من كره من الملوك تقبيل اليد
العتبي قال: دخل رجل على هشام بن عبد الملك فقبل يده فقال: أف له إن العرب ما قبلت الأيدي إلا هلوعاً ولا فعلته العجم إلا خضوعاً. واستأذن رجل المأمون في تقبيل يده فقال له: إن قبلة اليد من المسلم ذلة ومن الذمي خديعة ولا حاجة بك أن تذل ولا بنا أن نخدع. واستأذن أبو دلامة الشاعر المهدي في تقبيل يده فقال: أما هذه فدعها قال: ما منعت عيالي شيئاً أيسر فقداً عليهم من هذه. قال هارون الرشيد لمعن بن زائدة: كيف زمانك يا معن قال: يا أمير المؤمنين أنت الزمان فإن أصلحت صلح الزمان وإن فسدت فسد الزمان. وهذا نظير قول سعيد بن سلم وقد قال له أمير المؤمنين الرشيد: من بيت قيس في الجاهلية قال: يا أمير المؤمنين بنو فزارة قال: فمن بيتهم في الإسلام قال: يا أمير المؤمنين الشريف من شرفتموه قال: صدقت أنت وقومك. ودخل معن بن زائدة على أبي جعفر فقال له: كبرت يا معن قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين قال: وإنك لجلد قال: على أعدائك يا أمير المؤمنين قال وإن فيك لبقية قال: هي لك يا أمير المؤمنين قال أي الدولتين أحب إليك أو أبغض أدولتنا أم دولة بني أمية قال: ذلك إليك يا أمير المؤمنين وإن زاد برك على برهم كانت دولتك أحب إلي وإن زاد برهم على برك كانت دولتهم أحب إلي قال: صدقت. قال هارون الرشيد لعبد الملك بن صالح: أهذا منزلك قال: هو لأمير المؤمنين ولي به قال: كيف ماؤه قال: أطيب ماء قال: فكيف هواءه قال: أصح هواء. وقال أبو جعفر المنصور لجرير بن يزيد: إنك أردتك لأمر قال: يا أمير المؤمنين قد أعد الله لك مني قلباً معقوداً بطاعتك ورأياً موصولاً بنصيحتك وسيفاً مشهوراً على عدوك فإذا شئت وقال المأمون لطاهر بن الحسين: صف لي ابنك عبد الله قال: يا أمير المؤمنين إن مدحته عبته وإن ذممته اغتبته ولكنه قدح في كف مثقف ليوم نضال في خدمة أمير المؤمنين. وأمر بعض الخلفاء رجلاً بأمر فقال: أنا أطوع من الرداء وأذل لك من الحذاء. وهذا قاله الحسن بن وهب لمحمد بن عبد الملك الزيات. وقال آخر: أطوع لك من يدك وأذل لك من نعالك وقال المنصور لمسلم بن قتيبة: ما ترى في قتل أبي مسلم قال: " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ". قال: حسبك أبا أمية. وقال المأمون ليزيد بن مزيد: ما أكثر الخلفاء في ربيعة قال: بلى ولكن منابرهم الجذوع. وقال المنصور لإسحاق بن مسلم: أفرطت في وفائك لبني أمية قال: يا أمير المؤمنين إنه من وفىّ لمن لا يرجى كان لمن يرجى أوفى. وقال هارون لعبد الملك بن صالح: صف لي منبج قال: رقيقة الهواء لينة الوطاء قال: فصف لي منزلك بها قال: دون منازل أهلي وفوق منازل أهلها قال: ولم قدرك فوق أقدارهم قال: ذلك خلق أمير المؤمنين أتأسى به وأقفو أثره وأحذو مثاله. ودخل المأمون يوماً بيت الديوان فرأى غلاماً جميلاً على أذنه قلم فقال: من أنت يا غلام قال: أنا الناشئ في دولتك والمتقلب في نعمتك والمؤمل لخدمتك الحسن بن رجاء قال المأمون: بالإحسان في البديهة تفاضلت