عرفه الجرجاني بأنه :آلة قانونية تعصم الذهن عن الخطأ في الفكر...كما أن الغزال قد دعاه"معيار العلوم" لأنه يبين وجه الصواب من الخطأ...فالمنطق أساس يرفض التناقض و يتحرى التماسك بين الأفكار بشكل يشد اللاحق السابق دون تناقض...و من تم كان المنطق يرفض الخيال...لأن الخيال قد يجمع بين المتناقضات دون أن يحدث ذلك خللا...و هذا ما نجده في الشعر و الأدب بصفة عامة...فلا الخيال و لا الرغبة و العاطفة من شأنها الإمساك بزمام الفكر و توجيهه...و من هنا كما يقول الدكتور السالف ذكره أن يصعب التفريق بين المنطقي و المعقول لأن المعنى هو واحد...و كأنهما وجهان لعملة واحدة...
لذلك فكل تصور لا يوجد فيه تناقض فهو تصور أو كلام يمكن القول فيه أنه منطقي...فهل هناك منطق واحد أو هناك عدة أشكال من المنطق؟ قلت سابقا أن المنطق مرتبط بالفطرة...و الفطرة تتأثر بالبيئة...و من تم يوجد اختلاف في ما يمكن أن نسميه "بالمنطق الاجتماعي"...فهناك منطق عام هو الذي لا يقبل التناقض...و هناك خصوصية كل مجتمع التي تترك أثرها في الفكر الذي ينتمي إلى ذاك المجتمع...و يظهر ذلك في طريقة التفكير التي يتصرف بها الإنسان في مواقف معينة...باعتبار أن المنطق هو بمثابة البوصلة التي توجه الفكر وجهة معينة...فالمسلم في موقف إباحي أو ماجن مثلا سيتصرف بشكل مغاير لإنسان يحمل فكرا عبثيا أو فكرا لا أخلاقيا...و هذا في المجال الاجتماعي أما في المجال العلمي الصرف الذي يشتغل في مجال المادة فأعتقد ليس هناك اختلاف...لأن الموضوع محل الدراسة أو البحث هو بمعزل عن الاعتقادات و العادات و الأفكار المرتبطة بالذات...
يقول برتراند راسل:" لقد غدا المنطق رياضيا أكثر من ذي قبل، و غدت الرياضيات أكثر منطقية...و نتيجة ذلك أن أصبح الآن من المستحيل أن ترسم خطا فاصلا بين الاثنين. و الواقع شيء واحد، و لا يختلفان إلا كما يختلف صبي عن رجل. المنطق صبا الرياضيات و الرياضيات رجولة المنطق."
ولكن الاتجاه العبثي جعل من التناقض على مستوى الوعي حقيقة يقبلها العقل...الشيء الذي جعل من المنطق يقبل بجزء من الحقيقة و ليس بالحقيقة كلها...فمعلوم أن الكذب هو نصف المزيف للحقيقة لأن الصدق هو الذي يشكل الحقيقة كلها...و هنا تحضرني الآية الكريمة التي ذكر فيها الله عز و جل هذا المصطلح...يقول الله عز و جل: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ }النمل16
وورث سليمان أباه داود في النبوة والعلم والملك, وقال سليمان لقومه: يا أيها الناس عُلِّمنا وفُهِّمنا كلام الطير, وأُعطينا مِن كل شيء تدعو إليه الحاجة, إن هذا الذي أعطانا الله تعالى إياه لهو الفضل الواضح الذي يُمَيِّزنا على مَن سوانا...فقد يكون و الله أعلم أن كلمة"منطق" في الآية تعني هنا بكل تأكيد لغة الطير و لغة باقي الكائنات الأخرى مما خلق الله عز و جل...و قد تعني كذلك أن المنطق هو الصدق هو تطابق القول مع الواقع و ليس تزييفا له و تحريفا لمعطياته...لذلك نجد أن الخبر الذي أتى به الهدهد إلى سليمان من أنه وجد امرأة أوتيت من كل شيء...لكنها تعبد هي و قومها الشمس من دون الله جل و علا...كان جواب سليمان عليه السلام ...سنرى أصدقت أم كنت من الكاذبين...فالتناقض ينسف المنطق...و الكذب هو تناقض بين القول و الواقع...لذلك كان الاتجاه العبثي الذي أقر بقبول التناقض على مستوى الوعي قد أضر بقيمة العقل من حيث كونه قيمة توصل إلى الحقيقة...فأصبح خاضعا كمادة يفرزها الدماغ و لا يعدو أن يكون حالة من حالات المادة...
التعديل الأخير تم بواسطة سارة ; 03-03-2011 الساعة 06:44 PM
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)