النبي عليه الصلاة والسلام يقول: أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم.
نحن في عصر فتن، ومن أبرز هذه الفتن فتنة مسايرة الواقع، في واقع نساير هذا الواقع على حساب ديننا، ما الذي يحصل ؟ حينما يستقر في أعماقنا أننا لسنا على منهج الله عز وجل تضعف همتنا في الاتصال بالله عز وجل، طبعاً قد يقول أحدكم نحن لا نقترب من الكبائر طبعاً هذه نعمة كبرى، لكن هذه الصغائر إذا أصررنا عليها انقلبت إلى كبائر فحينما يكون هم المسلم أن يساير الواقع وأن يقبله وأن يرضى به وأن يأتي بالحجج الواهية وأنها بلوى عامة ولا نستطيع أن نغير والمجتمع ضاغط والظروف صعبة وهذا عصر من أخذ من الدين عشره نجا، هناك كلام كثير يقال تغطية لمسايرة الواقع.
يوجد بالدين شيء حدي ويوجد بالدين نسبي، الإيجابيات نسبية أما السلبيات حدية، المعنى الدقيق أنك في ترك المحرمات لا بد من أن تكون حدياً، المحرمات تترك جملة وتفصيلاً وإلا زلت قدمك ومشيت في طريق المعصية والهاوية.
بالمناسبة الإنسان طبيعته حركية فمعصية صغيرة تقوده إلى معصية أكبر وزلة قدم تقوده إلى زلة أكبر وهكذا المسلم لا يبقى في حال واحد فإما أن يتابع الرقي أو أن يتابع التدني.
الفتنة الأولى التي هي ظاهرة جداً في آخر الزمان فتنة مسايرة الواقع، الإنسان حينما يساير الواقع يشعر شاء أم أبى رضي أم لم يرض بأنه ليس وفق منهج الله عز وجل هذا الشعور العميق يجعله في بعد عن الله عز وجل فإذا بعد عن الله كل ثمار الدين تعطلت، السكينة تعطلت، الرضا تعطل، الحكمة تعطلت، الرحمة لأن كل هذه الكمالات تشتق من الله عز وجل من خلال الصلاة فلما جاءت ذنوب هذا الإنسان حتى في الصغائر أو تقصيراته حجاباً بينك وبين الله صار في وضع لا يحسد عليه أبداً لا هو مؤمن فينتفع من إيمانه ولا هو كافر فيرضى بكفره، لم يأخذ خيارات الكفر الواسعة، الكافر يوجد عنده خيارات واسعة ما في عنده شيء حرام، يعني مناورته القوية سببها لا يوجد عنده قيد يلتقي مع من يشاء يأكل ما يشاء أي علاقة مالية مقبولة عنده أي لقاء مقبول أي صفقة مقبولة أي بضاعة مقبولة أي مشروع مقبول قوته أتت من اتساع مناورته واتساع مناورته أتت من أن هناك طلاقة من كل قيد، ما في قيد أما المؤمن عنده حدود لا يستطيع أن يتعداها، فالمؤمن الذي يقع في الصغائر ويساير الواقع ويرضى في الواقع ولا يحاول إصلاح الواقع و يشعر بأعماقه أنه بعيد عن الله عز وجل فلا هو مؤمن فينتفع من إيمانه ويقطف ثمار إيمانه ولا هو كافر إن صح التعبير يتمتع بما يتمتع به الكفار من مناورة واسعة وبعد عن كل حد أو قيد لا هو من هؤلاء ولا هو من هؤلاء وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم:
﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ﴾
[ سورة النساء: 143]
إذاً القضية أنه لا تستطيع أن تقطف ثمار الدين إلا بطاعتك لله عز وجل، فالطاعة في موضوعين، في موضوع الترك وفي موضوع العطاء، في موضوع الترك الترك يجب أن يكون حدياً، وأوضح مثل مستودع الوقود يمكن أن تملأ نصفه، أن تملأه إلى النصف أن تملأه إلى ثمانين بالمئة أن تملأه عشرة بالمئة أنت حر في كمية الوقود التي سوف تضعها فيه لكن إحكامه يجب أن يكون حدياً، الإحكام حدي أما الإملاء نسبي، أما المستودع إما أن يكون محكماً أو غير محكم وليس هناك حل ثالث، إذا قلت محكم لا يمكن أن يتسرب منه شيء لأطول زمن إذا قلت غير محكم عدم الإحكام نسبي، قد يكون هناك ثقب صغير يفرغه في شهر وقد يكون الثقب أكبر يفرغه بأسبوعين وقد يكون أكبر بيومين وقد يكون أكبر بساعة، عدم إحكامه نسبي وإحكامه حدي، يعني باللغة العربية هناك أفعال يسميها علماء النحو ليست قابلة للتوافت، فلان مات ليس عندنا في اللغة أموت، أن فلان أموت من فلان، الموت حدي مات مات، أما فلان أموت من فلان أقل موتاً ما في، الموت حالة واحدة مفارقة الروح.
