ارتبط موضوع أصل الحياة والإنسان في تاريخ العلوم بالداروينية نسبة إلى دارون في كتابه "أصل الأنواع" الذي صدر في منتصف القرن التاسع عشر وقال فيه بتطور أنواع الأحياء بآليات افترضها مضمونها الصدفة, وخالفته الكشوف العلمية لاحقا فغير أنصاره الملامح تحت اسم الداروينية الجديدة مع استمرار الحفاظ على مضمون الصدفة, ويفترض سؤال اتفاق علماء الطبيعة عليها ابتداء فيقول: (هل هناك اتّفاق بين المختصين في العلوم وبين علماء الإسلام في مسألة أصل الإنسان؟), ولكن لم يتفق المختصون عليها بحيث يصادم علماء الإسلام الواقع إذا خالفوهم, ومستعينا بالله تعالى أوجز القول في ضوء ثوابت علم الأحياء Biology وعلم تاريخ الإنسان Anthropology مبينا أن النقطة الجوهرية هي رفض فلسفة الحدوث ذاتيا صدفة مهما كانت كيفيات تقدير الخلق وفق ما يكشفها العلم, وأن تدرج التنويع ليس بالضرورة تطورًا, وذلك في النقاط التالية:



(1) معجزة التنويع في الخلق:

أعلن مِندل عن اكتشاف قوانين الوراثة عام 1865 فمهد لولادة علم الوراثة Genetics في أوائل القرن العشرين, وقبل نشوء علم الوراثة ومعرفة دور الجينات في الحفاظ على صفات النوع وراثيًا رأي لامارك Lamarck عام 1809 أن أفراد الكائنات الحية تنقل السمات التي اكتسبتها في حياتها إلى الأبناء، فالزرافة مثلا تطورت عن طريق إطالة أعناقها شيئاً فشيئاً عندما كانت تحاول الوصول إلى الأغصان الأعلى، ولم يدرك دارون كذلك آلية الحفاظ على توريث صفات النوع وإن تنوعت الأفراد فافترض تغيره ذاتيا صدفة لأسباب خارجية عزاها إلى الطبيعة, ولكنها لا تمتلك إرادة واعية لتقرر ما ينفع وتنسق العمل بين الأعضاء وبين الذكر والأنثى فلا بد إذن من قوة عليا مدبرة, ومن المسلمات عند العقلاء أن البيت المرتب الأثاث لا يبني نفسه وينظم أثاثه ذاتيا وأنه لا بد من إرادة واعية بنته ورتبته, ولكن الفلسفة المادية Materialism أفرزت نظرية التطور عام 1859 مخالفة أبسط المسلمات عندما افترضت أن الفوضى Chaos يمكن أن تصنع نظاما وأن الترتيب يوجد ذاتيا صدفة, فجوهرها في تفسير معجزة تنوع الأحياء هو إبداعات الصدفة ولذا من الأولى كشف القناع بتسميتها "نظرية الصدفة", ولكن أدى اكتشاف تركيب الحمض النوويDNA البالغ التعقيد ليحافظ على سمات أسلاف كل نوع ويورثها للنسل إلى نقض قواعد نظرية دارون من الأساس, ومع ذلك استمر ترويجها مما يعكس غرضا عقائديا أكثر من كونها اهتمامات علمية بحتة.

وتدّعي الداروينية Darwinism أن الحياة بدأت بخلية تكونت صدفة من مركبات غير عضوية في ظروف أولية للأرض, ولكن لم ينجح أبداً أي شخص في تكوين تركيب خلوي واحد من مواد بسيطة ولا حتى في أكثر المختبرات تطوراً, والخلية أكثر تعقيدا وروعة في أداء وظائف الحياة مما كان يظن دارون في القرن التاسع عشر فهي تحتوي على محطات لتوليد الطاقة ومصانعَ مدهشة لإنتاج الإنزيمات والهرمونات اللازمة للحياة ونظم نقلٍ وخطوطَ أنابيب معقدة لنقل المواد الخام والمنتجات ومختبرات بارعة ومحطات تكرير تحلل المواد الخام إلى أجزائها الأبسط وبروتينات حراسة متخصصة تغلف أغشية الخلية لمراقبة المواد الداخلة والخارجة وبرنامج بالمعلومات الضرورية لتنسيق الأعمال في وقتها, فهل يُبني هذا كله ذاتيا صدفة!.



