يبدأ العصر الحجري القديم الباليوليت في سورية منذ مليون عام وينتهي
عام 12 ألف ق.م.
أما العصر الحجري الوسيط فيمتد من عام 12 ألف ق.م إلى عام 8 آلاف ق.م.
ويبدأ العصر الحجري الحديث قبل الفخار منذ ذلك التاريخ وحتى الألف
السادس ق.م ويمتد عصر الفخار حتى الألف الرابع ق.م.
يقع أقدم موقع للعصر الحجري القديم نراه في سرير نهر الكبير الشمالي
وهو يعود إلى مليون عام، ثم نرى في حوض العاصي آثار هذا العصر ولكنها
تعود إلى نصف مليون عام. وفي غربي اللطامنة (1) شمالي حماه عثر على
موقع لهذا العصر يعتبر من أهم المواقع ومن أندرها في العالم، عثر في
سرير النهر على آثار معسكر بشري محفوظ ضمن طبقة من الرمل والطمي مؤلفة
من أدوات حجرية فؤوس، سواطير ومكاشط وتبين أن الإنسان كان يستفيد من
الناروثمة مغائر في يبرود (2) كشفت عن آثار الإنسان القديم الذي عرف
بالترحال، فلقد تعاقب على هذه المغائر مجموعات بشرية خلال خمسين ألف
عام انتشرت في أنحاء سورية، وقد استعمل الإنسان وسائط حجرية جديدة وجدت
في الكوم البادية حيث الينابيع. ثم ظهر إنسان النياندر تال الذي أصبح
أكثر حضارة، فهو نحات ماهر استفاد من العظام في صناعة بعض الأدوات، كما
استفاد من قدح النار ومن ألوان التراب لتزيين أدواته وأجسامه، ومارس
دفن الموتى في طقوس محددة.(3)
وفي أواخر هذا العصر عاش الإنسان العاقل 40ألف ق.م وهو السلف المباشر
للإنسان الحالي. لقد انتشرت مواقع الاستيطان في أحواض الأنهار مثل نهر الكبير الشمالي
ونهر العاصي ونهر الفرات وروافده، وفي مناطق داخلية حيث توفرت فيها المياه
مثل منطقة الكوم وحوض دمشق، ويعود تاريخ الاستيطان البشري في
سورية إلى المرحلة الآشولية القديمة. لقد اكتشفت في حوض نهر الكبير
الشمالي أدوات حجرية تمثل قواطع وفؤوس يدوية وشظايا يعود تاريخها إلى
مليون عام، كما عُثر على أدوات مماثلة في منطقة الفرات تعود إلى نصف
مليون عام، وفي مواقع مختلفة أو في المغاور عثر على ألواح تعود إلى ربع
مليون عام، كما في مغائر يبرود ومواقع حول دمشق، وكانت هذه الأدوات
الحجرية أكثر دقة في تشذيبها، وتبقى هذه الأدوات دليلاً على نوعية
السلاح الذي كان الإنسان القديم يستعمله لحماية نفسه ضد الحيوان وضد
الإنسان.
ترك هذا العصر مخلفات متنوعة وجدت في مواقع مكشوفة أو في المغاور مثل
جرف العجلة والدواره في تدمر. ومثل موقع أم التلال في حوض الكوم. أما
مغائر يبرود قرب دمشق والديدربة في وادي عفرين فلقد عثر فيها على بقايا
هامة منها أقدم هيكل عظمى نياندرتالي.
وبعد انقطاع طويل ظهر العصر الحجري الوسيط الميزوليت حيث خرج الإنسان
من المغاور مشكلاً ما يشبه بالقرى، مبتكراً وسائل حياتية وسكنية أكثر
رقياً نراها في مغارة الكبارا في فلسطين وانتقلت إلى يبرود وجيرود
والكوم حيث ابتكر الإنسان أوائل مركبة من الحجر والعظم أو الخشب. ومن
وادي النطوف في فلسطين أيضاً انتشرت حضارة نطوفية في سورية عثر عليها
في المريبط وأبي هريرة على الفرات، حيث أنشئت بيوت واستعمل الإنسان
عظام السمك والصدف للزينة.