لذلك في السلبيات ينبغي أن تكون حدياً، أما في الإيجابيات يمكن أن تكون نسبياً، الآن السلبيات إن لم تحقق عدم تحققها نسبي.
أيها الإخوة الكرام: العمر قصير والوقت ثمين والحياة معقدة جداً فمن أجل ألا تضيع أعمارنا سدى فلا نحن نتمتع بثمار الإيمان اليانعة ولا نحن إن نصح التعبير نتمتع بحرية الكافر وبحركته اللامحدودة لأنه ليس عنده قيد إطلاقاً يقيده.
الفتنة التي يمكن أن نتعرض لها في آخر الزمان فتنة مسايرة الواقع، طبعاً مع الآيات الكريمة:
﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا﴾
[ سورة الأعراف: 70]
﴿قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا﴾
[ سورة هود: 62]
﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا [ سورة يونس: 78]
أكثر الشعوب التي عارضت أنبياءها كانت حجتهم أنهم يتبعون ما ألفوه، يعني يسايروا الواقع، وهذه الآيات كلها تبين حقيقة فتنة مسايرة الواقع، يعني بشكل آخر هذا الإنسان الذي يدعو إلى الله إما أن يسعى بالنهوض بالناس إلى مستوى شرع الله أو أن تراه ينزل هو إليهم يفتي بهذه وبتلك وبهذه بلوى عامة وهذه ضرورة وهذه شيء فرض علينا فكلما تخلى عن حديته وكلما تخلى عن قناعاته وساير الواقع يعني لعله يصبح مشهوراً كثيراً السبب أن الدين عنده أصبح سهلاً جداً، فحينما تخفف التكاليف القضية سهلة تصبح، هذه الديانات الأرضية أتباعها بمئات الملايين لماذا ؟ ليس فيها شرع إطلاقاً ولاء فقط، طقوس و ولاء، حركات و سكنات و إيماءات و تمتمات و قراءات لا تعني شيئاً، هذه العبادات والمعاملات كما تعرفونها، قال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾
[ سورة الأنفال: 35]
فلذلك قضية العبادات بالأديان الوضعية سهلة جداً أما الإنسان المخلص لا يسعى إلى الهبوط إلى الناس لا يسعى إلى إرضائهم لا يسعى إلى كسب رضاهم لا يعنيه أن يرضوا أو أن يسخطوا يعنيه أن يقيم منهج الله عز وجل فأنا أرى أن الدعاة ينبغي أن يرتفعوا بالناس إلى منهج الله، فلذلك لو سألتني عن تعريفات الفرق الضالة عبر التاريخ الإسلامي أقول لك صفات أربعة: أولاً تخفيف التكاليف، ترى عند إنسان كله مباح كله مشروع كله مقبول، لا تدقق الدين يسر، ليس هناك من حرج نحن بآخر الزمان وآخر الزمان صعب في ضغوط كثيرة وشيء فوق طاقتنا والعمل عبادة والنبي كان يتساهل افعل ولا حرج وإذا أفتى إنسان بالشدة هناك من يفتي باليسر فلذلك أول صفة من صفات الضلال تخفيف التكاليف.
تأليه الأشخاص، إرضاء الشخص هين جداً لأنه لا يراك تقبل عليه تسلم عليه بأدب جم تحترمه تثني عليه تمدحه فيرضى عنك هو بشر لكن لا يعلم ماذا تفعل في البيت ولا في العمل ولا في السوق، فإرضاء الشخص أهون ألف مرة من إرضاء الله عز وجل، لأن الله معك في حركاتك و سكناتك ويشاهدك، فحينما تبتعد الأمة عن دينها تخفف التكاليف وتؤله الأشخاص.
وتعتمد على نصوص موضوعة، اليوم كنت في جنازة الذي يتولى قراءة القرآن وذكر اسم المتوفى إلى آخره قال من حمل نعشاً عشر خطوات غفر الله له أربعين كبيرة، ما الكبائر ؟ الزنا كبيرة، القتل كبيرة، شهادة الزور كبيرة، شرب الخمر كبيرة، حسب هذا الكلام يمكن أن تعمل أربعين كبيرة ويوم واحد أربعين تأتي على باب صغير ترى جنازة أعطيها كتفك عشر خطوات وانتهى الأمر هذا دين ؟ هذا الدين يحتاج إلى بحث، يحتاج إلى تثبت، أما أنه كل إنسان حكى كل إنسان نعق يعد هذا من الدين هذه مشكلة المسلمين.
