وكتب إلى هشام: لقد بلغني الذي أحدث أمير المؤمنين من قطع ما قطع عنّي، ومحو ما محا من أصحابي وحرمي وأهلي، ولم أكن أخاف أن يبتليَ الله أمير المؤمنين بذلك ولا أبالي به منه؛ فإن يكن ابن سهيل كان منه ما كان فبحسب العير أن يكون قدر الذئب؛ ولم يبلغ من صنيعي في ابن سهيل واستصلاحه، وكتابي إلى أمير المؤمنين فيه كنه ما بلغ أمير المؤمنين من قطيعتي؛ فإن يكن ذلك لشيء في نفس أمير المؤمنين علي، فقد سبّب الله لي من العهد، وكتب لي من العمر، وقسم لي من الرزق ما لا يقدر أحد دون الله على قطع شيء منه دون مدتّه، ولا صرف شيء عن مواقعه؛ فقدر الله يجري بمقاديره فيما أحبّ الناس أو كرهوا، ولا تأخير لعاجله ولا تعجيل لآجله؛ فالناس بين ذلك يقترفون الآثام على نفوسهم من الله، ولا يستوجبون العقوبة عليه؛ وأمير المؤمنين أحقّ أمته بالبصر بذلك والحفظ له، والله الموفّق لأمير المؤمنين بحسن القضاء له في الأمور.
فقال هشام لأبي الزبير: يا نسطاس، أترى الناس يرضون بالوليد إن حدث بي حدث؟ قال: بل يطيل الله عمرك يا أمير المؤمنين، قال: ويحك! لا بدّ من الموت؛ أفترى الناس يرضون بالوليد؟ قال: يا أمير المؤمنين؛ إنّ له في أعناق الناس بيعة، فقال هشام: لئن رضي الناس بالوليد ما أظن الحديث الذي رواه الناس: " إن من قام بالخلافة ثلاثة أيام لم يدخل النار "، إلا باطلًا.
وكتب هشام إلى الوليد:
قد فهم أمير المؤمنين ما كتبت به من قطع ما قطع عنك وغير ذلك؛ وأمير المؤمنين يستغفر الله من إجرائه ما كان يجري عليك؛ ولا يتخوّف على نفسه اقتراف المآثم في الذي أحدث من قطع ما قطع، ومحو من محا من صحابتك، لأمرين: أمّا أحدهما فإيثار أمير المؤمنين إياك بما كان يجري عليك؛ وهو يعلم وضعك له وإنفاقكه في غير سبيله، وأما الآخر فإثبات صحابتك، وإدرار أرزاقهم عليهم؛ لا ينالهم ما ينال المسلمين في كلّ عام من مكروه عند قطع البعوث، وهم معك تجول بهم في سفهك؛ ولأمير المؤمنين أحرى في نفسه للتقصير في القتر عليك منه للاعتداء عليك فيها؛ مع أن الله قد نصر أمير المؤمنين في قطع ما قطع عنك من ذلك ما يرجو به تكفير ما يتخوّف مما سلف فيه منه. وأما ابن سهيل فلعمري لئن كان نزل منك بما نزل، وكان أهلًا أن تسر فيه أو تساء؛ ما جعله الله كذلك؛ وهل زاد ابن سهيل - لله أبوك - على أن كان مغنيًا زفانًا، قد بلغ في السفه غايته! وليس ابن سهيل مع ذلك بشر ممن تستصحبه في الأمور التي يكرم أمير المؤمنين نفسه عن ذكرها، مما كنت لعمر الله أهلًا للتوبيخ به؛ ولئن كان أمير المؤمنين على ظنك به في الحرص على فسادك؛ إنك إذًا لغير آلٍ عن هوى أمير المؤمنين من ذلك.
وأما ما ذكرت مما سبب الله لك؛ فإن الله قد ابتدأ أمير المؤمنين بذلك، واصطفاه له؛ والله بالغ أمره. لقد أصبح أمير المؤمنين وهو على اليقين من رّبه؛ أنه لا يملك لنفسه فيما أعطاه من كرامته ضرًا ولا نفعًا؛ وإن الله ولي ذلك منه؛ وإنه لا بدّ له من مزايلته؛ والله أرأف بعباده وأرحم من أن يولي أمرهم غير الرضي له منهم. وإنّ أمير المؤمنين من حسن ظنه بربّه لعلي أحسن الرجاء أن يوليه تسبيب ذلك لمن هو أهله في الرضا له به ولهم؛ فإنّ بلاء الله عند أمير المؤمنين أعظم من أن يبلغه ذكره، أو يؤديه شكره؛ إلا بعون منه؛ ولئن كان قدر لأمير المؤمنين تعجيل وفاة، إنّ في الذ يهو مفض إليه إن شاء الله من كرامة الله لخلفًا من الدنيا. ولعمري إن كتابك إلى أمير المؤمنين بما كتبت به لغير مستنكر من سفهك وحمقك، فاربع على نفسك من غلواتها، وارقأ على ظلعك؛ فإن لله سطوات وعينًا؛ يصيب بذلك من يشاء، ويأذن فيه لمن يشاء ممن شاء الله؛ وأمير المؤمنين يسأل الله العصمة والتوفيق لأحب الأمور إليه وأرضاها له.
فكتب الوليد إلى هشام:
رأيتك تبني جاهدًا في قطيعتي ** لو كنت ذا إرب لهدمت ما تبني
تثير على الباقين مجنى ضغينة ** فويل لهم إن مت من شر ما تجني!
كأني بهم والليت أفضل قولهم ** ألا ليتنا والليت إذ ذاك لا يغني
كفرت يدًا من منعم لو شكرتها ** جزاك بها الرحمن ذو الفضل والمنِّ
قال: فلم يزل الوليد مقيمًا في تلك البرية حتى مات هشام؛ فلما كان صبيحة اليوم الذي جاءته فيه الخلافة، أرسل إلى أبي الزبير المنذر بن أبي عمرو، فأتاه فقال له: يا أبا الزبير؛ ما أتت علي ليلة منذ عقلت عقلي أطول من هذه الليلة؛ عرضت لي هموم، وحدثت نفسي فيها بأمور من أمر هذا الرجل؛ الذي قد أولع بي - يعني هشامًا - فاركب بنا نتنفس؛ فركبا، فسارا ميلين؛ ووقف على كثيب، وجعل يشكو هشامًا إذ نظر إلى رهج، فقال: هؤلاء رسل هشام؛ نسأل الله من خيرهم، إذ بدا رجلان على البريد مقبلان؛ أحدهما مولىً لأبي محمد السفياني، والآخر جردبة.
