صفحة 9 من 33 الأولىالأولى ... 789101119 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 33 إلى 36 من 131

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)


  1. #33
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    قال كسرى: هذا الرأي، وأمر بمن كان في السجون من هذا الضرب، فأحصوا فبلغوا ثمانمائة نفر، فقود عليهم قائدًا من أساورته، يقال له وهرز، كان كسرى يعد له بألف أسوار وقواهم وجهزهم وأمر بحملهم في ثماني سفائن، في كل سفينة مائة رجل، فركبوا البحر، فغرقت من الثماني السفن سفينتان، وسلمت ست، فخرجوا بساحل حضرموت، وسار إليهم مسروق في مائة ألف من الحبشة وحمير والأعراب، ولحق بابن ذي يزن بشرٌ كثير، ونزل وهرز على سيف البحر، وجعل البحر وراء ظهره، فلما نظر مسروق إلى قلتهم طمع فيهم، فأرسل إلى وهرز: ما جاء بك، وليس معك إلا من أرى، ومعي من ترى! لقد غررت بنفسك وأصحابك، فإن أحببت أذنت لك؛ فرجعت إلى بلادك ولم أهجك؛ ولم ينلك ولا أحدًا من أصحابك مني ولا من أحد من أصحابي مكروه، وإن أحببت ناجزتك الساعة، وإن أحببت أجلتك حتى تنظر في أمرك، وتشاور أصحابك.
    فأعظم وهرز أمرهم. ورأى أنه لا طاقة له بهم، فأرسل إلى مسروق: بل تضرب بيني وبينك أجلًا، وتعطيني موثقًا وعهدًا، وتأخذ مثله مني؛ ألا يقاتل بعضنا بعضًا حتى ينقضي الأجل، ونرى رأينا.
    ففعل ذلك مسروق، ثم أقام كل واحد منهما في عسكره، حتى إذا مضى من الأجل عشرة أيام، خرج ابن وهرز يسير على فرس له، حتى دنا من عسكرهم، وحمله فرسه، فتوسط به عسكرهم، فقتلوه - ووهرز لا يشعر به - فلما بلغه قتل ابنه أرسل إلى مسروق: قد كان بيني وبينكم ما قد علمتم، فلم قتلم ابني؟ فأرسل إليه مسروق: إن ابنك حمل علينا، وتوسط عسكرنا، فثار إليه سفهاء من سفهائنا، فقتلوه، وقد كنت لقتله كارهًا. قال وهرز للرسول: قل له: إنه لم يكن ابني، إنما كان ابن زانية، ولو كان ابني لصبر ولم يغدر حتى ينقضي الأجل بالذي بيننا. ثم أمر فرمي به في الصعيد حيث ينظر إلى جثمانه، وحلف ألا يشرب خمرًا، ولا يدهن رأسه حتى ينقضى الأجل بينه وبينهم.
    فلما انقضى الأجل إلا يومًا واحدًا، أمر بالسفن التي كانوا فيها فأحرقت بالنار، وأمر بما كان معهم من فضل كسوة فأحرق، ولم يدع منه إلا ما كان على أجسادهم، ثم دعا بكل زاد معهم. فقال لأصحابه: كلوا هذا الزاد، فأكلوه، فلما انتهوا أمر بفضله فألقي في البحر، ثم قام فيهم خطيبًا، فقال: أما حرقت من سفنكم، فإني أردت أن تعلموا أنه لا سبيل إلى بلادكم أبدًا، وأما ما حرقت من ثيابكم، فإنه كان يغيظني إن ظفرت بكم الحبش أن يصير ذلك إليهم، وأما ما ألقيت من زادكم في البحر، فإني كرهت أن يطمع أحد منكم أن يكون معه زاد يعيش به يومًا واحدًا، فإن كنتم قومًا تقاتلون معي وتصبرون أعلمتموني ذلك. وإن كنتم لا تفعلون اعتمدت على سيفي هذا حتى يخرج من ظهري؛ فإني لم أكن لأمكنهم من نفسي أبدًا. فانظروا ما تكون حالكم، إذا كنت رئيسكم وفعلت هذا بنفسي! فقالوا: لا بل نقاتل معك حتى نموت عن آخرنا، أو نظفر.
