««صديقة الدرب»»
الرياض: د. عبير مبارك
المثل الشائع، والقائل «كل شيء زاد عن حده، انقلب إلى ضده» ينطبق تماما على تبعات السلوك العشوائي في تناول الأدوية، خاصة تلك الأدوية التي يعتقد البعض أنها ليست ضارة! وهناك نوع من أنواع الصداع يسمى «الصداع المرتد» (Rebound headache)، وهو ناجم بالدرجة الأولى عن الإفراط في تناول أدوية معالجة الصداع، بطريقة تخالف الإرشادات والنصائح الطبية.
وعادة تفيد أدوية معالجة الصداع في تخفيف المعاناة من آلام الصداع، الذي يصاب به المرء من آن لآخر. لكن هناك من يتناول تلك الأدوية بشكل متكرر، إما لبضعة أيام متتالية أو لأسابيع عدة. والبعض قد يتناولها عدة مرات في اليوم. وهذا السلوك الخاطئ في الاستفادة من تلك الأدوية يؤدي إلى نشوء حالة «الصداع المرتد»، والذي يؤدي بالشخص إلى مزيد من التناول المتكرر لتلك الأدوية، وبالتالي مزيد من الشعور بـ«الصداع المرتد»، وهكذا دواليك.
* صداع مرتد
* تنشأ حالة الصداع هذه في أوقات مختلفة، بعد تكرار تناول أحد أنواع الأدوية المختلفة لعلاج الصداع. وعلى سبيل المثال، يظهر «الصداع المرتد» بعد نحو ثمانية أيام من تكرار تناول أدوية الصداع المحتوية على أحد مشتقات الأفيون (opiates) في مدة شهر. بينما يظهر ذلك الصداع بعد خمسة أيام من تناول أدوية الصداع المحتوية على مشتقات عقار «باربتيوريت» (barbiturate) المخدر في مدة شهر.
وسبب نشوء هذا الصداع هو أن الجسم يصبح بعد تلك الفترة من تكرار التناول معتمدا على وجود تلك المادة فيه، خاصة في خلايا الجهاز العصبي. والسبيل الوحيد للتخلص من هذا الصداع الجديد هو تقليل تناول دواء الصداع الذي تسبب فيه، أو وقف تناوله بشكل كامل.
* أدوية تسبب الصداع
* بشيء من التفصيل المفيد، يعتقد الباحثون الطبيون أن سبب هذا النوع من الصداع هو تكرار تناول أدوية الصداع. وخطورة نشوء هذا النوع من الصداع تختلف حسب نوع دواء الصداع الذي تكرر تناوله. ويمكن تقسيم الأدوية المستخدمة بشكل شائع في معالجة الصداع إلى أربعة أنواع:
* أدوية الصداع «البسيطة»، مثل الأسبرين (acetylsalicylic acid) أو بانادول (paracetamol) أو تايلينول (acetaminophen).. ويحصل «الصداع المرتد» إذا ما كرر الشخص تجاوز تناول الجرعات التي ينصح بعدم تجاوزها بشكل يومي، أي عند تناول كميات أعلى من المسموح بشكل يومي. وهناك أنواع من أدوية الصداع «البسيطة»، «الأدوية غير الستيرويدية المضادة للالتهابات» (NSAIDs)، مثل «إيبوبروفين» (ibuprofen) الذي من ماركاته التجارية «بروفين» و«أدفيل» و«موترن» وغيرها، ومثل «نبروكسين» (naproxen) الذي من أمثلته التجارية «نابروكس» و«أليفي» وغيرهما، وهذه الأدوية من غير المحتمل أن ينشأ «الصداع المرتد» جراء تكرار تناولها. لكن يظل لتجاوز جرعتها اليومية، ولتكرار تناولها، مخاطر على المعدة والكلى وضغط الدم وغيرها من الآثار الجانبية.