فلما قربا أتيا الوليد، فنزلا يعدوان حتى دنوا منه؛ فسلما عليه بالخلافة، فوجم، وجعل جردبة يكرّر عليه السلام بالخلافة، فقال: ويحك! أمات هشام! قال: نعم؛ قال فممّن كتابك؟ قال: من مولاك سالم بن عبد الرحمن صاحب ديوان الرسائل. فقرأ الكتاب وانصرفا، فدعا مولى أبي محمد السفياني، فسأله عن كاتبه عياض بن مسلم، فقال: يا أمير المؤمنين؛ لم يزل محبوسًا حتى نزل بهشام أمر الله. فلما صار في حدّ لا ترجى الحياة لمثله أرسل عياض إلى الخزان؛ أن احتفظوا بما في أيديكم، فلا يصلنّ أحد منه إلى شيء. وأفاق هشام غفاقةً، فطلب شيئًا فمنعوه فقال: أرانا كنا خزانًا للوليد! ومات من ساعته. وخرج عياض من السجن، فختم أبواب الخزائن، وأمر بهشام فأنزل عن فرشه؛ فما وجدوا له قمقمًا يسخّن له فيه الماء حتى استعاروه، ولا وجدوا كفنًا من الخزائن؛ فكفنّه غالب مولى هشام؛ فكتب الوليد إلى العباس بن الوليد بن عبد الملك بن مروان أن يأتي الرصافة، فيحصيَ ما فيها من أموال هشام وولده، ويأخذ عمّاله وحشمه؛ إلا مسلمة بن هشام؛ فإنه كتب إليه ألّا يعرض له، ولا يدخل منزله؛ فإنه كان يكثر أن يكلم أبه في الرفق به، ويكفه عنه. فقدم العباس الرصافة فأحكم ما كتب به إليه الوليد؛ وكتب إلى الوليد بأخذ بني هشام وحشمه وإحصاء أموال هشام، فقال الوليد:
ليت هشامًا كان حيًا يرى ** محلبه الأوفر قد أترعا
ويروى:
ليت هشامًا عاش حتى يرى ** مكياله الأوفر قد طبّعا
كلناه بالصاع الذي كاله ** وما ظلمناه به إصبعا
وما أتينا ذاك عن بدعة ** أحله الفرقان لي أجمعا
فاستعمل الوليد العمّال، وجاءته بيعته من الآفاق؛ وكتب إليه العمّال، وجاءته الوفود؛ وكتب إليه مروان بن محمد: بارك الله لأمير المؤمنين فيما أصاره إليه من ولاية عباده، ووراثة بلاده؛ وكان من تغشى غمرة سكرة الولاية ما حمل هشامًا على ما حاول من تصغير ما عظّم الله من حقّ أمير المؤمنين، ورام من الأمر المستصعب عليه؛ الذي أجابه إليه المدخولون في آرائهم وأديانهم؛ فوجد ما طمع فيه مستصعبًا، وزاحمته الأقدار بأشدّ مناكبها. وكان أمير المؤمنين بمكان من الله حاطه فيه حتى أزّره بأكرم مناطق الخلافة، فقام بما أراه الله له أهلًا، ونهض متسقلًا بما حمل منها، مثبتة ولايته في سابق الزبر بالأجل المسمى، وخصّه الله بها على خلقه وهو يرى حالاتهم، فقلّده طوقها، ورمى إليه بأزمّة الخلافة، وعصم الأمور.
فالحمد لله الذي اختار أمير المؤمنين لخلافته، ووثائق عرى دينه، وذبّ له عما كاده فيه الظالمون، فرفعه ووضعهم؛ فمن أقام على تلك الخسيسة من الأمور أوبق نفسه، وأسخط ربه، ومن عدلت به التوبة نازعًا من الباطل إلى حقّ وجد الله توابًا رحيمًا.
أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أني عندما انتهى إلي من قيامه بولاية خلافة الله، نهضت إلى منبري؛ علي سيفان مستعدًا بهما لأهل الغشّ، حتى أعلمت من قبلي ما امتنّ الله به عليهم من ولاية أمير المؤمنين، فاستبشروا بذلك، وقالوا: لم تأتنا ولاية خليفة كانت آمالنا فيها أعظم ولا هي لنا أسرّ من ولاية أمير المؤمنين؛ وقد بسطت يدي لبيعتك فجدّدتها ووكدّتها بوثائق العهود وترداد المواثيق وتغليظ الأيمان، فكلهم حسنت إجابتهم وطاعتهم، فأثبهم يا أمير المؤمنين بطاعتهم من مال الله الذي آتاك؛ فإنك أجودهم جودًا وأبسطهم يدًا؛ وقد انتظروك راجين فضلك قبلهم بالرّحم الذي استرحموك، وزدهم زيادة يفضل بها من كان قبلك؛ حتى يظهر بذلك فضلك عليهم وعلى رعيّتك؛ ولولا ما أحاول من سدّ الثغر الذي أنا به، لخفت أن يحملني الشوق إلى أمير المؤمنين أن أستخلف رجلًا على غير أمره، وأقدم لمعاينة أمير المؤمنين؛ فإنها لا يعدلها عندي عادل نعمة وإن عظمت؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في المسير إليه لأشافهه بأمور كرهت الكتاب بها فعل.
فلما وليَ الوليد أجرى على زمني أهل الشأم وعميانهم وكساهم، وأمر لكل إنسان منهم بخادم؛ وأخرج لعيالات الناس الطيب والكسوة؛ وزادهم على ما كان يخرج لهم هشام، وزاد الناس جميعًا في العطاء عشرة عشرة، ثم زاد أهل الشأم بعد زيادة العشرات عشرة عشرة؛ لأهل الشأم خاصّة، وزاد من وفد إليه من أهل بيته في جوائزهم الضعف، وكان وهو لي عهد يطعم من وفد إليه من أهل الصائفة قافلًا، ويطعم من صدر عن الحجّ بمنزل يقال له زيزاء ثلاثة أيام، ويعلف دوابّهم، ولم يقل في شي يسأله: لا، فقيل له: إن في قولك: أنظر، عدّة ما يقيم عليها الطالب؛ فقال: لا أعوّد لساني شيئًا لم أعتده، وقال:
ضمنت لكم إن لم تعقني عوائق ** بأن سماء الضر عنكم ستقلع
سيوشك إلحاق معًا وزيادة ** وأعطية منّي عليكم تبرع
محرمكم ديوانكم وعطاؤكم ** به يكتب الكتّاب شهرًا وتطبع
وفي هذه السنة عقد الوليد بن يزيد لابنيه الحكم وعثمان البيعة من بعده، وجعلهما وليّي عهده؛ أحدهما بعد الآخر، وجعل الحكم مقدّمًا على عثمان، وكتب بذلك إلى الأمصار؛ وكان ممن كتب إليه بذلك يوسف بن عمر، وهو عامل الوليد يومئذ على العراق، وكتب بذلك يوسف إلى نصر بن سيار؛ وكانت نسخة الكتاب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. من يوسف بن عمر إلى نصر بن سيّار؛ أما بعد فإني بعثت إليك نسخة كتاب أمير المؤمنين الذي كتب به إلى من قبلي في الذي ولّى الحكم ابن أمير المؤمنين وعثمان ابن أمير المؤمنين من العهد بعده مع عقّال بن شبّة التميمي وعبد الملك القيني، وأمرتهما بالكلام في ذلك؛ فإذا قدما عليك فاجمع لقراءة كتاب أمير المؤمنين الناس، ومرهم فليحشدوا له، وقم فيهم بالذي كتب أمير المؤمنين؛ فإذا فرغت فقمم بقراءة الكتاب، وأذن لمن أراد أن يقوم بخطبة، ثم بايع الناس لهما على اسم الله وبركته، وخذ عليهم العهد والميثاق على الذي نسخت لك في آخر كتابي هذا الذي نسخ لنا أمير المؤمنين في كتابه، فافهمه وبايع عليه، نسأل الله أن يبارك لأمير المؤمنين ورعيّته في الذي قضى لهم على لسان أمير المؤمنين، وأن يصلح الحكم وعثمان، ويبارك لنا فيهما؛ والسلام عليك.
