القيت نظرة على الصحف الامريكية فوجدت تسائلا لصحفي امريكي عن تخلف الصحف الامريكية و يقصد الواشنطن بوست عن نشر الصور المسيئة لشخص الرسول وبالتالي تخلفها عن حرية التعبير التي ينبغي ان تكون في مقدمتها و انه ليس من حق الساسة الغربيون ان يعتذرو لمن يستعمل العنف و يرفع السلاح .ربما تعبيرنا العنيف فيه نوع من الشوفينية لكن الظاهر انه الذي من حقه ان يتسائل عن الاخلاق في التعبير او بوضوح ردة الفعل يتسائل عن الاخلاقيات في الفعل فرد الفعل هو قبل كل شيء امر طبيعي و قد يكون عفوي اما الفعل فهو عن سبق اصرار و ترصد لسنا نفهم هل هم لا يفهموننا حقا ام يتجاهلوننا ام هم يغوصون في مبادئ و اخلاقيات تناقض كل القيم الكونية بمفهوم الخير و الشر عندنا و عندهم ووضع مقاييس للبشرية من حقنا ان تتسائل عن غايتها؟ بالمفهوم اردت ان اطرح هنا اشكالية اللبرالية و الطرح الغربي لمفهوم الحرية لنفهم ولو بعض المبادئ التي يريد الغرب تعميمها علينا باسم كونية القيم.
فكثيراً ما تسترت الليبرالية وراء ديكور الديمقراطية، وتنكرت أحياناً أخرى بأقنعة الحرية الفكرية، وحرية التعبير وقِيَم التحضر والتمدين والتحديث، . وقد انهمك المثقفون والمفكرون المسلمون في مناهضة الفكر الإلحادي، شرقياً كان أو غربياً، ظانين أن الفكر الليبرالي متحرر من الأيديولوجيات والثوابت أياً كانت.
وبانهار جدار الشيوعية، فرح بذلك العالم (الحر) في أمريكا والغرب، ودق طبول النصر لعصر جديد، تتسيد فيه القيم الغربية الليبرالية بلا منافس أو منازع، ليشترك العالم بالترغيب أو الترهيب في رفع رايات انتصار خادع، على انقاض نِد حضاري مزيف، هو الاتحاد السوفييتي السابق، ورفع أحد فلاسفة أمريكا المعاصرين «فرنسيس فوكوياما» عقيرته بانتصار الليبرالية في المعركة الحضارية الإنسانية، ليسدل الزمان أستاره على المشهد الأخير والمثير من مسرحية «نهاية التاريخ»!
تقر الليبرالية ان الفرد هو أصل المجتمع وان الحرية حقه البديهي والطبيعي، وتحيل هذه الحرية الى حيز السياسة التطبيقية والاقتصادية وتفترض مبدئياً امتلاك الفرد سلطاناً مطلقاً على ذاته. وهذا القرار يمهد للاقرار بحقوق الفرد وبحرية الاعتقاد والكسب والملكية والتعبير عن الرأي بحرية من مقتضيات سلطان الفرد على ذهنه، وامتلاك ثمرات الكسب من مقتضيات سلطان الفرد على جسمه ونشاطه. أي ان الليبرالية تربط حريات التفكير والاعتقاد والتعبير والحريات الفردية كمقدمة مؤسسة للحريات السياسية والاقتصادية، بقطع النظر عن رأينا في الحريات الاقتصادية المتمادية المستندة الى حرية الفرد المطلقة
والفكر الليبرالي (Libralisme) لم يبلوره مفكر واحد في عصر واحد، بل اشترك في وضع أصوله العديد من المفكرين في أزمنة وأمكنة مختلفة، حتى صارت له أسسٌ تشمل نواحي الحياة في جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والدينية، إلاّ أن هذا الشمول لا ينفي عن الليبرالية صفة القصور؛ لأنها اقتصرت في الجملة على تلبية الغرائز الدنيا في الإنسان.دون أدنى اعتبار للقيم العليا التي من أجلها كرم الله ابن آدم، بل هي فوق ذلك لا تعتمد إلا على أخس قدرات الإنسان على الفعل، وهي التمرد على إرادة الله عن طريق الكسب الاختياري الذي منحه اياه، وهذا هو أحط أنواع العبودية لغير الله؛ حيث يجعل من نفسه إلهاً لنفسه و انهارت القيم الدينية و الاخلاقية.
