توشك التقنية الرقمية على الدخول في مرحلة جديدة، تعرف بالسحابة الالكترونية وتتميّز بتوفير المنتجات والخدمات والمعلومات عبر صفحات الإنترنت، وجعلها متوافرة للجميع وفي كل الأوقات، ما يبدّل طرق العمل والترفيه.
وتأتي هذه السحابة لحل مشكلة أن الكومبيوتر الشخصي عائق أحياناً في طريق رغبتنا في التواصل مع الغير. فإذا أردت أن تتشارك موضوعاً مع زميل لك في الجامعة، أو تعمل مع زميل يقع مكتبه في الخارج، فالأرجح أنك ستلجأ بكثافة إلى البريد الإلكتروني، وتتورط في سلسلة مربكة من عمليات التعديل والعناوين ونسخ عدّة للملفّ ذاته.
جاءت بداية السحب الالكترونية قبل نحو عام ونصف العام، حين تقابل كريستوف بيسيغليا مهندس البرامج في شركة «غوغل» Google والمدير التنفيذي لـ «غوغل».
وعرض بيسيغليا على مديره أن يستخدم نسبة العشرين في المئة من وقت العمل، التي يخصصها نظام العمل في «غوغل» للعمل على المشاريع المستقلة، لتدريس الطلاب في جامعة «واشنطن» فكرة البرمجة على مستوى «السحب».
واقترح بيسيغليا أن يطلق على الفكرة اسم «غوغل 101». أعجب شميت بالفكرة.
وقُدّر لها أن تشهد في الأشهر التالية نمواً وتوسعاً غير مرتقبين، تكللا في تشرين الأول الماضي باتفاق شراكة مع «آي بي إم» لتوصيل عدد من الجامعات حول العالم بـ «سحب» إلكترونية من صنع «غوغل».
وبدت تلك الفكرة في عيني كبير مهندسي التطبيقات في «غوغل» دافيد غلايزر، كمقدمة لإلغاء الفكرة الشائعة بأن الكمبيوتر الشخصي هو أداة إنجاز الأعمال، وأن ذلك يفرض توافره دوماً مع مستخدمه. فقد حوّله مفهوم السحابة الإلكترونية إلى مجرد أداة للوصول إلى المعلومات «وللتواصل مع الآخرين»، ما يجعله مساوياً للأدوات الأخرى التي تدخل الانترنت مثل المساعد الشخصي الرقمي والكمبيوتر المحمول باليد والخليوي وغيرها.
«غوغل» صانعاً للسحب!
تُشبه «سحابة غوغل» الإلكترونية شبكة من مئات الآلاف من الخوادم «سيرفر» لكل منها سعة الحاسوب الشخصي وقوته، لكنها تختزن كميات هائلة من المعلومات. تجعل هذه الخوادم عملية البحث تجري بشكل أسرع، وتقدم أيضاً إجابات لبلايين الأسئلة في وقت وجيز.
ويُشبّه خبراء «غوغل» تلك «السحابة الإلكترونية» بعملية نشوء الكهرباء وتطورها، قبل ما يزيد على قرن. وحينها، بدأ أصحاب المزارع والأعمال بالتخلي عن مولدات الكهرباء، وشرعوا في شراء الطاقة الكهربائية من مؤسسات صناعية متخصصة ذات خبرة وكفاءة. وعلى غرارها، تأتي فكرة السحابة الإلكترونية راهناً التي تُعَدّ بمثابة مصدر نظيف وكفيّ للطاقة المعلوماتية.
ولا يتأخر غلايزر في القول: «الإنترنت قطعت شوطاً طويلاً من التغيّر والتبدّل. فقبل نحو 15عاماً كان مجرد توصيل الإنترنت بالكمبيوتر الشخصي أمراً مذهلاً ورائعاً. وراهناً، يُنظر إلى الكمبيوتر الشخصي غير المتصل بالشبكة العنكبوتية باعتباره غير مجد، بل يمكن اعتباره جهازاً معطلاً.
إذاً، السحابة الإلكترونية تساعد مستخدمي الانترنت في التحرّر من طغيان الكمبيوتر وتحكّمه في الوصول إلى المعلومات. كل ما أريده وأهتم به مُخزّن في السحابة، مهما اختلفت طريقة الوصول إليها سواء من طريق الكمبيوتر الشخصي، أم الهاتف الخليوي. وتبقى المعلومات في ذلك المكان الآمن بعيداً من احتمالات التخريب والضياع».
لكن الأمر لا يسلم من الشرور، ولاسيما أننا نعيش في عالم يتسم بقدر غير قليل من الميل إلى الخراب والدمار. ولذا، لا تبدو السحابة الإلكترونية بمأمن تام من مثل هذه الجهود التخريبية.