وكتب النضر يوم الخميس للنصف من شعبان سنة خمس وعشرين ومائة.
بسم الله الرحمن الرحيم. تبايع لعبد الله الوليد أمير المؤمنين والحكم ابن أمير المؤمنين إن كان من بعده وعثمان ابن أمير المؤمنين إن كان بعد الحكم على السمع والطاعة؛ وإن حدث بواحد منهما حدث فأمير المؤمنين أملك في ولده ورعيته، يقدّم من أحبّ، ويؤخر من أحب. عليك بذلك عهد الله وميثاقه؛ فقال الشاعر في ذلك:
نبايع عثمان بعد الولي ** د للعهد فينا ونرجو يزيدا
كما كان إذ ذاك في ملكه ** يزيد يرجى لذاك الوليدا
على أنها شسعت شسعةً ** فنحن نومّلها أن تعودا
فإن هي عادت فأرض القري ** ب عنها ليؤيس منها البعيدا
قال أحمد: قال علي عن شيوخه الذين ذكرت: فقدم عقّال بن شبّة وعبد الملك بن نعيم على نصر، وقدما بالكتاب وهو:
أما بعد؛ فإنّ الله تباركت أسماؤه، وجلّ ثناؤه، وتعالى ذكره، اختار الإسلام دينًا لنفسه، وجعله دين خيرته من خلقه، ثم اصطفى من الملائكة رسلًا ومن الناس؛ فبعثهم به، وأمرهم به؛ وكان بينهم وبين من مضى من الأمم، وخلا من القرون قرنًا فقرنًا؛ يدعون إلى التي هي أحسن، ويهدون إلى صراط مستقيم؛ حتى انتهت كرامة الله في نبوّته إلى محمد صلوات الله عليه؛ على حين دروس من العلم، وعميً من الناس، وتشتيت من الهوى، وتفرّقٍ من السبل، وطموس من أعلام الحقّ؛ فأبان الله به الهدى، وكشف به العمى، واستنقذ به من الضلالة والردى، وأبهج به الدين، وجعله رحمةً للعالمين، وختم به وحيه، وجمع له ما أكرم به الأنبياء قبله؛ وقفّى به على آثارهم؛ مصدّقًا لما نزل معهم، ومهيمنًا عليه، وداعيًا إليه، وآمرًا به؛ حتى كان من أجابه من أمته، ودخل في الدين الذي أكرمهم الله به، مصدّقين لما سلف من أنبياء الله فيما يكذّبهم فيه قومهم، منتصحين لهم فيما ينهونه، ذابّين لحرمهم عما كانوا منتهكين؛ معظمين منها لما كانوامصغّرين؛ فليس من أمة محمد أحد كان يسمع لأحد من أنبياء الله فيما بعثه الله به مكذبًا، ولا عليه في ذلك طاعنًا، ولا له مؤذيًا، بتسفيه له، أو ردٍّ عليه؛ أو جحد ما أنزل الله عليه ومعه، فلم يبق كافر إلا استحلّ بذلك دمه، وقطع الأسباب التي كانت بينه وبينه؛ وإن كانوا آباءهم أو أبناءهم أو عشيرتهم. ثم استخلف خلفاءه على منهاج نبوّته؛ حين قبض نبيّه ، وختم به وحيه لإنفاذ حكمه، وإقامة سنّته وحدوده، والأخذ بفرائضه وحقوقه، تأييدًا بهم للإسلام، وتشييدًا بهم لعراه؛ وتقويةً بهم لقوى حبله، ودفعًا بهم عن حريمه، وعدلًا بهم بين عباده، وإصلاحًا بهم لبلاده؛ فإنه تبارك وتعالى يقول: " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين "، فتتابع خلفاء الله على ما أورثهم الله عليه من أمر أنبيائه، واستخلفهم عليه منه؛ لا يتعرّض لحقهم أحد إلا صرعه الله، ولا يفارق جماعتهم أحد إلّا أهلكه الله؛ ولا يستخف بولايتهم، ويتهم قضاء الله فيهم أحد إلا أمكنهم الله منه، وسلطهم عليه، وجعله نكالًا وموعظة لغيره؛ وكذلك صنع الله بمن فارق الطاعة التي أمر بلزومها والأخذ بها، والأثرة لها؛ والتي قامت السموات والأرض بها؛ قال الله تبارك وتعالى: " ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين "، وقال عزّ ذكره: " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ".
فبالخلافة أبقى الله من أبقى في الأرض من عباده، وإليها صيّره، وبطاعة من ولّاه إياها سعد من ألهمها ونصرها؛ فإن الله عز وجل علم أن لا قوام لشيء، ولا صلاح له إلا بالطاعة التي يحفظ الله بها حقه، ويمضي بها أمره، وينكل بها عن معاصيه، ويوقف عن محارمه، ويذبّ عن حرماته؛ فمن أخذ بحظه منها كان لله وليًا ولأمره مطيعًا، ولرشده مصيبًا، ولعاجل الخير وآجله مخصوصًا؛ ومن تركها ورغب عنها وحاد الله فيها أضاع نصيبه، وعصى ربّه، وخسر دنياه وآخرته؛ وكان ممن غلبت عليه الشقوة، واستحوذت عليه الأمور الغاوية، التي تورد أهلها أفظع المشارع، وتقودهم إلى شرّ المصارع، فيما يحلّ الله بهم في الدنيا من الذلة والنقمة، ويصيّرهم فيما عندهم من العذاب والحسرة.
والطاعة رأس هذا الأمر وذروته وسنامه وملاكه وزمامه، وعصمته وقوامه، بعد كلمة الإخلاص التي ميّز الله بها بين العباد. وبالطاعة نال المفلحون من الله منازلهم، واستوجبوا عليه ثوابهم، وفي المعصية مما يحلّ بغيرهم من نقماته، ويصيبهم عليه، ويحق من سخطه وعذابه، وبترك الطاعة والإضاعة لها والخروج منها والإدبار عنها والتبذّل للمعصية بها، أهلك الله من ضلّ وعتا، وعمى وغلا، وفارق مناهج البرّ والتقوى.
