عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِي اللَّهُ عَنْهُـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاةٍ
من هدي المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحث على استخدام السواك مع كل صلاة ـ أي خمس مرات في اليوم والليلة على أقل تقدير ـ والسواك ـ المسواك ـ هو عود من شجيرة تعرف باسم (الأراك)، وقد يتخذ من غيرها من الشجيرات من مثل الزيتون البري ـ العُتْم ـ أو من شجيرة السَّمْبُر, ولكن أفضل السواك ما اتخذ من المدادات الأرضية لشجيرة (الأراك)، لما أنه قد يتخذ من فروعها الخضراء، وهي الجودة من المساويك المتخذة من المدادات الأرضية.
وشجيرة الأراك تنمو في الجزيرة العربية, وفي غيره من المناطق الجافة في كلٍ من غربي آسيا وشمالي أفريقيا, وهي شجيرة كثيرة الفروع, مخضرَّة الأوراق, باصفرار قليل, دقيقة الأزهار والثمار, وتعرف ثمارها باسم (الكباث), وهي على هيئة الكرات الصغيرة التي تبدأ حمراء اللون ثم تسودُّ, وتحتوي على مواد حريفة فاتحة للشهية.
وقد جاءت وصية المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمواظبة على استخدام السواك في عدد من أحاديثه الشريفة، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُـ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: " السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ ".
وقد أثبتت الدراسات المختبرية على عود الأراك ـ السواك ـ أنه يحتوي على العديد من المركبات الكيميائية التي تحفظ الأسنان من التسوس والتلوث, وتحفظ اللثة من الالتهابات من مثل حمض التانيك ـ العَفْص ـ ومركبات كيميائية أخرى من زيت الخردل وسكر العنب لها رائحة حادة, وطعم لاذع، ولها قدرة فائقة في القضاء على جراثيم الفم, بالإضافة إلى العديد من المواد العطرية, والسكرية، والصمغية, والمعدنية, والشعيرات الطبيعية من الألياف النباتية الحاوية على كربونات الصوديوم, وهي مادة تستخدم في تحضير معاجين الأسنان.
وهذه معلومات لم تكن متوفرة في زمن الوحي ولا لقرون من بعده والتوجيه من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ باستخدام السواك عند كل صلاة هو سبق علمي وسلوكي بكل أبعاده, وحرص على طهارة الفم والأسنان ونظافتهما؛ لأن الفم هو مدخل الطعام إلى الجهاز الهضمي في جسم الإنسان, وحينما يمضغ الطعام فيه تبقى منه بقايا عالقة بين الأسنان وباللثة, وهذه إذا لم تنظف تتعفن, وتملأ الفم بالفطريات والجراثيم التي قد تكون سبباً في كثير من الأمراض, بالإضافة إلى ما تنتجه من روائح كريهة ومنفرة من صاحبها.
من هنا كانت وصية المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ باستخدام السواك عند كل صلاة لتطهير الفم والأسنان من فضلات الطعام, وتزكية رائحتهما, وحمايتهما, وحماية بقية الجسد الذي يحملهما من الإصابة بالعديد من الأمراض.
وهنا يبرز التساؤل المنطقي: من الذي علَّم هذا النبي الخاتم بفائدة السواك، فيوصي باستخدامه عند كل صلاة, وذلك من قبل ألف وأربعمائة سنة, أي في زمن لم يكن فيه إدراك لمخاطر تلوث الفم والأسنان ببقايا الطعام ؟، ولماذا التوصية بـ(الأراك) على وجه التخصيص، ولم يكن أحد يعلم شيئاً عن تركيبه الكيميائي حتى عشرات قليلة من السنين التي مضت في ختام القرن العشرين
إن سبق أحاديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكل المعارف المُكتسَبة بألف وأربعمائة سنة على الأقل بالإشارة إلى فوائد السواك في تطهير الفم والأسنان لا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرًا له غير الله الخالق, وأن التوصية باختيار (الأراك) على وجه الخصوص لا يمكن أن يكون لها مصدر غير الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ وورود هذه الحقيقة العلمية على لسان نبي أمي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين مما يشهد له بالنبوة والرسالة، وإبراز هذه الجوانب العلمية في أحاديث المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديثه وفي الوحي الذي أُنزل إليه ـ القرآن الكريم ـ هو من أنجح أساليب الدعوة إلى الله في زمن العلم والتقنية الذي نعيشه، وهو زمن فُتن الناس فيه بالعلوم ومعطياتها فتنة كبيرة, ولم تعد قضايا الدين تحرك في قلوبهم أو عقولهم ساكناً, وأصبحوا في أمسِّ الحاجة إلى أدلة مادية ملموسة تدعوهم إلى الإيمان ببعثة هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي ختمت ببعثته النبوات, وتكاملت في رسالته كل الرسالات, ووصفه ربه ـ تبارك وتعالى ـ بأنه : " وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى "(النجم:4,3).
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)