خفايا وأسرار الاستعدادات الإسرائيلية الأمريكية والايرانية للحرب
بقلم : د . سمير محمود قديح
الباحث في الشئون الأمنية والإستراتيجية
تعتبر زيارة الرئيس الإيراني احمدي نجاد إلى دمشق زيارة تاريخية على ضوء تصاعد التهديدات الإسرائيلية بشن عدوان على إيران ولبنان وربما سورية وقطاع غزة حيث أن كافة المعطيات تشير إلى أن العدوان الإسرائيلي أصبح قاب قوسين أو أدنى وان قرار الحرب قد اتخذ في إسرائيل فقد أعلن الرئيس الإيراني أن الحرب قادمة خلال الربيع أو الصيف القادمين ودعا سورية إلى المشاركة مع إيران ولبنان في التصدي للعدوان الإسرائيلي كما أعلن باراك أن الحرب القادمة ستكون شاملة في المنطقة وأنها ستكون في مواجهة إيران وسوريا وحزب الله وحماس في قطاع غزة .
لقد حملت قمة دمشق رسالة واضحة لإسرائيل بان الظروف قد تغيرت وان دفة الحرب لن تكون في صالح إسرائيل وان أي عدوان إسرائيلي سيواجه حلفا عسكريا إسلاميا عربيا في المنطقة بقدرات هائلة لا تستطيع إسرائيل احتمالها وقد أكد على ذلك النائب اللبناني " وئام وهاب " أن الحرب القادمة ستشهد سقوط آلاف الصواريخ على إسرائيل .
من الواضح أن لقاء دمشق لم يهدف فقط إلى توجيه رسالة إعلامية لإسرائيل بل تجاوز ذلك إلى التنسيق ما بين إيران وحزب الله ودمشق وحزب الله وحماس لمواجهة العدوان الإسرائيلي وتأتي زيارة فصائل المقاومة الفلسطينية إلى طهران واجتماعهم لاحقا مع خامنئي واحمدي نجاد بنفس الإطار حيث أعلن نجاد أن إسرائيل في طريقها إلى زوال وان مبررات وجودها قد انتهت .
والمقابل أعلن جنرال أمريكي كبير أن خطة الهجوم على إيران قد وضعت ورغم الحذر الأمريكي في التصريح عن نوايا الحرب ضد إيران إلا أن إسرائيل تبدو اقل حذرا وتطلق تهديداتها بين فترة وأخرى ضد إيران وسوريا وحزب الله وحماس ، إلا أن الملاحظ أن نوايا الحرب الإسرائيلية الأمريكية باتت واضحة لا لبس فيها ، وان العد التنازلي قد بدأ لاندلاع الحرب الشاملة .
إذا نحن أمام قوتين في المنطقة الأولى التحالف الأمريكي الإسرائيلي والثانية التحالف الإيراني السوري اللبناني وفصائل المقاومة الفلسطينية .
والحقيقة التي تدركها إسرائيل وأمريكا أن القدرات العسكرية للحلف الإيراني هي قدرات هائلة بكل المقاييس بعد أن استطاع هذا الحلف تحييد القوة الضاربة الإسرائيلية والمتمثلة بسلاح الجو الإسرائيلي ، حيث أن القدرة الصاروخية للحلف الإيراني قادرة على إلحاق أضرار فادحة بإسرائيل وان سلاح الجو الإسرائيلي ثبت عجزة عن حسم المعركة لصالح إسرائيل . فقد أثبتت حرب تموز أن سلاح الجو الإسرائيلي وقف عاجزا عن حسم المعركة لصالح إسرائيل وان دبابات المركفاة الإسرائيلية تعرضت لضربات قاضية على يد قوات حزب الله وفشل الطيران الإسرائيلي فشلا ذريعا على مدى شهر كامل من التحليق المتواصل ليل نهار والقصف الجوي لمواقع حزب الله في وقف إطلاق صواريخ الكاتيوشا ، وخرج السيد حسن نصر الله خلال الحرب ليوجه صفعة شديدة للجيش الإسرائيلي عندما أعلن في بث حي ومباشر وأثناء خطابه بان حزب الله أطلق الآن صاروخا باتجاه بارجة إسرائيلية ودمرها وفعلا صدق السيد حسن نصر الله واثبت انه يفعل ما يقول .
وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فشل الطيران الإسرائيلي فشلا ذريعا في وقف إطلاق صواريخ غراد رغم القصف الجوي المتواصل لكل الأهداف المدنية والعسكرية في قطاع غزة بلا هوادة واستخدام أسلحة محرمة دوليا مثل القنابل الفسفورية .