فالزموا طاعة الله فيما عراكم ونالكم؛ وألمّ بكم من الأمور، وناصحوها واستوثقوا عليها، وسارعوا غليها وخالصوها، وابتغوا القربة إلى الله بها؛ فإنكم قد رأيتم مواقع الله لأهلها في إعلائه إياهم، وإفلاجه حجّتهم، ودفعه باطل من حادهم وناورأهم وساماهم، وأراد إطفاء نور الله الذي معهم. وخبرتم مع ذلك ما يصير إليه أهل المعصية من التوبيخ لهم والتقصير بهم؛ حتى يؤول أمرهم إلى تبار وصغار، وذلة وبوار؛ وفي ذلك لمن كان له رأي وموعظة عبرة ينتفع بواضحها، ويتمسّك بحظوتها؛ ويعرف خيرة قضاء الله لأهلها.
ثم إن الله - وله الحمد والمنّ والفضل - هدى الأمة لأفضضل الأمور عاقبةً لها في حقن دمائها، والتئام ألفتها، واجتماع كلمتها، واعتدال عمودها، وإصلاح دهمائها؛ وذخر النعمة عليها في دنياها، بعد خلافته التي جعلها لهم نظامًا، ولأمرهم قوامًا؛ وهو العهد الذي ألهم الله خلفاءه توكيده والنظر للمسلمين في جسيم أمرهم فيه؛ ليكون لهم عندما يحدث بخلفائهم ثقةً في المفزع وملتجأ في الأمر، ولما للشعث، وصلاحًا لذات البين، وتثبيتًا لأرجاء الإسلام، وقطعًا لنزغات الشيطان؛ يما يتطلع إليه أولياؤه، ويوثبهم عليه من تلف هذا الدين وانصداع شعب أهله، واختلافهم فيما جمعهم الله عليه منه؛ فلا يريهم الله في ذلك إلّا ما ساءهم، وأكذب أمانيهم، ويجدون الله قد أحكم بما قضى لأوليائه من ذلك عقد أمورهم، ونفى عنهم من أراد فيها إدغالًا أو بها إغلالا، أو لما شدّد الله منها توهينًا، أو فيما تولّى الله منها اعتمادًا، فأكمل الله بها لخلفائه وحزبه البر الذين أودعهم طاعته أحسن الذي عوّدهم، وسبّب لهم من إعزازه وأكرامه وإعلائه وتمكينه؛ فأمر هذا العهد من تمام الإسلام، وكمال ما استوجب الله على أهله من المنن العظام؛ ومما جعل الله فيه لمن أجراه على يديه، وقضى به على لسانه، ووفقه لمن ولاه هذا الأمر عنده أفضل الذخر؛ وعند المسلمين أحسن الأثر فيما يؤثر بهم من منفعته، ويتّسع لهم من نعمته، ويستندون إليه من عزّه، ويدخلون فيه من وزره الذي يجعل الله لهم به منعة، ويحرزهم به من كلّ مهلكة، ويجمعهم به من كلّ فرقة، ويقمع به أهل النفاق، ويعصمهم به من كلّ اختلاف وشقاق. فاحمدوا الله ربكم الرءوف بكم، الصانع لكم في أموركم على الذي دلّكم عليه من هذا العهد؛ الذي جعله لكم سكنًا ومعوّلًا تطمئنون إليه، وتستظلون في أفنانه؛ ويستنهج لكم به مثنى أعناقكم، وسمات وجوهكم، وملتقى نواصيكم في أمر دينكم ودنياكم؛ فإنّ لذلك خطرًا عظيمًا من النعمة؛ وإنّ فيه من الله بلاء حسنًا في سعة العافية؛ يعرفه ذوو الألباب والنيات المريئون من أعمالهم في العواقب، والعارفون منار مناهج الرشد؛ فأنتم حقيقون بشكر الله فيما حفظ به دينكم وأمر جماعتكم من ذلك، جديرون بمعرفة كنه واجب حقه فيه، وحمده على الذي عزم لكم منه؛ فلتكن منزلة ذلك منكم، وفضيلته في أنفسكم على قدر حسن بلاء الله عندكم فيه إن شاء الله، ولا قوّة إلا بالله.
ثم إنّ أمير المؤمنين لم يكن منذ استخلفه الله بشيء من الأمور أشد اهتمامًا وعناية منه بهذا العهد؛ لعلمه بمنزلتهمن أمر المسلمين، وما أراهم الله فيه من الأمور التي يغتبطون بها، ويكرمهم بما يقضي لهم ويختار له ولهم فيه جهده؛ ويستقضي له ولهم فيه إلهه ووليّه؛ الذي بيده الحكم وعند الغيب، وهو على كل شيء قدير. ويسأله أن يعينه من ذلك على الذي هو أرشد له خاصة وللمسلمين عامة.
فرأى أمير المؤمنين أن يعهد لكم عهدًا بعد عهد، تكونون فيه على مثل الذي كان عليه من كان قبلكم، في مهلة من انفساح الأمل وطمأنينة النفس، وصلاح ذات البين؛ وعلم موضع الأمر الذي جعله الله لأهله عصمةً ونجاةً وصلاحًا وحياة، ولكل منافق وفاسق يحبّ تلف هذا الدين وفساد أهله وقمًا وخسارًا وقدعًا. فولّى أمير المؤمنين ذلك الحكم ابن أمير المؤمنين، وعثمان ابن أمير المؤمنين من بعده، وهما ممّن يرجو أمير المؤمنين أن يكون الله خلقه لذلك وصاغه، وأكمل فيه أحسن مناقب من كان يوليه إياه، في وفاء الرأي وصحة الدين، وجزالة المروءة والمعرفة بصالح الأمور، ولم يألكم أمير المؤمنين ولا نفسه في ذلك اجتهادًا وخيرًا.
فبايعوا للحكم ابن أمير المؤمنين باسم الله وبركته ولأخيه من بعده؛ على السمع والطاعة، واحتسبوا في ذلك أحسن ما كان الله يريكم ويبليكم ويعوّدكم ويعرّفكم في أشباهه فيما مضى، من اليسر الواسع والخير العام، والفضل العظيم الذي أصبحتم في رجائه وخفضه وأمنه ونعمته، وسلامته وعصمته. فهو الأمر الذي استبطأتموه واستسرعتم إليه، وحمدتم الله على إمضائه إياه، وقضائه لكم، وأحدثتم فيه شكرًا، ورأيتموه لكم حظًا، تستبقونه وتجهدون أنفسكم في أداء حقّ الله عليكم، فإنه قد سبق لكم في ذلك من نعم الله وكرامته وحسن قسمه ما أنتم حقيقون أن تكون رغبتكم فيه، وحدبكم عليه، على قدر الذي أبلاكم الله، وصنع لكم منه.
وأمير المؤمنين مع ذلك إن حدث بواحد من وليّيْ عهده حدث، أولى بأن يجعل مكانه وبالمنزل الذي كان به من أحبّ أن يجعل من أمته أو ولده، ويقدّمه بين يدي الباقي منهما إن شاء، أو أن يؤخره بعده. فاعلموا ذلك وافهموه.
نسأل الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم أن يبارك لأمير المؤمنين ولكم في الذي قضى به على لسانه من ذلك وقدّر منه؛ وأن يجعل عاقتبه عافيةً وسرورًا وغبطة؛ فإن ذلك بيده ولا يملكه إلا هو، ولا يرغب فيه إلا إليه، والسلام عليكم ورحمة الله.
