الشيخ "طاهر بن صالح الجزائري" الدمشقي 1858- 1920 هو شيخ العلماء في عصره ورائد النهضة الفكرية، وأستاذ علماء الشام مفكريها، وفدت أسرته إلى "الشام" هرباً من عسف الاستعمار الفرنسي للجزائر، وفي "دمشق" ولد الشيخ "طاهر" عام 1858 في أسرة تقوى، علم وصلاح، وتلقى علومه على أيدي شيوخ العلم بدمشق وبينهم العلامة الشيخ "عبد الغني الميداني"، فشبّ على حب العلم والتعلق به، وأولع بشكل خاص بعلوم الطبيعة والرياضيات إلى جانب ما وعاه من علوم اللغة وأحكام الفقه، إضافة إلى دراسة العديد من اللغات كالتركية والفارسية، والإلمام بالفرنسية والحبشية والعبرانية والبربرية، عين في البداية معلماً بالمدرسة الظاهرية، وشارك في تأسيس "الجمعية الخيرية" الهادفة إلى نشر اللغة العربية، ومساعدة الطلاب على إتمام تحصيلهم وتوجيههم إلى حب الخير والوطنية الصادقة».
كما يحدثنا الباحث "محمد مراد" بقوله: «ذاع صيت الشيخ "طاهر" بين الناس بذكائه وعلمه وسعة اطلاعه، وحفظه لأحداث التاريخ وأسرار الشريعة وأحكامها، فتحلق حوله طلاب العلم للإفادة من علمه الواسع، كذلك صحبته طائفة من مفكري "دمشق" وبينهم "رفيق العظم، ومحمد كرد علي، وشكري العسلي، وفارس الخوري، وعبد الرحمن الشهبندر، ومحب الدين الخطيب، والشيخ سليم البخاري، وجمال الدين القاسمي، وعبد الرزاق البيطار" وغيرهم، أسهم الشيخ "الجزائري" في فتح المدارس بدمشق والمدن السورية، وكان من مع زملاءهمؤسسي الجمعية الخيرية التي افتتحت العديد من المدارس وعينت لها المعلمين لتعليم المئات من الطلاب، وتوجيههم إلى الخير والعلم، والتفت الشيخ إلى تأليف الكتب المدرسية في العلوم الدينية والعربية والرياضيات، كما اهتم بتأسيس دور عامة للكتب، بدأها بالمكتبة "الظاهرية" التي أنشأها في قبة الملك "الظاهر بيبرس"، وجمع لها عشرات الكتب النادرة والمخطوطات الثمينة، وهي اليوم مفخرة من مفاخر "دمشق" العلمية، وأسس الشيخ "الجزائري" المكتبة "الخالدية" الوطنية في "القدس"».
عمل "الجزائري" مفتشاً لدور الكتب العامة فأنفق عمره للاهتمام بها، وإغنائها بكنوز المخطوطات في الفكر والتراث الأدبي، وعرّضه نشاطه الفكري الإصلاحي لنقمة السلطات التركية، فاضطر للجوء إلى "مصر"، والمشاركة في تحرير بعض الصحف الأدبية، كما عكف على التأليف ونشر بعض كتبه، واستمرت إقامته بمصر ثلاثة عشر عاماً، ثم غادرها إلى "دمشق" حين أعلن عن قيام حكومة "فيصل" العربية، وفيها عيّن مديراً عاماً لدار الكتب "الظاهرية" كما ضمّه المجمع العلمي العربي إلى عضويته».
في الخامس من كانون الثاني عام 1920، كان رحيل العلامة الشيخ، تاركاً ثروة من مؤلفاته نافت على العشرين كتاباً طبع منها "التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن، إرشاد الألبا إلى طريق تعليم ألف باء، تسهيل المجاز إلى فن المعمى والألغاز، التقريب لأصول التعريب، مراقي علم الأدب، رسائل عبد الحميد بن يحيى الكاتب، طبعة باعتناء الشيخ الجزائري ومحمد كرد علي والجواهر الكلامية في إيضاح العقيدة الإسلامية"».
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)