وقالوا: ما نحل الله تعالى عباده شيئاً أقل من الشكر واعتبر ذلك بقول الله عز وجل: " وقليل من عبادي الشكور ". محمد بن صالح بن الواقدي قال: دخلت على يحيى بن خالد البرمكي فقلت: إن هاهنا قوماً جاءوا يشكرون لك معروفاً فقال: يا محمد هؤلاء يشكرون معروفاً فكيف لنا بشكر وقال النبي(ص) : ما أنعم الله على عبده نعمة فرأى عليه أثرها إلا كتب: حبيب الله شاكراً لأنعمه وما أنعم الله على عبده نعمة فلم ير أثرها عليه إلا كتب: بغيض الله كافراً لأنعمه. وكتب عدي بن أرطأة إلى عمر بن عبد العزيز: إني بأرض كثرت فيها النعم وقد خفت على من قبلي من المسلمين قلة الشكر والضعف عنه. فكتب إليه عمر رضي الله عنه: إن الله تعالى لم ينعم على قوم نعمة فحمدوه عليها إلا كان ما أعطوه أكثر مما أخذوا. واعتبر ذلك لقول الله تعالى: " ولقد آتينا داود وسليمان علماً وقالا الحمد لله الذي فضلنا ". فأي نعمة أفضل مما أوتي داود وسليمان. وسمع النبي (ص) عائشة رضي الله عنها تنشد أبيات زهير بن جناب: ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه يوماً فتدركه عواقب ما جنى يجزيك أو يثني عليك فإن من أثنى عليك بما فعلت كمن جزى فقال النبي عليه الصلاة والسلام: صدق يا عائشة لا شكر الله من لا يشكر الناس. الخشنى قال: أنشدني الرياشي: إذا أنا لم أشكر على الخير أهله ولم أذمم الجبس اللئيم المذمما وأنشدني في الشكر: سأشكر عمراً ما تراخت منبتي أيادي لم تمنن وإن هي جلت فتى غير محجوب الغنى عن صديقة ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت رأى خلتي من حيث يخفي مكانها فكانت قذى عينيه حتى تجلت قلة الكرام في كثرة اللئام قال النبي (ص): الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة. وقالت الحكماء: الكرام في اللئام كالغرة في الفرس. وقال الشاعر: تفاخرني بكثرتها قريظ وقبلي والد الحجل الصقور فإن أك في شراركم قليلاً فإني في خياركم كثير بغاث الطير أكثرها فراخاً وأم الصقر مقلات نزور وقال السموأل: تعيرنا أنا قليل عديدنا فقلت لها عن الكرام قليل وقال حبيب: ولقد تكون ولا كريم نناله حتى نخوض إليه ألف لئيم قال ابن أبي حازم: وقالوا لو مدحت فتى كريماً فقلت وكيف لي بفتى كريم بلوت ومر بي خمسون حولاً حسبك بالمجرب من عليم فلا أحد يعد ليوم خير ولا أحد يعود على عديم وقال دعبل: ما أكثر الناس لا بل ما أقلهم والله يعلم أني لم أقل فندا إن لأغلق عيني ثم أفتحها على كثير ولكن ما أرى أحد وأحسن ما قيل في هذا المعنى قول حبيب الطائي: إن الجياد كثير في البلاد وإن قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا لا يدهمنك من دهمائهم عجب فإن جلهم أو كلهم بقر وكلما أضحت الأخطار بينهم هلكي تبين من أضحى له خطر قال كسرى: أي شيء أضر فأجمعوا على الفقر. فقال كسرى: الشح أضر منه لأن الفقير يجد الفرجة فيتسع. من جاد أولاً وضن آخراً نزل أعرابي برجل من أهل البصرة فأكرمه وأحسن إليه ثم أمسك. فقال الأعرابي: تسرى فلما حاسب المرء نفسه رأى أنه لا يستقر له السرو وكان يزيد بن منصور يجري لبشار العقيلي وظيفة في كل شهر ثم قطعها عنه فقال: أبا خالد ما زلت سابح غمرة صغيراً فلما شبت خيمت بالشاطئ جريت زماناً سابقاً ثم لم تزل تأخر حتى جئت تقطو مع القاطي كسنور عبد الله بيع بدرهم صغيراً فلما شب بيع بقيراط وقال مسلم بن الوليد صريع الغواني لمحمد بن منصور بن زياد: أبا حسن قد كنت قدمت نعمة وألحقت شكراً ثم أمسكت وانيا فلا ضير لم تلحقك مني ملامة أسأت بنا