وكتب سمال يوم الثلاثاء لثمان بقين من رجب سنة خمس وعشرين ومائة.
تولية الوليد نصر بن سيار على خراسان وأمره مع يوسف بن عمر
وفي هذه السنة ولّى الوليد نصر بن سيار خراسان كلها، وأفرده بها.
وفيها وفد يوسف بن عمر على الوليد، فاشترى نصرًا وعماله منه، فردّ إليه الوليد ولاية خراسان.
وفي هذه السنة كتب يوسف بن عمر إلى نصر بن سيّار يأمره بالقدوم عليه. ويحمل معه ما قدر عليه من الهدايا والأموال.
ذكر الخبر عما كان من أمر يوسف ونصر في ذلك
ذكر علي عن شيوخه؛ أن يوسف كتب إلى نصر بذلك، وأمره أن يقدم معه بعياله أجمعين، فلما أتى نصرًا كتابه، قسّم على أهل خراسان الهدايا وعلى عمّاله، فلم يدع بخراسان جارية ولا عبدًا ولا برذونا فارهًا إلا أعده، واشترى ألف مملوك، وأعطاهم السلاح، وحملهم على الخيل.
قال: وقال بعضهم: كان قد أعد خمسمائة وصيفة، وأمر بصنعة أباريق الذهب والفضة وتماثيل الظباء ورءوس السباع والأيايل وغير ذلك؛ فلما فرغ من ذلك كله كتب إليه الوليد يستحثّه، فسرّح الهدايا حتى بلغ أوائلها بيهق؛ فكتب إليه الوليد يأمره أن يبعث إليه ببرابط وطنابير، فقال بعض شعرائهم:
فأبشر يا أمين الل ** ه أبشر بتباشير
بإبل يحمل المال ** عليها كالأنابير
بغال تحمل الخمر ** حقائبها طنابير
ودل البربريات ** بصوت البم والزير
وقرع الدف أحيانًا ** ونفخ بالمزامير
فهذا لك في الدنيا ** وفي الجنة تحبير
قال: وقدم الأزرق بن قرّة المسمعي من الترمذ أيام هشام على نصر، فقال لنصر: إني أريت الوليد بن يزيد في المنام؛ وهو ولي عهد، شبه الهارب من هشام، ورأيته على سرير، فشرب عسلًا وسقاني بعضه. فأعطاه نصر أربعة آلاف دينار وكسوة، وبعثه إلى الوليد، وكتب إليه نصر. فأتى الأزرق الوليد، فدفع إليه المال والكسوة، فسر بذلك الوليد، وأطلف الأزرق، وجزى نصرًا خيرًا، وانصرف الأزرق، فبلغه قبل أن يصل إلى نصر موت هشام، ونصر لا علم له بما صنع الأزرق، ثم قدم عليه فأخبره؛ فلمّا ولى الوليد كتب إلى الأزرق وإلى نصر، وأمر رسوله أن يبتدىء بالأزرق فيدفع إليه كتابه، فأتاه ليلًا، فدفع إليه كتابه وكتاب نصر، فلم يقرأ الأزرق كتابه، وأتى نصرًا بالكتابين؛ فكان في كتاب الوليد إلى نصر يأمره أن يتّخذ له برابط وطنابير وأباريق ذهب وفضة، وأن يجمع له كل صناجة بخراسان يقدر عليها، وكل بازي وبرذون فاره، ثم يسير بذلك كله بنفسه في وجوه أهل خراسان. فقال رجل من باهلة: كان قوم من المنجّمين يخبرون نصرًا بفتنة تكون؛ فبعث نصر إلى صدقة بن وثاب وهو ببلخ - وكان منجمًا - وكان عنده. وألحّ عليه يوسف بالقدوم؛ فلم يزل يتباطأ، فوجّه يوسف رسولًا وأمره بلزومه يستحثه بالقدوم، أو ينادي في الناس أنه قد خلع؛ فلما جاءه الرسول أجازه وأرضاه، وتحوّل إلى قصره الذي هو دار الإمارة اليوم؛ فلم يأت لذلك إلا يسير حتى وقعت الفتنة، فتحوّل نصر إلى قصره بماجان، واستخلف عصمة بن عبد الله الأسدي على خراسان، وولىّالمهلب بن إياس العدوي الخراج، وولىّ موسى بن ورقاء الناجي الشاش، وحسان من أهل صغانيان الأسدي سمرقند، ومقاتل بن علي السغُّدي آمل، وأمرهم إذا بلغهم خروجه من مرو أن يستحلبوا الترك، وأن يغيروا على ما وراء النهر؛ لينصرف إليهم بعد خروجه، يعتلّ بذلك، فبينا هو يسير يومًا إلى العراق طرقه ليلًا مولى لبني ليث؛ فلمّا أصبح أذن للناس، وبعث إلى رسول الوليد؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قد كان في مسيري ما قد علمتم، وبعثي بالهدايا ما رأيتم؛ فطرقني فلان ليلًا، فأخبرني أن الوليد قد قتل، وأن الفتنة قد وقعت بالشأم؛ وقدم منصور بن جمهور العراق، وقد هرب يوسف ابن عمر، ونحن في بلاد قد علمتم حالتها وكثرة عدونا. ثم دعا بالقادم فأحلفه إنّ ما جاء به لحقّ! فحلف؛ فقال سلم بن أحوز: أصلح الله الأمير، لو حلفت لكنت صادقًا؛ إنه بعض مكايد قريش، أرادوا تهجين طاعتم، فسر ولا تهجِّنا. قال: يا سلم أنت رجل لك علم بالحروب ولك مع ذلك حسن طاعة لبني أمية؛ فأما مثل هذا من الأمور فرأيك فيه رأي أمة هتماء.
ثم قال نصر: لم أشهد بعد ابن خازم أمرًا مفظعًا إلّا كنت المفزع في الرأي فقال الناس: قد علمنا ذلك، فالرأي رأيك.
تولية الوليد بن زيد خاله يوسف الثقفي على المدينة ومكة
وفي هذه السنة وجه الوليد بن يزيد خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي واليًا على المدينة ومكة والطائف، ودفع إليه إبراهيم ومحمد ابني هشام بن إسماعيل المخزومي موثقين في عباءتين، فقدم بهما المدينة يوم السبت لاثنتي عشرة بقيت من شعبان سنة خمس وعشرين ومائة، فأقامهما للناس بالمدينة. ثم كتب الوليد إليه يأمره أن يبعث بهما إلى يوسف بن عمر، وهو يومئذ عامله على العراق؛ فلما قدما عليه عذبهما حتى قتلهما؛ وقد كان رفع عليهما عند الوليد أنهما أخذا مالًا كثيرًا.
وفي هذه السنة عزل يوسف بن محمد سعد بن إبراهيم عن قضاء المدينة وولاهما يحيى بن سعيد الأنصاري.
غزو قبرس
وفيها غزى الوليد بن يزيد أخاه الغمر بن زيد بن عبد الملك، وأمر علي على جيش البحر الأسود بن بلال المحاربي، وأمره أن يسير إلى قبرس فيخيرهم بين المسير إلى الشأم إن شاءوا، وإن شاءوا إلى الروم، فاختارت طائفة منهم جوار المسلمين، فنقلهم الأسود إلى الشأم؛ واختار آخرون أرض الروم فانتقلوا إليها.
