ظللت واقفاً لزمن مستمتعاً بسرقة الزمن منك... صامتاً على من يسرقون! بل وتكررت هذه الفصول عدة مرات، وأنت في مكانك لا تمتلك سوى كلمات الرثاء التي لا تغادر داخلك، والتي تتمزق قبل أن تترك أماكنها، أو حتى تبدأ مرحلة التفكير في الاحتجاج على من اعتادوا سرقتك!
مرت أزمنة طويلة لم تكن تفرّق فيها بين ما يُسرق منك، وما ينُهب، وبين ما يذوب من الأيام، وبين ما يتلاشى منها كالماء بين أصابعك!

لم تكن تدقق في هذا التسرب الحياتي منك، على اعتبار أن قادم الأيام كثير، وأن ما سيأتي منه سيمنح الفرصة الكافية للتعويض، وأن من اعتاد سرقتك، لن يجد مستقبلاً ما يسرقه، عندما توصد أبواب أيامك التي ظلت مفتوحة على مصاريعها لمن اعتادوا النهب بوجه مكشوف!
كنت دائماً تحمّل باقي الأيام أحلامك !
وكنت دائماً تحاول الاختباء تحت عباءة بكرة، أو غداً، دون التوقف عند اليوم المسروق!
لم يؤلمك كثيراً ما سُرق منك رغم أنه عمرك!
لم تتوقف أمام من سرقوا رغم أنك تعرفهم جيداً، وكأن هذه الأيام التي ذهبت مجرد لحظات من أيام ممتدة إلى ما لا نهاية!

كنت تنهض كل يوم وكأن أمراً لم يحصل على الاطلاق!
اعتدت على طي الصفحات بداية كل نهار وليس نهايته، والسبب أن السارق يكمل ما يسرقه بالليل حتى أثناء نومك، وبالتالي لا يمنحك الفرصة لتغلق صفحة الأمس إلا مع فتح صفحته الجديدة التي يستعد لنهبها عندما تستيقظ وأنت تحاول إغلاق الأمس، وهو يحاول فتح الجديد لديك!
ومع تواصلك البارد أمام هؤلاء الذين اعتادوا على السرقة وعجزك عن مطالبتهم بالتوقف، أو حتى التفكير في ممارسة حق التجريب الطبيعي لك في أن تكون الأيام القادمة آمنة، وتسودها أنت دون غيرك، تشعر أو كنت تشعر أن الأيام القادمة بحر مفتوح، وحكايات ضاربة في الخيال وأنك قد تعجز عن تحديد مدى إشعاعها ذات يوم!

يسرق من يشاء فلن يستمر في السرقة، لأنه لا شيء ثابت ولا شيء متصل، وكل الأشياء إلى زوال!
قد يأتي ذلك اليوم الذي تصبح فيه هذه الأيام موجة التهمها الزمن الماضي!
وقد يأتي ذلك الزمن الذي تتعامل معه برؤية جديدة، وتمتلك فيه حق الرفض، وحق التصادم مع من يسرقون الأيام الحالية، ويستعدون لسرقة القادم منها!

اعتدت عندما تلتقي بنفسك على التفكير داخل لحظات تعرفها، والوصول إلى منطق أن هذه الأيام ملكك، وصناعتك، وحياتك، وخطاك التي توقفت، ومع ذلك تعجز عن رفع أيدي هؤلاء من عليها!
هل أنت عاجز؟ أم أنك لا تريد؟ وتتكئ على ما سيأتي؟ ربما تكون فيه أكثر قدرة على المواجهة، والوقوف، والامتناع عن فتح الأبواب ليأخذ من يشاء ما يشاء!

تسقط أيامك أمامك كأوراق الخريف، وعليك أن ترثي لها وترثي لنفسك هذه السلبية!
عليك أن تجاهد من أجل ما سيأتي، وليس من أجل ما مضى، فما ذهب يُكتفى بما تركه من عِبر وتجارب مهما كانت قسوتها!

وما سيكون ، عليك أن تتمسك به، وأن لا تجعل من اعتادوا على السرقة أن يقتربوا منه!
عليك أن تتنبه بأن لا يكون مثقلاً بالقادمين، أو شاحباً كدواخلهم، أو مرتكزاً على مدى حضورهم!
أيامك أنت فقط من يجعلها تشع بالرماد والغياب، وأنت من يمنحها صلابة الجذور التي لن يصل إليها السارق مهما امتدت أياديه الطويلة!

......
.....
....
...
..
.