««صديقة الدرب»»
أقيمت لهواتها بطولة قبل سنوات في أحد أرقى فنادق دمشق
في أحد مقاهي دمشق الشعبية وأثناء زيارتي لدمشق في صيف 2010 دخل أحد زوار دمشق الأجانب وأراد الجلوس إلى طاولة مجاورة للنافذة العريضة المطلة على الشارع الرئيسي. إلا أنه عدل عن ذلك عندما شاهد علبة خشبية مستطيلة موضوعة على سطح الطاولة.. وظن للوهلة الأولى أنها محجوزة للزبائن. ولكن النادل (عمر)، الذي يعمل في هذا المقهى منذ 15 سنة ويجيد التكلم ببضع كلمات باللغة الإنجليزية، فهم مباشرة ما كان يدور في ذهن الزبون عند بحثه عن طاولة للجلوس في المقهى. ومن ثم استطاع إفهام السائح أن العلبة الخشبية لا تستخدم لحجز الطاولة، فالطاولات المحجوزة للزبائن هي تلك التي وضعت كراسيها بشكل مائل على سطح الطاولة، أما هذه العلبة التي ليست سوى لعبة «طاولة الزهر» أو «النرد»، فإن العاملين في المقهى يضعونها على بعض الطاولات لكي تكون جاهزة لتلبية طلبات الزبائن.
فكثيرون من مرتادي المقاهي الشعبية في دمشق وغيرها من مدن سورية، مولعون بممارسة هذه اللعبة، وهم يلعبونها مقابل أجر زهيد يدفع للمقهى يتراوح ما بين 25 و50 ليرة سورية (نحو نصف دولار إلى دولار أميركي). ولكن، كما أوضح عمر لـي فإن هذا الأجر بسيط مقابل ما سيدفعه الزبائن وهم يلعبون «طاولة الزهر» في المقهى من أثمان المشروبات الساخنة والباردة وبجانب تدخين النارجيلة (الشيشة). ويقول عمر: «نحن نلبي رغباتهم بتأمين طاولة الزهر لكي يلعبوا.. وقد تشتد المنافسة بينهما كمجموعة، وبالتالي، يطلبون مشاريب أكثر ويحققون دخلا أفضل للمقهى، ثم إننا نحن (الكرّاسين) نحصل على (بخشيش) (بقشيش أو إكرامية) دسم.. ويضحك عمر متابعا:
ولكن هناك بعض الزبائن الذين يتضايقون من اللاعبين وأصحابهم، وخصوصا عندما ترتفع أصواتهم مع كل فوز وخسارة في الجولة الواحدة أو بسبب فقدان (الزهر) ووقوعه على الأرض وبدء البحث عنه بين طاولات الزبائن، مما يضطرنا إلى تأمين (زهر) جديد لهم.
وتابع عمر: بعض زبائننا الذين يعشقون هذه اللعبة يلعبونها لساعات طويلة، ولهؤلاء طريقة غريبة نوعا ما في التعامل مع اللعبة واللاعبين المنافسين لهم، إذ عندما تشتد المنافسة بينهم وبين من يواجههم، يعمدون إلى التحدث بكلمات غريبة غير مفهومة ومتسارعة لتشتيت ذهن المنافس فيخطئ في حساباته أو يتأثر وينفعل.. فيخسر. ولذا ينصح النادل الخبير الزبون بأن لا يستغرب إذا سمع لاعبا يجلس بجواره وهو يتكلم بكلمات غريبة وبصوت مرتفع.
ولكن، إذا كانت المقاهي الشعبية هي المجال الأوسع لممارسة للعب «طاولة الزهر» فإن السوريين يمارسونها أيضا بشغف كبير في منازلهم من باب الهواية وتمضية الوقت بالتسلية مع ضيوفهم من الأقارب والأصدقاء. والطريف هنا، أيضا، أن المتجول في أسواق وشوارع أي مدينة سورية سيشاهد مجموعات من الأشخاص جالسين أمام دكاكينهم أو منازلهم أو في الشرفات وهم يمارسون هذه اللعبة التي تكتسب جماهيرية واسعة في سورية، خصوصا بين الفئات العمرية المتوسطة ما بين (30 و70 سنة)، في حين تندر مشاهدة الجيل الشاب وطلبة الجامعات وهم يمارسونها، إذ تستهويهم عموما ألعاب أخرى كالشطرنج والضامة (الداما). أما كبار السن فتستهويهم لعبة تراثية تعتبر شقيقة «طاولة الزهر» وتدعى «المنقلة»، وهي تعتمد على علبة خشبية أيضا مع أحجار خاصة ترمى في حفر دائرية موجودة في سطح العلبة الخشبية بشكل هندسي متقن. وكحال «طاولة الزهر» تلعب من قبل شخصين يتنافسان على الفوز.
