السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

أخوتي وأخواتي أقدم لكم اليوم الجزء الثاني من قصة وسام والتي سبق وأن قرأتم الجزء الأول منها والتي كانت تحمل عنوان ( وسام الطفل الكبير ) , واليوم فضل بطل قصتنا وسام أن يحكي لكم أحداث قصته بلسانه وأختار لهذا الجزء عنوان ( وسام والعالم السفلي ) .....

أدعكم الآن مع وسام والجزء الثاني من قصته

.................................................. .............





تنهد وسام و أكمل حديثه الذي كان قد بدأه :
أجبرني أهلي على ترك المدرسة والعمل في إحدى المناطق الصناعية المشهورة بصيانة السيارات الكبيرة والصغيرة
كنت أستيقظ كل يوم من الصباح الباكر و أبدأ بالذهاب إلى المخبز القريب من منزلي لشراء ربطتين من الخبز الطازج , وطالما تذمرت من هذا الروتين اليومي الذي فرضه عليه والدي لأنه كلما كنت سأله أن يشتري الخبز عن يومين أو أكثر كان رده قاسياً حيث كان يجيبني بنبرة الموبخ ( ليش أنت أش شغلتك رح تنقص شبر يعني إذا نزلت هالكم درجة ورحت جبت خبز وجيت ولا أنت أكبر من هيك ) طبعا هذه الدرجات التي تحدث عنها والدي هي عبارة عن ثمانون درجة أو أكثر لأن منزلنا كان في الطابق الرابع من العمارة

و كل يوم يتوجب علي أن أعدها صعودا ونزولاً أكثر من مرة وخاصة في حال نسيت والدتي أنه قد نفذ السكر أو الشاي أو .. أو .. أو

وكل هذا لأن أبي لا يغادر المنزل في كل يوم إلا بعد أن يملأ بطنه برغيف ساخن و كأس كبير من الشاي و بضعة حبات من الزيتون والعطون الذي تعده أمي والتي كانت فنانة بتحضير هذا النوع من الوجبات وخاصة وجبة الفطور

أتناول الإفطار مع والدي ومن ثم آخذ الزوادة التي أعدتها لي والدتي وهي عبارة عن رغيف أو اثنين وضع عليها قليلا من دبس البندورة أو الزعتر الذي أدمنته بحكم أن هاتين المادتين إن صح التعبير هما الغذاء الوحيد الذي أقتاته كل يوم

بعدها أنطلقً إلى المكان الذي أستقل فيه ( السرفيس )الذي يقلني إلى مكان عملي الذي يبعد عن المدينة خمسة كيلو مترات على الأقل و أمشي منها نصف المسافة على قدمي لأن المركبات لا تصل إلى المكان الذي أعمل فيه وطبعا كل هذا لا يعترف به الصانع الذي يعتبر معلما بالنسية لي لأنه وبكل بساطة أكبر مني وأقدم مني عند المعلم أبو محمد صاحب الورشة التي تعمل بمجال (كبس كوليات الفرام) للسيارات الكبيرة

أصل كعادتي متأخراً عن الموعد المحدد بضع دقائق ويبدأ الصانع جاسم بتوجيه سيلاً من الكلام الموبخ ولا يخلو الأمر من بضعة شتائم يتلفظها ذلك الصانع بحقي , فأطأطئ رأسي وأضطر للبقاء واقفاً أمام جاسم لحين فراغه من محاضرته التي تعودت على سماعها كل يوم غير قادر على الانصراف من أمامه لأن جاسم بيك يشعر بالإهانة في حال انصرفت وأدرت له ظهري ويعتبر أنني لا أعير لكلامه إي اهتمام

بعد ذلك أبدأ بالقيام بالأعمال الموكلة إلي من تنظيف الورشة إلى كنسها ولا أنسى أبداً أبريق الشاي أو بالأحرى برميل الشاي الذي أضع فيه ما يقارب كيلو من السكر لجاسم بيك لأنه تعود على شربه هكذا وطبعا يتوجب علي أن أتوجه إلى المطعم القريب الذي يبيع البسكويت الحلوة طبعاً ريثما يختمر أبريق الشاي وأقدمهم سوياً لجاسم بيك



بعد أن أنتهي من شرب الشاي التي سكبتها دون أن يدري جاسم واضعاً بكأسي الصغير قبل أن أخلط السكر في الإبريق ولأنني أنا أيضا لي مزاج في شرب الشاي فأنا لا أحب السكر الزائد