    فلما كان صبح اليوم الذي انقضى فيه الأجل عبى أصحابه، وجعل البحر خلفه، وأقبل عليهم يحضهم على الصبر، ويعلمهم أنهم منه بين خلتين، إما ظفروا بعدوهم، وإما ماتوا كرامًا، وأمرهم أن تكون قسيهم موترة وقال: إذا أمرتكم أن ترموا فارموهم رشقًا بالبنجكان - ولم يكن أهل اليمن رأوا النشاب قبل ذلك - وأقبل مسروق في جمع لا يرى طرفاه على فيل على فيل على رأسه تاج، بين عينيه ياقوتة حمراء مثل البييضة، لا يرى أن دون الظفر شيئًا. وكان وهرز قد كل بصره فقال: أروني عظيمهم، فقالوا: هو صاحب الفيل؛ ثم لم يلبث مسروق أن نزل فركب فرسًا، فقالوا: قد ركب فرسًا، فقال: ارفعوا لي حاجبي، وقد كانا سقطا على عينيه من الكبر، فرفعوهما بعصابة، ثم أخرج نشابة، فوضعها في كبد قوسه، وقال: أشيروا لي إلى مسروق، فأشاروا له حتى أثبته، ثم قال لهم: ارموا، فرموا، ونزع في قوسه حتى إذا ملأها سرح النشابة، فأقبلت كأنها رشاء، حتى صكت جبهة مسروق، فسقط عن دابته، وقتل في ذلك الرشق منهم جماعة كثرة، وانفض صفهم لما رأوا صاحبهم صريعًا، فلم يكن دون الهزيمة شيء، وأمر وهرز بجثة ابنه من ساعته فووريت، وأمر بجثة مسروق، فألقيت مكانها، وغنم من عسكرهم مالا يحصى ولا يعد كثرة، وجعل الأسوار يأخذ من الحبشة ومن حمير والأعراب الخمسين والستين فيسوقهم مكتفين، لا يمتنعون منه.
    فقال وهرز: أما حمير والأعراب فكفوا عنهم، واقصدوا قصد السودان فلا تبقوا منهم أحدًا. فقتلت الحبشة يومئذ حتى لم يبق منهم كثير أحد، وهرب رجل من الأعراب على جمل له، فركضه يومًا وليلة، ثم التفت. فإذا في الحقيبة نشابة، فقال: لأمك الويل أبعدٌ أم طول مسير - حسب أن النشابة لحقته. وأقبل وهرز حتى دخل صنعاء، وغلب على بلاد اليمن، وفرق عماله في المخاليف.
    وفي ابن ذي يزن وما كان منه ومن وهرز والفرس، يقول أبو الصلت أبو أمية بن أبي الصلت الثقفي:؟ ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزنٍ ريم في البحر للأعداء أحوالا
    أتى هرقل وقد شالت نعامنهم ** فلم يجد عنده بعض الذي قالا
    ثم انتحى نحو كسرى بعد سابعةٍ ** من السنين لقد أبعدت إيغالا
    حتى أتى ببني الأحرار يحملهم ** إنك لعمري لقد أطولت قلقالا
    من مثل كسرى شهنشاه الملوك له ** أو مثل وهرز يوم الجيش إذ ضالا!
    لله درهم من عصبةٍ خرجوا ** ما إن ترى لهم في الناس أمثالا
    غرٌ جحاجحةٌ، بيضٌ مرازبةٌ، ** أسدٌ تربب في الغيضاتٍ أشبالا
    يرمون عن شدفٍ كأنها عبطٌ ** في زمخرٍ يعجل المرمي إعجالا
    أرسلت أسدًا على سود الكلاب فقد ** أضحى شريدهم في الأرض فلالا
    فاشرب هنيئًا عليك التاج متكئًا ** في رأس غمدان دارًا منك محلالا
    وأطل بالمسك إذ شالت نعامتهم ** وأسبل اليوم في برديك إسبالا
    تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ ** شيبًا بماءٍ فعادا بعد أبوالا
    رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق: قال: فلما انصرف وهرز إلى كسرى، وملك سيفًا على اليمن، عدا على الحبشة فجعل يقتلها ويبقر النساء عما في بطونها، حتى إذا أفناها إلا بقايا ذليلة قليلة، فاتخذهم خولا، وتخذ منهم جمازين يسعون بين يديه بحرابهم، فمكث بذلك حينًا غير كثير. ثم إنه خرج يومًا والحبشة تسعى بين يديه بحرابهم؛ حتى إذ كان في وسط منهم وجئوه بالحراب حتى قتلوه، ووثب بهم رجل من الحبشة، فقتل باليمن وأوعث، فأفسد، فلما بلغ ذلك كسرى بعث إليهم وهرز في أربعة آلاف من الفرس، وأمره ألا يترك باليمن أسود ولا ولد عربية من أسود إلا قتله؛ صغيرًا أو كبيرًا، ولا يدع رجلًا جعدًا قططًا قد شرك فيه السودان إلا قتله.
    فأقبل وهرز: حتى دخل اليمن، ففعل ذلك؛ ولم يترك بها حبشيًا إلا قتله، ثم كتب إلى كسرى بذلك، فأمره كسرى عليها، فكان عليها، وكان يجبيها إلى كسرى حتى هلك، وأمر كسرى بعده ابنه المرزبان بن وهرز، فكان عليها حتى هلك، فأمر كسرى بعده البينجان بن المرزبان بن وهرز حتى هلك، ثم أمر كسرى بعده خر خسره بن البينجان بن المرزبان بن وهرز، فكان عليها.