العقول ارفعوا هذا الغلام فوق مرتبته. علي بن يحيى قال: إني عند المتوكل حين دخل عليه الرسول برأس إسحق بن إسماعيل فقام علي بن الجهم يخطر بين يدي المتوكل ويقول: أهلاً وسهلاً بك من رسول جئت بما يشفي من الغليل برأس إسحق بن إسماعيل فقال المتوكل: قوموا التقطوا هذا الجوهر لئلا يضيع. ودخل عقال بن شبة على أبي عبيد الله كاتب المهدي فقال: يا عقال لم أرك منذ اليوم قال: والله إني لألقاك بشوق وأغيب عنك بتوق. وقال عبد العزيز بن مروان لنصيب بن رباح - وكان أسود - يا نصيب هل لك فيما يثمر المحادثة يريد المنادمة فقال: أصلح الله الأمير اللوم مرمد والشعر مفلفل ولم أقعد إليك بكريم عنصر ولا بحسن منظر وإنما هو عقلي ولساني فإن رأيت أن لا تفرق بينهما فافعل. ولما ودع المأمون الحسن بن سهل عند مخرجه من مدينة السلام وقال له: يا أبا محمد ألك حاجة تعهد إلي فيها قال: نعم يا أمير المؤمنين أن تحفظ علي من قلبك ما لا أستعين على حفظه إلا بك. وقال سعيد بن سلم بن قتيبة للمأمون: لو لم أشكر الله إلا على حسن ما أبلاني في أمير المؤمنين من قصده إلي بحديثه وإشارته إلي بطرفه لكان ذلك من أعظم ما توجبه النعمة وتفرضه الصنيعة قال المأمون: ذلك والله لأن الأمير يجد عندك من حسن الإفهام إذا حدثت وحسن الفهم إذا حدثت ما لا يجده عند غيرك.
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
مدح الملوك والتزلف إليهم
في سير العجم أن أردشير بن يزدجرد لما استوثق له أمره جمع الناس فخطبهم خطبة حضهم فيها على الألفة والطاعة وحذرهم المعصية ومفارقة الجماعة وصنف لهم الناس أربعة أصناف فخروا له سجداً. وتكلم متكلمهم فقال: لا زلت أيها الملك محبواً من الله بعز النصر ودرك الأمل ودوام العافية وتمام النعمة وحسن المزيد ولا زلت تتابع لديك المكرمات وتشفع إليك الذمامات حتى تبلغ الغاية التي يؤمن زوالها ولا تنقطع زهرتها في دار القرار التي أعدها الله لنظرائك من أهل الزلفى عنده والحظوة لديه ولا زال ملكك وسلطانك باقيين بقاء الشمس والقمر زائدين زيادة البحور والأنهار حتى تستوي أقطار الأرض كلها في علوك عليها ونفاذ أمرك فيها فقد أشرق علينا من ضياء نورك ما عمنا عموم ضياء الصبح ووصل إلينا من عظيم رأفتك ما اتصل بأنفسنا اتصال النسيم فأصبحت قد جمع الله بك الأيادي بعد افتراقها وألف بين القلوب بعد تباغضها وأذهب عنا الإحن والحسائف بعد توقد نيرانها بفضلك الذي لا يدرك بوصف ولا يحد بنعت. فقال أردشير: طوبى للممدوح مستحقاً وللداعي إذا كان للإجابة أهلاً. ودخل حسان بن ثابت على الحارث الجفني فقال: أنعم صباحاً أيها الملك السماء غطاؤك والأرض وطاؤك ووالدي فداؤك أنى يناوئك المنذر فوالله لقذالك أحسن من وجهه ولأمك أحسن من أبيه ولظلك خير من شخصه ولصمتك أبلغ من كلامه ولشمالك خير من يمينه. ثم أنشأ يقول: ونبئت أن أبا منذر يساميك للحدث الأكبر قذالك أحسن من وجهه وأمك خير من المنذر ويسرى يديك إذا أعسرت كيمنى يديه فلا تمتر ودخل خالد بن عبد الله القسري على عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة فقال: يا أمير المؤمنين من تكون الخلافة قد زانته فأنت قد زنتها ومن تكون شرفته فأنت قد شرفتها وأنت كما قال الشاعر: وإذا الدر زان حسن وجوه كان للدر حسن وجهك زينا. فقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أعطي صاحبكم مقولاً ولم يعط معقولاً. ذكر بن أبي طاهر قال: دخل المأمون بغداد فتلقاه وجوه أهلها فقال له رجل منهم: يا أمير المؤمنين بارك الله لك في مقدمك وزادك في نعمتك وشكرك على رعيتك تقدمت من قبلك وأتعبت من بعدك وآيست أن يعاين مثلك أما فيما مضى فلا نعرفه وأما فيما بقي فلا نرجوه فنحن جميعاً ندعو لك ونثني عليك خصب لنا جنابك وعذب شرابك وحسنت نظرتك وكرمت مقدرتك جبرت الفقير وفككت الأسير فأنت يا أمير المؤمنين كما قال الأول: ما زلت في البذل للنوال وإط لاق لعان بجرمه علق حتى تمنى البراء أنهم عندك أسرى في القيد والحلق ودخل رجل على خالد بن عبد الله القسري فقال: أيها الأمير إنك لتبذل ما جل وتجبر ما اعتل وتكثر ما قل ففضلك بديع ورأيك جميع. وقال رجل للحسن بن سهل: لقد صرت لا أستكثر كثيرك ولا أستقل قليلك قال: وكيف ذلك قال: لأنك أكثر من كثيرك ولأن قليلك أكثر من كثير غيرك. وقال خالد بن صفوان لوال دخل عليه: قدمت فأعطيت كلاً بقسطه من نظرك ومجلسك وصلاتك وعداتك حتى كأنك من كل أحد وكأنك لست من أحد. وقال الرشيد لبعض الشعراء: هل أحدثت فينا شيئاً قال: يا أمير المؤمنين المديح كله دون قدرك والشعر فيك فوق قدري ولكني أستحسن قول العتابي: فت الممادح إلا أن ألسننا مستنطقات بما تخفي الضمايير مدح خالد بن صفوان رجلاً فقال: قريع المنطق جزيل الألفاظ عربي اللسان قليل الحركات حسن الإشارات حلو الشمائل كثيرة الطلاوة صموتاً قؤولاً يهنأ الجرب ويداوي الدبر ويقل الحز ويطبق المفصل لم يكن بالبرم في مروءته ولا بالهذر في منطقه متبوعاً غير تابع. كأنه علم في رأسه نار دخل سهل بن هارون على الرشيد فوجده يضاحك ابنه المأمون فقال: اللهم زده من الخيرات وابسط له في البركات حتى يكون كل يوم من أيام موفياً على أمسه مقصراً على غده فقال له الرشيد: يا سهل من روى من الشعر أحسن وأجوده ومن الحديث أصحه وأبلغه ومن البيان أفصحه وأوضحه إذا رام أن يقول لم يعجزه قال سهل: يا أمير المؤمنين ما ظننت أن أحداً تقدمني سبقني إلى هذا المعنى فقال: بل أعشى همدان حيث يقول: وجدتك أمس خير بني لؤي وأنت اليوم خير منك أمس وأنت غداً تزيد الخير ضعفاً كذاك تزيد سادة عبد شمس وكان المأمون قد استثقل سهل بن هارون فدخل عليه يوماً والناس عنده على منازلهم فتكلم المأمون بكلام ذهب فيه كل مذهب فلما فرغ أقبل سهل بن هارون على ذلك الجمع فقال لهم: ما لك تسمعون ولا تعون وتفهمون ولا تعجبون وتعجبون ولا تصفون أما والله إنه ليقول ويفعل في اليوم القصير مثل ما قالت وفعلت بنو مروان في الدهر الطويل عربكم كعجمهم وعجمهم كعرب بني تميم ولكن كيف يشعر بالدواء من لا يعرف الداء قال: فرجع له