في العصر الحجري الحديث النيوليت أصبح الإنسان منتجاً لطعامه بعد أن
كان جامعاً، فلقد زرع الحبوب وربى الحيوانات، نرى ذلك في المريبط وأبي
هريرة (4) وبقرص والرماد والغريفة. ومن الألف السابع ق.م ابتدأ الإنسان
بتأسيس المجتمع الرعوي الأول إلى جانب المجتمع الزراعي، فطور منازله
وأسلحته الحجرية المصقولة. ولم يلبث حتى ابتدأ باستعمال الطين المجفف
ثم المشوي صانعاً منه الأواني والتماثيل.
وتمتاز سورية بأسبقيتها العالمية باستعمال الفخار ، ثم باستعمال المعدن
وبخاصة في منطقة الهلال الخصيب، حيث ابتدأ بالتعرف على النحاس في بداية
الألف الخامس ق.م.
ثمة قرى نشأت في حوض الفرات بلغت مساحة بعضها 3 هكتار، وكان سبب تكوين
القرية وظهور الأسرة هو الاستقرار في منطقة يتحقق فيها الماء والكلأ
والأمن. ومما لاشك فيه أن القرى كانت تحاول تحصين ذاتها، إما طبيعياً
بواسطة المياه والصخور، أو بواسطة حواجز حجرية أو طينية أو نباتية.
اعتمد سكان المريبط(5) حوالي عام 8500ق.م على صيد الحيوانات والأسماك
وجمع النباتات، وتبين أنهم باشروا بذر البذور منذ عام 7700ق.م، وأقام
الإنسان أبنية طينية دائرية ذات جدران مزخرفة غطيت بقباب من الأغصان
والأعشاب والطين. ولكن البناء الحجري الذي أقيم في أريحا فلسطين كان
أقدم بناء من الحجر المشذب مازالت آثاره حتى اليوم ويعود إلى الألف السابع ق.م.
ومنذ بداية الألف التاسع ق.م شهدت سورية ظهور أوائل القرى الحضرية حيث
عثر على آثار لزراعة القمح والشعير، وتربية المواشي، الماعز والغنم
والبقر. كما عثر على آثار منازل دائرية أو مستطيلة. ولقد برزت في هذا
العصر دلائل عقيدة اللإلهة الأم والثور المقدس، وعقيدة عبادة الأجداد.
تابعت المجتمعات البدائية تطورها الاقتصادي والاجتماعي خلال الألفين
الثامن والسابع ق.م أي في بداية العصر الحجري الحديث وقبل اكتشاف
الفخار. فلقد توسعت القرى وكانت أحياناً محصنة مثل تل حالولة وجعدة
المغرة على الفرات، وكانت المنازل ذات مخطط مستطيل، وتطورت الزراعة
وتربية الحيوانات وانتشرت القرى الزراعية في الصحراء في موقع الكوم وفي
بقرص ووصلت إلى الساحل في رأس الشمرة. وفي بداية الألف السادس ق.م تم
استعمال الفخار ولعله استعمل في وقت سابق على ضفاف الفرات.
في بقرص على الفرات وفي تل الرماد، نرى بداية عصور الزراعة في بداية
الألف السادس ق.م، وكانت البيوت محاذية للطرقات، متعددة الغرف، وكانت
ثمة جماجم لآباء السكان توضع على قواعد أشبه بالتماثيل الطينية في وسط
البناء تكريماً وتعظيماً للأجداد.
وعُثر على تماثيل مختلفة بعضها تمثل وجهاً بشرياً من الطين ملوناً
بالأحمر وله عينان، كما عُثر على أوان حجرية. وابتدأت صناعة الفخار منذ
ذلك الوقت مبكرةً عن عصرها في أوربا. ويجب أن نتذكر أن تل الرماد - قرب
بلدة قطنا - كان موقعاً مؤسساً لتكون مدينة دمشق مع غيره من المواقع
مثل تل أسود وتل الصالحية، ولكن في هذا التل عاش الإنسان على زراعة
الأشجار والحبوب لتوفر الماء وخصب الأرض.
