بصرى: (بوسترا اللاتينية، بوسورا اليونانية): تسمى أيضاً بصرى الشام. هي مدينة أثرية تقع في جنوب سوريا، على بعد 108 كم إلى الجنوب من دمشق. أنشأت المدينة من قبل الأنباط، احتلها الرومان وأصبحت عاصمة مقاطعة الجزيرة العربية في الإمبراطورية الرومانية، وكانت حصناً رومانياً منيعاً في منطقة شرق الأردن. ازدهرت المدينة في حكم الإمبراطور فيليب الأول (فيليب العربي) المولود في بصرى. أصبحت مركزاً مسيحياً هاماً في القرن الرابع للميلاد، ويقال أن النبي محمد (ص) مر فيها خلال أسفاره التجارية بين مكة والشام، حيث تنبأ راهب مسيحي يدعى بحيرا بنبوته. احتل العرب المسلمون بصرى عام 634، وسقطت بيد الصليبيين لفترة قصيرة في القرن الثاني عشر. شهدت المدينة تراجعاً كبيراً بعد ذلك بعد أن تعرضت لعدد من الزلازل وبعد أن خضعت لسيطرة الأتراك
العثمانيين. أهم آثار المدينة مدرج بصرى المسرحي الروماني، حيث يقام مهرجان فني سنوي. كما تضم المدينة كنائس ومعابد ومسارح ومساجد وكاتدرائية كبيرة تعود إلى القرن الثالث عشر.
من منا لم يزر مدرج بصرى ولم تسحره إطلالته الرائعة التي تختصر أزمنة وحضارات، ففي جلال وصمت تربض الأوابد التاريخية التي شهدت تاريخا عريقا من البطولات والمآثر التاريخية. تلك الأوابد العظيمة التي ما هزتها المعارك المتتالية وغضب الطبيعة عبر التاريخ، وبقيت منتصبة تعلن تحديها لكل عوامل الزمن. بصرى التي تشهد تعدد أجناس واديان المتعاقبين على سكناها ترى ماذا ستقول قلعتها؟ وأي أسرار يمكنها أن تبوح بها لو نطقت حجارتها السوداء؟
بصرى مدينة الحكايات والأسرار والحمامات الفريدة من نوعها صمتها يحدث الزائرين عن تاريخها المشرق وحاضرها الذي جعلها منارة السياحة العالمية وقبلة الدارسين والباحثين ولا زالت سراديب وأقبية قلعته الشهيرة مثار فضول لكل زائر وسائح.
بصرى ملتقى الحضارات الغابرة كما جاء في كتب التاريخ والدين، تحدثك أوابدها عن حضارات وديانات الشعوب الغابرة والتي تركت آثارها الوثنية والمسيحية والإسلامية لتبقى شاهدا حيا على تجاور الأديان والحالة السورية من التآخي التي لطالما تحدثنا عنها في أبجديتنا، وشاهدا على أحداث تاريخية اقتصادية وثقافية ودينية تعود إلى حضارات متعددة (كنعانية، أكادية، امورية، آرامية، نبطية، غسانية، رومانية، وإسلامية). ويستطيع الزائر ملاحظة التجاور الحميم بين الكاتدرائية ودير الراهب بحيرا من جهة، وبين جيرانها الجامع العمري وجامع مبرك الناقة والجامع الفاطمي من جهة أخرى.
ولعل من أهم المعالم التاريخية في مدينة بصرى قلعتها التي تتوسط المدينة بجلال ووقار ترحب بالقادمين من كافة أصقاع العالم لمشاهدتها. تلك القلعة التي تحيط بالمسرح النصف دائري هي عبارة عن تحصينات أيوبية وأبراج عند الزوايا الشمالية الشرقية والشمالية الغربية، وتضم الأسوار العلوية حاليا متحفا, والبرج الشمالي الشرقي, والبرج الجنوبي الغربي ومجموعة فنون شعبية ومقهى ومجموعة من المنحوتات والمخطوطات.
وتستمد بصرى شهرتها من مسرحها العظيم والذي يعتبر الأجمل والأكمل في العالم وهو يقع ضمن القلعة ويتسع لحوالي 15 ألف متفرج، ويعتبر المسرح واحداً من المسارح الهامة في الحقبة الرومانية، وقد أعيد أنشاء جزء كبير منه في العصر الأيوبي.
وقد أبدع مهندسه بالمضاهاة والتماثل في جميع أجزائه التي تستوي جميعها في القياسات وتتفق في الأسلوب والزخرفة.