    ثم إن كسرى غضب عليه، فحلف ليأتينه به أهل اليمن يحملونه على أعناقهم ففعلوا، فلما قدم على كسرى تلقاه رجل من عظماء فارس، فألقى عليه سيفًا لأبي كسرى، فأجاره كسرى بذلك من القتل ونزعه، وبعث باذان إلى اليمن، فلم يزل عليها حتى بعث الله رسوله محمدًا .
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #34
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وكان - فيما ذكر - بين كسرى أنوشروان وبين يخطيانوس ملك الروم، موادعة وهدنة، فوقع بين رجل من العرب كان ملكه يخطيانوس على عرب الشأم، يقال له خالد بن جبلة، وبين رجل من لخم، كان ملكه كسرى على ما بين عمان والبحرين واليمامة إلى الطائف وسائر الحجاز ومن فيها من العرب؛ يقال له المنذر بن النعمان - نائرة، فأغار خالد بن جبلة على حيز المنذر، فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة، وغنم أموالًا من أمواله. فشكا ذلك المنذر إلى كسرى، وسأله الكتاب إلى ملك الروم في إنصافه من خالد. فكتب كسرى إلى يخطيانوس، يذكر ما بينهما من العهد على الهدنة والصلح، ويعلمه ما لقي المنذر عامله على العرب من خالد بن جبلة الذي ملكه على من في بلاده من العرب، ويسأله أن يأمر خالدًا أن يرد على المنذر ما غنم من حيزه وبلاده، ويدفع إليه دية من قتل من عربها. وينصف المنذر من خالد، وألا يستخف بما كتب به من ذلك، فيكون انتقاض ما بينهما من العهد والهدنة بسببه.
    وواتر الكتب إلى يخطيانوس في إنصاف المنذر، فلم يحفل بها، فاستعد كسرى، فغزا بلاد يخطيانوس في بضعة وتسعين ألف مقاتل، فأخذ مدينة دارا، ومدينة الرهاء، ومدينة منبج، ومدينة قنسرين، ومدينة حلب، ومدينة أنطاكية - وكانت أفضل مدينة بالشأم - ومدينة فامية، ومدينة حمص، ومدنًا كثيرة متاخمة لهذه المدائن؛ عنوة، واحتوى على ما كان فيها من الأموال والعروض، وسبى أهل مدينة أنطاكية، ونقلهم إلى أرض السواد، وأمر فبنيت لهم مدينة جنب مدينة طيسبون على بناء مدينة أنطاكية - على ما قد ذكرت قبل - وأسكنهم إياها؛ وهي التي تسمى الرومية، وكور لها كورة، وجعل لها خمسة طساسيج: طسوج نهروان الأعلى، وطسوج نهروان الأوسط، وطسوج نهروان الأسفل، وطسوج با درايا، وطسوج باكسايا، وأجرى على السبي الذين نقلهم من أنطاكية إلى الرومية الأرزاق. وولى القيام بأمورهم رجلًا من نصارى أهل الأهواز، وكان ولاه الرياسة على أصحاب صناعاته، يقال له: بزار، رقة منه لذلك السبي، إرادة أن يستأنسوا ببراز لحال ملته، ويسكنوا إليه. وأما سائر مدن الشام ومصر فإن يخطيانوس ابتاعها من كسرى بأموال عظيمة حملها إليه، وضمن له فدية يحملها إليه في كل سنة على ألا يغزوا بلاده، وكتب لكسرى بذلك كتابًا، وختم هو وعظماء الروم عليه، فكانوا يحملونها إليه في كل عام.