المأمون إلى رأيه الأول. وكان الحجاج بن يوسف يستثقل زياد بن عمرو العتكي فلما أثنى الوفد على الحجاج عند عبد الملك بن مروان قال زياد: يا أمير المؤمنين إن الحجاج سيفك الذي لا ينبو وسهمك الذي لا يطيش وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم. فلم يكن بعد ذلك أحد أخف على الحجاج ولا أحب إليه منه. حدث الشيباني قال: أقام المنصور صالحاً ابنه فتكلم في أمر فأحسن فقال شبيب بن شيبة: تالله ما رأيت كاليوم أبين بياناً ولا أعرب لساناً ولا أربط جأشاً ولا أبل ريقاً ولا أحسن طريقاً وحق لمن كان المنصور أباه والمهدي أخاه أن يكون كما قال زهير: هو الجواد فإن يلحق بشأوهما على تكاليفه فمثله لحقا أو يسبقاه على ما كان من مهل فمثل ما قدما من صالح سبقا وخرج شبيب بن شيبة من دار الخلافة يوماً فقيل له: كيف رأيت الناس قال: رأيت الداخل راجياً والخارج راضياً. وقيل لبعض الخلفاء: إن شبيب بن شيبة يستعمل الكلام ويستعد له فلو أمرته أن يصعد المنبر فجأة لافتضح. قال: فأمر رسولاً فأخذ بيده فصعده المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال: ألا إن لأمير المؤمنين أشباهاً أربعة: فمنها الأسد الخادر والبحر الزاخر والقمر الباهر والربيع الناضر فأما الأسد الخادر فأشبه منه صولته ومضاءه وأما البحر الزاخر فأشبه منه جوده وعطاءه وأما القمر الباهر فأشبه منه نوره وضياءه وأما الربيع الناضر فأشبه منه حسنه وبهاءه ثم نزل. وقال عبد الملك بن مروان لرجل دخل عليه: تكلم بحاجتك قال: يا أمير المؤمنين بهر الدرجة وهيبة الخلافة يمنعاني من ذلك قال: فعلى رسلك فإنا لا نحب مدح المشاهدة ولا تزكية اللقاء قال: يا أمير المؤمنين لست أمدحك ولكن أحمد الله على النعمة فيك قال: حسبك فقد أبلغت. ودخل رجل على المنصور فقال له: تكلم بحاجتك فقال: يبقيك الله يا أمير المؤمنين قال: تكلم بحاجتك فإنك لا تقدر على هذا المقام كل حين قال: والله يا أمير المؤمنين ما أستقصر أجلك ولا أخاف بخلك ولا أغتنم مالك وإن عطاءك لشرف وإن سؤال لزين وما لامرئ بذل وجهه إليك نقص ولا شين. قال: فاحسن جائزته وأكرمه. حدث إبراهيم بن السندي قال: دخل العماني على المأمون وعليه قلنسوة طويلة وخف ساذج فقال له: إياك أن تنشدني إلا وعليك عمامة عظيمة الكور وخفان رائقان. قال: فغدا علي في زي الأعراب فأنشده ثم دنا فقبل يده وقال: قد والله يا أمير المؤمنين أنشدت يزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد ورأيت وجوههما وقبلت أيديهما وأخذت جوائزهما وأنشد مروان وقبلت يده وأخذت جائزته وأنشدت المنصور ورأيت وجهه وقبلت يده وأخذت جائزته وأنشدت المهدي ورأيت وجهه وقبلت يده وأخذت جائزته إلى كثير من أشباه الخلفاء وكبراء الأمراء والسادة الرؤساء فلا والله يا أمير المؤمنين ما رأيت فيهم أبهى منظراً ولا أحسن وجهاً ولا أنعم كفاً ولا أندى راحة منك يا أمير المؤمنين. قال: فأعظم له الجائزة على شعره وأضعف له على كلامه وأقبل عليه بوجهه وبشره فبسطه حتى