أن يسير حتى ينتهي إلى ذمة البصرة، كي لا يؤتي المسلمون من خلفهم، وخشي أن يستلحم بعض جنوده أو ينقطع منهم طرف، أو يخلفوا في أعقابهم؛ فكان الذي حذر من اجتماع أهل بيروذ؛ وقد أبطأ أبو موسى حتى تجمعوا، فخرج أبو موسى حتى ينزل بيروذ على الجمع الذي تجمّعوا بها في رمضان؛ فالتقوا بين نهر تيري ومناذر؛ وقد توافى إليها أهل النجدات من أهل فارس والأكراد، ليكيدوا المسلمين، وليصيبوا منهم عورة؛ ولم يشكوا في واحدة من اثنتين. فقام المهاجرين زياد وقد تحنّط واستقتل، فقال لأبي موسى: أقمم علي كل صائم لما رجع فأفطر. فرجع أخوه فيمن رجع لإبرار القسم، وإنما مأراد بذلك توجيه أخيه عنه لئلا يمنعه من الاستقتال؛ وتقدّم فقاتل حتى قتِل، ووهن الله المشركين حتى تحصنوا في قلة وذلة؛ وأقبل أخوه الربيع، فقال: هيء يا والع الدنيا؛ واشتدّ جزعه عليه؛ فرقّ أبو موسى للربيع للذي رآه دخله من مصاب أخيه، فخلفه عليهم في جند؛ وخرج أبو موسى حتى بلغ إصبهان، فلقى بها جنود أهل الكوفة محاصري جي، ثم انصرف إلى البصرة؛ بعد ظفر الجنود، وقد فتح الله على الربيع بن زياد أهل بيروذ من نهر تيري؛ وأخذ ما كان معهم من السبي، فتنقى أبو موسى رجالًا منهم ممن كان لهم فداء - وقد كان الفداء أرد على المسلمين من أعيانهم وقيمتهم فيما بينهم - ووفد الوفود والأخماس؛ فقام رجل من عنزة فاستوفده؛ فأبى فخرج فسعى به فاستجلبه عمر، وجمع بينهما فوجد أبا موسى أعذر إلا في أمر خادمه، فضعفه فردّه إلى عمله، وفجّر الآخر؛ وتقدم إليه في ألا يعود لمثلها.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو، قالوا: لما رجع أبو موسى عن إصبهان بعد دخول الجنود الكور، وقد هزم الربيع أهل بيروذ، وجمع السبي والأموال؛ فغدا على ستين غلامًا من أبناء الدهاقين تنقاهم وعزلهم؛ وبعث بالفتح إلى عمر، ووفّد وفدًا فجاءه رجل من عنزة، فقال: اكتبني في الوفد، فقال: قد كتبنا من هو أحق منك؛ فانطلق مغاضبًا مراغمًا، وكتب أبو موسى إلى عمر: إنّ رجلًا من عنزة يقا له ضبة بن محصن، كان من أمره.. وقص قصته.
فلما قدم الكتاب والوفد والفتح على عمر قدم العنزي فأتى عمر فسلم عليه، فقال: من أنت؟ فأخبره، فقال: لا مرحبًا ولا أهلًا! فقال: أما المرحب فمن الله، وأما الأهل فلا أهل؛ فاختلف إليه ثلاثًا، يقول له هذا ويرد عليه هذا؛ حتى إذا كان في اليوم الرابع، دخل عليه، فقال: ما نقمت على أميرك؟ قال: تنقى ستين غلامًا من أبناء الدهاقين لنفسه؛ وله جارية تدعى عقيلة، تغدى جفنة وتعشى جفنة، وليس منا رجل يقدر على ذلك؛ وله قفيزان، وله خاتمان، وفوّض إلى زياد ابن سفيان - وكان زياد يلي أمور البصرة - وأجاز الحطيئة بألف.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)