عوداً وأحسنت باديا فأقسم لا أجزيك بالسوء مثله كفى بالذي جازيتني لك جازياً يا سوءة يكبر الشيطان إن ذكرت منها العجائب جاءت من سليمانا لا تعجبن بخير زل عن يده فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا من ضن أولاً ثم جاد آخراً قدم الحارث بن خالد المخزومي على عبد الملك فلم يصله فرجع وقال فيه: صحبتك إذ عيني عليها غشاوة فلما انجلت قطعت نفسي ألومها حبست عليك النفس حتى كأنما بكفيك يجري بؤسها ونعيمها فبلغ قوله عبد الملك فأرسل إليه فرده وقال: أرأيت عليك غضاضة من مقامك ببابي قال: لا ولكني اشتقت إلى أهلي ووطني ووجدت فضلاً من القول فقلت وعلي دين لزمني. قال:
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
وكم دينك قال: ثلاثون ألفاً. قال: فقضاء دينك أحب إليك أم ولاية مكة قال: بل ولاية مكة. فولاه إياها. وقدم الحطيئة المدينة فوق إلى عتيبة بن النهاس العجلي فقال: أعطني. فقال: مالك عند فأعطيكه وما في مالي فضل عن عيالي فأعود به عليك. فخرج عنه مغضباً. وعرفه به جلساؤه فأمر برده ثم قال له: يا هذا إنك وقفت إلينا فلم تستأنس ولم تسلم وكتمتنا نفسك كأنك الحطيئة قال: هو ذلك. قال: اجلس فلك عندما كل ما تحب. فجلس فقال له: من أشعر الناس قال: الذي يقول: من يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن لا يتق الشتم يشتم يعني زهيراً: قال: ثم من قال: الذي يقول: من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب يعني عبيداً. قال: ثم من قال: أنا. فقال لوكيله: خذ بيد هذا فامض به إلى السوق فلا يشيرن إلى شيء إلا اشتريته له. فمضى معه إلى السوق فعرض عليه الخز والقز فلم يتلفت إلى شيء منه وأشار إلى الأكسية والكرابيس الغلاظ والأقبية. فاشترى له منها حاجته ثم قال: أمسك. قال: فإنه قد أمرني أن أبسط يدي بالنفقة قال: لا حاجة في أن يكون له على قومي يد أعظم من هذه ثم أنشأ يقول: سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلاً فسيان لا ذم عليك ولا حمد وأنت امرؤ لا الجود منك سجية فتعطى وقد يعدى على النائل الوجد من مدح أميراً فخيبه ألا قل لساري الليل لا تخش ضلة سعيد بن سلم نور كل بلاد لنا سيد أربى على كل سيد جواد حثا في وجه كل جواد قال: فتأخرت عنه قليلاً. فهجاني فأبلغ فقال: لكل أخي مدح ثواب علمته وليس لمدح الباهلي ثواب مدحت سعيداً والمديح مهزة فكان كصفوان عليه تراب ومدح الحسن بن رجاء أبا دلف فلم يعطه شيئاً فقال: أبا دلف ما أكذب الناس كلهم سواي فإني في مديحك أكذب وقال آخر في مثل هذا المعنى: إني مدحتك كاذباً فأثبتني لما مدحتك ما يثاب الكاذب وقال آخر في مثل هذا المعنى: لئن أخطأت في مدحي ك ما أخطأت في منعي لقد أحللت حاجاتي بواد غير ذي زرع ومدح حبيب الطائي عياش بن لهيعة وقدم عليه بمصر واستسلفه مائتي مثقال. فشاور فيها زوجته فقالت له: هو شاعر يمدحك اليوم ويهجوك غداً فاعتل عليه واعتذر إليه ولم يقض عياش إنك للئيم وإنني مذ صرت موضع مطلبي للئيم ثم هجاه حتى مات. وهجاه بعد موته فقال فيه: لا سقيت أطلالك الدائرة ولا انقضت عثرتك العاثرة يا أسد الموت تخلصته من بين فكي أسد القاصرة ما حفرة واراك ملحودها ببرة الرمس ولا طاهره ومن قولنا في هذا المعنى وسألت بعض موالي السلطان إطلاق محبوس فتلكأ فيه فقلت: حاشا لمثلك أن يفك أسيرا أو أن يكون من الزمان مجيرا لبست قوافي الشعر فيك مدارعاً سوداً وصكت أوجهاً وصدورا علا عطفت برحمة لما دعت ويلاً عليك مدائحي وثبورا لو أن لؤمك عاد جوداً