وقد رأى البعض بحساب الاحتمالات أنه أيسر لقرد يعبث بمفاتيح آلة كاتبة أن يصنع قصيدة صدفة من صنع بروتين واحد صدفة فما بالك بالنظام والتخطيط والتصميم البديع الذي نراه في كل الكائنات الحية وجميع التكوينات في الكون أجمعه, ووفق الموسوعة العلمية البريطانية فإن اختيار كل الأحماض الأمينية Amino Acids وهي أساس تكوين البروتينات لتكون عسراء الاتجاه صدفة بلا تدخل واع أشبه بقذف عملة معدنية في الهواء مليون مرة والحصول دائماً على نفس الوجه!, ونشأة خلية حية واحدة من ذاتها يعد احتمالا مستحيلا مثل احتمال قيام القرد بكتابة تاريخ البشرية كله على آلة كاتبة بلا أخطاء, ويعني هذا أن خلية حية واحدة تتحدى مقولة الصدفة, وقد بين السير فِرِِد هويل Sir Fred Hoyle في مقالة نشرت عام 1981 أن احتمال ظهور أشكال الحياة صدفة يقارن بفرصة قيام سيل يمر بساحة خردة بتجميع طائرة بوينج 747 صالحة للطيران, والنتيجة التي يقود إليها العلم والمنطق وليس الإيمان فحسب هي أن كل الكائنات الحية قد جاءت بتخطيط واعي وقصد أكيد, ومن يظل معتقدا في عصرنا بالفلسفة المادية بعدما دحضها العلم في مجالات علمية شتى عليه ألا يحسب نفسه من المحققين, قال ماكس بلانك: "ينبغي على كل من يدرس العلم بجدية أن يقرأ العبارة الآتية على باب محراب العلم: (تَحلَّى بالإيمان)", وقال الدكتور مايكل بيهي: "على مدى الأربعين سنة الماضية اكتشف علم الكيمياء الحيوية.. أسرار الخلية، وقد استلزم ذلك من عشرات الآلاف من الأشخاص تكريس أفضل سنوات حياتهم.. وقد تجسدت نتيجة كل هذه الجهود المتراكمة.. لدراسة الخلية.. في صرخة عالية واضحة حادة تقول: التصميم المبدع! والتصميم الذكي المبدع يؤدي حتماً إلى التسليم بوجود الله"*.



والتبصر في الأسماك والنباتات والحشرات والطيور وحيوانات البر وهي غافلة عنه يعني وجود توجيه وقصد لم تفرضه ضرورة وإنما أملته إرادة عليا تعلم بكل شيء فأعدت للحدث قبل وقوعه, فأقدام البط تمتلك غشاء منذ خروجه من البيض وليس وليد محاولة العوم, والثدي يمتلئ بلبن سميك Colostrum قبيل ولادة الجنين وكأنه على علم مسبق بموعد الولادة, وقد وصف تشاندرا كراماسنغي الحقيقة بقوله: "تعرض دماغي لعملية غسيل هائلة كي أعتقدَ أن العلوم لا يمكن أن تتوافق مع أي نوع من أنواع الخلق المقصود.. (ولكني الآن) لا أستطيع أن أجد أية حجة عقلانية تستطيع الوقوف أمام وجهة النظر المؤمنة بالله.. الآن ندرك أن الإجابة المنطقية الوحيدة للحياة هي الخلق وليس الخبط العشوائي غير المقصود", وطريق معرفة آلية التنويع هو البحث العلمي, ولكن بدء النشأة وتجددها في الأحياء والوظائف المحددة لكل تركيب خلوي وانسجام كل عضو مع مثيله وتناسب كل زوج مع بيئته ونظيره هو عند النابهين دليل أكيد على الخلق والتوجيه مهما كانت الكيفيات, وهذا ما يعلنه القرآن الكريم ولا يصعب إدراكه حتى على البسطاء: "سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ. الّذِي خَلَقَ فَسَوّىَ. وَالّذِي قَدّرَ فَهَدَىَ" الأعلى 1-3.



وتحت ضغط الحقيقة أقرت مصطلحات علمية مبدأ الخلق مثل التصميم الذكي Intelligent Design والكون الذكي Intelligent universe والتطور المبرمج Programmed Evolution والتطور الموجه بوعي Rational Directed Evolution وكلها تفصح عن تنظيم وتوجيه بلا فوضى وإنما تقدير Predestination فتعلن أن العلم يقود للإيمان, قال الفيزيائي هاوكنج Hawking: "ليس كل تاريخ العلم إلا التحقق التدريجي من أن الأحداث لم تقع بطريقة اعتباطية بل تعكس ترتيب ونظام ضمني أكيد"(1), وقال: "طالما أن للكون بداية (واحدة أكيدة) فحتما لا بد من خالق (واحد)" (2), وقال الشيخ جوهري: "هذا النظام الجميل شاهد عدل على إله نظمه بعلمه وأحكمه بقدرته فإن هذا العالم المشاهد لا يمكن أن يصدر إلا عن إرادة لأن المادة عمياء جاهلة والجاهل لا يعطي علما"(3), والقرآن الكريم يدعو لتأمل تلك الحقيقة وراء الخلق: "أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِيءُ اللّهُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ. قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمّ اللّهُ يُنشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" العنكبوت 19و20.



