فى جميع الآيات القرآنية التى تحدثت عن القتال – سواء عن
الإذن به، أو الوجوب له، أو التحريض عليه كان التشريع والشرعية للقتال خاصاً بمن يفتن المسلمين فى دينهم- والفتنة أكبر من القتل- وبمن يخرج المسلمين من ديارهم [أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله]- الحج: 39،40-.. [كُتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهو شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون. يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل] – البقرة: 216 – 217.
لقد وضع الإسلام للحرب آدابًا ومعايير، منها أن يكون رد العدوان بمثل ما حدث به العدوان، وذلك حتى لا يستبيح الناس فى الحرب غير المباح، ولأن الحرب – فى الرؤية الإسلامية – هى جراحات استثنائية، يجب الوقوف فى آلياتها ومقاصدها ونطاقها عند المداواة للداء الذى فرضها، دون الآليات والمقاصد التى توسع أبوابها فتحول الداء إلى أدواء.. ولذلك، جاء فى القرآن الكريم عن هذه الضوابط [الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين] البقرة: 194.
والأصل فى القتال هو مقاتلة المقاتلين من الأعداء المعتدين، وليس قتال ولا قتل النساء والأطفال وعموم غير المقاتلين.
وعن هذه الشمائل للفروسية الإسلامية تحدثت وصايا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ووصايا الخلفاء الراشدين للجيوش والسرايا والبعوث القتالية: "لاتقتلوا شيخًا، ولا امرأة، ولا صبيًا ولا عابدًا أو راهبًا فى صومعته". بل وتحدثت هذه الشمائل وآداب الفروسية الإسلامية عن الاحترام والرفق والحفاظ على الحيوانات والنباتات، فدعت إلى عدم قطع الأشجار أو ذبح الحيوانات إلا لضرورة الطعام.
وفى هذه الشمائل سبق الإسلام المعاهدات الدولية – مثل معاهدة "جنيف" لسنة 949م- التى تحرم قتل المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، أثناء الحروب.
وحتى فى الأسرى، يميز الإسلام بين المقاتلين وغير المقاتلين. فيجعل الأسرى فقط للمقاتلين للمسلمين إذا ظفر بهم المسلمون أحياء، بينما يعد النساء والأطفال "سبايا" – بلغة وقواعد التاريخ القديم- .. وهذا التمييز تظهر آثاره فى أن المقاتلين يجب أسرهم، بينما غير المقاتلين – وخاصة النساء والأطفال – لا يجوز أسرهم – فى بعض المذاهب الإسلامية – طالما لا يخشى المسلمون ضررًا من تركهم أحرارًا…
وإذا كان أسرى الحروب – المقاتلون – تتم تصفية أوضاعهم عند انتهاء الحروب، وفق المعاملة بالمثل بين الفرقاء المتحاربين، فلقد وضع القرآن لذلك قاعدة ؛ قال تعالى :ـ[فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منًا بعد وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها] – محمد: 4 - ..
فإن من باب أولى تصفية أوضاع من يقعون فى أيدى المسلمين من النساء والأطفال وفق المعاملة بالمثل … مع تحريم قتلهم فى كل الحالات لأن الإسلام يحرم قتل غير المقاتلين، ولا يجيز قتل المقاتلين إلا لضرورة القتال، وفى أثناء هذا القتال، وفى القتال المشروع، وليس فى أى قتال .
وإذا كانت الحروب الحديثة، بأسلحتها التى تعمم القتل والدمار، لم تعد تميز- فى الكثير من الأحيان – بين المقاتلين وغير المقاتلين، ولا بين الكبار والصغار، ولا بين الرجال والنساء، بل ولا بين الأهداف العسكرية والمدنية بما فيها المستشفيات ودور العبادة – فإن المعاهدات الدولية، التى تحرم وتجرم قتل المدنيين، واستهداف الأهداف المدنية، متمشية تمامًا مع مقاصد الإسلام فى هذا الموضوع.
والله أعلم .
متـــــــــى
الزفاف ياعروس الربيع
مشكور حبيب
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)