وفي هذا الإطار، يرى غلايزر «أن أي شكل من أشكال تقاسم المعلومات يمكن أن يستخدم في الخير والشر».
هذا يعود إلى طبيعة المستخدم وميوله وأهوائه. ثمة من يميل إلى اتباع سبل متحوّطة لتوفير الحماية على الشبكة. وربما تمثّلت الخطوة الأولى في بث الوعي حول المفاهيم الأساسية المتصلة بطرق مشاركة المعلومات عبر الشبكة الدولية، التي تُشبه ما نحاول إفهامه لأبنائنا فيما يختص بالتعامل مع الغرباء. وتتمثّل الخطوة الثانية في وجود عدد من الحواجز الأمينة للتأكد من عدم انتشار البيانات أو المعلومات الضارة، مع التنبّه إلى أن الإنترنت تُعد وسيلة سهلة لانتقال الفيروسات من طريق إرسالها أو إدخالها يدوياً. وتتجسّد الخطوة الثالثة والأخيرة فيما نطلق عليه في «غوغل» عبارة «الحماية من نقطة إلى نقطة».
فمثلاً يوجد مسح أوتوماتيكي للملحقات على بريد «غوغل» وحماية ضد الرسائل الإلكترونية المتطفلة («سبام »Spam).
من جهة أخرى، كلما اتجهت المعلومات نحو مزيد من المركزية، يتزايد ميل الاختصاصيين إلى التفكير في توفير سبل لحماية تخزين المعلومات، وربما عمدوا إلى نقلها باستمرار للحفاظ عليها من الضياع.
وبالنسبة إلى «غوغل»، تُخزّن المعلومات في أماكن كثيرة في وقت واحد لتلافي ضياع المعلومات.
ويصف غلايزر هذا الأمر بقوله: «ليست هناك أي نقطة مركزية معينة، يؤدي تعطلها إلى تعذّر الوصول إلى المعلومات على السحابة الإلكترونية، بغض النظر عن أسباب العطل. ويشير ذلك إلى إحدى نقاط القوة التي تتمتع بها الإنترنت عموماً، كما تُمثّل إحدى الركائز التي يحرص عليها «غوغل» عند تقديم تطبيقات جديدة على شبكة الانترنت».
ويوضح أيضاً أن استخدام السحابة الإلكترونية «يقلّل من فرص الحصول على المعلومات من الكمبيوتر الشخصي.
ولذا، تضمحل الحاجة إلى تثبيت برامج على ذلك الجهاز أو وضع تطبيقات عليه، ما يجعل إمكان التسلّل إلى السحابة الإلكترونية أمراً نادراً... يكثر الجدال حول قضية المتسللين إلى الشبكة الإلكترونية. وهناك «هاكرز» يعملون من أجل الخير وتوفير وصول آمن للمعلومات ونشرها عبر الانترنت. وأعتقد أن التكنولوجيا ستكون دائماً في مصلحة الذين يحاولون استخدامها للخير ومساعدة الآخرين».
ماذا عن المال؟
من البديهي أن يبرز سؤال عن الاستثمار المادي في «حوسبة الغمام». فلكي تصبح السحابة الإلكترونية كافيّة، يجب أن تتمتع بالسهولة في البرمجة والتصفح. وهذا من شأنه أن يفتح آفاقاً جديدة أمام الأسواق الناشئة للاستثمار في تطوير أدوات البحث عن السحابة وابتكارها.
ويمثل ذلك جزءاً من اهتمامات «غوغل» والشركات المنافسة.
وفي هذا الصدد، يوضح شميت: «إننا نحب أن نبدأ بالطرح المجاني، لكنّ مستخدمي هذه القوة الجديدة يجب أن يشاركوا في دفع قيمة من الكلفة». والأرجح أن الآفاق المستقبلية مفتوحة على مصراعيها، فالسحابة الإلكترونية ضخمة وغير محددة الملامح، لكنها مثقلة بقدر هائل من الاحتمالات والفرص.
أما مصير الأقراص الثابتة والفاكس وما شابه في ظل تنامي السحابة، فهي على الأرجح لن تختفي. إذ يتوقع غلايزر أن تتغيّر أشكالها وأدوارها وأنماط استخدامها ويقول: «إن كلفة وسائل التخزين في انخفاض مستمر، وسيكون من المنطقي أن توجد وسائل لتخزين المعلومات يمكننا الوصول إليها بسرعة وسهولة، دون الحاجة إلى الاتصال بالإنترنت. أما الفاكس، فأعتقد أنه بدأ بالفعل ينقرض، وهو في سبيله إلى الاختفاء».
" تصرف كما لو كانت أفعالك ستغير العالم فهي كذلك "
" ليس كل ربح نجاح و كل خسارة فشل "
S.A.D G.H.O.S.T
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)