كان لابد للإنسان في ما قبل التاريخ من وسائل دفاعية، ونظراً لعدم
اكتشاف المعدن في ذلك التاريخ، فلقد استعمل الحجر على اختلاف أنواعه
لصناعة الفؤوس والحراب، ولقد عثر في تل المريبط على العديد منها،
و أصبحت في بقرص أكثر تشذيباً وصقلاً.
في تل الرماد عثر على فأس ورأس سهم ونصل منجل، وتظهر في مقدمة رأس السهم
مسننات ناعمة على الجانبين كأسنان المنشار، وكذلك الأمر على نصل المنجل،
ونرى على الوجه العلوي ما يسمى بلمعة
المنجل التي تدل على مدى استعمال هذا المنجل سواء في الأعمال الدفاعية أو الزراعية.
نشطت التنقيبات الأثرية في مواقع ما قبل التاريخ وأصبحنا نعرف خصائص العصر الحجري القديم
من مكتشفات نهر الكبير الشمالي والفرات والعاصي والليطاني، ونعرف خصائص
العصر الحجري الوسيط من المريبط والشيخ حسن وأبي هريرة ويبرود، وأما
آثار العصر الحجري الحديث فلقد عثر على آثاره في تل أسود وتل الرماد
والغريفة وتل الخزامي قرب دمشق، وفي بقرص والدوارة والكوم...
والاكتشاف الهام في هذه المرحلة التي تدخل في نطاق العصر الحجري الحديث هو
ظهور الأسوار مثل أسوار "تل حالولة" على الفرات، وتل الصالحية في دمشق.
ويبقى إنشاء الأسوار دليلاً على الاستقلال السياسي وظهور النظام
الإداري والعسكري لتحقيق المنعة والتحصين ضد العدوان الخارجي.
المكتشفات الأثرية قبل التاريخ
تبين اللقى الصوانية التي تم اكتشافها في المواقع الأثرية التي تعود
إلى ما قبل التاريخ طريقة التعامل مع الحياة لتحقيق الاستقرار والأمن،
ولعل أكثر هذه اللقى هي أدوات حربية بذاتها، كان الإنسان القديم
يستخدمها قبل اكتشاف المعدن، من الحجر الصوان القاسي، وكانت هذه
الأسلحة ضخمة غليظة في العصور الحجرية القديمة، ثم أصبحت دقيقة مشذبة
في أواخر العصر الحجري الحديث. ولقد اكتشف في موقع "أم التلال" بين
تدمر والفرات على أدوات راقية الصنع ومثالها رأس نبلة من الصوان،
ونصيلات مستقيمة أو ملتوية. ولقد عثر على أدوات تحمل بقايا القار الذي
استخدم منذ ذلك الزمن لتثبيت الأدوات على المقابض أو الرماح. و دلّت
التحاليل على أن هذا القار عولج بالحرارة بشكل منظم. وفي الجرف الأحمر
على الفرات، عثر على أدوات صوانية عسكرية نقشت عليها رسوم هندسية ورموز
وحيوانات. وهذه الأدوات التي تعود إلى 11 ألف عام تأخذ شكل القدوم
والمكاشط والثواقب والأنصال ورؤوس السهام التي عثر على أنماط منها في
مواقع: الخيام وحلوان والمريبط... ولكن في "الجرف الأحمر" كانت ثمة
أدوات عسكرية مصنوعة من العظم على شكل إبر بعيون مشروطة، وأنصاب بلطات
مصنوعة من قرون الأيل، ولقد ثبتت هذه الأدوات مع مقابضها، التي اكتشفت
لأول مرة في هذه الموقع.
على أن موقع تل صبي أبيض على البليخ قدم لنا نموذجاً لمستقر محصّن يعود
إلى الألفين 12-13ق.م.