* أدوية الصداع «المخلوطة»، أي التي يحتوي القرص أو الكبسولة منها على عدد من الأدوية.. وهي تتوافر عادة في الصيدليات بماركات مختلفة، منها ما يسمى إكسترا أو بلس، ولا يحتاج الحصول عليها إلى وصفة طبية. وغالبا ما تحتوي على الأسبرين، والكافيين، وإما تايلينول أو بانادول بحسب كون الدولة أوروبية أو أميركية. ومنها أنواع تحتوي على كميات ضئيلة من كودايين (codeine)، الذي هو من مشتقات المورفين الضعيفة. وهذه تعتبر «عالية الخطورة» لجهة احتمال الإصابة بـ«الصداع المرتد» جراء تكرار تناولها.
* أدوية علاج الصداع النصفي، أو ما يعرف بالشقيقة (Migraine).. وهناك أنواع عدة من أدوية العلاج التي تتسبب في «الصداع المرتد». ومنها عقار «تريبتان» (triptan) وعقار «إيرغوتامين» (ergotamine). وهناك أسماء تجارية متعددة للأنواع المحتوية على العقارات تلك. وتعتبر هذه الأدوية «متوسطة الخطورة» لجهة احتمالات تسبب تكرار وطول مدة تناولها في ظهور «الصداع المرتد».
* أدوية مشتقات الأفيون المخدرة Opiates.. وهناك أنواع مختلفة من مشتقات الأفيون، وأسماء تجارية للأدوية المحتوية عليها والمستخدمة في معالجة الصداع. ومن أشهرها «تايلينول رقم 3» و«تايلينول رقم 4». وتعتبر «عالية الخطورة» لجهة احتمالات تسببها في «الصداع المرتد».
* وسائل العلاج
* الخطوة الأولى هي «الإدراك التام للمشكلة»، أي إدراك الشخص المُصاب بـ«الصداع المرتد» أن ما يشكو منه هو صداع مرتد ناجم عن الإفراط في تناول أحد أدوية علاج الصداع. وإدراكه تبعا لذلك أن عليه أن يتوقف عن إدخال مادة العقار تلك إلى جسمه، وإلا ستستمر وتتفاقم لديه المشكلة. وإدراكه بشكل جاد أن الأمر يتطلب جهدا قد يكون شاقا أو صعبا.
والخطوة الثانية هي البدء في مباشرة «العمل على إزالة المشكلة»، عبر الحد من مدى الحاجة إلى تناول أدوية تخفيف ألم الصداع. وبحسب نوع دواء الصداع المستخدم عادة من قبل الشخص، ينصح الأطباء بالتوقف التام عن تناول ذلك الدواء. أو الإنقاص التدريجي لقوة وكمية الجرعة المتناولة منه حال الشكوى من الصداع، وصولا إلى عدم تناول ذلك الدواء أكثر من مرتين طوال جميع أيام الأسبوع.
ويعرف الأطباء أن التوقف التام عن تناول دواء الصداع هو أمر شاق وصعب. وعلى الشخص أن يدرك أن الصداع لديه سيزداد سوءًا في بداية فترة الانقطاع، ثم يتحسن تدريجا، إلى أن يزول تماما. لكن لا مناص من سلوك هذا الطريق لأننا نواجه مشكلة «اعتماد الجسم» على وجود مواد كيميائية دوائية معينة فيه (Drug dependency). وهنا قد يشكو الشخص من التوتر أو «النرفزة» أو الغثيان أو القيء أو الأرق أو الإمساك. لكن على الشخص أن يعلم يقينا أن الأمور السلبية هذه لن تستمر إلى الأبد، بل ستزول تدريجيا خلال ما بين أسبوع أو عشرة أيام على أكثر تقدير. وسيقل تكرار الشعور بالصداع، وستقل حدة الألم والإزعاج خلال فترة الصداع. وثمة تعامل طبي خلال الفترة تلك، قد يتمثل في وصف بعض أنواع الأدوية المغايرة لما كان الشخص قد تعود عليه، وبعض الأشخاص قد يتحملون الأمر بكل قوة ولا يتقبلون تناول أي أدوية مخففة للأعراض المصاحبة للتوقف.
