رائعة بدر شاكر الساب عنجد حبيتها وحسيتها :
* عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ،
* أو شُرفتان راحَ ينأى عنهما القمرْ.
* عيناكِ حين تَبسمانِ تورقُ الكروم.
* وترقص الأضواء ... كالأقمار في نهَرْ
* يرجّه المجذاف وهناً ساعة السَّحَرْ
* كأنما تنبض في غوريهما، النّجومْ ...
* وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ
* كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساءٍْ،
* دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريفْ،
* والموت، والميلاد، والظلام، والضياءْ؛
* فتستفيق ملء روحي، رعشة البكاءْ
* ونشوةٌ وحشيّةٌ تعانق السماءْ
* كنشوة الطفل إذا خاف من القمرْ!
* كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ
* وقطرة فقطرةً تذوب في المطرْ ...
* وكركر الأطفالُ في عرائش المكرومْ،
* ودغدغت صمت العصافير على الشجرْ
* أنشودةُ المطرْ ...
* مطرْ ...
* مطرْ ...
* مطرْ ...
* تثاءب المساء، والغيومُ ما تزالْ
* تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثِقالْ.
* كأنّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينامْ:
* بأنّ أمّه ـ التي أفاق منذ عامْ
* فلم يجدها، ثمّ حين لجّ في السؤالْ
* قالوا له: (بعد غدٍ تعودْ .. )
* لابدّ أن تعودْ
* وإنْ تهامس الرفاق أنها هناكْ
* في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ
* تسفّ من ترابها وتشرب المطرْ؛
* كأن صياداً حزيناً يجمع الشِّباكْ
* ويلعن المياه والقَدَرْ
* وينثر الغناء حيث يأفل القمرْ.
* أتعلمين أيَّ حُزنٍ يبعث المطرْ؟
* وكيف تنشج المزاريب إذا انهمرْ؟
* وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياعْ؟
* بلا انتهاء ـ كالدَّم المراق، كالجياعْ،
* كالحب، كالأطفال، كالموتى ـ هو المطرْ!
* ومقلتاكِ بي تطيفان مع المطرْ
* وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ
* سواحلَ العراق بالنجوم والمحارْ،
* كأنها تهمّ بالشروقْ
* فيسحب الليل عليها من دمٍ دثارْ.
* أصيح بالخليج: (يا خليجْ
* يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والرّدى!)
* فيرجعٍُ الصّدى
* كأنه النشيجْ:
* (يا خليج
* يا واهب المحار والردى .. )
* أكاد أسمع العراق يذْخُر الرعودْ
* ويخزن البروق في السّهول والجبالْ،
* حتى إذا ما فضَّ عنها ختمها لرّجالْ
* لم تترك الرياح من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ
* أكاد أسمع النخيل يشربُ المطرْ
* وأسمع القرى تئنّ، والمهاجرينْ
* يصارعون بالمجاذيف وبالقلوعْ،
* عواصف الخليج، والرعود، منشدينْ:
* (مطرْ ...
* مطرْ ...
* مطرْ ...
* وفي العراق جوعْ
* وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ
* لتشبع الغربان والجَرادْ
* وتطحن الشّوان والحجرْ
* رحىً تدور في الحقول ... حولها بشرْ
* مطرْ ...
* مطرْ ...
* مطرْ ...
* وكم ذرفنا ليلة الرحيل، من دموعْ
* ثمّ اعتللنا ـ خوفَ أن نُلامَ ـ بالمطرْ ...
* مطرْ ...
* مطرْ ...
* ومنذ أنْ كنّا صغاراً، كانت السماءْ
* تغيمُ في الشتاءْ
* ويهطل المطرْ،
* وكلَّ عام ـ حين يعشب الثرى ـ نجوعْ
* ما مرَّ عامٌ والعِراق ليس فيه جوعْ.
* مطرْ ...
* مطرْ ...
* مطرْ ...
* في كل قطرةٍ من المطرْ
* حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ.
* وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراةْ
* وكلّ قطرةٍ تُراق من دم العبيدْ
* فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسم جديدْ
* أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فمِ الوليدْ
* في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياةْ!
* مطرْ ...
* مطرْ ...
* مطرْ ...
* سيُعشبُ العراق بالمطرْ ... )
* أصيح بالخليج: (يا خليج ..
* يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والردى!)
* فيرجع الصدى
* كأنّه النشيج:
* (يا خليج
* يا واهب المحار والردى.)
* وينثر الخليج من هِباته الكثارْ،
* على الرمال: رغوه الأُجاجَ، والمحارْ
* وما تبقّى من عظام بائسٍ غريقْ
* من المهاجرين ظلّ يشرب الردى
* من لجَّة الخليج والقرارْ،
* وفي العراق ألف أفعى تشرب الرَّحيقْ
* من زهرة يربُّها الفرات بالنَّدى.
* وأسمع الصدى
* يرنّ في الخليجْ
* (مطرْ ...
* مطرْ ...
* مطرْ ...
* في كلّ قطرةٍ من المطرْ
* حمراء أو صفراء من أجنَّةِ الزَّهَرْ.
* وكلّ دمعة من الجياع والعراة
* وكلّ قطرةٍ تراق من دم العبيدْ
* فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديدْ
* أو حُلمةٌ تورَّدت على فمِ الوليدْ
* في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياة.)
* ويهطل المطرْ ..
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)