تأليه الأشخاص، تعظيم الشخص، تعظيم الشخص سهل جداً مديح تمدحه وأيام يصدق هو يصدقك وأيام إذا كان إذا ما مدحته يتضايق، أحياناً يصبح المدح عنده غذاءً فإذا واحد ما مدحه يتضايق اليوم ما أحد قال لي كلام طيب، تأليه الأشخاص، وتخفيف التكاليف، واعتماد النصوص الموضوعة وما أكثرها، ثم النزعة العدوانية، إذا عارضت أو انتقدت أو بينت أو نصحت أو أمرت بالمعروف أو نهيت عن المنكر تقوم الدنيا ولا تقعد لأنك زلزلت كيانهم هذه الفتنة منتشرة جداً، وأن العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه واقع بهذه الفتنة، البيوت لا تقام فيها شريعة الله عز وجل، الأسواق لا تقام فيها شريعة الله، في المحال التجارية لا تقام فيها شريعة الله، ألفنا أنك إذا أردت أن تفتح مشروعاً لا بد من أن تفتح معه زجاجة خمر ونحن بلاد إسلامية، في مؤسسة خاصة لا علاقة لها بالدولة إطلاقاً افتتاح هذا البنك يقتضي أن تأتي بقارورات من الخمر وتفتحها مع قص الشريط هكذا ألفنا أن نقلد الأجانب.
الحقيقة أنه أكبر فئة معرضة لهذه الفتنة هم الدعاة في ضغط فتوى اثنتين ثلاث ماذا أفعل ؟ أين أضع المال يا أستاذ ؟ قد يكون الأخ غالي عليك وطلب بإلحاح فمن شدة الضغط والتكرار والإلحاح دون أن تشعر تعطيه فتوى أحد شيوخ الأزهر أفتى بالربا ثلاثة وثمانين مليار جنيه وضعت في البنوك في اليوم التالي.
من كان مظنة دعوة إلى الله، من كان على شيء من الحق هذا الإنسان معرض على هذه الفتنة قبل غيره، لأن حولك أناس تحبهم و واقعهم يحتاج إلى إصلاح والإصلاح يبنى على معصية فيأتون يسألون يسألون في معظم الأحيان الإنسان يرضخ ويعطي الفتوى لكن بعد حين كان الإسلام مكعب حديدي واضح نزع نتوءاته فصار كرة بعد ذلك أصبح كرة لزجة مطاطية في مرونة، المشكلة الكلمات التي تعد معاصي في الدين لها أسماء أخرى المعصية تعني مرونة، البنت المتفلتة تعني سبور، والإنسان الذي يؤمن بغير القرآن يقول لك حضاري، والإنسان اللبق جداً منافق والمنافق يقال له لبق، ليس له عدو يساير كل الناس، هذه المشكلة هناك مصطلحات جديدة والله أيها الإخوة الكرام: هي خطيرة جداً هذه المصطلحات تريد أن تفرغ الدين من مضمونه ويبقى الدين شكلاً بلا مضمون ووعاء بلا محتوى طبعاً التوجيه النبوي في هذا:
(( مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ))
[ الترمذي ]
يعني إذا لم تساير الواقع وأصررت على إرضاء الله عز وجل رضي الله عنك وأرضى عنك الناس كيف لا نعلم، كيف لا نعلم الله عز وجل يلقي في قلبهم إكبارك، يلقي في قلبهم تأييدك مع أنك لم تستجب لهم، مرة رجل في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أقطعه أبو سيدنا عمر أرضاً، سيدنا عمر نزعها منه ورعاً فجاء لابنه وقال لقد أقطعني جدك أرضاً فجاء أبوك رحمه الله فانتزعها مني قال عجبت لك ترضيت وترحمت على من نزعها منك ولم تترض وتترحم على من أعطاك إياها، هذه بالعقل الباطن دون أن يشعر، فجاء أبوك رحمه الله فانتزعها مني، أيعقل أن تترحم على من نزعها منك ولا تترحم على من أعطاك إياها، أنت حينما ترضي الله بسخط الناس يرضى الله عنك ويرضى عنك الناس هذه حقيقة كبيرة تعد هذه الحقيقة من خلال هذا الحديث أكبر مقولة في هذا الدرس، قال تعالى:
﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)﴾
النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الموضوع بالذات في موضوع فتنة مسايرة الواقع له نهي رائع يقول عليه الصلاة والسلام: عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا))
[ الترمذي ]
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)