عشره ما كان عندك حاتم مذكورا قال: ومدح ربعة الرقي يزيد بن حاتم الأزدي وهو والي مصر فاستبطأه ربيعة. فشخص عنه من مصر وقال: أراني - ولا كفران الله - راجعاً بخفي حنين من نوال ابن حاتم قال: نعم قال: فهل قلت غير هذا قال: لا والله قال: لترجعن بخفي حنين مملوءة مالاً. فأمر بخلع نعليه وملئت له مالاً. فقال فيه لما عزل عن مصر وولي يزيد بن أسيد السلمي مكانه: بكى أهل مصر بالدموع السواجم غداة غدا منها الأغر ابن حاتم وفيها يقول: لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد سليم والأغر بن حاتم فهم الفتى الأزدي إنفاق ماله وهم الفتى القيسي جمع الدراهم فلا يحسب التمتام أني هجوته ولكنني فضلت أهل المكارم أجود أهل الجاهلية الذين انتهي إليهم الجود في الجاهلية ثلاثة نفر: حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي وهرم بن سنان المري وكعب بن مامة الإيادي. ولكن المضروب به المثل: حاتم وحده وهو القائل لغلامه يسار وكان إذا اشتد البرد وكلب الشتاء أمر غلامه فأوقد ناراً في يفاع من الأرض لينظر إليها من أضل الطريق ليلاً فيصمد نحوه فقال في ذلك: أوقد فإن الليل ليل قر والريح ما موقد ريح صر عسى يرى نارك من يمر إن جلبت ضيفاً فأنت حر ومر حاتم في سفره على عنزة وفيهم أسير. فاستغاث بحاتم ولم يحضره فكاكه فاشتراه من العنزيين وأطلقه وأقام مكانه في القيد حتى أدى فداءه. وقالوا: لم يكن حاتم ممسكاً شيئاً ما عدا فرسه وسلاحه فإن كان لا يجود بهما. وقالت نوار امرأة حاتم: أصابتنا سنة اقشعرت لها الأرض واغبر أفق السماء وراحت الإبل حدبا حدابير
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
وضنت المراضع على أولادها فما تبض بقطرة وحلقت ألسنة المال وأيقنا بالهلاك. فوالله إنا لفي ليلة صنبر بعيدة ما بين الطرفين إذا تضاغى صبيتنا جوعاً عبد الله وعدي وسفانة فقام حاتم إلى الصبيين وقمت أنا إلى الصبية فوالله ما سكتوا إلا بعد هدأة من الليل وأقبل يعللني بالحديث فعرفت ما يريد فتناومت فلما تهورت النجوم إذا شيء قد رفع كسر البيت ثم عاد فقال: من هذا قالت: إلا عليك يا أبا عدي. فقال. أعجليهم فقد أشبعك الله وإياهم. فأقبلت المرأة تحمل اثنين ويمشي جانبها أربعة كأنها نعامة حولها رئالها. فقام إلى فرسه فوجأ لبته بمدية فخر ثم كشطه عن جلده ودفع المدية إلى المرأة فقال لها: شأنك. فاجتمعنا على اللحم نشوي بالنار ثم جعل يمشي في الحي يأتيهم بيتاً بيتاً فيقول: هبوا أيها القوم عليكم بالنار فاجتمعوا والتفع في ثوبه ناحية ينظر إلينا فلا والله إن ذاق منه مزعه وإنه لأحوج إليه منا فأصبحنا وما على الأرض من الفرس إلا عظم وحافر فأنشأ حاتم يقول: مهلاً نوار أقل اللوم والعذلا ولا تقولي لشيء فات ما فعلا ولا تقولي لمال كنت مهلكه مهلاً وإن كنت أعطى الإنس والخبلا يرى البخيل سبيل المال واحدة إن الجواد يرى في ماله سبلا ورئي حاتم يوماً يضرب ولده لما رآه يضرب كلبة كانت تدل عليه أضيافه وهو يقول: أقول لابني وقد سطت يديه بكلبة لا يزال يلدها تدل ضيفي علي في غلس ال ليل إذا النار نام موقدها ذكرت طبئ عند عدي بن حاتم: أن رجلاً يعرف بأبي الخيبري مر بقبر حاتم فنزل به وجعل ينادي: أبا عدي أقر أضيافك. قال: فيقال له: مهلاً ما تكلم من رمة بالية فقال: إن طيئاً يزعمون أنه لم ينزل به أحد إلا قراه كالمستهزئ. فلما كان في السحر وثب أبو خيبري يصيح: وا راحلتاه! فقال له أصحابه: ما شأنك قال: خرج والله حاتم بالسيف حتى عقر ناقتي وأنا أنظر إليها. فتأملوا