(2) لطمات في تاريخ الداروينية:

دلت أقدم المتحجرات Fossils التي بلغ عمرها حوالي 600 مليون سنة على أن الحياة ظهرت بأشكال عديدة فجأة حتى وصف ظهورها بالانفجار Explosion, وظهرت بهيئات بسيطة أولا من اللافقاريات Invertebrates ولكنها معقدة التركيب ابتداء بحيث امتلك بعضها عيون ذات عدسات كالفقاريات Vertebrates, ولا يعلم أحد حتى اليوم على وجه اليقين كيف ظهرت هذه الأنماط المعقدة دون أسلاف سابقة انحدرت منها, ومع هذا التنويع الهائل لا يمكن تفسير نشأة أشكال الحياة إلا بخطوات مقررة مسبقا في سجل خطة الخلق محددة الخطوات عند نشأة الكون نفسه بلا سبق مادة منذ نحو: 10-15 بليون سنة.



وطبقا للداروينية تكونت للأسماك أقدام بدل الزعانف وخرجت للبر لتكون البرمائيات ثم الزواحف ثم الطيور والثدييات, ولكن الفك السفلي للثدييات يتكون من عظمة أما في الزواحف فتوجد ثلاث عظام صغيرة على جانبي الفك السفلي, وكل الثدييات لديها ثلاث عظام في أذنها الوسطى هي المطرقة والسندان والرِّكاب بينما توجد عظمة واحدة في الأذن الوسطى لدى كل الزواحف, فإذا كان عدد العظام مقياسا للتطور فأيهما أكثر تطورا: ذوات العظام الثلاثة أم العظمة الواحدة أم أن الكل مؤهل في أقصى درجات الكمال بما يناسبه والتسلسل في ظهور الكائنات وانقراضها ما هو إلا تجدد في الإبداع بروعة مذهلة!.



وقد تنبأ دارون قائلا: "إذا كانت نظريتي صحيحة فمن المؤكد أن هناك أنواعاً وسيطة لا حصر لها.. ولا يمكن أن تتوفر أدلة على وجودها في الماضي إلا بين بقايا المتحجرات", ومنذ القرن التاسع عشر يبحث أنصاره عن حلقة مفقودة بلا جدوى فتسببوا دون قصد في تكذيب نبوءته وإن ملئوا الساحة برسوم ظنية وأفلام خيالية للتأثير على العامة ولكنها تفتقر لأدلة علمية, فالمشكلة الأساسية في إثبات الداروينية تكمن في سجل المتحجرات نفسه فلم يكتشف قط أية آثار للحلقات الوسيطة بين الأنواع وعوضاً عن ذلك تظهر أجناس وتختفي أخرى, وقد اكتشفت متحجرة سمكية لها ما يشبه الرئة البدائية قدر عمرها بحوالي 410 مليون سنة سموها كولاكانث Coelacanth وافترض أنها الحلقة الوسيطة بين الأسماك والبرمائيات, ولكن في 22 ديسمبر عام 1938 اصطيدت من المحيط الهندي أول سمكة حية من نفس النوع فتبين أنها لا تعيش قريبا من السطح لتغزو اليابسة وإنما على عمق لا يقل عن 180 مترا وأن ما حيك حولها من وجود رئة بدائية لجعلها حلقة وسيطة مجرد افتراء.