تمنى جميع من حضره أنهم قاموا مقامه. حدث العتبي عن سفيان بن عينية قال: قدم على عمر بن عبد العزيز ناس من أهل العراق فنظر إلى شاب منهم يتحوش للكلام فقال: أكبروا أكبروا فقال: يا أمير المؤمنين إنه ليس بالسن ولو كان الأمر كله بالسن لكان في المسلمين من أهو أسن منك فقال عمر: صدقت رحمك الله تكلم فقال: يا أمير المؤمنين إنا لم نأتك رغبة ولا رهبة أما الرغبة فقد دخلت علينا منازلنا وقدمت علينا بلادنا وأما الرهبة فقد أمننا الله بعدلك من جورك قال: فما أنتم قال: وفد الشكر قال: فنظر محمد بن كعب القرظي إلى وجه عمر يتهلل فقال: يا أمير المؤمنين لا يغلبن جهل القوم بك معرفتك بنفسك فإن ناساً خدعهم الثناء وغرهم شكر الناس فهلكوا وأنا أعيذك بالله أن تكون منهم فألقى عمر رأسه على صدره.
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
التنصل والاعتذار
قال النبي : من لم يقبل من متنصل عذراً صادقاً كان أو كاذباً لم يرد على الحوض. وقال : المعترف بالذنب كمن لا ذنب له. وقال: الاعتراف يهدم الاقتراف. وقال الشاعر: إذا ما امرؤ من ذنبه جاء تائباً إليك فلم تغفر له فلك الذنب واعتذر رجل إلى إبراهيم بن المهدي فقال: قد عذرتك غير معتذر إن المحاذير يشوبها الكذب. واعتذر رجل إلى جعفر بن يحيى فقال: قد أغناك الله بالعذر عن الاعتذار وأغنانا بحسن النية عن سوء الظن. وقال إبراهيم الموصلي: سمعت جعفر بن يحيى يعتذر إلى رجل من تأخر حاجة ضمنها له وهو يقول: أحتج إليك بغالب القضاء وأعتذر إليك بصادق النية. وقال رجل لبعض الملوك: أنا من لا يحاجك عن نفسه ولا يغالطك في جرمه ولا يلتمس رضاك إلا من جهة عفوك ولا يستعطفك إلا بالإقرار بالذنب ولا يستميلك إلا بالاعتراف بالزلة. وقال الحسن بن وهب: ما أحسن العفو من القادر لا سيما عن غير ذي ناصر إن كان لي ذنب ولا ذنب لي فما له غيرك من غافر أعوذ بالود الذي بيننا أن يفسد الأول بالآخر وكتب الحسن بن وعب إلى محمد بن عبد الملك الزيات: أبا جعفر ما أحسن العفو كله ولا سيما عن قائل: ليس لي عذر وقال آخر: اقبل معاذير من يأتيك معتذراً إن بر عندك فيما قال أو فجرا فقد أطاعك من أرضاك ظاهره وقد أجلك من يعصيك مستترا خير الخليطين من أغضى لصاحبه ولو أراد انتصاراً من لانتصرا وقالت الحكماء: ليس من العدل سرعة العذل. وقال آخر: لعل له عذراً وأنت تلوم وقال حبيب: البر بي منك وطى العذر عندك لي فيما أتاك فلم تقبل ولم تلم وقام علمك بي فاحتج عندك لي مقام شاهد عدل غير متهم وقال آخر: إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه وكل امرئ لا يقبل العذر مذنب ومن قولنا في هذا المعنى: عذيري من طول البكا لوعة الأسى وليس لمن لا يقبل العذر من عذر وقال آخر: فهبني مسيئاً كالذي قلت ظالماً فعفواً جميلاً كي يكون لك الفضل فإن لم أكن للعفو عندك للذي أتيت به أهلاً فأنت له أهل ومن الناس من لا يرى الاعتذار ويقول: إياك وما يعتذر منه. وقالوا: ما اعتذر مذنب إلا ازداد ذنباً. إذا كان وجه العذر ليس ببين