صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 4 من 5

الموضوع: مذكرات مغتربـ ـة (2) أين العروس ؟ بقلم محمد عبد الوهاب جسري


  1. #1
    الحالة : محمد عبد الوهاب جسري غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Aug 2010
    رقم العضوية: 2890
    الدولة: بلغراد
    العمل: مهندس
    العمر: 59
    المشاركات: 351
    معدل تقييم المستوى : 293
    Array

    مذكرات مغتربـ ـة (2) أين العروس ؟ بقلم محمد عبد الوهاب جسري



    مذكرات مغتربـ ـة (2) أين العروس


    كنت أعتني بجدتي المريضة في أيامها الأخيرة، كنت أنام بقربها، حكت لي معظم تفاصيل حياتها، في كل مرة كانت تدعو لي بأن يرزقني الله بابن الحلال الذي سأعيش معه عزيزة، كما عاشت هي مع جدي رحمه الله، مرة تجرّأتُ وقلت لها: جدتي، لتكن دعوتك بأن يكون نصيبي هذا الذي في بالي....ابتسمت قائلة: لي دعوات كثيرة مستجابة من فضل الله وكرمه، فهل أنتِ تريدينه حقاً ؟؟ بدون تردد أجبتها : ولا أريد غيره.... دعت لي جدتي وأسهبت في الدعاء والتوسل حتى أنني بدأت أتخيل أن دعواتها قد استجيـبت.


    كان أبي يناديني زهرة الحياة، فأنا ابنته الوحيدة، رعايته لي كانت تثير غيرة إخوتي الأربعة بدرجات متفاوتة ، وكانت حسناء ابنة جيراننا هي الأخت والصديقة، فمعها كانت طفولتي ومعها بدأت رحلتي الدراسية ومعها أمضي ساعات طويلة من أوقات عطلتي.


    أيامها كان الجيران أهل بكل ما في هذه الكلمة من معنى، والدة حسناء – الخالة أم جميل – امرأة قوية صارمة تحب الحق وتدافع عنه برجولة ربما شخصيتها هذه كانت سر صداقتها مع والدتي التي غالباً ما نراها هادئة لا تتخذ أي قرار مهما صغُرت بساطته قبل الرجوع إلى والدي.


    كنت في ربيعي السادس عشر عندما بدأت أُعجب به دون أن نلتقي، ففي غيابه -في بيتهم- ومع حسناء كنا ندخل إلى غرفته نرتبها، نقرأ في كتبه ، نجهز له ملابسه، كنت أختلس النظر إلى صورته ، أراه أحياناً يكلمني ، لا لا إنني أكذب فأنا كنت أكلمه، كنت أقول له : أنت لا تعرفني ، لكنني أعرفك جيداً، أعرف عنك كل ما يهمني أن أعرف، تعجبني نظراتك.....



    كم تحدثت إلى صورته، كم جهزت له الطعام مع حسناء، حتى صرت أعرف ذوقه في الطعام واللباس. حيائي الذي كان يدفعني لأخفي عن حسناء ما يختلج في نفسي هو نفسه الذي كان يفضح بعض أساريري، لابد وأن حسناء تدرك اهتمامي بأخيها، لكن ذكاءها -سر محبتي لها- كان دوماً يجمح رغبتها في التحدث إليّ في هذا الأمر.


    غاب جميل أكثر من سنتين في تأدية خدمة العلم كنت خلالهما قد حصلت على شهادتي الثانوية، شاركنا جيراننا فرحتهم بعودة جميل وشاركونا فرحتنا بنجاحي بمعدلي العالي، لكننا، جميل وأنا لم نلتق إنما تلاقت نظراتنا من بعيد....

    في هذا الصباح تتحدث الخالة أم جميل إلى والدتي وأنا أعد لهما القهوة لتستمر أحاديث الصباح التي بدأت منذ سنوات وليس لها نهاية، أسمعها تقول لأمي :


    _ والله يا أختي ، ابني جميل ينوي الهجرة إلى كندا وقد حصل على التأشيرة، لكنني أريد أن أزوجه قبل أ ن يسافر

    في المساء ، تحدثت أمي إلى أبي قائلة:

    _ كانت هنا أم جميل صباحاً وحدثتني عن هجرة ابنها إلى كندا وتريد تزويجه قبل السفر، كانت من خلال حديثها تجس نبضنا لتعرف إن كنا نوافق على زواجه بابنتا.... أجابها أبي بحزم ليقطع هذا الحديث نهائياً:

    _ بالتأكيد لا نوافق، إنهم عائلة ممتازة وجميل شاب يعجبني جداً لكن إلى الغربة لانوافق، إن فتحتْ لك الموضوع ثانية أعطها جواباً قطعياُ بالرفض.