ويشكل تركيب الطيور خاصة الأجنحة ذات الريش والعظام الخفيفة عائقا كبيراً لفرضية دارون, فمن غير الممكن أن تكون قد تشكلت جميع تركيبات الطيور المطلوبة للطيران على انفراد تدريجياً هكذا صدفة عن طريق تراكم تغييرات موجهة في الإتجاه الصحيح دوما, وافترضت الحلقة الوسيطة بعد ظهور الديناصورات مع العثور على بقايا متحجرة لما يشبه ديناصور صغير له أجنحة سموه الأركيوبتركچ Archaeopteryx يشتبه عدم نمو عظمة القص عنده وبالتالي عضلات صدره بما يكفى للطيران، ومع اكتشاف متحجرة عام 1992 تبين أنه ليس إلا طائرا منقرضا من ذوي الأسنان بعظمة قص عادية وريش وهو من ذوات الدم الحار بعكس الديناصور الذي يخلو بعضه من الأسنان, ومثله في وجود مخالب الأجنحة للتمسك بالأشجار كمثل بعض الطيور اليوم مثل طائر التاووراكو Taouraco وطائر الهواتزن Hoatzin، واكتشفت في الصين عام 1995 متحجرة لطائر معاصر له بلا أسنان سموه كونفوشيوسورنيس Confuciusornis مما ينفي أن الأسنان بالضرورة سمة للزواحف*, والخفاش يطير كذلك وهو حيوان ثديي ينتمي إلى فصيلة تختلف كل الاختلاف عن فصيلة الطيور, والحوت يسبح مع الأسماك وهو أيضا حيوان ثديي يختلف عن الأسماك, ولا سبيل لتفسير هذا التنوع البديع المعجز إلا القدرة المبدعة الخلاقة التي أتقنت كل شيء.



وكانت الضربة القاصمة للداروينية مع اكتشاف توريث صفات Traits كل نوع بما يحفظ خصائصه, وفي محاولة يائسة افترضت عام 1941 الطفرة Mutation ضمن النظرية التركيبية الحديثة للتطور The Modern Synthetic Evolution Theory, وسميت فرضية التطور البطيء التدريجي نتيجة تراكم تغييرات جينية باسم "الدارونية الجديدة New Darwinism", ولكن ثبت أن الطفرة لم تأت بكائن جديد وإنما بمسخ عقيم إذا لم تكتف بتخريب وظائف الجينات في الحامض النووي الذي يحفظ الصفات, وقد باءت كل المحاولات بفشل ذريع حتى في الإتيان بميزة نافعة واحدة جديدة, فأُدخلت الطفرات على ذبابة الفاكهةDrosophila جيلاً بعد جيل لأكثر من خمسين سنة فلم ينتج سوى التشوهات ولم تخرج ذبابة واحدة قط بصفة واحدة جديدة محمودة، وأما نتيجة إحداث الطفرات على الإنسان فالمثال الحي ما حدث للسكان الأبرياء في هيروشيما وناجازاكي عام 1945 حيث لم يكتسب ناج بعد إلقاء القنبلتين النوويتين أي صفة وراثية محمودة سوى التشوهات التي طالت الأجنة في بطون الأمهات وإصابة مختلف الأعمار بالسرطان, وفوق ذلك لم يعثر على أي من الأشكال الانتقالية التي من المفترض أن تدعم التطور التدريجي, وكشف التشريح المقارن كذلك أن الأنواع التي يفترض أنها تطورت بعضها من بعض تتسم بسمات تشريحية بعيدة الاختلاف مما يستبعد الانتقال التدريجي, ولذا استبدل بفرضية التطور بقفزات كبيرة متفرقة في بداية السبعينيات.



فاقترح بعضهم على سبيل المثال أن أول طائر خرج من بيضة إحدى الزواحف كطفرة هائلة؛ أي نتيجة صدفة ضخمة حدثت في التركيب الجيني, ولكن الطفرات لا تؤدي سوى إلى تلف المعلومات الوراثية ومن ثم فإن الطفرات الكبيرة لن ينتج عنها إلا تلفيات كبيرة، ولكن هل نشأت الحياة ذاتها كطفرة فجائية كبيرة! وهل نشأ الكون ذاته كذلك كطفرة ضخمة!, ومضمون الداروينية الجديدة تراكم طفرات عشوائية في التركيب الجيني تدريجيا أو فجائيا ويتم انتقاء سمات أنفع بآلية الانتقاء الطبيعي كأساس للتطور!, ولكنها بوجهيها كالدارونية القديمة تماما لم تكن نظرية علمية أبداً بل كانت مبدأ فلسفي يروج للإلحاد بخفاء حذر, ولو صح الانتقال التدريجي أو الفجائي في نشأة الأنواع فلن يكون ذلك مصادفة بل كعمليات خلق موجهة بوعي.

(3) التزوير في تاريخ الداروينية:

يقوم الداروينيون بإعادة البناء بالرسوم أو النماذج استناداً إلى بقايا المتحجرات باستخدام التخمين، ويمكنك أن تشكل من جمجمة نموذجا بملامح شمبانزي أو بقسمات فيلسوف ولذا لا تحظى بأي قيمة علمية وإن ضللت العامة, وتعد الرسوم الثلاثة المختلفة لمتحجرة القرد الأفريقي الجنوبي القوي (Australopithecus robustus) Zinjanthropus مثالاً شهيراً لمثل هذا التزييف.