وأثناء حديثي مع عمر تحدثت أيضاً مع السيد :
عباس صالحاني (55 سنة) من هواة «طاولة الزهر»، شرح لي طرق اللعبة وأساليبها قائلاً: «تعتمد اللعبة على الحظ أولا، ومن ثم على مقدرة اللاعب على استيعاب كل تنقلات أحجار الطاولة والاحتمالات المتوقعة. أما أدوات اللعبة فهي (النرد) أو (الزهر) الذي يصنع من مادة العظم، وهو مسدس الوجوه ويحفر على كل وجه عدد من النقط يبدأ بنقطة واحدة وينتهي بـ6، ويستخدم منه في اللعبة اثنان، ثم هناك (الأحجار) المستديرة المصنعة من الخشب أو البلاستيك وعددها 15 حجرا من كل لون بحيث يكون المجموع 30 حجرا من لونين مختلفين. واللعبة كما هو معروف في سورية من 5 أنواع، هي: (المغربية) التي تعتمد على أن يحصل الرابح على كمية من الأحجار تزيد على الثلاثين، و(المحبوسة) و(الفرنجية) وهما تعتمدان مبدأ أن يحصل الرابح على 5 مكاسب مفردة أو مزدوجة، و(الكالبوهار) (الكلب والهر) وتعتمد مبدأ الاتفاق بعدد اللعبات 5 أو 7، والطريقة الأخيرة (اليهودية)، وهي تشابه (المغربية)، من حيث إنها تتوقف على عدد الأحجار. أما العلبة (الطاولة) فهي مصنعة بشكل خاص لاستيعاب الأحجار والزهر، وتقسم إلى ستة أقسام». وبسبب اهتمام عشاق «لعبة الزهر» السوريين بها فقد تفنن مصنعو الشرقيات والتراثيات بتصنيع نماذج من العلب بأشكال جميلة بحيث يمكن عرضها في صالونات المنازل كتحف شرقية لافتة، والاستفادة منها للعب في أوقات الفراغ. فالعلبة الخشبية المستطيلة التي تطبق على بعضها بواسطة مفاصل متحركة تصنع عادة من خشب الجوز أو الزان، وكان يكتفى بذلك. ولكن، في العصر الحديث، ومع تنامي الطلب على التحف الشرقية، عمد بعض الحرفيين السوريين على تلبيس هذه العلب بالصدف الملون وزخرفوها بالموازييك الدمشقي المعروف فحولوها إلى عمل فني جميل.
وضحك عباس صالحاني عندما سألته حول ما إذا كانت النساء تمارس هذه اللعبة، ثم قال: «أمارس هذه اللعبة من سنين كثيرة يوميا مع شلة أصدقائي وأهتم بها وأتابع أخبارها.. لكنني لم أسمع مطلقا من أحد أن امرأتين في سورية لعبتا (طاولة الزهر).. لأنها ببساطة لعبة ذكورية فقط».
..... بس بصراحه ما سدأتو هههههه
على أي حال، حظيت لعبة «طاولة الزهر» باهتمام كبير في سورية، حتى من بعض الجهات السياحية، فعمدت إدارة أحد الفنادق الراقية في العاصمة السورية، دمشق، قبل بضع سنوات إلى تنظيم مسابقة سنوية لهواة اللعبة ووزعت على الفائزين الجوائز. غير أن المسابقة لم تستمر بل توقفت بعد ثلاث سنوات من انطلاقتها، من دون أسباب معلنة من قبل إدارة الفندق المنظم للمسابقة.
ومن جهته، يعتقد يوسف دهّان، وهو أيضا من محبي اللعبة وممارسيها ومتابعي أخبارها وتاريخها، أنه سيكون جميلا تنظيم بطولة سنوية لهواتها في دمشق والمدن السورية الأخرى، بل وأن يقام مهرجان سياحي مرافق مع المسابقة كما هو الحال في بعض العواصم والمدن العالمية، حيث أقيمت بطولة لـ«طاولة الزهر» في تسعينات القرن المنصرم في مونت كارلو بإمارة موناكو بفرنسا، وعام 2004 أقيمت بطولة مشابهة في أبوظبي. ويضيف دهّان: إنها لعبة مسلية واجتماعية وعريقة.. وهي أنها تعود لأكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، ويقال إن الفراعنة مارسوها على الرغم من تأكيد المؤرخين على أن أصلها فارسي.
......
يَا سُـــورْيَا لاَ تنْحَنِيِ .. .. أَنَا لاَ أُذَلُ وَلاَ أُهَــــاَنْ
خَلِّي جَبِينَكِ عَاَلِيـــــاً .. .. مَادُمْتِ صَاحِبَةُ الْمَكَانْ
للاستفسار او مساعدة راسلوني على هاد الايميل
[email protected]
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)