* فهد توفيق الهندال
المؤامرة والحوار، هما في الأصل قطبا جدلية مزمنة، يطرحها المثقفون والعقلاء من العرب، حول طبيعة العلاقة ما بين الشرق والغرب. ولعل السبب وراء تفضيل المؤامرة على الصراع، لكون الأخير – الصراع – حالة لا تكون إلا بين اثنين متساويين. أمّا المؤامرة، فهي بين مختلفين، قد تكون من جانب الكبير على الصغير، أو من جانب الصغير على الكبير، لتفاوت الإمكانيات، والقدرات، وإختلاف الموازين بينهما. لهذا كانت نظرة الشرق للغرب، والغرب للشرق.
وإذا ما وضعنا المجهر، على المثقفين العرب. فإنّنا سنكون أمام فريقين متضادين، في تصوّرهم لطبيعة العلاقة مع الغرب. هل هي قضية مواجهة للمؤامرة؟ أم هي قضية حوار وتواصل؟
في كتاب (الحداثة والخطاب الحداثي)، يؤكيد منير شفيق بشدة نظرية المؤامرة. بل إنّه قد هاجم كل مَنْ يعترض لها بالنقد أو التهكم، لكونه يرى الرافضين لها، هم أولئك الغافلين عن المؤثرات الخارجية، من قوى إستعمارية مختلفة، أو أنّهم مؤمنون فقط بأخطاء الذات والداخل. وهذا يعني أنّه يرفض فكرة تحمل الأخطاء، ووجود الجهل – ولو الضئيل – في مفهومنا الثقافي لفكرة الحوار والتفاهم مع الحضارات الأخرى.
ليقول في ذلك:
(وقد ذهب البعض تحت يافطة رفض نظرية المؤامرة، أو التهكم عليها إلى أن يرفضوا كل ما يقال عن وجود امبريالية أو استراتيجية صهيونية، أو مراكز قوى، أو أحلاف، أو دول شمال تتحكّم بالنظام الإقتصادي العالمي، أو بعولمة زاحفة تحمل للشعوب الضعيفة أخطاراً. لأن كل ما نعاني منه، برأيهم هو من صنع أيدينا ومن فعل تخلفنا وجهلنا فقط).
من هذا القول، نتيقن بعض مصادر نظرية المؤامرة، عند فريق من المثقفين العرب. منها فكرة الإستعمار القديم التي ما تزال تردد بصورتها الأسطورية حتى يومنا هذا. على الرغم من أن شفيق، ألبستها حللا جديدة، كالإقتصاد العالمي والعولمة. وبإعتقادي، هذه الآراء ما هي إلا مكملة لنظرية المؤامرة التي نتنفسها يومياً، إلى درجة الإختناق منها. متجاهلين العدو الحقيقي، والداخلي في أعماقنا. والمتمثّل في رفض الحوار، من الهروب من النقص الفكري الذي نعيشه، مما جعل نظرية المؤامرة أكثر إزدهاراً من غيرها، في سماء الثقافة العربية المعاصرة.
لهذا يراها عبدالإله بلقزيز في كتابه (نهاية الداعية)، نتيجة طبيعية للخوف من الآخر، إلى درجة العجز عن الإبداع والإنتاج: (وليس من شك في أن فكرة المؤامرة – الرهابية قذفت بالوعي العربي إلى منزع سلبي تواكلي وقدري، أسقط بعد الفعالية والإيجابية فيه، وجرده من الشعور بالثقة الذاتية، الذي يفترض فيه، أن يزوده بالطاقة اللازمة للإنتاج).
وهكذا تبقى الثقافة العربية، أسيرة منظور الإستعمار الغربي القديم، الذي يعتقد به بعض المثقفين العرب القدماء أو الجامدين. دون أن نحّرك ساكناً لمواجهة تحدّياته الحداثية، بما نملكه من فكر متجدّد، دعا إليه صفوة من الكتاب والمثقفين والعلماء المجدّدين، بأن نتواصل مع حضارة الغرب، بثقافة جديدة، لحضارة عريقة.
إلا أن كاتباً مثل نضال عبدالقادر الصالح، يشدد في كتابه (هموم مسلم – التفكير بدلاً من التفكير) على أن أكبر العقبات التي كانت تواجه الجالية المسلمة في الخارج، هو الخطاب المسيحي الأصولي المتعصِّب والكلّياني لمجموعات من المسلمين المقيمين بالخارج. ليقع المثقف العربي والإسلامي بين فكي كماشة ضارية، يجهد ويتعب العقل في مواجهتهما.
لهذا، فإنّ التواصل مع الحضارة الغربية لا يكون إلا بالحوار معها. وقبل هذا كلّه، الحوار مع أنفسنا أولاً، واصلاح ذاتنا مع ثقافتنا. فرفض الحوار مع الآخر، ما هو إلا هروب من الواقع الثقافي الذي نعيشه، وما يعتريه من نقص وهبوط، واحلال ثقافة السلطة والثقافة الجماهيرية، محل الثقافة الشاملة الواعية، بما فيها الثقافة المتعدّدة.
لنؤكّد أنّ الحقيقة المطلقة، ليس ملكاً لأحد على الأرض. وما رفض الرأي الآخر، ومحاولة عزله وإزاحته، إلا محاولة يائسة من المتشدقين بأذيال الخطاب الشرقي القديم.
المصدر: كتاب الفكر والحجر (تأمّلات ذاتية في مدارات الهوية)
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)