سيسجل التاريخ للشعب التونسي العظيم إشعال فتيل الثورات الوطنية في العصر الحديث، وللشعب المصري بداية شرارة هذه الثورة العالمية، وأؤكد على عالمية هذه الثورة من خلال عالمية التصدي لها، ومن خلال انحطاط أساليب التصدي لها....

لا شك أن قوى الشر العالمية قد تفاجأت بزخم تلك الثورة، بعفويتها، وبشدة اصرارها على تحقيق أهدافها. لكن المفاجأة الأكبر كانت من جهة قوى الخير التي أصيبت بدهشة عظيمة عندما شاهدت تلك الطرق الخبيثة الهمجية التي يعجز إبليس عن اختراعها، حين تعاونت الجهات الرسمية ومن يواليها مع مجموعات من المجرمين الجنائيين فنظمتهم وسلحتهم وأطلقت لهم العنان ليقوموا بعمليات إرهاب حقيقية منظمة تحت أعين السلطة لتتحول الصورة إلى صراع حضاري فعلي بين قوى الجهل والتخلف والاجرام تديرها الدولة ومؤسساتها وبين قوى التقدم والتحضر والمدنية. وإن ما رأيناه من همجية التعامل مع المتظاهرين لا يشكل إلا نسبة لا تذكر مما حصل على أرض الواقع في مختلف أرجاء البلد.



من يعرف الشعب المصري عن قرب، يعرف أنه شعب طيب أصيل، وفي نفس الوقت فهو شعب جبار عظيم عنيد، وقيادة هذا الشعب "التي لم تعد شرعية" هي جزء من هذا الشعب أيضاً، والرهان اليوم هو هل سيتغلب عناد حكام الأمس على عناد الشعب ؟؟

نسي القائمون على ما تبقى من أنقاض النظام المصري حقائق هم نفسهم كانوا يدرسونها لأبناهم.

_ نسوا أن للباطل جولة.... لكن الحق منتصر لا محالة، وهذه هي سنة كونية.

_ نسوا أن النسبة العظمى من عدد السكان هي من الشباب المسلح بالعلم والوعي والثقافة، وأن من يحكمهم الآن كانوا شباباً "لكن قبل خمسين عاماً" يستعرضون عضلاتهم بالطيران الحربي القتالي.

_ نسوا أنهم هم من كانوا يدّعون مكافحة الارهاب قد أصبحوا ارهابيين فعليين "إن كان تعريف الارهاب هو قتل الناس العزّل". وبهذا أحرجوا حلفائهم الغربيين الذين بدأوا بالتخلي عنهم.

_ نسوا أن التاريخ لا يرحم وأن مزبلته تتسع لكل الطغاة والفاسدين. وغاب عن أذهانهم أن من يكتب التاريخ هم أؤلئك المثقفون وليس "البلطجية" المجرمون.

رغم تسارع الأحداث، كان لدي متسع من الوقت لأفكر ببعض الكلمات التي بتُّ لا أستطيع أن أفهمها وأرجو ممن سمعها وفهمها أن يشرح لي معناها فمثلاً:

_ السيد بان كي مون يصرح بأنه يشعر بالقلق لما يجري، ما معنى القلق هنا ؟؟ هل يعني أن عدد ساعات نومه قد نقصت ساعة واحدة ؟ أم أن وجبته الغذائية قد نقصت لقمة واحدة ؟

_ متحدث باسم البيت الأبيض وآخر باسم الخارجية الأمريكية وآخرين باسماء الدول الغربية : يدينون الاعتداءات على المتظاهرين سلمياً !!!

وبعد مراجعة طويلة لهذه التصريحات وجدت أنها تفيد بأنهم لا يوافقون على ما يجري وكأن أحداً ما سألهم هل توافقون على ما يجري !!! وكأن الشعب المصري يحتاج إلى سماع عبارات القلق والادانة والشجب التي لم يعد لها أي معنى.

يؤلمني أن أرى سلطات تغش الشعوب وتخدعها ويفرحني أننا نعيش في زمن أصبحت فيه تقنيات العصر تفضح كل المستور.