خطبة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله.
الفن الأول
كتاب الكندي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى أطال الله بقاءك يا ابن ذرى السادات، وعرى السعادات، الذين من استمسك بهديهم سعد في دار الدنيا، ودار الأبد، وزينك بجميع ملابس الفضيلة وطهرك من جميع طبع الرذيلة. إن أعلى الصناعات الإنسانية منزلة، وأشرفها مرتبة صناعة الفلسفة التي حدها: علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان؛ لأن غرض الفيلسوف في علمه إصابة الحق، وفي عمله العمل بالحق، لا الفعل سرمداً، لأنا نمسك وينصرم الفعل إذا انتهينا إلى الحق. ولسنا نجد مطلوباتنا من الحق من غير علة، وعلة وجود كل شيء وثباته الحق: لأن كل ما له أنية له حقيقة، فالحق اضطراراً موجود إذن الأنيات موجودة. وأشرف الفلسفة وأعلاها مرتبة الفلسفة الأولى: أعني علم الحق الأول الذي هو علة كل حق. ولذلك يجب أن يكون الفيلسوف التام الأشرف هو المرء المحيط بهذا العلم الأشرف: لأن علم العلة أشرف من علم المعلول، لأنا إنما نعلم كل واحد من المعلومات علماً تاماً إذا أحطنا بعلم علته. لأن كل علة إما أن تكون عنصراً، وإما صورة وإما فاعلة: أعني ما منه مبدأ الحركة، وإما متممة: أعني ما من أجله كان الشيء. والمطالب العلمية أربعة كما حددنا في غير موضع من أقاويلنا الفلسفية: إما هل، وإما ما، وإما أي، وإما لم، فأما هل فإنها باحثة عن الأنية فقط؛ وإن كل أنية لها جنس، فإن ما تبحث عن جنسها، وأي تبحث عن فصلها، وما وأي تبحثان عن نوعها، ولم عن علتها التمامية إذ هي باحثة عن العلة المطلقة. وبين أنا متى أحطنا بعلم من عنصرها فقد أحطنا بعلم جنسها، ومتى أحطنا بعلم صورتها فقد أحطنا بعلم نوعها، وفي علم النوع علم الفصل، فإذا أحطنا بعلم عنصرها، وصورتها، وعلتها التمامية، فقد أحطنا بعلم حدها. وكل محدود فحقيقته في حده. فبحق ما سمي علم العلة الأولى الفلسفة الأولى، إذ جميع باقي الفلسفة منطو في علمها. وإذن هي أول بالشرف وأول بالجنس، وأول بالترتيب من جهة الشيء الأتقن علميه، وأول بالزمان إذ هي علة الزمان. ومن أوجب الحق ألا نذم أحد من كان أحد أسباب منافعنا الصار الهزلية، فكيف بالذين هم أكثر أسباب منافعنا العظام الحقيقية الجدية. فإنهم وإن قصروا عن بعض الحق، فقد كانوا لنا أنساباً وشركاء فبما أفادونا من ثمار فكرهم، التي صارت لنا سبلاً وآلات مؤدية إلى علم كثير مما قصروا من نيل حقيقته. وسيما إذ هو بين عندنا، وعند المبرزين من المتفلسفين قبلنا من غير أهل لساننا، إنه لم ينل الحق، بما يستأهل الحق، حد من الناس بجهد طلبه، ولا أحاط به جميعهم، بل كل واحد منهم إما لم ينل منه شيئاً، وإما نال منه شيئاً يسيراً بالإضافة إلى ما يستأهل الحق. فإذا جمع يسير ما نال كل واحد من النائلين من الحق منهم اجتمع من ذلك شيء له قدر جليل. فينبغي أن يعظم شكرنا للآتين بيسير الحق فضلاً عمن أتى بكثير من الحق: إذ أشركونا في ثمار فكرهم، وسهلوا لنا الخفية الحقية، بما أفادونا من المقدمات المسهلة لنا سبل الحق. فإنهم لو لم يكونوا لم يجتمع لنا من شدة البحث في مددنا كلها هذه الأوائل الحقية، التي بها خرجنا إلى الأواخر من مطلوباتنا الحقية. فإن ذلك إنما اجتمع في الأمصار السالفة المتقادمة عصراً بعد عصر إلى زماننا هذا، مع شدة البحث ولزوم الدأب، وإيثار التعب في ذلك. وغير ممكن أن يجتمع في من المرء الواحد وإن اتسعت مدته واشتد بحثه، ولطف نظره، وآثر الدأب ما اجتمع بمثل ذلك من شدة البحث وإلطاف النظر وإيثار الدأب في إضعاف ذلك من الزمان الأضعاف الكثيرة. فأما أرسطو طاليس مبرز اليونانيين في الفلسفة فقال: ينبغي أن نشكر آباء