راحلته فإذا هي لا تنبعث فقالوا: قد والله أقراك. فنحروها وظلوا يأكلون من لحمها ثم أردفوه وانطلقوا. فبينما هم في مسيرهم إذ طلع عليهم عدي بن حاتم ومعه جمل قد قرنه ببعيره فقال: إن حاتماً جاء في النوم فذكر لي قولك وأنه أقراك وأصحابك راحلتك وقال لي أبياتاً رددها علي حتى حفظتها وهي: أبا الخيبري وأنت امرؤ حسود العشيرة شتامها فماذا أردت إلى رمة بداوية صخب هامها أتبغي أذاها وإعسارها وحولك غوث وأنعامها وإنا لنطعم أضيافنا من الكوم بالسيف نعتامها وأمرني بدفع راحلة عوض راحلتك فخذها فأخذها أماوي قد طال التجنب والهجر وقد عذرتنا عن طلابكم العذر أماوي إن المال غاد ورائح ويبقى من المال الأحاديث والذكر أماوي إما مانع فمبين وإما عطاء لا ينهنهه الزجر أماوي إني لا أقول لسائل إذا جاء يوماً حل في مالي النذر أماوي ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر أماوي إن يصبح صداي بقفرة من الأرض لا ماء لدي ولا خمر تري أن ما أنفقت لم يك ضرني وأن يدي مما بخلت به صفر إذا أنا دلاني الذين يلونني بمظلمة لج جوانبها غبر وراحوا سراعاً ينفضون أكفهم يقولون قد أدمى أظافرنا الحفر أماوي إن المال مال بذلته فأوله سكر وآخره ذكر وقد يعلم الأقوام لو أن حاتماً أراد ثراء المال كان له وفر فإن وجدي رب واحد أمه أجرت فلا قتل عليه ولا أسر وأما هرم بن سنان فهو صاحب زهير الذي يقول فيه: متى تلاق على علاته هرماً تلق السماحة في خلق وفي خلق وكان سنان أبو هرم سيد غطفان وماتت أمه وهي حامل به وقالت: إذا أنا مت فشقوا بطني فإن سيد غطفان فيه. فلما ماتت شقوا بطنها فاستخرجوا منه سناناً. وفي بني سنان يقول زهير: قوم أبوهم سنان حين تنبسهم طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا لو كان يقعد فوق الشمس من كرم قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا جن إذا فزعوا إنس إذا أمنوا مرزءون بهاليل إذا قصدوا محسدون على كان من نعم لا ينزع الله منهم ما له حسدوا وقال زهير في هرم بن سنان: وأبيض فياض يداه غمامة على معتفيه ما تغب نوائله تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله أخور ثقة لا تتلف الخمر ماله ولكنه قد يتلف المال نائله أخذ الحسن بن هانئ هذا المعنى فقال: وقال زهير في هرم بن سنان وأهل بيته: إليك أعملتها فتلا مرافقها شهرين يجهض من أرحامها العلق حتى دفعن إلى حلو شمائله كالغيث ينبت في آثاره الورق من أهل بيت برى ذو العرش فضلهم يبنى لهم في جنان الخلد مرتفق المطعمون إذا ما أزمة أزمت
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
والطيبون ثياباً كلما عرقوا كأن آخرهم في الجود أولهم إن الشمائل والأخلاق تتفق إن قامروا أو فاخروا فخروا أو ناضلوا نضلوا أو سابقوا سبقوا تنافس الأرض موتاهم إذا دفنوا كما تنوفس عند الباعة الورق وقال فيهم أيضاً: وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها القول والفعل على مكثريهم حق من يعتفيهم وعند المقلين السماحة والبذل فما كان من خير ألوه فإنما توارثه آباء آبائهم قبل وهل ينبت الخطى إلا وشيجه وتغرس إلا في منابتها النخل وله يقول حبيب: يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقص غاية الجود وله ولحاتم الطائي يقول: كعب وحاتم اللدان تقسما خطط العلا من طارف وتليد هذا الذي خلف السجاب ومات ذا في المجد ميتة خضرم صنديد إلا يكن فيها الشهيد فقومه لا يسمحون به بألف شهيد أجواد أهل الإسلام وأما أجواد أهل الإسلام فأحد عشر