- هناك على سطح كُثبان الرمل الذهبيّ,يتحرك الظل المُعتم,تظنه بطيئاً في مشيته,يتهادى كالمُتعب الذي أمضى ليله,ونهاره ساهراً,سائراً يقطع الفيافي,باحثاً عن الشوك فلا يُلاقيه إلا بعد صبر طويل.
تلك الأخفاف الطرية الملأى بالماء لا تكاد تترك لها أثراً على الرمل لأن عبث ريح تُلامس السطح هي التي ترسم وتُحدد الأشكال فلا تعود على النحو الذي رسمه خُف بعير,أو ناقة.
البدوي المُرتحل في البيداء عاش وتربى مع الإبل,ورافقها عبر تجوالها المُضني,لا تهدأ في بحثها عن اليباس, والأشواك التي هي أقصى ما تطلبه,أما الماء فلها صبر عليه يطول لعشرات الأيام,وهو أيضاً البدوي المُرتحل لا يهدأ في بحثه عن الماء,وكلأ قطعانه,مُتسلحا بالصبر الذي استمده من صبر الإبل التي لا تشكو ولا تتذمر.
فأي صوم هذا الذي تصومه الإبل,ورفيق عمرها، البدوي المرتحل؟!.
ولعل ثمة تشابهاً كبيراً بين العسل,وحليب النوق,ليس في اللون والطعم,بل في اجتهاد النحلة للحصول على الرحيق الذي تصنع منه عسلها,واجتهاد الناقة في الحصول على الأشواك كي تصنع منها حليبها,كلتاهما لا تمَلان,ولا تتعبان فالأولى تسبح في فضاء رحب طوال نهار,أما الثانية فيحرق أخفافها رمل الصحراء المُحمى على جمر الشمس.
البدوي الذي رافق الإبل,والتصق بها اكتشف كم أن الناقة تُشفق على وليدها,وكم تحمل في قلبها من الحزن إلى حد ذرف الدمع إن هي فقدته,وهي الخجولة التي إن جاءها المخاض ذهبت لتنزوي وتلوذ لركن ناء,كي تتوجع هناك دون ان يسمع أنينها باقي أفراد القطيع,والبدوي الذي هام بناقته أطلق على صوتها»حنين»,وأطلق على نوقه أسماء تداعب القلب,وتعزف موسيقى يشتاق لها السمع.
ليس الترحال وحده هو الذي يربط الإبل بصاحبها,بل ذلك الحِداء الذي تطرب له الإبل,حين ينطلق ذاك الغناء الحزين عبر بيداء وعلى الرغم من اتساعها فإنه سيبقى مسموعاً,ويُقال أن الإبل تطرب لسماع الحِداء حتى أنها تعفّ عن وِرد الماء بالرغم من عطشها الطويل إن صدح به صاحبها!.
متـــــــــى
الزفاف ياعروس الربيع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)