إذا سيكون عماد قوة الحلف الإيراني هو الصواريخ في حين نلاحظ أن الإعلام الإسرائيلي يحاول تضليل الرأي العام الإسرائيلي بالتركيز على قدرات سلاح الجو الإسرائيلي وعلى أن الحرب القادمة ستكون مواجهات جوية بين سلاح الجو الإسرائيلي والإيراني والسوري ويتحدث بإشارات غامضة عن موقف الصواريخ الإيرانية السورية واللبنانية ، بل يتجنب الخوض في تفاصيل المواجهة القادمة والحديث عن تفاصيل الأضرار المتوقعة بفعل الضربات الصاروخية التي ستتعرض لها إسرائيل .
وقد ذهب بعض المحللين العرب والأمريكيين إلى الحديث عن الضربة الأمريكية الإسرائيلية الأولى لإيران وأنها ستستهدف قواعد الصواريخ الإيرانية " شهاب " أي أن الضربة الإسرائيلية الأمريكية الأولى ستشل القوة الصاروخية الإيرانية ولكن هذه المعطيات التي يتم الترويج لها للتقليل من أهمية القوة الصاروخية الإيرانية بعيده عن الواقع لان قواعد صواريخ شهاب ستكون في مأمن من الضربة العسكرية الإسرائيلية الأمريكية ونتوقع أن القوات المسلحة الإيرانية ستعتمد على أسلوبين في حماية قواعد صواريخها بعيدة المدى الأول مجسمات تمويهية لقواعد صواريخ شهاب تشكل طعما للطيران الأمريكي لقصفها وتدميرها ، في حين يتم إخفاء قواعد الصواريخ الحقيقية بأماكن محددة بحيث يتم إخراجها من المخابئ وقيامها بإطلاق الصواريخ ثم إعادتها إلى المخابئ تفاديا لضربات الطيران الأمريكي وهكذا أي عمليات كر وفر وهو نفس الأسلوب الذي استخدمه حزب الله بكفاءة عالية في حرب تموز في تمويه قواعد صواريخ الكاتيوشا . صحيح أن قواعد صواريخ الكاتيوشا تعتبر أسهل إلى حد ما من قواعد صواريخ شهاب في عمليات التمويه ولكن حزب الله كان يواجه الطيران الإسرائيلي ليل نهار وعلى مدار الساعة بما في طائرة الاستطلاع وقد استفاد حزب الله من الطبيعة الجغرافية في جنوب لبنان باستغلال المساحات الشاسعة من الجبال والغابات .
وعلى مستوى إيران فإننا نتحدث عن بلاد شاسعة جدا وتتميز بطبيعة جبلية مثالية لعمليات التمويه .ولكن يجب أن لا نستهل الأمور ولا نستخف بقدرات أمريكا وإسرائيل ، فأمريكا ستستهدف إيران وقواعد صواريخ شهاب بقنابل تزن 7 طن تطلقها طائرات b52 وهي التي استخدمت في ملاحقة جماعات بن لادن والملا عمر في جبال تورا بورا في أفغانستان هذه القنابل تحدث أشبه ما يكون بالزلزال . أما النقطة المهمة التي يجب التنبيه إليها أن وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي هو باراك وهو الذي خاض حرب غزة وسيخوض الحرب القادمة ضد إيران وأسلوب باراك في الحرب هو سياسة الأرض المحروقة فسيضرب بلا هوادة مستخدما الطائرات الإسرائيلية والبوارج الإسرائيلية وصواريخ " جريكو " ، ورغم أن سجل نيتن**** في الحروب يتميز بالفشل الذريع والمغامرات العسكرية الفاشلة عندما أرسل قواته الخاصة إلى لبنان خلال فترة توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية السابقة وتمكن الجيش اللبناني من إبادة القوة الخاصة الإسرائيلية ولكن القائد الفعلي للحرب القادمة هو باراك الذي يعتبر من أشرس وزراء إسرائيل وتجربة غزة ما تزال ماثلة في الأذهان من جرائم الحرب التي ارتكبها في قطاع غزة .