رجلاً في عصر واحد لم يكن قبلهم ولا بعدهم مثلهم. فأجواد الحجاز ثلاثة في عصر واحد: عبيد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر وسعيد بن العاص. وأجواد البصرة خمسة في عصر واحد وهم: عبد الله بن عامر بن كريز وعبيد الله بن أبي بكرة مولى رسول الله (ص) ومسلم بن زيادة وعبيد الله بن معمر القرشي ثم التمي وطلحة الطلحات وهو طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي وله يقول الشاعر يرثيه ومات بسجستان وهو وال عليها: نضر الله أعظماً دفنوها بسجستان طلحة الطلحات وأجواد أهل الكوفة ثلاثة في عصر واحد وهم: عتاب بن ورقاء الرياحي وأسماء بن خارجة الفزاري وعكرمة بن ربعي الفياض. جود عبيد الله بن عباس أنه أول من فطر جيرانه وأول من وضع الموائد على الطرق وأول من حيا على طعامه وأول وفي السنة الشهباء أطعمت حامضاً وحلواً ولحماً تامكا وممزعا وأنت ربيع لليتامى وعصمة إذ المحل من جو السماء تطلعا أبوك أبو الفضل الذي كان رحمة وغوثاً ونوراً للخلائق أجمعا ومن جوده: أنه أتاه رجل وهو بفناء داره فقام بين يديه فقال: يا بن عباس إن لي عندك يداً وقد احتجت إليها. فصعد فيه بصره وصوبه فلم يعرفه ثم قال له: ما يدك عندنا قال رأيتك واقفاً بزمزم وغلامك يمتح لك من مائها والشمس قد صهرتك فظللتك بطرف كسائي حتى شربت قال: إني لأذكر ذلك وإنه يتردد بين خاطري وفكري ثم قال لقيمه: ما عندك قال: مائتا دينار وعشرة آلاف درهم قال فادفعها إليه وما أراها تفي بحق يده عندنا. فقال له الرجل: والله لو لم يكن لإسماعيل ولد غيرك لكان فيه ما كفاه فكيف وقد ولد سيد الأولين والآخرين محمداً (ص) ثم شفعه بك وبأبيك. ومن جوده أيضاً: أن معاوية حبس عن الحسين بن علي صلاته حتى ضاقت عليه حاله. فقيل له: لو وجهت إلى ابن عمك عبيد الله فإن قد قدم بنحو من ألف ألف درهم. فقال الحسين: وأين تقع ألف ألف من عبيد الله فوالله لهو أجود من الريح إذا عصفت وأسخى من البحر إذا زخر. ثم وجه إليه مع رسوله بكتاب ذكر فيه حبس معاوية عنه صلاته وضيق حاله وأنه يحتاج إلى مائة ألف درهم. فلما قرأ عبيد الله كتابه وكان من أرق الناس قلباً وألينهم عطفاً انهملت عيناه ثم قال: ويلك يا معاوية مما اجترحت يداك من الإثم أصبحت حين لين المهاد رفيع العماد والحسين يشكو ضيق الحال وكثرة العيال ثم قال لقهرمانه: احمل إلى الحسين نصف ما أملكه من فض وذهب وثوب ودابة وأخبره أني شاطرته مالي فإن أقنعه ذلك وإلا فارجع واحمل إليه الشطر الآخر فقال له القيم: فهذه المؤن التي عليك من أين تقوم بها قال: إذا بلغنا ذلك دللتك على أمر يقيم حالك. فلما أتى الرسول برسالته إلى الحسين قال: إنا الله حملت والله على ابن عمي وما حسبته يتسع لنا بهذا كله فأخذ الشطر من ماله. وهو أول من فعل ذلك في الإسلام. ومن جوده: أن معاوية بن أبي سفيان أهدى إليه وهو عنده بالشام من هدايا النيروز حللاً كثيرة ومسكاً وآنية من ذهب وفضة ووجهها مع حاجبه فلما وضعها بين يديه نظر إلى الحاجب وهو ينظر إليها فقال: هل في نفسك منها شيء قال: نعم والله إن في نفسي منها ما كان في نفس يعقوب من يوسف عليهما السلام فضحك عبيد الله وقال: فشأنك بها فهي لك. قال: جعلت فداك أخاف أن يبلغ ذلك معاوية فيجد علي. قال: فاختمها بخاتمك وادفعها إلى الخازن فإذا حان خروجنا حملها إليك ليلاً. فقال الحاجب: والله لهذه الحيلة في الكرم أكثر من الكرم ولوددت أني لا أموت حتى أراك مكانه - يعني
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)