    وهذا ما حصل بالفعل إلى أن جاءتنا يوماً الخالة أم جميل مبتهجة بعثورها على عروس لابنها فيها كل المواصفات التي يريدونها مع موافقة أهلها على موضوع الهجرة.


    كانت حسناء تواسيني في كل مرة تحدثني عن ما يجري من أمور التجهيز لحفلة الزواج ، وفي كل مرة تقول لي ، لكنني أحبك أكثر، لكنني كنت سأكون في قمة السعادة لوكنت أنت ....

    نحن جيران منذ زمن بعيد ونحن بالطبع من أول المدعوين إلى حفلة الزواج التي تقام في بلدنا على طريقتنا، حفلة للرجال وأخرى منفصلة للنساء، لا أدري لماذا أرادت أمي أن أكون بأبهى حلتي ، فقد جهزتني بالزينة واللباس وأسرفت في ذلك، ربما كانت تريد تعويضي عن حزن ما بداخلي شعرتْ به، فقلب الأم يعلم عن الأبناء مالا يعلمونه هم عن أنفسهم. وبالفعل كنت سعيدة وشعرت ببهاء وسرور. وقبل خروجي من البيت وقفت أمام المرآة لأتأكد من أنني على الشكل الذي طالما تمنيته، لكني لمحت صورة أخرى ، صورة كانت مخيّلتي قد رسمتها لنفسي عندما كانت جدتي تبتهل إلى الله أن يكتب لي السعادة مع الرجل الذي أتمناه.....

    عندما دخلتُ صالة الأفراح انتابني شعور غريب وأنا أنظر إلى تلك التجهيزات التي من شأنها أن تجعل حفل الزفاف حفلاً فاخراً..... كل الأمور تسير على ما يرام، امتلأت الصالة وبدأ صخب الحفلة يسرق الجميع من أنفسهم.... مضى حين من الوقت والسعادة الظاهرة تغمر الجميع وحان موعد وصول العروس، وبدأت تتردد تلك الكلمة بالهمس أحياناً وبالاشارات أحياناً أخرى:

    أين العروس.....أين العروس



    كانت الحفلة قد تجاوزت منتصفها عندما حصلت بلبلة كبيرة ، فالعروس لم تأتِ وعلى ما يبدو أنها لن تأتي، أرى أمي تقف بجانب الخالة أم جميل وتحاول تهدئتها.... حديث قصير دار بين هاتين الصديقتين جاءتا بعده إليَّ على عجل تسألاني :

    _هل تقبلينه يا ابنتي ؟ هل ترضين أن تكوني أنتِ عروسنا اليوم ؟؟


    لا شك أن المفاجأة كانت شديدة وقد صنعت لي اختلاطاً كبيراً في المشاعر، شعرتْ حسناء بما يدور في خاطري فأظهرت فرحتها الشديدة وتأييدها المطلق فنقلوني إلى غرفة خاصة ليسمعوا إجابتي، همستْ أمي: ابنتي إن كنت موافقة فسأستدعي والدك للتحدث إليه، فقلت لهن : فليأت جميل أولاً.


    فهمت الخالة أم جميل مقصدي فاستدعت ابنها الذي كان ينتظر خارجاً وطلبت منه أن يُسمعني تلك الكلمات التي سترفع من معنوياتي وتدفعني للموافقة، جاء جميل وقبل أن يتكلم بادرتُ بسؤاله : هل أنت حقاً تريدني يا جميل، أم أنها.... قاطعني جميل قائلاً: والله كـُنتِ أنتِ اختياري الأول اسأليها والتفتَ إلى حسناء طالباً العون، حسناء ، الأخت والصديقة والرفيقة، أجابتْ بعبارة واحدة : جميعنا كنا نعتقد بأنكِ خير عروس لأخي.....

    بدموع الفرح والرضا راحت أم جميل تقبل والدتي، تعانقها وتقول لها: جاء دورك لتقنعي والد العروس ، كل شيء جاهز وأنتِ تعلمين يا أختي أن وعدي كوعد الرجال، ستكون ابنتك سعيدة أنا متأكدة ، أنا التي ربيت جميلاً وأنا واثقة من ذلك ، جاء دورك أن تقنعي والدها.....سأخرج إلى الناس لأعلن استمرار الحفل وأن العروس قادمة فهكذا سنكسب مزيداً من الوقت لتقومي بدورك.