    وكان ملوك فارس يأخذون من كور من كورهم قبل ملك كسرى أنوشروان في خراجها الثلث، ومن كور الربع، ومن كور الخمس، ومن كور السدس؛ على قدر شربها وعمارتها، ومن جزية الجماجم شيئًا معلومًا، فأمر الملك قباذ بن فيروز في آخر ملكه بمسح الأرض سهلها وجبلها ليصح الخراج عليها، فمسحت؛ غير أن قباذ هلك قبل أن يستحكم له أمر تلك المساحة؛ حتى إذا ملك ابنه كسرى أمر باستتمامها وإحصاء النخل والزيتون والجماجم، ثم أمر كتابه فاستخرجوا جمل ذلك، وأذن للناس إذنًا عامًا، وأمر كاتب خراجه أن يقرأ عليهم الجمل التي استخرجت من أصناف غلات الأرض، وعدد النخل والزيتون والجماجم، فقرأ ذلك عليهم، ثم قال لهم كسرى: إنا قد رأينا أن نضع على ما أحصى من جربان هذه المساحة من النخل والزيتون والجماجم وضائع، ونأمر بإنجامها في السنة في ثلاثة أنجم، ونجمع في بيوت أموالنا من الأموال ما لو أتانا عن ثغر من ثغورنا، أو طرف من أطرافنا فتق أو شيء نكرهه، واحتجنا إلى تداركه أو حسمه ببذلنا فيه مالًا، كانت الأموال عندنا معدة موجودة، ولم نرد استئناف اجتبائها على تلك الحال. فما ترون فيما رأينا من ذلك وأجمعنا عليه؟ فلم يشر عليه أحد منهم فيه بمشورة، ولم ينبس بكلمة، فكرر كسرى هذا القول عليهم ثلاث مرات. فقام رجل من عرضهم وقال لكسرى: أتضع أيها الملك - عمرك الله - الخالد من هذا الخراج على الفاني من كرمٍ يموت، وزرعٍ يهيج، ونهرٍ يغور، وعين أو قناة ينقطع ماؤها! فقال له كسرى: يا ذا الكلفة المشئوم، من أي طبقات الناس أنت؟ قال أنا رجل من الكتاب، فقال كسرى: اضربوه بالدوى حتى يموت، فضربه بها الكتاب خاصة تبرؤًا منهم إلى كسرى من رأيه وما جاء منه، حتى قتلوه. وقال الناس: نحن راضون أيها الملك بما أنت ملزمنا من خراج.
    وإن كسرى اختار رجالًا من أهل الرأي والنصيحة، فأمرهم بالنظر في أصناف ما ارتفع إليه من المساحة وعدة النخل والزيتون ورءوس أهل الجزية. ووضع الوضائع على ذلك بقدر ما يرون أن فيه صلاح رعيته، ورفاغة معاشهم، ورفعه إليه. فتكلم كل امرئ منهم بمبلغ رأيه في ذلك من تلك الوضائع، وأداروا الأمر بينهم، فاجتمعت كلمتهم على وضع الخراج على ما يعصم الناس والبهائم، وهو الحنطة والشعير والأرز والكرم والرطاب والنخل والزيتون؛ وكان الذي وضعوا على كل جريب أرض من مزارع الحنطة والشعير درهمًا، وعلى كل جريب أرض كرم ثمانية دراهم؛ وعلى كل جريب أرض رطاب سبعة دراهم، وعلى كل أربع نخلات فارسية درهمًا، وعلى كل ست نخلات دقل مثل ذلك؛ وعلى كل ستة أصول زيتون مثل ذلك؛ ولم يضعوا إلا على كل نخل في حديقة، أو مجتمع غير شاذ، وتركوا ما سوى ذلك من الغلات السبع. فقوى الناس في معاشهم، وألزموا الناس الجزية ما خلا أهل البيوتات والعظماء والمقاتلة والهرابذة والكتاب؛ ومن كان في خدمة الملك، وصيروها على طبقات: اثنى عشر درهمًا وثمانية وستة وأربعة، كقدر إكثار الرجل وإقلاله، ولم يلزموا الجزية من كان أتى له من السن دون العشرين أو فوق الخمسين، ورفعوا وضائعهم إلى كسرى فرضيها أو أمر بإمضائها والاجتباء عليها في السنة في ثلاثة أنجم، كل نجم أربعة أشهر وسماها أبراسيار، وتأويله الأمر المتراضي؛ وهي الوضائع التي اقتدى بها عمر بن الخطاب حين افتتح بلاد الفرس، وأمر باجتباء أهل الذمة عليها، إلا أنه وضع على كل جريب أرض غامر على قدر احتماله؛ مثل الذي وضع على الأرض المزروعة، وزاد على كل جريب أرض مزارع حنطة أو شعير قفيزًا من حنطة إلى القفيزين، ورزق منه الجند. ولم يخالف عمر بالعراق خاصة وضائع كسرى على جربان الأرض وعلى النخل والزيتون والجماجم، وألغى ما كان كسرى ألغاه من معايش الناس.
    وأمر كسرى فدونت وضائعه نسخًا، فاتخذت نسخة منها في ديوانه قبله، ودفعت نسخة إلى عمال الخراج، ليجتبوا خراجهم عليها، ونسخة إلى قضاة الكور، وأمر القضاة أن يحولوا بين عمال الكور والزيادة على أهل الخراج فوق ما في الديوان الذي دفعت إليه نسخته، وأن يرفعوا الخراج عن كل من أصاب زرعه أو شيئًا من غلاته آفة بقدر مبلغ تلك الآفة، وعمن هلك من أهل الجزية أو جاوز خمسين سنة، ويكتبوا إليه بما يرفعون من ذلك، ليأمر بحسبه للعمال، وألا يخلوا بين العمال وبين اجتباء من أتى له دون عشرين سنة.