وفيها قدم سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم ولاهز بن قريظ وقحطبة بن شبيب مكة، فلقوا - في قول بعض أهل السير - محمد بن علي فأخبروه بقصة أبي مسلم وما رأوا منه؛ فقال لهم: أحرّ هو أم عبد؟ قالوا: أما عيسى فيزعم أنّه عبد، وأما هو فيزعم أنه حر، قال: فاشتروه وأعتقوه؛ واعطوا محمد بن علي مائتي ألف ألف درهم وكسوة بثلاثين ألف درهم، فقال لهم: ما أظنكم تلقوني بعد عامي هذا، فإن حدث بي حدث فصاحبكم إبراهيم بن محمد، فإني أثق به وأوصيكم به خيرًا، فقد أوصيته بكم. فصدروا من عنده.
وتوفي محمد بن علي في مستهلّ ذي القعدة وهو ابن ثلاث وستين سنة؛ وكان بين وفاته وبين وفاة أبيه علي سبع سنين. وحج بالناس في هذه السنة بن محمد بن يوسف الثقفي، حدثني بذلك أحمد بن ثابت، عمّن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر.
ذكر الخبر عن مقتل يحيى بن زيد بن علي
وفي هذه السنة قتل يحيى بن زيد بن علي بخراسان.
ذكر الخبر عن مقتله
قد مضى ذكرنا قبل أمر مصير يحيى بن زيد بن علي إلى خراسان وسبب ذلك؛ ونذكر الآن سبب مقتله؛ إذا كان ذلك في هذه السنة.
ذكر هشام بن محمد الكلبي عن أبي مخنف، قال: أقام يحيى بن زيد بن علي عند الحريش بن عمرو بن داود ببلخ حتى هلك هشام بن عبد الملك، وولى الوليد بن يزيد بن عبد الملك. فكتب يوسف بن عمر إلى نصر بن يسار بمسير يحيى بن زيد وبمنزله الذي كان ينزل؛ حتى أخبره أنه عند الحريش، وقال له: ابعث إليه وخذه أشد الأخذ. فبعث نصر بن سيّار إلى عقيل بن معقل العجلي، يأمره أن يأخذ الحريش ولا يفارقه حتى تزهق نفسه أو يأتيه بيحيى بن زيد بن علي. فبعث إليه عقيل، فسأله عنه، فقال: لا علم لي به، فجلده ستمائة سوط، فقال له الحريش: والله لو أنه كان تحت قدمي ما رفعتهما لك عنه؛ فلما رأى ذلك قريش بن الحريش أتى عقيلا، فقال: لا تقتل أبي وأنا أدلك عليه، فأرسل معه فدلّه عليه، وهو في بيت في جوف بيت، فأخذه ومعه يزيد بن عمر والفضل مولى عبد القيس - كان أقبل معه من الكوفة - فأتى به نصر بن سيّار فسحبه، وكتب إلى يوسف بن عمر يخبره بذلك؛ فكتب بذلك يوسف إلى الوليد بن يزيد، فكتب الوليد إلى نصر بن سيّار، يأمره أن يؤمنه ويخلي سبيله وسبيل أصحابه، فدعاه نصر ابن سيّار، فأمره بتقوى الله وحذره الفتنة، وأمره أن يلحق بالوليد بن يزيد، وأمر له بأفلي درهم وبغلين، فخرج هو وأصحابه حتى انتهى إلى سرخس، فأقام بها وعليها عبد الله بن قيس بن عباد، فكتب إليه نصر بن سيّارأن يشخصه عنها، وكتب إلى الحسن بن زيد التميمي - وكان رأس بني تميم، وكان على طوس - أن انظر يحيى بن زيد، فإذا مرّ بكم فلا تدعه يقيم بطوس حتى يخرج منها، وأمرهما إذا هو مرّ بهما ألّا يفارقاه حتى يدفعاه إلى عمرو بن زرارة بأبر شهر. فأشخصه عبد الله بن قيس من سرخس، ومرّ بالحسن بن زيد فأمره أن يمضي، ووكل به سرحان بن فروّخ بن مجاهد بن بلعاء العنبري أبا الفضل، وكان على مسلحة.
قال: فدخلت عليه، فذكر نصر بن سيّار وما أعطاه؛ فإذا هو كالمستقلّ له؛ فذكر أمير المؤمنين الوليد بن يزيد، فأثنى عليه، وذكر مجيئه بأصحابه معه، وأنه لم يأت بهم إلا مخافة أن يسمّ أو يغمّ، وعرض بيوسف؛ وذكر أنه إياه يتخوّف، وقد كان أراد أن يقع فيه ثم كفّ، فقلت له: قل ما أحببت رحمك الله؛ فليس عليك منى عين؛ فقد أتى إليك ما تستحقّ أن تقول فيه. ثم قال: العجب من هذا الذي يقيم الأحراس أو أمر الأحراس، قال - وهو حينئذ يتفصّح: والله لو شئت أن أبعث إليه؛ فأوتي به مربوطًا. قال: فقلت له: لا والله ما بك صنع هذا؛ ولكن هذا شيء يصنع في هذا المكان أبداّ، لمكان بيت المال. قال: واعتذرت إليه من مسيري معه، وكنت أسير معه على رأس فرسخ، فأقبلنا معه حتى وقعنا إلى عمرو بن زرارة، فأمر بألف درهم، ثم أشخصه حتى انتهى إلى بيهق، وخاف اغتيال يوسف إياه، فأقبل من بيهق - وهي أقصى أرض خراسان، وأدناه من قومس - فأقبل في سبعين رجلًا إلى عمرو بن زرارة، ومرّ به تجار، فأخذ دوابهم، وقال: علينا أثمانها. فكتب عمرو بن زرارة إلى نصر بن سيّار، فكتب نصر إلى عبد الله بن قيس وإلى الحسن بن زيد أن يمضيا إلى عمرو بن زرارة، فهو عليهم، ثم ينصبوا ليحيى بن زيد فيقاتلوه. فجاءوا حتى انتهوا إلى عمرو بن زرارة، واجتمعوا فكانوا عشرة آلف، وأتاهم يحيى بن زيد، وليس هو إلا في سبعين رجلًا، فهزمهم وقتل عمرو بن زرارة، وأصاب دوابّ كثيرة. وجاء يحيى بن زيد حتى مرّ بهراة، وعليها مغلسّ بن زياد العامري، فلم يعرض واحد منها لصاحبه، فقطعها يحيى بن زيد، وسرح نصر بن سيّار سلم بن أحوز في طلب يحيى بن زيد فأتى هراة حين خرج منه يحيى بن زيد فأتبعه فلحقه بالجوزجان بقرية منها، وعليها حماد بن عمرو السغدي.
قال: ولحق بيحيى بن زيد رجل من بني حنيفة يقال له أبو العجلان فقتل يومئذ معه، ولحق به الحسحاس الأزدي فقطع نصر بعد ذلك يده ورجاه.
