بعد افلام الرعب الليبية على طريقة سيف الاسلام القذافي، التي هددت بأنهار من الدم، جاءتنا د. بثينة شعبان (المستشارة الاعلامية والسياسية للرئيس السوري) من بلد الدراما السورية الراقية بعرض متهافت قلّ نظيره، ورغم عجلته الواضحة المقصود منها ايقاف حركة الشارع بسرعة، من خلال رش سكر على الموت الذي ظلل سماء منطقة حوران فانه لم يستبعد، في معناه الحقيقي، الحل الدموي اياه.
لم تصف شعبان المتظاهرين بالجرذان وعناصر القاعدة (تكفلت بذلك جهات اعلامية/مخابراتية اخرى، اتهمتهم بالانتماء لتنظيمين مقربين من القاعدة: جند الشام وفتح الاسلام، قبل ان ينفتح قوس الاتهامات ليضم 'مندسين' من مصر والاردن وفلسطين!) لكنها من جهة أخرى قالت ان 'هناك أدلة على وجود تمويل خارجي واياد خارجية'، وهذا يعني بالمقاييس السورية المعتادة أحكاما مجانية بالاعدام.
وحين ذكرت ان قيادة حزب البعث (ولا نفهم لماذا تم استخدام اسم حزب البعث في هذا الموضوع، وهو جزء من قضية الحريات واقصاء الآخرين التي تعاني منها سورية) قررت تشكيل 'لجنة للاتصال بالمواطنين في درعا' فقد قالت من ناحية اخرى ان تحقيقات تجري حاليا و'سيتم الكشف عن نتائجها ومحاسبة المسؤولين'، ولا نعلم ان كان المقصود بكلمة المسؤولين امثالها من المسؤولين، ام انهم الأشباح و'العصابات المسلحة' و'المندسون' الذين تمت نسبة القتل اليهم، وكان ضحاياهم كما يبدو من قوات الأمن والشرطة فحسب.
بعد حمام الدم الذي شهدته درعا وقراها (وما زالت تشهده حتى وقت كتابة هذه السطور)، تبدو سلسلة الوعود الجميلة التي اطلقتها المستشارة (مع التهديدات المبطنة التي تحملها) مثل قطعة جبن موضوعة في مصيدة للفئران، وهو ما يعيدنا، مجددا للأسف، الى تخيل سيناريو مرعب لما يجري في سورية.
ذكرت المستشارة ايضا الحجة الأبدية (التي صارت سوطا للتعذيب من كثرة ما اسيء استخدامها): سورية مستهدفة.
ولا نظن ان المستشارة تقصد بسورية الا القيادة السورية التي تنطق باسمها، ولا تقصد بالتأكيد الشعب السوري، بل ان هذه الحجة استخدمت دائما 'لسد بوز' اي مطالب شعبية، باعتبارها، اي المطالب، تصبّ في 'استهداف سورية'.
بعد البيان الصحافي للمستشارة، ومن دون طلب منها للجمهور بأن 'يرقصوا ويغنوا' انطلقت مسيرات محميّة بسيارات الأمن تشبه عراضات مسلسل باب الحارة، في قلب مدينة درعا، حسبما قال التلفزيون الرسمي السوري، في استهتار فظيع بحرمة الدم المسفوك في جامعها العمري وشوارعها وقراها.
امتدّت هذه العراضات الى دمشق وباقي المحافظات، والتي تألفت، كما ذكر شهود عيان، من موظفين تم اجبارهم على الخروج في هذه المسيرات، او من 'الشبّيحة'، الذين يتجولون بسياراتهم فاتحين العنان لزماميرها (والبعض منهم كانوا مسلحين) في شكل من اشكال الارهاب والتخويف لمن يجرؤ على النزول الى الشارع.
التصريحات والوعود لا تدلّ ابدا على قراءة منطقية للقيادة السورية لما يجري في سورية وفي العالم العربي ككل، فوقت تقديمها وطريقة تقديمها، كما طريقة الاحتفاء الهمجي بها، كلها أرسلت الاشارات الخاطئة الى الشعب السوري، فعاد للانتفاض مجددا، فاتحا قوس الأزمة السورية على مصاريعها.
الأهم في ما ذكرته شعبان كان قولها ان الرئيس السوري امر بعدم اطلاق الرصاص على المحتجين، وكان ان سقط في اليوم التالي عدد كبير من القتلى والجرحى، ليس في درعا وقراها وحدها، بل في محافظات سورية اخرى عديدة، وهو ما أسقط مصداقية شعبان تماما، فقد جعلت الرئيس كاذبا او أن اوامره لا يتم تنفيذها.
كل ما تقوله بثينة شعبان بدا تهريجا مفتعلا لكنه تهريج مرعب مخطوط بالدم.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)