  • #35
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وكان كسرى ولى رجلًا من الكتاب - نابهًا بالنبل والمروءة والغناء والكفاية، يقال له بابك بن البيروان - ديوان المقاتلة، فقال لكسرى: إن أمرى لا يتم إلا بإزاحة علتي في كل ما بي إليه الحاجة من صلاح أمر الملك في جنده. فأعطاه ذلك، فأمر بابك فبنيت له في الموضع الذي كان يعرض فيه الجند مصطبة وفرش له عليها بساط سوسنجرد ونمط صوف فوقه، ووضعت له وسائد لتكأته، ثم جلس على ما فرش له، ثم نادى مناديه في شاهد عسكر كسرى من الجند أن يحضره الفرسان على كراعهم وأسلحتهم والرجالة على ما يلزمهم من السلاح، فاجتمع إليه الجند على ما أمرهم أن يحضروه عليه، ولم يعاين كسرى فيهم؛ فأمرهم بالانصراف، ونادى مناديه في اليوم الثاني بمثل ذلك. فاجتمع إليه الجند، فلما لم ير كسرى فيهم أمرهم أن ينصرفوا، ويغدوا إليه، وأمر مناديه أن ينادي في اليوم الثالث: ألا يتخلف عنه من شاهد العسكر أحد، ولا من أكرم بتاج وسرير، فإنه عزم لا رخضة فيه ولا محاباة، فبلغ ذلك كسرى، فوضع تاجه على رأسه وتسلح بسلاح المقاتلة، ثم أتى بابك ليعترض عليه، وكان الذي يؤخذ به الفارس من الجند تجافيف ودرعًا، وجوشنا، وساقين، وسيفًا، ورمحًا، وترسًا، وجرزًا تلزمه منطقة، وطبرزينا أو عمودًا، وجعبة فيها قوسان بوتريهما، وثلاثين نشابة ووترين مضفورين يعلقهما الفارس في مغفر له ظهريًا.
    فاعترض كسرى على بابك بسلاح تام ما خلا الوترين اللذين كان يستظهر بهما. فلم يجز بابك عن اسمه، وقال له: إنك أيها الملك واقف في موضع المعدلة التي لا محاباة تكون مني معها ولا هوادة، فهلم كل ما يلزمك من صنوف الأسلحة. فذكر كسرى قصة الوترين فتعلقهما، ثم غرد داعي بابك بصوته، وقال: للكمي سيد الكماة أربعة آلاف درهم، وأجاز بابك عن اسمه، ثم الصرف. وكان يفضل الملك في العطاء على أكتر المقاتلة عطاء بدرهم.
    فلما قام بابك من مجلسه ذلك أتى كسرى، فقال: إن غلظتي في الأمر الذي أغلظت فيه عليك اليوم أيها الملك؛ إنما هي لأن ينفذ لي عليه الأمر الذي وضعتني بسبيله، وسبب من أوثق الأسباب لما يريد الملك إحكامه لمكاني. فقال كسرى: ما غلظ علينا أمرٌ أريد به صلاح رعيتنا، وأقيم عليه أود ذي الأود منهم.
    ثم إن كسرى وجه مع رجل من أهل اليمن يقال له سيفان بن معد يكرب - ومن الناس من يقول إنه كان يسمى سيف بن ذي يزن - جيشًا إلى اليمن؛ فقتلوا من بها من السودان، واستولوا عليها. فلما دانت لكسرى بلاد اليمن وجه إلى سرنديب من بلاد الهند - وهي أرض الجوهر - قائدًا من قواده في جند كثيف، فقاتل ملكها فقتله، واستولى عليها، وحمل إلى كسرى منها أموالًا عظيمة، وجوهرًا كثيرًا.
    ولم يكن ببلاد فارس بنات آوى، فتساقطت إليها من بلاد الترك في ملك كسرى أنوشروان؛ فبلغ ذلك كسرى، فبلغ ذلك منه مشقة، فدعا بموبذان موبذ، فقال: إنه بلغنا تساقط هذه السباع إلى بلادنا، وقد تعاظم الناس ذلك، فتعجبنا من استعظامهم أمرها لهوانها، فأخبرنا برأيك في ذلك.
    فقال له موبذان موبذ: فإني سمعت أيها الملك - عمرك الله - فقهاءنا يقولون: متى لا يغمر في بلدة العدل الجور، ويمحق؛ بلي أهلها بغزو أعدائهم لهم، وتساقط إليهم ما يكرهون، وقد تخوفت أن يكون تساقط هذه السباع إلى بلادك لما أعلمتك من هذا الخطب. فلم يلبث كسرى أن تناهى إليه أن فتيانًا من الترك قد غزوا أقصى بلاده، فأمر وزراءه وأصحاب أعماله ألا يتعدوا فيما هم بسبيله العدل، ولا يعملوا في شيء منه إلا به، فصرف الله لما جرى من العدل ذلك العدو عن بلاده من غير أن يكون حاربهم، أو كلف مؤونة في أمرهم.
