للأسف الشديد نرى بعض الناس لا يقتنعون بالإعجاز العلمي، وينظرون إلى القرآن على أنه كتاب هداية فقط، بل نرى بعضهم يبالغون في انتقادهم لدعاة الإعجاز، ومنهم من يصف باحثي الإعجاز العلمي "بالتجّار" الذين يتاجرون بعواطف المسلمين... بل قال أحدهم: لم يبق سوى أن يخرجوا لنا بإعجاز جديد بمناسبة العيد!
بالفعل هناك بعض المبالغات في الإعجاز العلمي والعددي، ولكنها قليلة ولا تؤثر على هذا العلم الرائع. ولكن الإنسان عندما يبحث في معجزات القرآن يرى في كل شيء معجزة تتجلى لتقول لنا: "إن الإسلام هو الحق"، وهذا هو الهدف من الإعجاز العلمي. أن يثبُت المؤمن على الحق، وأن تكون المعجزة دليلاً على صدق رسالة الإسلام، وأظن أننا بحاجة لهذه المعجزات في عصر كهذا امتلأ بالإلحاد والتشكيك وضعف الإيمان.
والآن لنطرح السؤال التالي: هل يوجد إعجاز في أعياد المسلمين التي شرعها الله لنا؟ وهل يمكن أن نجد دليلاً جديداً على صدق هذا النبي الأمي عليه الصلاة والسلام؟ هذا ما قمتُ به وكانت المفاجأة... لنقرأ.
عندما تنظر أخي القارئ إلى بقية الأمم من غير المسلمين وتتأمل في أعيادها، ماذا تجد؟ إنك تجد العيد لديهم مرتبط بولادة هذا القائد الروحي، أو بانتصار ذلك الزعيم على أعدائه أو بتحقيق مكاسب مادية أو نجاحات عسكرية أو سياسية... أي أن العيد مرتبط بأحداث بشرية.
بعض الشعوب لديها عيد مرتبط بموت زعيمها، وبعضهم اتخذ من زواج هذا الزعيم عيداً، ومنهم من جعل بعض الظواهر الكونية المخيفة عيداً لهم مثل كسوف الشمس أو غير ذلك مما يعتقدون أن هناك إلاً للشمس وإلهاً للبرق وإلهاً للكواكب... وهذه معتقدات جاء الإسلام ليبطلها.
أما حديثاً فقد ظهرت مجموعة من الأعياد أهمها "عيد الأم" حيث خصصوا يوماً للأمهات كل عام، مع العلم أن الإسلام جعل الاهتمام بالأم على مدار السنة، وليس مرتبطاً بيوم محدد، ويكفي أن نقرأ قوله تعالى في حق الأبوين: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 23-24].
هناك أعياد للاستقلال وأعياد للنصر بمعركة ما وأعياد تخص يوم الثورة ... وغير ذلك مما ظهر حديثاً. ومن أسوأ الأعياد "عيد الحب" فهو مناسبة للممارسة العشق واللهو والفاحشة وتبذير الأموال... وهناك الكثير من المناسبات والأعياد كلها مرتبط بحدث بشري ما.
الآن لنتأمل عيد الفطر وعيد الأضحى، ما هي مناسبة هذين العيدين؟ العجيب يا أحبتي أنني بحثت عن تاريخ ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوم مبارك بلا شك، ولكنني لم أجد أن النبي طلب من أصحابه أن يحتفلوا فيه! وبحثت عن أيام انتصار النبي في معركة بدر تلك المعركة الحاسمة التي كانت بداية تأسيس الدولة الإسلامية، ووجدت أن النبي لم يأمر أصحابه بأن يتخذوا ذلك اليوم عيداً لهم.
هناك مناسبات كثيرة هامة مرَّ بها النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أهمها، يوم الهجرة، ومع أنه يوم عظيم وهو بداية التاريخ الهجري إلا أن النبي لم يتخذه عيداً، وهناك يوم مهم ألا وهو يوم فتح مكة... ذلك النصر المبين الذي أعز الله به المسلمين وخذل الكافرين، ومع أنه يوم مبارك ومهم جداً إلا أن النبي لم يأمر قومه باتخاذه عيداً... سبحان الله، إذاً ما هي مناسبة العيد؟
إن العيد عند المسلمين يأتي بعد عبادة عظيمة لله الواحد عز وجل، ولكن كيف؟ أحبتي في الله، إن أركان الإسلام خمسة، فالمؤمن في كل لحظة يشهد بوحدانية الله، وهذا الركن الأول، ويقيم الصلاة كل يوم خمس مرات، وهذا الركن الثاني، ويؤدي الزكاة والصدقة في كل لحظة وعلى مدار العام وهذا هو الركن الثالث.
