لم يحظ تاريخ أي دولة أوروبية من الدراسة والبحث، كما اسبانيا الذي أثار تاريخها جدلاً واسعاً بين المؤرخين والمستشرقين،.وخاصة تلك المرحلة التي امتدت عبر قرون طويلة أثناء الحكم العربي، وإقامة الدولة العربية الإسلامية وفي كتاب (الطريق من دمشق إلى قرطبة) يستعيد الكاتب محمد عبد الحميد الحمد التاريخ الإسباني منذ العصور الأولى وصولاً إلى الإسلام وقيام الحضارة العربية الإسلامية وما أنتجته يقع الكتاب في ستة فصول يبدأ الفصل الأول باستعراض تاريخ اسبانيا قبل الإسلام معتمداً على الدراسات الأثرية التي كشفت عن صلات جزيرة ايبيريا بسواحل المتوسط، ووصول الفينيقيين إلى جزيرة (ابتيز) وهي من جزر الباليار الاسبانية. مستنداً إلى مرويات (استرابون) الذي اعتمد على مدونات (بوزيدينوس الأفامي) حيث إن الإغريق عمروا جزيرة (إبتيز) بعد أن أصبحت شبه خالية من الفينيقيين، وفي سنة (509 ق.م) وقعت معاهدة بين قرطاجة وروما أعطى فيها الرومان لمستعمراتهم في (ملقة والعقد) حق التجارة على الساحل الجنوبي وعلى ساحل البرتغال، وفي سنة 206 ق.م أصبحت اسبانيا مستعمرة رومانية ومن هنا حملت الجزيرة طابعها الشرقي وفي عام 325م أعلن الإمبراطور قسطنطين دين الدولة (المسيحية) فانتشر المذهب الأريوسي وسادت الثقافة اليونانية والرومانية وانتشرت الفلسفة الرواقية، والابيقورية وتبلورت طبقات المجتمع وظهر في قرطبة الفيلسوف (سينكا الرواقي) وفي طليطلة الفيلسوف (لوقليوس الإبيقوري). تاريخ اسبانيا المسلمةيستعرض في هذا الفصل تاريخ اسبانيا المسلمة منذ لحظة دخول العرب إلى اسبانيا في العام 711م بقيادة موسى بن نصير وطارق بن زياد، ثم توالى الولاة حتى قيام الدولة الأموية التي انشأها الأمير عبد الرحمن الداخل، وجعل من قرطبة عاصمة الدولة، فشجع على ممارسة الزراعة وقيام المدارس، وإعطاء الحرية للمواطنين ما سهل امتزاج الطبقات والأعراف وانتشار الثقافة العربية الإسلامية وظهرت طبقة من المستعربين من أهل البلاد الأصليين ما دفع الأسقف (ألفارو القرطبي) في كتابه (الدليل المنير) إلى القول: «أقبل المسيحيون المستعربون على المصنفات الإسلامية وتركوا اللغة اللاتينية واتخذوا عادات المسلمين من ختان ونظام الحريم». ويستند المؤلف في تحليله للحكم العربي الإسلامي في الأندلس على ما ورد في مقدمة ابن خلدون عن نشأة الدولة وتطورها، فيشير بداية إلى الاستيلاء على الملك، وانتزاعه من أيدي الدولة السابقة لها وفي هذه المرحلة يتحدث عن عبد الملك بن مروان وابنه الوليد اللذين أرسلا موسى بن نصير وطارق بن زياد، وفتحوا الأندلس وجعلوا العاصمة قرطبة. أما المرحلة الثانية: فهي مرحلة السيادة والانفراد بالملك وهنا أسس عبد الرحمن الداخل إمارته ووطد أركان ملكه، وجعل قرطبة عاصمة وبنى فيها الجامع الكبير، وقصره وبرز في بلاطه الشعراء والفقهاء. وتعتبر المرحلة الثالثة، مرحلة قطف ثمرات الملك والاستقرار والبناء وتخليد الآثار وبناء الجيش وإعلان الخلافة فقد أعلن الخليفة عبد الرحمن الناصر الخلافة ولقب بأمير المؤمنين