    وكان لكسرى أولاد متأدبون، فجعل الملك من بعده لهرمز ابنه الذي كانت أمه ابنة خاتون وخاقان لمعرفة كسرى إياه بالاقتصاد والأخذ بالوثيقة وما رجا بذلك من ضبط هرمز الملك وقدرته على تدبير الملك ورعيته ومعاملتهم.
    وكان مولد رسول الله في عهد كسرى أنوشروان، عام قدم أبرهة الأشرم أبو يكسوم مع الحبشة إلى مكة، وساق فيه إليها الفيل، يريد هدم بيت الله الحرام؛ وذلك لمضي اثنتين وأربعين سنة من ملك كسرى أنوشروان. وفي هذا العام كان يوم جبلة، وهو يوم من أيام العرب مذكور.
    ذكر مولد رسول الله

    حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن المطلب بن عبد الله بن قيس بن محرمة، عن أبيه، عن جده، قال: ولدت أنا ورسول الله عام الفيل.
    قال: وسأل عثمان بن عفان قباث بن أشيم، أخا بني عمرو بن ليث: أنت أكبر أم رسول الله ؟ قال: رسول الله أكبر مني، وأنا أقدم منه في الميلاد، ورأيت خذق الفيل أخضر محيلا بعده بعام، ورأيت أمية بن عبد شمس شيخًا كبيرًا يقوده عبده، فقال ابنه: يا قباث، أنت أعلم وما تقول.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن المطلب ابن عبد الله بن قيس بن محرمة، عن أبيه، عن جده قيس بن محرمة، قال: ولدت أنا ورسول الله ص عام الفيل، فنحن لدان.
    وحدثت عن هشام بن محمد، قال: ولد عبد الله بن عبد المطلبأبو رسول الله ص لأربع وعشرين مضت من سلطان كسرى أنوشروان، وولد رسول الله ص في سنة اثنتين وأربعين من سلطانه.
    وحدثت عن يحيى بن معين، قال: حدثنا حجاج بن محمد، قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ولد رسول الله ص عام الفيل.
    حدثت عن إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت، قال: حدثنا الزبير بن موسى، عن أبي الحويرث، قال: سمعت عبد الملك ابن مروان يقول لقباث بن أشيم الكناني الليثي: يا قباث أأنت أكبر أم رسول الله ص؟ قال: رسول الله ص أكبر مني وأنا أسن منه، ولد رسول الله ص عام الفيل، ووقفت بي أمي على روث الفيل محيلا أعقله.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: ولد رسول الله ص يوم الاثنين عام الفيل، لاثنتى عشرة مضت من شهر ربيع الأول؛ وقيل إنه ولد ص في الدار التي تعرف بدار ابن يوسف؛ وقيل: إن رسول الله ص كان وهبها لعقيل بن أبي طالب، فلم تزل في يد عقيل حتى توفي، فباعها ولده من محمد بن يوسف، أخى الحجاج بن يوسف، فبنى داره التي يقال لها دار ابن يوسف، وأدخل ذلك البيت في الدار، حتى أخرجته الخيزران فجعلته مسجدًا يصلى فيه.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: يزعمون فيما يتحدث الناس - والله أعلم - أن آمنة بنت وهب أم رسول الله ص، كانت تحدث أنها أتيت لما حملت برسول الله ص، فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع بالأرض فقولي: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، ثم سميه محمدًا. ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت منه قصور بصرى من أرض الشام، فلما وضعته أرسلت إلى جده عبد المطلب، أنه قد ولد لك غلام فأته فانظر إليه. فأتاه فنظر إليه، وحدثته بما رأت حين حملت به، وما قيل لها فيه. ولما أمرت أن تسميه.
    حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا يعقوب بن محمد الزهري، قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران، قال: حدثني عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن ابن أبي سويد الثقفي، عن عثمان أبي العاص، قال: حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب أم رسول الله - وكان ذلك ليل ولدته - قالت: فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نور، وإني لأنظر إلى النجوم تدنو، حتى إني لأقول: لتقعن علي.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: فيزعمون أن عبد المطلب أخذه فدخل به على هبل في جوف الكعبة، فقام عنده يدعو الله ويشكر ما أعطاه، ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها، والتمس له الرضعاء، فاسترضع له امرأةً من بني سعد بن بكر، يقال لها، حليمة ابنة أبي ذؤيب، وأبو ذئيب عبد الله، بن الحارث، بن شجنة، بن جابر، بن رزام، بن ناصرة، بن فصية، بن سعد، بن بكر، بن هوازن، بن منصور، بن عكرمة، بن خصفة، بن قيس، بن عيلان، بن مضر. واسم الذي أرضعه: الحارث بن عبد العزى، بن رفاعة، بن ملان، بن ناصرة، بن فصية، بن سعد، بن بكر، بن هوازن، بن منصور، بن عكرمة، بن خصفة، بن قيس، بن عيلان، بن مضر. واسم إخوته من الرضاعة: عبد الله بن الحارث، وأنيسة ابنة الحارث، وخذامة ابنة الحارث وهي الشيماء، غلب ذلك على اسمها فلا تعرف في قومها إلا به.