بقي ركنان مهمان ولكن المؤمن يؤديهما مرة في العام! فاركن الرابع من أركان الإسلام هو الصيام وقد فرضه الله علينا مرة كل سنة، وبما أن هذه العبادة عظيمة والله يعطي عليها من الأجر ما لا يعطيه على غيرها (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، فقد ختم الله سبحانه وتعالى هذه العبادة بيوم العيد!!
لماذا؟ ليفرح المؤمن بفطره ويفرح بمغفرة الله لذنوبه ويفرح برحمة الله تعالى بعد شهر كامل من الصيام والقيام والطاعة... سبحان الله، انظروا إلى هذه المناسبة، مناسبة العيد، لم ترتبط بأي حدث بشري إنما ارتبطت بعبادة لله تعالى، وليس أي عبادة بل عبادة خاصة ومن أحب العبادات لله عز وجل.
بقي الركن الخامس من أركان الإسلام ألا وهو الحج، فهذه العبادة مهمة جداً وهي مفروضة على المستطيع مرة في العمر على الأقل، وتتكرر كل عام مرة ويخرج فيها المؤمن من الذنوب كيوم ولدته أمه، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) وهو عبادة خالصة لله تعالى.
وبسبب أهمية هذه العبادة فقد جعل الله عيد الأضحى في نهاية هذه العبادة، أي أن العيد يأتي بعد عبادة عظيمة وخالصة لله جل جلاله. بل إن تطبيق هذا العيد لم يرتبط بمعصية الله تعالى، بل بطاعته أيضاً، وهذا شيء رائع. فالعيد هو مناسبة للتراحم والتواصل وصلة الرحم وإدخال السروي على الأطفال والمحرومين واليتامى...
انظروا معي إلى صدقة الفطر مثلاً، إنها فريضة قبل العيد، لا يمكن أن يمر العيد هكذا، بل هناك أشخاص محتاجون وفقراء ذكّرك الله بهم، ينبغي أن تعطيهم مما أعطاك الله، وإلا فإن عبادتك ناقصة!! وهناك صلاة خاصة لا تؤدى إلا في العيدين وهي صلاة العيد... كأن الله تعالى يريد أن يربطك بالعبادة الخشوع في كل لحظة، حتى في لحظات الفرح والأعياد!
وهنا يا إخوتي لابد من وقفة تأمل: البشر شرعوا للناس أعياداً وجاءت كلها مرتبطة بأحداث بشرية وارتبطت باللهو والترف، ولكن عندما نجد أعياد المسلمين ارتبطت بعبادة لله تعالى وطاعته، ماذا يدل ذلك؟ إنه بلا شك يدل على أن مصدر هذه الأعياد هو مصدر إلهي!! بكلمة ثانية: يدل على أن الإسلام دين من عند الله تعالى!
وسؤالي الآن: بالله عليكم! هل هذا إعجاز أم ماذا؟ هل هناك إنسان على وجه الأرض (من غير الأنبياء والمرسلين) سنَّ لقومه عيداً يأتي بعد عبادة عظيمة لله تعالى؟ هل يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم، لو لم يكن رسولاً من عند الله، أن يشرّع لقومه مثل هذه العبادة؟
لماذا لم يجعل النبي من انتصاراته عيداً؟ لماذا لم يجعل من زواجه عيداً؟ لماذا لم يجعل من فتح مكة عيداً... بل إن أهم حدث في حياة النبي وهو النبوّة، عندما نزل عليه الوحي، حتى هذا اليوم لم يجعله عيداً... سبحان الله، لماذا؟ لأنه يريد أن يقول لنا: إن العيد مناسبة لجميع المسلمين وليست مناسبة تخص إنساناً واحداً حتى ولو كان أعظم الخلق على الإطلاق؟
عبد الدائم الكحيل
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)