    خرجت الجارتان وعادتا بعد نصف ساعة تقريباً وبعودتهما استدعاني أبي ليسألني :

    _ ابنتي هل أنت موافقة ؟ الشيخ ينتظرني لنعقد القران ....

    الصمت ، وهل لي إلا الصمت

    _ حسناً يا ابنتي هل لك شروط ؟؟

    _ لا يا أبي ، شرطي الوحيد هو رضاك عني وأن تقرأ الفاتحة إلى روح جدتي

    بنظرات استغراب ودّعني أبي على عجل قائلاً: مبروك يا ابنتي....


    في الفترة الأولى من زواجنا أصاب جميل بعض الملل من حديثي الوحيد الذي كنت أكرره له يومياً حتى قال لي مبتسماً : والله حفظته عن ظهر قلب. كنت أحدثه كل يوم عن قصتي مع جدتي وعن دعوة جدتي المستجابة....


    مضى على هذا العرس أكثر من ثلاثين عاماً، عشت مع جميل أياماً جميلة. كوّنا أسرة صغيرة ، لا يشوب سعادتها إلا أننا في الغربة....لكنني لازلت لاأدري كيف تحدثت أمي إلى أبي وحصلت على موافقته، أهو حق الجيرة الذي يجعل الجار بمنزلة الأخ ؟؟ وربما أكثر.....


    أحكي لكم شيئاً من ذكرياتي وأنا أحتضن حفيدي جميل الصغير ...... أداعبه، وأدعو له......

    بقلم محمد عبد الوهاب جسري


رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    الحالة : ربيع العمر غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Sep 2010
    رقم العضوية: 3170
    المشاركات: 287
    معدل تقييم المستوى : 48
    Array

    اخي الكريم محمد

    ابداع متجدد بأسلوب راقي سلمت يمناك

    ننتظر جديدك ش

    دمت بالف خير


  • #3
    الحالة : حسن حاضري غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Feb 2010
    رقم العضوية: 18
    الدولة: السعودية
    الإهتمامات: المطالعة والرياضة
    السيرة الذاتية: حسن
    العمل: محاسب مراقب في قناة فضائية
    المشاركات: 2,350
    الحالة الإجتماعية: متزوج
    معدل تقييم المستوى : 209
    Array

    مشكور اخي على ما نثرت

    انا البحر في احشائه الدر كامن فهل سالوا الغواص عن صدفاتي


  • #4
    الحالة : En.Khaled Alfaiomi غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Feb 2010
    رقم العضوية: 2
    الدولة: Europe
    الإهتمامات: مساعدة الأخرين
    السيرة الذاتية: www.ourtech.net
    العمل: كبار استشاري أمن المعلومات في شركة مايكروسوفت
    المشاركات: 7,004
    الحالة الإجتماعية: متزوج
    معدل تقييم المستوى : 678
    Array

    مبدع دائما متابع لكم

    لتوصل معي على الفيس بوك بإمكان اضافتي على الحساب التالي :
    https://www.facebook.com/Microsoft.Engineer
    نصائح واستشارات امنية في مجال امن المعلومات والإتصالات
    كبار استشاري امن المعلومات في شركة مايكروسوفت

  • صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. حبيبي أنا مهاجر....بقلم محمد عبد الوهاب جسري
      بواسطة محمد عبد الوهاب جسري في المنتدى ملتقى أبداع المغتربين السوريين Syrian Creativity
      مشاركات: 11
      آخر مشاركة: 10-21-2010, 08:55 PM
    2. كفاكِ أدمعـا .... بقلم محمد عبد الوهاب جسري
      بواسطة محمد عبد الوهاب جسري في المنتدى ملتقى أبداع المغتربين السوريين Syrian Creativity
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 10-21-2010, 08:52 PM
    3. مذكرات مغترب (1) لماذا أنت هنا...؟؟ بقلم محمد عبد الوهاب جسري
      بواسطة محمد عبد الوهاب جسري في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 10-16-2010, 06:01 PM
    4. دعيني أحبك...بقلم محمد عبد الوهاب جسري
      بواسطة محمد عبد الوهاب جسري في المنتدى ملتقى أبداع المغتربين السوريين Syrian Creativity
      مشاركات: 12
      آخر مشاركة: 09-30-2010, 12:10 PM
    5. كاسك يا وطن.... بقلم محمد عبد الوهاب جسري
      بواسطة محمد عبد الوهاب جسري في المنتدى ملتقى الحـــوار العام للمغتربين السوريينDialogue Discussion Forum
      مشاركات: 9
      آخر مشاركة: 09-28-2010, 07:34 PM

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1