أنطلق مع جاسم لعالمه السفلي , وأقصد هنا بالعالم السفلي العالم الموجود تحت السيارات الكبيرة .فأحمل الحقيبة التي يوضع فيها كافة مفاتيح الشق والفنجان والبراغي والصمن والكثير من الأشياء التي لم أكن أعرف أسمائها بعد ولكن جاسم يدلني عليها , أبقى خلف جاسم وبالكاد أقوى على حمل هذه الحقيبة الممتلئة بالعديد من تلك الأشياء التي أخبرتكم عنها حتى أصل إلى السيارة التي تشكو من ألم أو مرض في أحدى عجلاتها وينزل جاسم تحتها أتبعه بحقيبتي الثقيلة ويبدأ جاسم بالمعاينة والفحص و أنا جالس بجانبه تارة أنظر إليه وإلى ما يفعل وتارة ألهو مع نملة كانت تمر بجانبي حاملة معها كسرة خبز أو قطعة من مخلفات شيء من الأطعمة أو البسكويت أو حبة بزر , وتارة أسرح بمخيلتي وأبدأ بالتقاط عود من الأرض الترابية التي أجلس عليها وأرسم نهراً طويلاً ينبع من بين الجبال وعلى ضفافه غابة كثيفة الأشجار يتوسطها جسر صغير يصل بين ضفتي هذا النهر وأبدأ أتفنن برسم الطيور التي تحلق في سماء هذه الغابة وأرسم شمساً في وقت الغروب نصفها ظاهر يبعث بالدفء والنور ليحيط الغابة بأكملها ونصفها الآخر كان قد اختبأ خلف الجبل مودعاً يوما طويلا


لكن جاسم يأبى أن يتركني لأهنئ بحلم اليقظة ويقاطع شرودي بصرخة وربما صفعة على وجهي ( هات مفتاح 14 – 15 يا غبي ) وبالفعل أعطيه ذلك المفتاح وأعود لأكمل ما خربته بيدي خوفاً من سخرية جاسم مني حين يرى ما فعلته أو ضربه لي لأنه سبق وفعلها حين شاهدني وأنا أرسم منزلا وقال لي ( أنا جايبك لحتى تتعلم ولا لحتى ترسم و تاكل هوا , انتبه علي واتعلم اش عمساوي ) وأعود لأرسم و أخرب , أبني وأهدم , وأحلم . و هكذا حتى تبشرني الشمس بالفرج وتقول لي ها أنا ذاهبة وأنت أذهب وحضر نفسك للذهاب لغطائك الحنون لتحكي له ما حصل معك اليوم مثل كل يوم


وبالفعل أذهب إلى القدر المملوء بالمازوت وأبدأ بغسل يدي و سواعدي وأحياناً وجهي لأن طبيعة عملي تفرض علي التعامل مع الزيوت والشحوم وأفضل مزيل لهذه الأشياء هو المازوت , بعد أن أغسل تلك البقع المزروعة على يدي وسواعدي ووجنتي بالمازوت أبدأ بغسلها بالماء والصابون ولكن أبو محمد معلمي سيذهب ولن ينتظرني أكثر و طريقه على طريق منزلي ويا محلى التوصيلة المجانية حيث أنني حينها سأوفر خمس ليرات ولن أدفعها أجرة المركبة بل سأشتري بها قطعة حلوى أو كازوزة أو ربما أضعها في الحصالة التي أدخر فيها أموالي لأشتري لنفسي الدراجة الهوائية التي أحلم بها طيلة حياتي والتي تعدني بها والدتي منذ أن كنت في الصف الأول على أن تشتريها لي في حال نجحت للصف الثاني ثم الثالث والرابع وهكذا دون أن تفي بوعدها وذلك بحجة أنها تخاف علي وخاصة أنني أبنها الكبير الذي تحبه كثيراً

أركب بجانب أبو محمد في سيارته وآثار المازوت لا تزال على جسدي , لأصل إلى منزلي فتستقبلني والدتي بنظرة لا تخلو من الشفقة على حال هذا الطفل الذي لم يعش شيئاً من طفولته وربما ستحاسب يوم القيامة على حرمانه منها هي ووالدي , أستحم وأتناول طعام العشاء بمفردي لأنه يتوجب علي الخلود للنوم باكراً لكي أستيقظ باكراً عسى ولعل أن أصل في اليوم التالي إلى عملي في الوقت المحدد وأوفر على جاسم عناء إلقاء تلك المحاضرة , و لهدف أهم هو أنني أمتلك الكثير من الأشياء التي أود أن أقولها لغطائي الحنون وأبكي تحته كثيراً حين أحكي له عن الغابة التي لم أكمل رسمها وأضحك حين أخبره أنني وفرت خمس ليرات اليوم بعد أن استغليت توصيلة أبو محمد لي










إلى اللقاء مع جزء آخر مع وسام .... أخوكم تاجر السعادة