وبلغت الدولة عصرها الذهبي. وتتجلى المرحلة الرابعة في الوادعة والمسالمة فيكون صاحب الدولة قانعاً بما بنى سابقوه مقلداً ماضي سلفه، وفي هذه الفترة سقطت الخلافة الأموية في زمن الخليفة هشام المؤيد وقيام ملوك الطوائف وملوك الثغور وبالمقابل بدأ عصر الاسترداد. أما المرحلة الخامسة -حسب تصنيف ابن خلدون - فهي الإسراف والتبذير في سبيل الشهوات والملاذ والكرم على بطانة الملك ومجالسه وهنا يخرب الملك ما بنى سلفه، ويستولي على الدولة الهرم والمرض الذي لا براء منه إلى ان تنقرض الدولة، فاسترد الاسبان غرناطة من بني الأحمر وطردوا العرب من جزيرة الأندلس. التراث الفلسفي في الأندلس يؤرخ في هذا الفصل للتراث الفلسفي في الأندلس منذ بداية الفلسفة مع ابن مسرة وانتشارها أيام الدولة الأموية مستعيناً بما كتبه المستعرب (أسين بلا ثيوس) عن دور ابن مسرة في التفاعل الثقافي بين المسيحية والإسلام كما تحدث عن الفيلسوف ابن باجة محللاً آراءه الفلسفية في كتابيه (رسالة الوداع، تدبير المتوحد) مبيناً أثره في التفكير الإسلامي كما تحدث عن الفيلسوف ابن طفيل وعمله في بلاط أبي يعقوب الموحدي مشيراً إلى كتابه (حي بن يقظان) وأثره في الفلسفة الأوروبية كما تعرض لحياة ابن رشد وأهم أحداث عصره وعن فلسفته وما تعرض له من آراء وانتقادات وخاصة فيما يتعلق بكتابه (الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة). التراث الروحي والصوفي في الأندلس يتابع في هذا الفصل ما بدأه في الفصل السابق، فكما كانت بداية العلوم الفلسفية مع ابن مسرة كانت بداية الفلسفة الإسلامية العرفانية معه أيضاً، وكتابيه (البصيرة والحروف). ثم تحدث عن الشيخ محي الدين بن عربي مستعرضاً مراحل دراسته وتكوينه الثقافي وانتقاله من الأندلس إلى المغرب ثم مصر وسورية والعراق والحجاز ثم استقراره في دمشق ووفاته وما خلفه في التصوف الإسلامي من مذاهب استخلصت من كتابه (الفتوحات المكية) موضحاً مذهبه في وحدة الوجود، ووحدة الأديان وفي الحقيقة المحمدية كما تناول الشيخ قطب الدين بن سبعين الذي ولد في الأندلس وعاش في المغرب، وفي مكة المكرمة وترك عدة رسائل وكتب اهم مؤلفاته (بدّ العارف) وكتاب (الدرج) مشيراً في مضمونه إلى فلسفته في وحدة الوجود، وغموض مصطلحاته في آرائه أثارت الكثير من المقولات بعضها يؤكد والبعض الآخر يرفض. تراث الأندلس في الموسيقا والغناء العربي يبدأ باستعراض تاريخي للموسيقا الاسبانية وتاريخ دخول الموسيقا العربية إلى الأندلس مع زرياب مبيناً أثره في الحياة الاجتماعية وفي الغناء والموسيقا، ثم استمرار هذا التأثير في الموسيقا العربية في المغرب، وفي المشرق العربي، وأثر الموسيقا العربية في الطرب العثماني وخاصة في حلقات الذكر في القدس ودمشق وصفد.. ثم انتقال هذا الأثر في الموسيقا الشعبية في القدود الحلبية، والمقامات العراقية، وصولاً إلى تأثيرها في الموسيقا الإخوة الرحابنة، ومسرح زياد الرحباني وفي الموسيقا العربية الحديثة
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)