وقد يكون من الضروري، لبعض الأشخاص، الدخول إلى المستشفى لفترة قصيرة للتغلب على الانعكاسات السلبية للتوقف، خاصة إذا عجز الشخص بذاته عن التوقف عن تناول ذاك الدواء الذي يجد فيه مفعول «السحر» لإزالة الصداع. أو في حال نشوء اكتئاب أو توتر نفسي شديد. أو حال تعود الشخص على تناول جرعات عالية من أدوية تحتوي على كميات كبيرة من المواد المخدرة. أو غيرها من الأسباب التي يرى الطبيب فيها ضرورة المعالجة بالمستشفى.
* دور الكافيين
* ومما تجدر الإشارة إليه أن الكافيين في ذاته، كمادة تعمل في الجهاز العصبي، قد يثير «الصداع المرتد» حال عدم تناوله لفترة زمنية، ربما بضع ساعات لدى البعض المعتادين على كثرة تناول القهوة أو مشروبات الكولا أو الشاي «الثقيل».
وللمعالجة، يجب كسر دوران العجلة المكونة من الأحداث المتعاقبة للشكوى من الصداع، ثم تناول أدوية الصداع، ثم نشوء حالة «الصداع المرتد»، ثم اللجوء إلى مزيد من تناول أدوية الصداع.
* أعراض «الصداع المرتد»
* يشير الباحثون من «مايو كلينك» إلى أن أعراض «الصداع المرتد» تشمل:
* صداع متكرر كل يوم، وغالبا ما يفيق المرء من نومه على وقع ألمه وإزعاجه.
* يتحسن الصداع بمجرد تناول عقار الصداع الذي تعود المرء عليه، ويعود عند زوال مفعول الدواء في الجسم.
* صداع يستمر طوال اليوم حينما لا يتناول المرء دواء الصداع الذي تعود عليه المرء وتسبب له بـ «الصداع المرتد».
* يزداد ألم الصداع عند بذل المجهود البدني أو التفكير الذهني.
* احتمال وجود أعراض مصاحبة أخرى، مثل الغثيان والتوتر وصعوبة التركيز الذهني واضطرابات في الذاكرة وسهولة التهيج والإحباط والاكتئاب.
* خطوات مهمة للوقاية من «الصداع المرتد» تطرح المصادر الطبية في الولايات المتحدة عدة نقاط بشأن الاهتمام بحماية المرء لنفسه من الإصابة بـ«الصداع»، خاصة في أوساط الذين يعانون من الصداع لأسباب وظروف شتى. ومنها:
* تناول أدوية معالجة الصداع كما يرشدك إليه الطبيب بالضبط.
* إذا ما كنت مضطرا إلى تناول دواء الصداع أكثر من مرتين في الأسبوع، عليك مراجعة الطبيب واستشارته حول كيفية التعامل مع الأمر.
* تحاش تناول أدوية الصداع المحتوية على أي من أنواع المواد المخدرة.
* قلل عدد أيام تناولك الأدوية «البسيطة» للصداع إلى أقل من عشرة أيام في الشهر.
* اعتن بصحتك جيدا كي تمنع حصول الصداع.
* تحاش الظروف التي تؤدي بك إلى الشعور بالصداع، كوضعية المكتب أو الجوع أو غيرهما من الأسباب المثيرة للصداع.
* احرص على أخذ قسط كاف من النوم، خاصة النوم الليلي، والاستيقاظ مبكرا، وغيرها من عناصر النوم الصحي.
* احرص على ممارسة الرياضة البدنية بشكل يومي.
* تحاش الظروف والأوضاع التي تجهد نفسيتك.
* احرص على الاسترخاء النفسي والبدني.
* امتنع عن التدخين.
* امتنع عن تناول المشروبات الكحولية.
يَا سُـــورْيَا لاَ تنْحَنِيِ .. .. أَنَا لاَ أُذَلُ وَلاَ أُهَــــاَنْ
خَلِّي جَبِينَكِ عَاَلِيـــــاً .. .. مَادُمْتِ صَاحِبَةُ الْمَكَانْ
للاستفسار او مساعدة راسلوني على هاد الايميل
[email protected]
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)