قال: فبعث سلم بن أحوز سورة بن محمد بن عزيز الكندي على ميمنته، وحمّاد بن عمرو السغدي على ميسرته، فقاتله قتالًا شديدًا، فذكروا أن رجلًا من عنزة يقال له عيسى، مولى عيسى بن سليمان العنزي رماه بنشّابة، فأصاب جبهته.
قال: وقد كان محمد شهد ذلك اليوم، فأمره سلم بتعبئة الناس، فتمارض عليه، فعبّى الناس سورة بن محمد بن عزيز الكندي، فاقتتلوا فقتلوا من عند آخرهم. ومرّ سورة بيحيى بن زيد فأخذ رأسه، وأخذ العنزي سلبه وقميصه، وغلبه سورة على رأسه.
فلما قتل يحيى بن زيد وبلغ خبره الوليد بن زيد، وكتب - فيما ذكر هشام عن موسى بن حبيب؛ أنه حدثه - إلى يوسف بن عمر: إذا أتاك كتابي هذا، فانظر عجل العراق فأحرقه ثم انسفه في اليمّ نسفًا. قال: فأمر يوسف خراش بن حوشب، فأنزله من جذعه وأحرقه بالنار، ثم رضّه فجعله في قوصرة، ثم جعله في سفينة، ثم ذرّاه في الفرات.
كانت عمّال الأمصار في هذه السنة عمالها في السنة التي قبلها، وقد ذكرناهم قبل.
ثم دخلت سنة ست وعشرين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث الجليلة
ذكر بقية أخبار يزيد بن الوليد بن عبد الملك
فمن ذلك ما كان من قتل يزيد بن الوليد الذي يقال له الناقص الوليد بن يزيد.
ذكر الخبر عن سبب قتله إياه وكيف قتل
قد ذكرنا بعض أمر الوليد بن يزيد وخلاعته ومجانته، وما ذكر عنه من تهاونه واستخفافه بأمر دينه قبل خلافته ولما ولي الخلافة وأفضت إليه، لم يزدد في الدي كان فيه من اللهو واللذة والركوب للصيد وشرب النبيذ ومنادمة الفساّق إلاتماديًا وحدًا تركت الأخبار الواردة عنه بذلك كراهة إطالة الكتاب بذكرها - فثقل ذلك من أمره على رعيته وجنده، فكرهوا أمره.
وكان من أعظم ما جنى على نفسه حتى أورثه ذلك هلاكه إفساده على نفسه بني عمّيه بني هشام وولد الوليد، ابني عبد الملك بن مروان، مع إفساده على نفسه اليمانية، وهم عظم جند أهل الشأم. ذكر بعض الخبر عن إفساده بني عمّيه هشام والوليد:
حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا علي عن المنهال بن عبد الملك، قال: كان الوليد صاحب لهو وصيد ولذّات؛ فلما ولي الأمر جعل يكره المواضع التي فيها الناس حتى قتل، ولم يزل ينتقل ويتصيد، حتى ثقل على الناس وعلى جنده، واشتدّ على بني هشام؛ فضرب سليمان بن هشام مائة سوط وحلق رأسه ولحيته، وغربه إلى عمان فحبسه بها؛ فلم يزل بها محبوسًاحتى قتل الوليد. قال: وأخذ جارية كانت لآل الوليد، فكلمه عمر بن الوليد، فيها فقال: لا أردّها، فقال: إذن تكثير الصواهل حول عسكر. قال: وحبس الأفقم يزيد بن هشام، وأراد البيعة لابنيه الحكم وعثمان فشاور سعيد بن بيهس بن صهيب، فقال: لا تفعل؛ فإنهما غلامان لم يحتلما؛ ولكن بايع لعتيق بن عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك، فغضب وحبسه حتى مات في الحبس. وأراد خالد بن عبد الله على البيعة لابنيه فأبى، فقال له قوم من أهله: أرادك أمير المؤمنين على البيعة لابنيه فأبيت، فقال: ويحكم! كيف أبايع من لا أصلّي خلفه، ولا أقبل شهادته! قالوا: فالوليد تقبل شهادته مع مجونه وفسقه! قال: أمر الوليد أمر غائب عني ولا أعلمه يقينًا؛ إنما هي أخبار الناس؛ فغضب الوليد على خالد.
قال: وقال عمرو بن سعيد الثققفي: أوفدني يوسف بن عمر إلى الوليد فلما قدمت قال لي: كيف رأيت الفاسق؟ يعني بالفاسق الوليد - ثم قال: إياك أن نسمع هذا منك أحد، فقلت: حبيبة بنت عبد الرحمن بن جبير طلق إن سمعته إذنى ما دمت حيًا؛ فضحك. فقال: فثقل الوليد على الناس، ورماه بنو هشام وبنو الوليد بالكفر وغشيان أمهات أولاد أبيه، وقالوا: ققد أتخذ مائة جامعة؛ زكتب على كل جامعة اسم رجل من بني أمية ليقتله بها. ورموه بالزندقة، وكان أشدهم فيه قولًا يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وكان الناس إلى قوله أميل؛ لأنه كان يظهر النسك ويتواضع، ويقول: ما يسمعنا الرضا بالوليد؛ حتى حمل الناس على الفتك به.
حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا علي، عن يزيد بن مصاد الكلبي، عن عمرو بن شراحيل، قال: سيرنا هشام بن عبد الملك إلى دهلك، فلم نزل بها حتى مات هشام، واستخلف الوليد، فكلم فينا فأبى، وقال: والله ما عمل هشام عملًا أرجى له عندي أن تناله المغفرة به من قتله القدرية وتسييرة إياهم. وكان الوالي علينا الحجاج بن بشر بن فيروز الديلمي، وكان يقول: لا يعيش الوليد إلا ثمانية عشر شهرًا حتى يقتل؛ ويكون قتله سبب هلاك أهل بيته. قال: فأجمع على قتل الوليد جماعة من قضاعة واليمانية من أهل دمشق خاصة، فأتى حريث وشبيب بن أبي مالك الغساني ومنصور بن جمهور ويعقوب بن عبد الرحمن وحبال بن عمرو؛ ابن عمّ منصور، وحميد بن نصر اللخمي والأصبغ بن ذؤالة وطفيل بن حارثة والسّري بن زياد بن علاقة، خالد بن عبد الله، فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم، فسألوه أن يكتم عليهم، فقال: لا أسمّي أحدًا منكم. وأراد الوليد الحجّ، فخاف خالد أن يفتكوا به في الطريق، فأتاه فقال: يا أمير المؤمنين، أخّر الحجّ العام، فقال: ولم؟ فلم يخبره، فأمر بحبسه وأن يستأدى ما عليه من أموال العراق.