فإن أطراح العذر خير من العذر قال ابن شهاب الزهري: دخلت على عبد الملك بن مروان في رجال من أهل المدينة فرآني أحدثهم سناً فقال لي: من أنت فانتسبت له فقال: لقد كان أبوك وعمك نعاقين في فتنة ابن الأشعث فقلت: يا أمير المؤمنين إن مثلك إذا عفا لم يعدد وإذا صفح لم يثرب. فأعجبه ذلك وقال: أين نشأت قلت: بالمدينة قال: عند من طلبت قلت: سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وقبيصة بن ذؤيب قال: فأين أنت من عروة بن الزبير فإنه بحر لا تكدره الدلاء. فلما انصرفت من عنده لم أبارح عروة بن الزبير حتى مات. ودخل ابن السماك على محمد بن سليمان بن علي فرآه معرضاً عنه فقال: مالي أرى الأمير كالعاتب علي قال: ذلك لشيء بلغني عنك كرهته قال: إذاً لا أبالي قال: ولم قال: لأنه إذا كان ذنباً غفرته وإن كان باطلاً لم تقبله. ودخل جرير بن عبد الله على أبي جعفر المنصور وكان واجداً عليه فقال له: تكلم بحجتك فقال لو كان لي ذنب تكلمت بعذري ولكن عفو أمير المؤمنين أحب إلي من براءتي. وأتي موسى الهادي برجل فجعل يقرعه بذنوبه فقال: يا أمير المؤمنين إن اعتذاري مما تقرعني فإن كنت ترجو في العقوبة راحة فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر سعي بعبد الملك بن الفارسي إلى المأمون فقال له المأمون: إن العدل من عدله أبو العباس وقد كان وصفك بما وصفك به ثم أتتني الأخبار بخلاف ذلك فقال: يا أمير المؤمنين إن الذي بلغك عني تحميل علي ولو كان كذلك لقلت: نعم كما بلغك فأخذت بحظي من الله في الصدق واتكلت على فضل أمير المؤمنين في سعة عفوه قال: صدقت. محمد بن القاسم الهاشمي أبو العيناء قال: كان أحمد بن يوسف الكاتب قد تولى صدقات النصرة فجار فيها وظلم فكثر الشاكي له والداعي عليه ووافى باب أمير المؤمنين زهاء خمسين رجلاً من جلة البصريين فعزله المأمون وجلس لهم مجلساً خاصاً وأقام أحمد بن يوسف لمناظرتهم. فكان مما حفظ من كلامه أن قال: يا أمير المؤمنين لو أن أحداً ممن ولي الصدقات سلم من الناس لسلم رسول الله قال الله عز وجل: " ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون " فأعجب المأمون جوابه واستجزل مقاله وخلى سبيله. محمد بن القاسم الهاشمي أبو العيناء قال: قال لي أبو عبد الله أحمد بن أبي داود: دخلت على الواثق فقال لي: ما زال قوم في ثلبك ونقصك فقلت: يا أمير المؤمنين. " لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم " والله ولي جزائه وعقاب أمير المؤمنين من ورائه وما ذل من كنت
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