البعض من المحللين العسكريين يستشهد بالحرب العراقية الإيرانية ويقول أن الصواريخ الإيرانية التي كانت تطلق على بغداد لم تكن تصب أهدافها بدقة وهذه حقيقة حيث أن الصواريخ الإيرانية في الثمانينات لم تصب أهدافها بدقة في بغداد كان لدى الصاروخ مسافة انحراف عن الهدف تصل أحيانا إلى 2 كيلو متر ونعتقد أن الوضع قد تغير بعد عشرين عاما وان القوة الصاروخية الإيرانية تطورت تكنولوجيا وأصبحت الآن اقدر على إصابة الأهداف بدقة إلى حد كبير باعتبار أن طول المسافة بين إيران وإسرائيل تجعل عادة هامشا من الخطأ في إصابة الهدف ولكن المسافة بين لبنان وإسرائيل وسوريا تجعل دقة الإصابة عالية جدا .
ومن هنا نتوقع أن الحرب القادمة ستكون متدحرجة أي أنها ستبدأ بضربة جوية إسرائيلية أمريكية مشتركة لمفاعل بوشهر الإيراني وأهداف إيرانية عسكرية وقواعد لصواريخ شهاب ولكن الضربة ستستهدف عدد كبير من الأهداف الإيرانية العسكرية ولا تقتصر على قصف المفاعلات النووية الإيرانية بهدف شل القدرة الصاروخية الإيرانية وتأتي المرحلة الثانية بانتظار رد الفعل الإيراني الذي نتوقع أن يأتي سريعا من إيران وحزب الله لتبدأ الجولة الثانية بضربات اشد ضراوة وستعتمد إسرائيل وأمريكا في الرد على رد الفعل الإيراني اللبناني بمحاولة توجيه ضربات واسعة أكثر شدة لكل من إيران وحزب الله .
نتوقع أن يبدأ رد الفعل الإيراني بقصف صاروخي لإسرائيل وأهداف أمريكية في منطقة الخليج العربي والعراق تحديدا وكذلك رد فعل حزب الله باتجاه إسرائيل وبعد رد الفعل الإيراني ضد أهداف أمريكية في العراق والخليج العربي سيبدأ التدخل العسكري الأمريكي بشكل سافر أي ستكون مواجهة أمريكية إيرانية مكشوفة لأننا نتوقع أن لا تعلن أمريكا عن مشاركتها في ضرب المفاعلات الإيرانية مع الطيران الإسرائيلي تجنبا لرد فعل إيراني ضد الأهداف الأمريكية المتناثرة في العراق والخليج .
من الواضح أن توجه أمريكا وإسرائيل لتقصير أمد الحرب أي اعتماد أسلوب الحرب الخاطفة ومن اجل تحقيق هذا الهدف ستكون الضربات واسعة النطاق وشديدة جدا إلا أن تاريخ الحرب العراقية الإيرانية تشير بوضوح إلى أن إيران ستجعلها حربا طويلة الأمد وحربا مفتوحة . فهدف الحرب العراقية الإيرانية كان لمدة أسبوعين هكذا خطط لها صدام حسين إلا أن إيران جرته إلى حرب لمدة ثماني سنوات وإسرائيل لا تستطيع احتمال حرب تبدأ إلى شهور فكيف لسنوات ؟ ومن هنا فان توجه إسرائيل لتقصير أمد الحرب سيدفعها لارتكاب جرائم حرب بشعة حتى تنهي الحرب مهما كان الثمن وهذه سياستها في كل الحروب تاريخيا لان المجتمع الإسرائيلي لا يحتمل حربا طويلة الأمد وان تعرضت إسرائيل لحرب طويلة الأمد سيوصلها إلى حافة الانهيار على ضوء التحركات الجارية في المنطقة من كافة الأطراف تطرح تساؤلات كبيرة تبدأ أولا بالسؤال الكبير ، هل هنالك حرب فعلا ستندلع في المنطقة ؟ والسؤال الثاني ما هي الأهداف الحقيقية للحرب ضد إيران ؟ .
نلاحظ أن بعض المحللين السياسيين يميلون للاعتقاد بان ما يجري مجرد تهويش وحرب كلامية وكل طرف يضغط على الطرف الأخر من اجل تحقيق مكاسب وتنازلات .
في حرب الكويت وقع صدام في هذا الخطأ القاتل عندما حشدت أمريكا وقوات التحالف ما يزيد عن نصف مليون جندي في عملية تحرير الكويت وبقي صدام حتى اللحظة الأخيرة يظن أن العملية كلها تهويش وتخويف لا أكثر وان أمريكا لن تدخل الحرب حتى فوجئ صدام باندلاع الحرب فأعلن في خطابة الأول فور اندلاع الحرب قائلا : " غدر الغادرون وبدأت المنازلة الكبرى " . من أين يأتي الغدر وقوات التحالف تحشد نصف مليون جندي على حدوده وبوش الأب يوجه الإنذارات لصدام بالانسحاب من الكويت .