ولتضخيم الصوت وتقويته فقد اهتم مصمم هذا الصرح بأصول السماعيات اهتماما بالغا، فضبط شكل البناء العام وعمق المسرح وارتفاعه بالنسبة لجلوس المتفرجين وزينوا حنايا المسرح بطبقتين من الأعمدة والرفاريف الكورنثية لتستقبل أصوات الممثلين وتضخمها.
ومن المعروف أن حوران كانت خزان حبوب الإمبراطورية الرومانية، وكانت تعتبر منطقة غنية وقد أشيد فيها العديد من الأوابد العظيمة. ومن المعروف أيضاً أن مدرج بصرى بني بأيدي أبناء المنطقة الذين عرف عنهم مهارتهم بفن البناء، ولكن ربما من غير المعروف أن مهندس هذا الصرح العظيم والذي يتميز حتى عن "الكولوسيو" المدرج الروماني الشهير في روما هو مهندس دمشقي هو "أبولودورو دمشياني" أو أبي الدر الدمشقي، ورغم أننا لم نعثر على مرجع عربي يؤكد هذه المعلومة، إلا أن سكان بصرى وبعض الأدلاء السياحيين والأهم أن كل علماء الأثار الإيطاليين يعرفون "أبولودورو" بل أن البعض يلقبونه بمهندس روما.
أبولودورو باني أول جسر على نهر الدانوب ومهندس عمود تراجان في روما ومخترع هندسة الصوت والضوء في المدرجات، هذه الشخصية العظيمة سنفرد لها بحثاً خاصاً في الاعداد القادمة.
من هنا نتوجه إلى من يصر على القول أن هذه المدرجات هي اختراع روماني، ونطلب منه ان يعيد النظر في معلوماته. فهذه المسارح موجودة قبل الرومان، والقيمة المهمة المتعلقة بهندسة الصوت والضوء تمت من خلال الهندسة السورية وليس الرومانية، وبناء على ذلك أستدعي "أبولودورو" إلى روما لوضع علمه في خدمة الإمبراطورية. من هنا نجد أن هذه المسارح هي اختراع سوري قبل ان يكون اختراع روماني، لا بل أن هذه المسارح قد أسيء استخدامها من قبل الرومان، حيث كانت المكان الذي يقدم فيه الضحايا للوحوش. وكلنا يذكر رفض الملكة زنوبيا ملكة تدمر استعمال مسرح تدمر لأغراض وحشية. حيث ان الرواية تقول أن الملكة زنوبيا استعملته لمرة واحدة لمعاقبة أحد المجرمين وفي لحظة إطلاق الوحوش أطلقت بدلاً عنهم ديك مسالم عادي فضج الحضور بالضحك واعتبرت الملكة آنذاك أن العقاب النفسي الذي ناله المتهم هو كاف لتلقينه الدرس المناسب.
فإذا كان المسرح بني بأيدٍ سورية وبمال أهل المنطقة وبهندسة سورية أفلا يحق لنا أن نقول أن هذا المدرج هو مدرج سوري وان نفخر بأن هذا الصرح هو من نتاج أهل المنطقة؟ هل يمكن أن نكون منصفين مع أنفسنا ونفخر بما صنعه أجدادنا مستلهمين منهم العبر لبناء صروح العمارة والإنسان في وقتنا الحالي!؟ أم ما زلنا نروج لغيرنا وننسى عظمة أبناء هذه الأرض؟
كفى نرجوكم، عودوا إلى انتمائكم الحضاري ولا تبخسوا عظمة هذا الإنتماء، فالإنتماء إلى هذه الأرض الطيبة هو انتماء إلى الإنسانية وليسس إلى عرق أو نسب.
لسنا منغلقين ولسنا من دعاة التفكير بأطر ضيقة أو "بعنصرية" ولكن بنفس الوقت نحن نفخر بما أنتجه هذا الشعب للبشرية. ومن هنا نرى أنه يجب أن نتكلم عن مدرج بصرى على أنه مدرج سوري بني بالحقبة الرومانية، وبذلك ننصف أجدادنا الذي بذلوا المال والجهد والعلم لإنشاء مثل هذه الصروح، ونعزز ثقتنا بتاريخ وقدرة هذا الوطن الغالي.
إنها دعوة للتفكير بطريقة مختلفة بأوابدنا وبتاريخنا، ونحن بهذا نقبل النقد الموضوعي والعلمي، لعلنا بعد جولة التفكير هذه، نعيد النظر بما نملك ونبدأ بفهم وترويج تاريخنا لأنفسنا أولاً، لأن هذا هو الأهم وبعد ذلك يأتي الترويج لهذا التاريخ وهذه الأوابد للسياح الأجانب/QUOTE]
التعديل الأخير تم بواسطة رامون ; 06-25-2010 الساعة 10:41 PM
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)