وقال علي عن الحكم بن النعمان، قال: أجمع الوليد على عزل يوسف واستعمال عبد الملك بن محمد بن الحجاج، فكتب إلى يوسف: إنك كتبت إلى أمير المؤمنين تذكر تخريب ابن النصرانيّة البلاد، وقد كنت على ما ذكرت من ذلك تحمل إلى هشام ما تحمل، وقد ينبغي أن تكون قد عمرت البلاد حتى رددتها إلى ما كانت عليه؛ فاشخص إلى أمير المؤمنين، فصدق ظنّه بك فيما تحمل إليه لعمارتك البلاد، وليعرف أمير المؤمنين فضلك على غيرك؛ لما جعل الله بينك وبين أمير المؤمنين من قرابة؛ فإنك خاله، وأحق الناس بالتوفير عليه، ولما قد علمت مما أمر به أمير المؤمنين لأهل الشأم وغيرهم من الزيادة في أعطياتهم، وما وصل به أهل بيته لطول جفوة هشام إياهم، حتى أضرّ ذلك ببيوت الأموال. قال: فخرج يوسف واستخلف ابن عمه يوسف بن محمد، وحمل من الأموال والأمتعة والآنية مالم يحمل من العراق مثله. فقدم - وخالد بن عبد الله محبوس - فلقيه حسان النبطي ليلًا، فأخبره أن الوليد عازم على تولية عبد الملك بن محمد ابن الحجاج، وأنه لا بدّ ليوسف فيها من إصلاح أمر وزرائه، فقال: ليس عندي فضل درهم، قال: فعندي خمسمائة ألف درهم، فإن شئت فهي لك، وإن شئت فارددها إذا تيسرت. قال: فأنت أعرف بالقوم ومنازلهم من الخليفة منى، ففرقها على قدر علمك فيهم؛ ففعل. وقدم يوسف والقوم يعظمونه، فقال له: حسان: لا تغد على الوليد؛ ولكن رح إليه رواحًا؛ واكتب على لسان خليفتك كتابًا إليك: إني كتبت إليك ولا أملك إلا القصر. وادخل على الوليد والكتاب معك متحازنًا، فأقرئه الكتاب، ومر أبان ابن عبد الرحمن النميري يشتري خالدًا منه بأربعين ألف ألف. ففعل يوسف، فقال له الوليد: ارجع إلى عملك، فقال له أبان: ادفع إلى خالدًا وأدفع إليك أربعين ألف ألف درهم، قال: ومن يضمن عنك؟ قال: يوسف، قال: أتضمن عنه؟ ذقال: بل ادفعه إلي، فأنا أستأديه خمسين ألف ألف، فدفعه إليه، فحمله في محمل بغير وطاء.
قال محمد بن محمد بن القاسم: فرحمته، فجمعت ألطافًا كانت معنا من أخبصة يابسة وغيرها في منديل، وأنا على ناقة فارهة، فتغفّلت يوسف، فأسرعت ودنوت من خالد، ورميت بالمنديل في محمله، فقال لي: هذا من متاع عمان - يعني أن أخي الفيض ان على عمان، فبعث إلي بمال جسيم - فقلت في نفسي: هذا على هذه الحالة وهو لا يدع هذا! ففطن يوسف بي فقال لي: ما قلت لابن النصرانية؟ فقلت: عرضت عليه الحاجة، قال: أحسنت، هو أسير؛ ولو فطن بما ألقيت إليه للقيني منه أذىً.
وقدم الكوفة فقتله في العذاب؛ فقال الوليد بن يزيد - فيما زعم الهيثم بن عدي - شعرًا يوبّخ به أهل اليمن في تركهم نصرة خالد بن عبد الله.
وأما أحمد بن زهير، فإنه حدثه عن علي بن محمد؛ عن محمد بن سعيد العامري، عامر كلب، أنّ هذا الشعر قاله بعض شعراء اليمن على لسان الوليد يحرّض عليه اليمانية:
ألم تهتج فتذّكر الوصالا ** وحبلًا كان متصلًا فزالا
بلى فالدمع منك له سجام ** كماء المزن ينسجل انسجالا
فدع عنك ادّكارك آل سعدى ** فنحن الأكثرون حصىً ومالا
ونحن المالكون الناس قسرًا ** نسومهم المذلّة والنكالا
وطئنا الأشعرين بعزّ قيس ** فيا لك وطأة لن تستقالا!
وهذا خالد فينا أسيرًا ** ألا منعوه إن كانوا رجالا!
عظيمهم وسيدهم قديمًا ** جعلنا المخزيات له ظلالا
فلو كانت قبائل ذات عز ** لما ذهبت صنائعه ضلالا
ولا تركوه مسلوبًا أسيرًا ** يسامر من سلاسلنا الثقالا
ورواه المدائني: " يعالج من سلاسلنا "
وكندة والسكون فما استقالوا ** ولا برحت خيولهم الرحالا
بها سمنا البريّة كل خسف ** وهدمنا السهولة والجبالا
ولكن الوقائع ضعضعتهم ** وجذتهم وردتهم شلالا
فما زالوا لنا أبدًا عبيدًا ** نسومهم المذلة والسفالا
فأصبحت الغداة علي تاج ** لملك الناس ما يبغي انتقالا
فقال عمران بن هلباء الكلبي يجيبه:
قفي صدر المطية يا حلالا ** وجذي حبل من قطع الوصالا
ألم يحزنك أن ذوي يمان ** يرى من حاذ قيلهم جلالا
جعلنا للقبائل من نزار ** غداة المرج أيامًا طوالا
بنا ملك المملك من قريش ** وأودى جدّ من أودى فزالا
متى تلق السكون وتلق كلبًا ** بعبس تخش من ملك زوالا
كذاك المرء ما لم يلف عدلًا يكون عليه منطقه وبالا
أعدوا آل حمير إذ دعيتم ** سيوف الهند والأسل النهالا
وكل مقلص نهد القصيري ** وذا فودين والقب الجبالا
يذرن بكلّ معترك قتيلا ** عليه الطير قد مذل السؤالا
لئن عيرتمونا ما فعلنا ** لقد قلتم وجدّكم مقالا
لإخوان الأشاعث قتلوهم ** فما وطئوا ولا لاقوا نكالا
وأبناء المهلب نحن صلنا ** وقائعهم وما صلتم مصالا
وقد كانت جذام على أخيهم ** ولخم يقتلونهم شلالا
هربنا أن تساعدكم عليهم ** وقد أخطا مساعدكم وفالا
فإن عدتم فإنّ لنا سيوفًا ** صوارم نستجد لها الصقالا
سنبكي خالدًا بمهندات ** ولا تذهب صنائعه ضلالا
ألم يك خالد غيث اليتامى ** إذا حضروا وكنت لهم هزالا!
يكفن خالد موتى نزار ** ويثرى حيّهم نشبًا ومالا
لو أنّ الجائرين عليه كانوا ** بساحة قومه كانوا نكالا
ستلقى إن بقيت مسومات ** عوابس لا يزايلن الحلالا
فحدثني أحمد بن زهير، عن علي بن محمد، قال: فازداد الناس على الوليد حنقًا لما روى هذا الشعر، فقال ابن بيض:
وصلت سماء الضر بالضر بعد ما ** زعمت سماء الضر عنا ستقلع
فليت هشامًا كان حيًا يسوسنا ** وكنا كما كنا نرجى ونطمع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)