ناصره ولا ضاع من كنت حافظه فماذا قلت لهم يا أمير المؤمنين قال: قلت أبا عبد الله: وسعى إلي بعيب عزة نسوة جعل الإله خدودهن نعالها قال أبو العيناء: قلت لأحمد بن أبي داود: إن قوماً تظافروا علي قال: " يد الله فوق أيديهم ". قلت: إنهم عدد وأنا واحد قال: " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ". قلت: إن للقوم مكراً قال: " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ". قال أبو العيناء: فحدثت بها الحديث أحمد بن يوسف الكاتب فقال: ما يرى ابن أبي داود إلا أن القرآن أنزل عليه. قال: وهجا نهار بن توسعة قتيبة بن مسلم وكان ولي خراسان بعد يزيد بن المهلب فقال: كانت خراسان أرضاً إذ يزيد بها وكل باب من الخيرات مفتوح فبدلت بعده قرداً نطوف به كأنما وجهه بالخل منضوح فطلبه فهرب منه ثم دخل عليه بكتاب أمه فقال له: ويحك! بأي وجه تلقاني قال: بالوجه الذي ألقى به ربي وذنوبي إليه أكثر من ذنوبي إليك. فقر به ووصله وأحسن إليه. وأقبل المنصور يوماً راكباً والفرج بن فضالة جالس عند باب الذهب فقام الناس إليه ولم يقم فاستشاط المنصور غيظاً وغضباً ودعا به فقال: ما منعك من القيام مع الناس حين رأيتني قال: خفت أن يسألني الله تعالى لم فعلت ويسألك عنه لم رضيت وقد كرهه رسول الله . فسكن غضبه وقر به وقضى حوائجه. يحيى بن أكثم قال: إني عند المأمون يوماً حتى أتي برجل ترعد فرائصه فلما مثل بين يديه قال له المأمون: كفرت نعمتي ولم تشكر معروفي قال له: يا أمير المؤمنين وأين يقع شكري في جنب ما أنعم الله بك علي فنظر المأمون إلي وقال متمثلاً: فلو كان يستغني عن الشكر ماجد لكثرة مال أو علو مكان لما ندب الله العباد لشكره فقال اشكروا لي أيها الثقلان ثم التفت إلى الرجل فقال له: هلا قلت كما قال أصرم بن حميد: رشحت حمدي حتى إنني رجل كلي بكل ثناء فيك مشتغل خولت شكري ما خولت من نعم فحر شكري لما خولتني خول الاستعطاف والاعتراف لما سخط المهدي على يعقوب بن داود قال له: يا يعقوب قال: لبيك يا أمير المؤمنين تلبية مكروب لموجدتك قال: ألم أرفع من قدرك إذ كنت وضيعاً وأبعد من ذكرك إذا كنت خاملاً وألبسك من نعمتي ما لم أجد بها يدين من الشكر فكيف رأيت الله أظهر عليك ورد إليك مني قال: إن كان ذلك بعلمك يا أمير المؤمنين فتصديق معترف منيب وإن كان مما استخرجته دفائن الباغين فعائذ بفضلك فقال: والله لولا الحنث في دمك بما تقدم لك لألبستك منه قميصاً لا تشد عليه زراً ثم أمر به إلى الحبس. فتولى وهو يقول: الوفاء يا أمير المؤمنين كرم والمودة رحم وأنت بها جدير. أخذت الشعراء معنى قول المهدي: لألبستك منه قميصاً لا تشد عليه زراً فقال معلي الطائي: طوقته بالحسام طوق ردى ما يستطيع عليه شد أزرار وقال حبيب: طوقته بالحسام طوق داهية أغناه عن مس طوقه بيده ومن قولنا: ولما رضي الرشيد عن يزيد بن مزيد أذن له بالدخول عليه فلما مثل بين يديه قال: الحمد الله الذي سهل لي سبيل الكرامة بلقائك ورد على النعمة بوجه الرضا منك وجزاك الله يا أمير المؤمنين في حال سخطك جزاء المحسنين المرغبين وفي حال رضاك جزاء المنعمين المتطولين: فقد جعلك الله وله الحمد تثبت تحرجاً عند الغضب وتمتن تطولاً بالنعم وتستبقي المعروف عند الصنائع تفضلاً بالعفو. ولما ظفر المأمون بإبراهيم بن المهدي - وهو الذي يقال له ابن شكلة - أمر بإدخاله عليه فلما مثل بين يديه قال: ولي الثأر محكم في القصاص والعفو للتقوى وقد