هي سر من الأسرار التي اختلفت الروايات حولها، لا أحد يعرف بدقة أصل الحكاية. خزانة قبة صحن الجامع الأموي هي إحدى خزائن كتب التاريخ التي أنشئت في "دمشق" حيث يُذكر أن أول خزانة كتب في الإسلام أنشئت في دمشق، أنشأها حكيم آل مروان "خالد بن يزيد الأموي"، وكانت تحوي العلوم التي نقلها من القبطية واليونانية والسريانية في الكيمياء والطب والنجوم والجغرافيا وغير ذلك. يقول "محمد كرد علي" في كتابه الشهير "خطط الشام" وهو يتحدث عن مصائب مكتبات دمشق "ومن الخزائن المشهورة التي بعثرت في عهدنا ولم نعرف متى جمعت، خزانة قبة صحن الجامع الأموي بدمشق.
وكما تعرّض الجامع الأموي لكثير من الزلازل والحرائق وتعديات الزمن وعمليات النهب لخزائن كتبه النفيسة، تعرّضت كنوز هذه القبة لهذه العمليات أيام الخلافة الأموية كما ذكرت مجلة المشرق عام 1902م، ففي النصف الأخير من القرن التاسع عشر ميلادي دخلها قنصل إنكلترا "روجرس" ليلاً مع بعض السياح وانتقى أشياء مهمة، ثم دخلها بعده "محمود حمزة" مفتي دمشق ولما مر من دمشق البارون "هرمن فون سودن" مدرّس اللاهوت في كلية برلين رأى القبة وعلم بما فيها وحاول الدخول إليها فلم يستطع وعندما عاد إلى بلده زين لدولته أمر هذه القبة وسعت حكومته لدى الحكومة العثمانية لفتحها والترخيص لعلمائهم في زيارتها وفحص مضمونها، وكان يتمنى أن يجد فيها بعض ما يعينه على إدراك خدمة لا يزال دائبا وراء إنجازها، وهي تهيئة نسخة من الإنجيل اليوناني كما ذكر "حبيب الزيات" وهو مشروع خطير انتدبته للقيام به إحدى السيدات الثريات في ألمانيا دائباً وراء إنجازها.
ومع كل ما بذل إلا أنه لم يحفل بتحقيقه إلا في نيسان في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، إذ صدر الإذن بفتح القبة لاستطلاع ما فيها بحضرة والي سورية "ناظم باشا" في عام 1313 هـ مع لجنة من علماء دمشق ممن استدعاهم البطريرك "أغناطيوس أفرام رحماني" لأنه كان خبيراً بعدة لغات شرقية، فلما علم البارون "فون سودن" بصدور هذا الإذن أوفد سريعا من قبله بمعرفة جمعية العلوم الملكية في برلين د."برونو فيوليت" أحد تلامذة العلامة "نولد كي فورد" إلى دمشق.
وكانت اللجنة قبل قدومه قد بحثت في إضبارة من الصحف فعثرت بينها على قطعة من التوراة في الأسطرنجيلي (السرياني القديم) تبلغ 36 صفحة، تتضمن فصولاً من سفر الإعداد وسفر الخروج، ثم ظفر الدكتور "برونو فيوليت" بملحق لها كما وجد صحفاً كثيرة من الرق اليونانية واللاتينية والأرمنية والعبرانية والآرامية والفلسطينية والسامرية بعضها قديم العهد يعود عمر كتابته إلى القرن الخامس الميلادي وقد ضم ما جمعه من هذه اللقط في كتاب خاص نشره باللغة الألمانية وذكرت مجلة المشرق في المجلد 25 لعام 1902م أن من جملة ما عثر عليه "فيوليت" من أوراق ورقوق في القبة قسم من كتاب المزامير بالعربية مكتوبة بحرف يوناني.
إن الذي حل بهذه القبة لا يعادل ما حل بها في عهد السلطان العثماني "عبد الحميد الثاني"، فعندما زار إمبراطور ألمانيا "غليوم الثاني" دمشق أمر السلطان بفتح خزانة القبة وكان فيها قطع من الرقوق كتب فيها سور من القرآن الكريم بالخط الكوفي، ومنها قطعة مهمة من مصاحف وربعات وقطع من الأشعار المقدسة بالآرامية الفلسطينية وكتابات دينية وأدبيات وقصص رهبانية ومزامير عربية بالحرف اليوناني، ومقاطع شعرية لأوميروس وكراريس وأوراق بالقبطية والكرجية والأرمنية وجذاذات عبرانية وسامرية فيها نسخ من التوارة وتقاويم أعياد السامريين، وصكوك للبيع والأوقاف وعهود زواج، كما عثر بينها على مقاطع لاتينية وفرنسية قديمة، وقصائد يرتقي عهدها إلى أيام الصليبيين ونسخة من إنجيل برقوق، فما كان بعد ذلك إلا أن أمر السلطان عبد الحميد واليه على دمشق سنة 1317 هـ أن يهدي الإمبراطور غليوم الثاني ما يريده، وهذا الذي كان، وأهدى ما بقي على بعض رجال الأستانة، ونال بعض رجال دمشق شيئاً منها، وقد استخلص من أيديهم بعض هذه القطع وحفظت في دار الآثار بدمشق، وأهم تلك القطع قطعة كوفية مكتوبة على رق من ربعة شريفة وقفها عبد المنعم بن أحمد سنة 298هـ وعلى الوجه الثاني نقش مذهب باسم واقفها.
وقد رأى الشيخ "طاهر الجزائري" في تلك القبة جزءاً مكتوباً عليه أنه وقف على مشهد زين العابدين سنة نيف وسبعة وأربعمئة".
قبة المال هي الخزنة التي توضع فيها المستندات والحجج الوقفية والأموال الخاصة بوقف الجامع وقد صممت في العصر العباسي لها سبعة أبواب وعليها سبعة أقفال وسبعة مفاتيح لا يمكن أن تفتح الخزنة إلا بوجود المفاتيح السبعة. ولا يمكن الصعود إليها إلا بسلم وعليها حراس وهي حاليا فارغة، في فترة الترميم 1991 و1996 فتحت وتم ترميمها».
إن هذا الكنز قد تشتت كما تشتتت خزانة "آل الحسيبي" و"العطار" و"الحلبي" و"الأيوبي" في دمشق، وبُعثر كما بُعثرت خزانة كتب "آل الحمزة" و"آل الحسيبي" و"آل الأمير عبد القادر الجزائري الحسني" وغيرهم كثير.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)