ومع ذلك فإن هذه الحيل تبدو بريئة إذا ما قورنت بأعمال التزييف المتعمدة التي ارتكبت في تاريخ الداروينية, فلا يوجد دليل حفري موثوق على وجود حلقة وسيطة بين الإنسان وأقرب الثدييات شبها, فادعى تشارلز داوسون عام 1912 الحلقة المفقودة بعثوره على جزء من جمجمة وعظمة فك داخل حفرة في بيلتداون بإنكلترا فسماه إنسان بِلتْداون Piltdown Man, وعرضت العينة في المتحف البريطاني بزعم أن عمرها خمسمائة ألف سنة وكُتب عنهما ما لا يقل عن خمسمائة رسالة دكتوراه، ولم تكتشف الخدعة إلا عام 1949 عندما اختبر المتحف عمرها بطريقة الفلورين فتبين أن الجمجمة عمرها نحو خمسمائة سنة والفك حديث العهد يرجع لقرد والأدوات الحجرية الموضوعة معهما مقلَّدة فأعلنت الفضيحة عام 1953 على الجمهور.



وفي عام 1922 أعلن مدير المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي عن عثوره على ضرس متحجرة في نبراسكا يحمل صفات مشتركة بين الإنسان والقرد، فسماه البعض إنسان نبراسكا كما أُعطي له في الحال اسماً معقدا صعب النطق حتى يضفي نوعا من العلمية هو هسبيروبايثيكوس هارولدكوكي Hesperopithecus Harold*****, واستناداً إلى الضرس الأوحد رُسمت الرأس وأعيد بناء الجسد تخمينا بل تم رسمه مع زوجته, ولكن في عام 1927 عُثر على أجزاء أخرى من نفس الهيكل العظمي وتبين أن ذلك الضرس الأوحد يخص نوعاً منقرضاً من الخنازير البرية يسمى بروثينوبس Prosthennops.



وشجرة عائلة الإنسان المزعومة تمتد إلى القرد الأفريقي الجنوبي Australopithecus, ومنه نشأ الإنسان مستخدم الأدوات Homo habilis ثم الإنسان منتصب القامة Homo erectus, وأخيرا ظهر الإنسان العاقل Homo sapiens, وأما التصورات الحديثة بنشأة الإنسان في غير أفريقيا أو أنه عاش بجانب القرد الأفريقي فهي دليل على التخبط, والطريقة التي تتحرك بها القردة أسهل وأسرع وأكفأ من مشية الإنسان على قدمين فهو لا يستطيع أن يتحرك بالقفز بين الأشجار, ووفقاً لمنطق نظرية التطور كان حرياً به من هذا الجانب أن يتطور ليصبح من ذوات الأربع, وتبلغ أنواع القردة أكثر من ستة آلاف نوع لم يتبق منها اليوم سوى حوالي مئة وعشرين نوعاً فقط وتمثل البقية المنقرضة مصدراً ثرياً لتزييف الحقائق, والمتحجرات التي يدّعى أنها أسلاف للإنسان فإنها إما تخص قرودا منقرضة أو تخص أجناساً بشرية قديمة عاشت حتى فترة قريبة ولها نفس الهيئة والصفات الجسدية لبعض المجتمعات البشرية اليوم, وفي البحث الحديث الذي أجري في عام 1994 حول قنوات التوازن في الأذن الداخلية تم تصنيف القرد الجنوبي والإنسان مستخدم الأدوات ضمن فئة القردة بينما صُنّف الإنسان منتصب القامة ضمن فئة البشر, وأشهر العينات المكتشفة في أفريقيا ونسبت زورا للإنسان منتصب القامة هي تلك التي عُثر عليها قرب بحيرة توركانا في كينيا ثم تبين لاحقا أنها لغلام في الثانية عشر من عمره لذا سميت متحجرة غلام توركانا Turkana Boy, وما سموه بالنياندرتاليين Neanderthals هم جنس بشرى قد أثبتت الكشوف أنهم كانوا يدفنون موتاهم ويصنعون الآلات الموسيقية, وإذا كانت سعة الجمجمة معيارا للذكاء فالإنسان الكرومانيوني Cro-Magnon أكثر ذكاء من الإنسان حاليا لأن سعة جمجمته أكبر*.