وفي موقع الكوم - قدير على بعد8كم شمالي تدمر تم اكتشاف موقع أثري يعود
إلى الألف السابع ق.م وكان الإنسان قد سيطر بقوة على الزراعة وتدجين
الحيوان، واستطاع أن يستقر ويبني بيوتاً فوق أكمة قرب نبع غزير، وقد
بدت هذه المجموعة السكنية متناسقة بينها فسحات وأزقة، وكانت البيوت
كبيرة أو صغيرة ذات غرف مخططها مضلع وذات جدران خارجية متينة ومدعمة
القواعد، واعتني بتوزيع المجاري لتسريب المياه، مع أركان لإشعال النار
فيها موقد أو تنور، ولقد عثر في الموقع على أحجار كريمة مما يشير إلى
أن السكان كانوا يمارسون التجارة. وهذا التل كشف عن أسلوب حياة البدوفي
العصر الحجري الحديث..
وفي تل حالولة على الفرات اكتشف نظام مماثل لتسريب المياه يعود إلى
8700ق.م واستمر الاستطيان حتى 200سنة، ويمتاز هذا التل بتقدم صناعة
الأدوات والأسلحة من الصوان الأسود الأبسيدي والكوارتز ومثالها رؤوس
سهام وهياكل المناجل المركبة بظهور محدبة وشفرات ومكاشط. كما يمتاز هذا
التل بالعثور على آثار سور.
وكما ذكرنا فإن أهم المواقع الأثرية في العصر الوسيط والحديث تل
المريبط الذي يقع على الضفة اليسرى للفرات مقابل مسكنه بالس، وهو موقع
يعود إلى 8500ق.م وهو العصر النطوفي المنسوب الى وادي النطوف في
فلسطين، ومن حسن الحظ أن عمليات التنقيب السريع التي جاءت قبيل غمر
الحوض بمياه سد الفرات، قد وصلت إلى اكتشاف أقدم منزل مبني، وهو مسكن
دائري محاط بسياج ارتفاعه 70سم من ألواح الطين المجفف المدعم بأعمدة
الحور الفراتي، وقد غطيت بطبقة طينية دفن تحتها جثة أحد الأجداد، وفي
وسط المنزل موقد، واكتشف حوله أدوات صوانية كالمنجل والمكشط والمنكاش
والمخرز والمثقب والمسنَ.
وكان ثمة منازل شتوية وأخرى صيفية، ومن ميزات هذه البيوت صغر حجمها،
وكان بلاطها الحجري ملوناً أحياناً كما كانت جــدرانها مـزينة
ببعض الأشكال الهندسية، أما السقوف فكانت مغطاة بطين مدكوك مع الأعشاب،
مما نراه في بيوت القرى الشمالية اليوم.
تل براك
قبل أن نتحدث عن إيبلا وماري والدخول في بداية التاريخ، لابد أن نعرض
للحديث عن تل براك الذي يقع غربي نهر "جغجغ" أحد روافد نهر الخابور
وعلى بعد 42 كم من مدينة الحسكة. و على هذا التل كان مقر "نارام سين"
وكان قوي التحصين منيعاً.
ولقد شهد هذا التل أحداثاً عسكرية هامة، امتدت خلال حقبة طويلة من
الزمن أي من الألف السادس إلى الألف الثاني ق.م، وفي هذا التل عُثر على
بناء مدرج ومعبد وفيه عُثر على محتويات هامة، ففي المعبد عُثر على
تماثيل حيوانات وأقنعة بشرية وعيون أصنام حتى سمي بمعبد العيون ، وتعود
الى الحقبة 3500 - 3300 ق.م.
وفي معبد "تل براك" هذا عُثر على مئات من التماثيل وآلاف من الكسر
الحجرية والرخامية تمثل أشخاصاً لم يعرض منها إلا الكتفان والرقبة
والعينان البارزتان جداً، مما يدل على استخدام سحر الإصابة بالعين، فهي
إذن تمائم لتحمي من الشر والعدو. ولعلها تعاويذ قدمها السكان إلى
المعبد تعبيراً عن تفانيهم لصد العدوان المحتمل الذي يهدد المدينة.
وثمة تمائم عُثر عليها في المعبد في شرفة العيون، تمثل حيوانات كالضفدع
والقنفد والدب والأسد
منقووووووووول للأفاده
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)