فنشوء الفكر اللبرالي كان في بيئة اتسمت بتسلط كنسي على عقول الناس، و احتكار كهنوتي للحقيقة، و خرافة طقوس تقوم على الخصومة المفتعلة بين الدين والعلم، فالفكر الليبرالي هو فلسفة سياسية واقتصادية، أفرزت قناعات ثقافية وممارسات اجتماعية، حاولت بعد ذلك أن تتحول إلى منطلقـات لحـريـة ديـنية، ونـسبية اعـتقادية، تؤول إلى (اللا دين). والليبرالية، بكل تعريفاتها لكل أصنافها؛ تركز على جوهر واحد يتفق عليه جميع الليبراليين، وهو أنها: تعتبر الحرية هي المبدأ والمنتهى في حياة الإنسان، وهي وراء بواعثه وأهدافه، وهي المقدمة والنتيجة لأفعاله. فالحرية هي سيدة القيم عندهم دون أدنى حدود أو قيود، سواء كانت هذه الحدود هي (حدود الله) أو كانت تلك القيود لسبب سياسي أو اجتماعي، أو ثقافي، أما مبدأ عبودية الإنسان لخالقه كما جاءت به رسالات السماء جميعاً، فهي عند الليبراليين لون من تراث الماضي «المتخلف.
اذا فالمبدأ اللبرالي يقوم على تقديس الذات وحرية الإنسان وانفلاتها من كل القيود، بحيث لا يكــون هنـاك أي مانـع أو رادع مـن فـرد أو أسرة أو جماعة أو دولة أو فكر أو دين أو تقاليد، بل يتصرف المرء وفق ما تمليه النفس وتسوق إليه الرغبة على ألا يتعدى على حرية الآخرين. لكنهم للاسف يتخلون عن هذا المبدا في نظرتهم للثقافات الاخرى صحيح أن أرباب الليبرالية يختلفون فيها بقدر اختلاف أهوائهم، إلا أنهم يتفقون على شيء واحد، وهو وصف موسوعة (لالاند) الفلسفية لها بأنها: «الانفلات المطلق بالترفع فوق كل طبيعة».
في القرن الماضي اعتاشت الليبرالية الغربية على توتاليتارية ( النزعة الشمولية ) الشيوعية الأوروبية الشرقية وديكتاتوريتها، لذلك كانت لها جاذبية وسحر خاصان في العالم الثالث وفي كل الاطياف و الايديولوجيات لانها، وعبر النماذج الامريكية والبريطانية والاسكندنافية، قدمت صورة مبهرة لنظام لا حصانة فيه لأحد في البرلمان أو الاعلام إلا (الحقيقة)، رغم ان قوى كثيرة قد حذرت مبكراً من زيف الليبرالية الغربية واكدت انها مجرد ثوب جميل يخفي تحته وحشاً كاسراً لا حدود ولاقاع لقسوته ودمويته. والآن وبعد ان زالت شيوعية الدولة التوتاليتارية وصارت الليبرالية هي التي تحكم العالم، كيف بدت؟ وهل بقيت حاضنة(أنا اختلف معك ولكنني مستعد ان اضحي بحياتي من اجل ان تقول كلمتك).
وحينما جاء دور (المال) ليحكم العالم، بعد انهيار ايديولوجيا السحق الشمولي، اخذت الليبرالية الغربية تزيح النقاب عن وجهها وجسدها ليظهرا على حقيقتهما المجردة ، لتتدحرج فوق اجساد اطفال العراق وترسم بها لوحات على اسفلت الطرق لا حدود ( للرعب والصدمة) اللتان تتركها في النفوس. ولان الليبرالية لا ترضى باقل من جعل صوت الخصم يرتفع عالياً حد الاختناق واخماد قدرته على انتاج صدى هدمت البيوت فوق رؤوس مئات الالآف من العراقيين لان صوتا لم يقل لها ان هناك بشر ! و هكذا هو وجه اللبرالية حينما تتحرر من خوف وحش له انياب ذرية يدعى الشيوعية.
و السؤال هل الليبرالية اقل ديكتاتورية وقسوة من نظم الشيوعية البائدة ؟ فالذي نشهده الآن على مسارح العالم كلها هو ديكتاتورية قاعها وجوهرها ودافعها وعقلها هو الافتراس الوحشي والدموي للآخر اياً كانت هويته، فالمهم هو ان تجد الليبرالية ما تلتهمه سواء كان نحن المسلمون او الاسيوين الكنفوشيون.*صراع الحضارات*صموئيل هنتنغتون*.و اللعب على الشعوب بوهم الحرية و التحرر.