من الواضح أن الحلف الإيراني استفاد من تجربة صدام ونلاحظ أن الاستعدادات للحرب حقيقية وان إيران لاتقبل بمفاجآت بوقوع الحرب . فالرئيس نجاد يعمل ليل نهار على استكمال الجاهزية العسكرية لمواجهة عدوان إسرائيلي لا مفر منه .
أما أهداف الحرب الإسرائيلية الأمريكية المشتركة فهي أهداف ظاهرة خفية وهنالك عدة عوامل تجعل الحرب حتمية لا مفر منها فإسرائيل تنظر إلى وجود قوة نووية في إيران يعني دمار لإسرائيل لا نقاش فيه قد لايكون على يد الرئيس نجاد ولكن على يد أي رئيس إيراني قادم يمكن أن يستخدم السلاح النووي في تدمير إسرائيل . والحسابات الإسرائيلية تقول أنها تستطيع احتمال ضربات صاروخية تقليدية تلحق دمارا واسعا في إسرائيل وقادرة على إعادة بناء ما دمر ولكنها لا تستطيع احتمال تعرضها لهجوم نووي يمسحها من الخريطة أي أن إسرائيل وفق حساباتها ترى أن إجهاض المشروع النووي الإيراني في المهد مسالة حياة أو موت بالنسبة لها وان بقاء دولة إسرائيل حية ترزق يرتبط بتدمير المشروع النووي الإيراني الذي يهدد وجودها . هذا الكلام ليس رئيا شخصيا لي ولكن أتحدث عن الحسابات الإسرائيلية .
أما الهدف الأمريكي غير المعلن فهو إسقاط النظام في إيران وهذه أيضا وفق الحسابات الأمريكية مسالة لا مفر منها قبل الانسحاب من العراق لأنها لن تترك العراق ومصالحها في العراق تحت سيطرة إيرانية بعد الانسحاب .
والدليل على ذلك إشارة غامضة جدا صدرت عن الرئيس الأمريكي اوباما في العام الماضي عندما بدأ نيتن**** يلح على الإدارة الأمريكية بضرورة توجيه ضربة لإيران وكان الرئيس الأمريكي حازما شديدا بأنه لا يسمح لإسرائيل بتوجيه ضربة لإيران حاليا وابلغ نتين**** في ربيع العام الماضي بان عليه الانتظار لما بعد شهر حزيران موعد الانتخابات الإيرانية وهنا مربط الفرس .
ظاهر الكلام أن اوباما كان يراهن على تغيير في إيران من خلال الانتخابات والسؤال هنا منذ متى أمريكا تراهن على تغيير الانتخابات بدول العالم الثالث المعروفة في اغلبها بان انتخاباتها مزورة أو محسومة مسبقا .
ولكن اوباما أصر إصرارا شديدا على أن الانتخابات الإيرانية ستحمل التغيير ومن الواضح أن نتين**** تلقى توضيحا وتفسيرا لما يجري في إيران عشية الانتخابات فالتزم الصمت .
المفاجأة كانت ما جرى في الانتخابات الإيرانية عندما خرجت المعارضة الإيرانية إلى الشوارع بزخم كبير بهدف إسقاط نظام الرئيس نجاد ولكن تمكن النظام الإيراني من الخروج من المأزق . من الواضح أن الرهان الأمريكي على المعارضة الإيرانية بإسقاط نظام الرئيس نجاد ولا نعتقد هذا الرهان جاء من فراغ مؤشرات كثيرة تؤكد أن أمريكا ليست بريئة مما جرى . ولكن فشلت المعارضة في إسقاط الرئيس نجاد ولكن دور المعارضة الإيرانية الإصلاحية لم ينته ونتوقع أن تعمل أمريكا من خلال الحرب القادمة على إسقاط نظام الرئيس نجاد باعتبار أن البدائل المقبولة أمريكيا جاهزة في إيران جاهزة لتسلم السلطة .
إذا الهدف الإسرائيلي هو تدمير المنشات النووية الإيرانية والهدف الأمريكي الغير معلن هو إسقاط الحكم للأسباب التي ذكرناها .
" تصرف كما لو كانت أفعالك ستغير العالم فهي كذلك "
" ليس كل ربح نجاح و كل خسارة فشل "
S.A.D G.H.O.S.T
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)