جعل الله كل ذنب دون عفوك فإن صفحت فبكرمك وإن أخذت فبحقك. قال المأمون: إني شاورت أبا إسحاق والعباس في قتلك فأشارا علي به قال: أما أن يكونا قد نصحاك في عظم قدر الملك وما جرت عليه عادة السياسة فقد فعلا ولكنك أبيت أن تستجلب النصر إلا من حيث عودك الله ثم استعبر باكياً قال له المأمون: ما يبكيك قال: جذلاً إذ كان ذنبي إلى من هذه صفته ثم قال: يا أمير المؤمنين إنه وإن كان جرمي يبلغ سفك دمي فحلم أمير المؤمنين وتفضله يبلغاني عفوه ولي بعدها شفاعة الإقرار بالذنب وحرمة الأب بعد الأب قال المأمون: لو لم يكن في حق نسبك ما يبلغ الصفح عن زلتك لبلغك إليه حسن توصلك ولطيف تنصلك. وكان تصويب إبراهيم لرأي أبي إسحاق والعباس ألطف في طلب الرضا ودفع المكروه عن نفسه من تخطئتهما. وقال المأمون لإسحاق بن العباس: لا تحسبني أغفلت إجلابك مع ابن المهلب وتأييدك لرأيه وإيقادك لناره قال: يا أمير المؤمنين والله لإجرام قريش إلى رسول الله أعظم من جرمي إليك ولرحمي أمس من أرحامهم وقد قال كما قال يوسف لإخوته: " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " وأنت يا أمير المؤمنين أحق وارث لهذه المنة وممتثل لها قال: هيهات تلك أجرام جاهلية عفا عنها الإسلام وجرمك جرم في إسلامك وفي دار خلافتك قال: يا أمير المؤمنين فوالله للسلم أحق بإقالة العثرة وغفران الزلة من الكافر هذا كتاب الله بيني وبينك يقول الله تعالى: " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم " إلى " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ". فهي للناس يا أمير المؤمنين سنة دخل فيها المسلم والكافر والشريف والمشروف قال: صدقت اجلس وريت بك زنادي فلا برح نادماً من القادرين من أهلك وأمثالك. العتبي عن أبيه قال: قبض مروان بن محمد من معاوية بن عمرو بن عتبة ماله بالفرسان وقال: إني قد وجدت قطيعة عمك لأبيك: إني أقطعتك بستاني والبستان لا يكون إلا غامراً وأنا مسلم إليك الغامر وقابض منك العامر فقال: يا أمير المؤمنين إن سلفك الصالح لو شهدوا مجلسنا هذا كانوا شهوداً على ما ادعيته وشفعاء فيما طلبته يسألونك بإحسانك إلي مكافأة إحسان سلفي إليهم فشفع فينا الأموات واحفظ منا القرابات واجعل مجلسك هذا مجلساً يلزم من بعدنا شكره قال: لا والله إلا أن أجعلها طعمة مني لك لا قطيعة من عمك لأبيك قال: قد قبلت ذلك ففعل. العتبي قال: أمر عبد الملك بن مروان بقطع أرزاق آل أبي سفيان وجوائزهم لموجودة وجدها على خالد بن يزيد بن معاوية فدخل عليه عمر بن عتبة فقال: يا أمير المؤمنين إن أدنى حقك معتب وبعضه فادح لنا ولنا من حقك علينا حق عليك بإكرام سلفنا لسلفك فانظر إلينا بالعين التي نظروا بها إليهم وضعنا بحيث وضعتنا الرحم منك قال: عبد الملك: إنما ما يستحق عطيتي من استعطاها فأما من ظن أنه يكتفي بنفسه فسنكله إلى نفسه ثم أمر له بعطيته. فبلغ ذلك خالداً فقال: أبا لحرمان يهددني! يد الله فوق يده
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)