فإن الحرية بمعناها الاصطلاحي الاخلاقي المعروف بين الناس وهي أن يمتلك الإنسان نفسه ويكون حراً في دنياه، لا وصاية لأحد عليه، ولا تبعية من ذل أو قهر، تمنع عليه أو يعبر عن فكره، ويؤدي شعائر دينه، وأن يختار من يشاء في مؤسسات دولته، وأن يشارك في شيوع الخير وردع الشر في نظام يوفر له حقوقه كانسان ويرتب عليه واجباته.و أهمية ممارسة الحرية، باعتبارها الاختيار الحر، والاقتناع الذاتي، تضعنا في مأزق يتمثل في حدود هذه الحرية، والتصور السائد لدى العلماني المتغرب، بوصف الحرية وكأنها بلا حدود. وعندما نتكلم عن حرية النخبة، السياسية والاقتصادية والثقافية، تصبح الإشكالية جد خطيرة، فالواقع يؤكد أن الدعوة إلى الحرية المطلقة، ليست عملية، ولا هي منطقية. لأي أي تصور مطلق للحرية، يعني حدوث صدام بين الممارسين للحرية، لأن كلاً منهم يمارس حقه بلا حدود،
وبالتالي يجور على حقوق الآخرين، مما يولد صراعاً بين الممارسات الحرة، وتضارباً وتعارضاً في توجهاتها. وكذلك، فإن الحرية المطلقة، تعني أن كل فكرة جائزة، ولها حقوق الممارسة وفرصها. ولكن الواقع، أي واقع بشري، لا يتحمل كل الأفكار والممارسات. ففي أي اجتماع بشري، يلزم وجود قدر من الاتساق والترابط، هو جزء أصيل في وجود (الاجتماع) نفسه.وحتى في الممارسة السياسية، هناك وقفة، حول حدود الحرية وحدود الممكن. ونلاحظ مثلاً، أن الدول الغربية، والتي تلتزم بالحضارة الغربية من حيث المبدأ، لا تعرف الحرية المطلقة في السياسة، بل ـ على العكس من ذلك ـ تعرف تجريم بعض الأطروحات السياسية.ونذكر قوانين ماكارثي ضد الشيوعية في امريكا و قوانين مماثلة في اوربا كذا التجريم القانوني في كل من يشكك في المحرقة حتى ولو كانت دراسة علمية اكاديمية كقانون غايسو في فرنسا.
فكم يشبه ما يعيشه الغرب اليوم من "انهيار للقِيَم باسم القيم" ما نظر له الفيلسوف الألماني*فريدريك نيتشه* قبل قرن حيث ركّز على تحليل إرادة القوّة والعدميّة من خلال نقده للأفكار المطلقة التي لا تؤدّي، بحسب رأيه، إلاّ إلى مزيد من المخاطر التي تهدّد الإنسانية جمعاء. وفي حديثه عن مفهوم القِيم والأخلاق الذي كانت تنادي به الأنظمة السائدة في العالم الغربي الداخل عصر الحداثة والتقنيات الجديدة في القرن التاسع عشر، لفت نيتشه إلى ما كان ينطوي عليه هذا المفهوم من إرادة في السلطة والسيطرة والاستبداد.\مفهوم الراعي و القطيع\ وهي هذه الدعوة إلى تلك القيم، على حدّ تعبيره، دفعت إلى انهيار القيم والمعتقدات وتهديد بنى الحضارات الانسانيّة بأكملها. من هذا المنطلق ميّز نيتشه بين نسقين من الأخلاق: "أخلاق الأسياد" و"أخلاق العبيد"، أي أخلاق الذين يفرضون قيمهم بالقوّة على الواقع المعاش وأخلاق العاجزين على التأكيد على حياتهم في الحياة نفسها فيلجأون الى الماوراء المتخيّل. إنّه اتهام مباشر يوجّهه نيتشه للمنطق العميق الذي يتحكّم بمسيرة الحداثةالغربية القائمة على الاستئثار والسيطرة، وهذا ما يفضي بحسب تعبيره "إلى آلاف الصحارى الخاوية والباردة للحداثة" والتي تحوّلت إلى خبز يومي. وكم يبدو هذا الفيلسوف، من خلال عبارته هذه، معاصراً لنا ولهمومنا الراهنة، وكم يتأكّد أنّه المفكّر الأكثر جذرية لبشريّة مفكّكة، عارية أمام مصيرها ، وهو من هذا المنطلق قد يكون من أكثر فلاسفة ومفكّري القرن التاسع عشر الذين قدّموا الوسائل المعرفية الضرورية لدراسة الأزمة السياسية والأخلاقيّة التي تجتازها الثقافة الغربية المعاصرة وانعكاسها على ثقافات العالم أجمع.حيث صار التطاول على مقدسات الغير و انبيائهم حق من حقوق حرية التعبير و التشكيك العلمي و الاكاديمي في قضية جريمة.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)