    وهي حليمة ابنة عبد الله بن الحارث، أم رسول الله ص؛ ويزعمون أن الشيماء كانت تحضنه مع أمها إذ كان عندهم ص.


  • #36
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وأما غير ابن إسحاق، فإنه قال في ذلك ما حدثني به الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثني موسى بن شيبة، عن عميرة ابنة عبيد الله بن كعب بن مالك، عن برة ابنة أبي تجزأة، قالت: أول من أرضع رسول الله ثويبة. بلبن ابنٍ لها - يقال له مسروح - أيامًا قبل أن تقدم حليمة؛ وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق - وحدثنا هناد بن السري، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا ابن إسحاق. وحدثني هارون بن إدريس الأصم، قال: حدثنا المحاربي، عن ابن إسحاق. وحدثنا سعيد بن يحيى الأموي، قال: حدثني عمي محمد ابن سعيد، قال: حدثنا محمد بن إسحاق - عن الجهم بن أبي الجهم مولى عبد الله بن جعفر، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، قال: كانت حليمة ابنة أبي ذؤيب السعدية أم رسول الله التي أرضعته. تحدث أنها خرجت من بلدها معها زوجها وابنٌ لها ترضعه في نسوةٍ من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء، قالت: وذلك في سنة شهباء لم تبق شيئًا، فخرجت على أتان لي قمراء، معنا شارفٌ لنا، والله ما تبض بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معي من بكائه من الجوع، ومافي ثديي ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذوه، ولكنا نرجو الغيث والفرج؛ فخرجت على أتاني تلك، فلقد أذمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفًا وعجفًا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله فتأباه إذا قيل لها إنه يتيمٌ. وذلك أنا إنما نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيمٌ ما عسى أن تصنع أمه وجده! فكنا نكرهه لذلك؛ فما بقيت امرأةٌ قدمت معي إلا أخذت رضيعًا، غيري. فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: إني لأكره أن أرجع من بين صواحباتي ولم آخذ رضيعًا. والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، قال: لا عليك أن تفعلي، فعسى الله أن يجعل لنا فيه بركة! قالت: فذهبت إليه فأخذته وما حملني على ذلك إلا أني لم أجد غيره. قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي، ثم ناما - وما كان ينام قبل ذلك - وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فنظر إليها فإذا إنها لحافل، فحلب منها حتى شرب وشربت، حتى انتهينا ريًا وشبعًا، فبتنا بخير ليلة. قالت: يقول لي صاحبي حين أصبحت: أتعلمين والله يا حليمة، لقد أخذت نسمةً مباركة، قلت: والله إني لأرجو ذلك. قالت: ثم خرجنا وركبت أتاني تلك، وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بنا الركب ما يقدم عليها شيءٌ من حمرهم، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا بنة أبي ذؤيب، اربعي علينا. أليس هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله، إنها لهي هي، فيقلن: والله إن لها لشأنًا. قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعًا لبنًا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسانٌ قطرةً ولا يجدها في ضرع، حتى إن كان الحاضر من قومنا يقولن لرعيانهم: ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعي ابنة أبي ذؤيب! فتروح أغنامهم جياعًا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعًا لبنًا. فلم نزل نتعرف من الله زيادة الخير به، حتى مضت سنتان وفصلته. وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا، فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه وقلنا لها: يا ظئر لو تركت بنى عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة! قالت: فلم نزل بها حتى رددناه معنا. قالت: فرجعنا به، فوالله إنه بعد مقدمنا به بأشهر مع أخيه في بهم لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخوه يشتد، فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بياض، فأضجعاه وشقا بطنه وهما يسوطانه. قالت: فخرجت أنا وأبوه نشتد، فوجدناه قائمًا منتقعًا وجهه؛ قالت: فالتزمته والتزمه أبوه، وقلنا له: مالك يا بني؟ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بياض، فأضجعاني فشقا بطني فالتمسا فيه شيئًا لا أدري ما هو! قالت: فرجعنا إلى خبائنا. قالت: وقال لي أبوه: والله يا حليمة لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب، فألحقيه بأهله قبل أن يظهر به ذلك، قالت: فاحتملناه، فقدمنا به على أمه، فقالت: ما أقدمك به يا ظئر، وقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك؟ قالت: قلت: قد بلغ الله بابنى وقضيت الذي علي وتخوفت الأحداث عليه، فأديته إليك كما تحبين. قالت: ما هذا بشأنك، فاصدقيني خبرك، قالت: فلم تدعني حتى أخبرتها الخبر، قالت: فتخوفت عليه الشيطان؟ قالت: فقلت: نعم، قالت: كلا والله ما للشيطان عليه سبيل، وإن لبني لشأنًا، أفلا أخبرك خبره؟ قالت: قلت: بلى، قالت: رأيتن حين حملت به أنه خرج منى نورٌ أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام، ثم حملت به، فوالله ما رأيت من حمل قطٌ كان أخف منه ولا أيسر منه، ثم وقع حين ولدته وإنه لواضعٌ يديه بالأرض، رافعٌ رأسه إلى السماء؛ دعيه عنك وانطلقي راشدة.، أفلا أخبرك خبره؟ قالت: قلت: بلى، قالت: رأيتن حين حملت به أنه خرج منى نورٌ أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام، ثم حملت به، فوالله ما رأيت من حمل قطٌ كان أخف منه ولا أيسر منه، ثم وقع حين ولدته وإنه لواضعٌ يديه بالأرض، رافعٌ رأسه إلى السماء؛ دعيه عنك وانطلقي راشدة.
    حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأزدي، قال: حدثنا محمد بن يعلى، عن عمر بن صبيح، عن ثور بن يزيد الشأمي، عن مكحول الشأمي، عن شداد بن أوس، قال: بينا نحن جلوسٌ عند رسول الله ، إذ أقبل شيخ من بني عامر، وهو مدره قومه وسيدهم؛ من شيخ كبير يتوكأ على عصا، فمثل بين يدي النبي الله قائمًا، ونسبه إلى جده، فقال: يا ابن عبد المطلب، إني أنبئت أنك تزعم أنك رسول الله إلى الناس، أرسلك بما أرسل به إبراهيم، وموسى، وعيسى، وغيرهم من الأنبياء، ألا وإنك فوهت بعظيم، وإنما كانت الأنبياء والخلفاء في بيتين من بني إسرائيل، وأنت ممن يعبد هذه الحجارة والأوثان، فما لك وللنبوة! ولكن لكل قول حقيقة، فأنبئني بحقيقة قولك، وبدء شأنك؛ قال: فأعجب النبي الله بمسألته، ثم قال: يا أخا بنى عامر، إن لهذا الحديث الذي تسألني عنه نبأ ومجلسًا، فاجلس، فثنى رجليه ثم برك كما يبرك البعير، فاستقبله النبي الله بالحديث فقال: يا أخا بني عامر، إن حقيقة قولي وبدء شأني، أنى دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى بن مريم. وإني كنت بكر أمى، وإنها حملت بي كأثقل ما تحمل، وجعلت تشتكي إلى صواحبها ثقل ما تجد. ثم إن أمى رأت في المنام أن الذي في بطنها نورٌ، قالت: فجعلت أتبع بصرى النور، والنور يسبق بصرى، حتى أضاءت لي مشارق الأرض ومغاربها. ثم إنها ولدتني فنشأت، فلما نشأت بغضت إلى أوثان قريش، وبغض إلى الشعر، وكنت مسترضعًا في بني ليث بن بكر، فبينا أنا ذات يوم منتبذ من أهلي في بطن واد مع أتراب لي من الصبيان نتقاذف بيننا بالجلة، إذ أتانا رهطٌ ثلاثة معهم طستٌ من ذهب ملئ ثلجًا فأخذوني من بين أصحابي، فخرج أصحابي هرابًا حتى انتهوا إلى شفير الوادي، ثم أقبلوا على الرهط فقالوا: ما أربكم إلى هذا الغلام، فإنه ليس منا، هذا ابن سيد قريش، وهو مسترضعٌ فينا؛ من غلام يتيم ليس له أب، فماذا يرد عليكم قتله، وماذا تصيبون من ذلك! ولكن إن كنتم قاتليه، فاختاروا منا أينا شئتم، فليأتكم مكانه فاقتلوه، ودعوا هذا الغلام فإنه يتيم. فلما رأى الصبيان القوم لا يحيرون إليه جوابًا، انطلقوا هرابًا مسرعين إلى الحي، يؤذنونهم ويستصرخونهم على القوم؛ فعمد أحدهم فأضجعنى على الأرض إضجاعًا لطيفًا، ثم شق ما

  • صفحة 9 من 33 الأولىالأولى ... 789101119 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(للطبري)1-
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 83
      آخر مشاركة: 07-24-2010, 03:55 AM
    2. معجم البلدان الجزء الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 110
      آخر مشاركة: 07-15-2010, 11:59 PM
    3. فن الرسم في الماء
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 07-03-2010, 10:24 PM
    4. فن الرسم على البطاطس
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 06-07-2010, 09:56 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1