الذين أتوا بشيء من الحق، إذ كانوا سبب كونهم، فضلاً عن أنهم سبب لهم. وإذ هم سبب لنا إلى نيل الحق فما أحسن ما قال في ذلك. وينبغي لنا أن لا نستحي من استحسان الحق، واقتناء الحق من أين أتى، وإن أتى من الأجناس القاصية عنا، والأمم المباينة، فإنه لا شيء أولى بطالب الحق من الحق. وليس يبخس الحق، ولا يصغر بقائله ولا بالآتي به. ولا أحد بخس الحق؛ بل كان يشرفه الحق. يحسن بنا، إذا كنا حراصاً على تتميم نوعنا - إذ الحق في ذلك - أن نلزم في كتابنا هذا عاداتنا في جميع موضوعاتنا من إحضار ما قال القدماء في ذلك قولاً تاماً على أقصد سبله وأسهلها سلوكاً على
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
أبناء هذه السبيل، وتتميم ما لم يقولوا فيه قولاً تاماً على مجرى عادة اللسان وسنة الزمان، وبقدر طاقتنا، مع العلة العارضة لنا في ذلك من الانحصار إن الاتساع في القول المحلل لعقد العويص الملتبسة، توقياً سوء تأويل كثير من المتسمين بالنظر في دهرنا من أهل الغربة عن الحق، وإن تتوجوا بتيجان الحق من غير استحقاق: لضيق فطنتهم عن أساليب الحق، وقلة معرفتهم بما يستحق ذو الجلالة في الرأي والاجتهاد في الأنفاع العامة الكل، الشاملة لهم، ولدرانة الحسد المتمكن من أنفسهم البهيمية والحاجب بسدف سجوفه أبصار فكرهم عن نور الحق ووضعهم ذوي الفضائل الإنسانية - التي قصروا عن نيلها وكانوا منها في الأطراف الشاسعة - لموضع الأعداء الحربية الواترة، ذبا عن كراسيهم المزورة التي نصبوها عن غير استحقاق بل للترؤس والتجارة بالدين وهم عدماء الدين، لأن من تجر بشيء باعه، ومن باع شيئاً لم يكن له، فمن تجر بالدين لم يكن له، ويحق أن يتعرى من الدين من عاند قنية علم الأشياء بحقائقها وسماها كفراً. لأنفي علم الأشياء بحقائقها الربوبية، وعلم الوحدانية، وعلم الفضيلة، وجملة علم كل نافع والسبيل إليه، والبعد عن كل ضار والاحتراس منه. واقتناء هذه جميعاً هو الذي أتت به الرسل الصادقة عن الله جل ثناؤه، فإن الرسل الصادقة صلوات الله عليها إنما أتت بالإقرار بربوبية الله وحده وبلزوم الفضائل المرتضاة عنده؛ وترك الرذائل المضادة للفضائل في ذواتها وإيثارها. فواجب إذن التمسك بهذه القنية النفيسة عند ذوي الحق، وأن نسعى في طلبها بغاية جهدنا لما قدمنا: ونحن قائلون الآن. وذلك باضطرار يجب على ألسنة المضادين لها اقتناؤها، وذلك أنهم لا يخلون من أن يقولوا إن إقتناءها يجب أو لا يجب، فإن قالوا إنه يجب وجب طلبها عليهم، وإن قالوا إنها لا تجب وجب عليهم أن يحصروا علة ذلك، وأن يعطوا على ذلك برهاناً، وإعطاء العلة والبرهان من قنية علم الأشياء بحقائقها. فواجب إذن طلب هذه القنية بألسنتهم، والتمسك بها اضطرار عليهم. فنحن نسأل المطلع على سرائرنا، والعالم اجتهادنا، في تثبيت الحجة على ربوبيته، وإيضاح وحدانيته، وذب المعادين له، والكافرين به عن ذلك بالحجج القامعة لكفرهم، والهاتكة لسجوف فضائحهم، والمخبرة عن عورات نحلهم المردية، وأن يحوطنا ومن سلك سبيلنا بحصن عزه الذي لا يرام، وأن يلبسنا سرابيل جنته الواقية، ويهب لنا نصرة غروب أسلحته النافذة والتأييد بعز قوته العالية حتى يبلغنا بذلك نهاية نيتنا من نصرة الحق وتأييد الصدق، ويبلغنا بذلك درجة من ارتضى نيته وقبل فعله، ووهب له الفلج والظفر على أضداده الكافرين نعمته، والعائدين عن سبيل الحق المرتضاة عنده. ولنكمل الآن هذا الفن بتأييد ولي الخيرات، وقابل الحسنات. الفن الثاني
وهو الجزء الأول في الفلسفة الأولى فإذا قدمنا ما يجب تقديمه في صدر كتابنا هذا، فلنتل ذلك بما يتلوه تلواً طبيعياً فنقول: إن الوجود الإنساني وجودان أحدهما أقرب منا وأبعد عند الطبيعة، وهو وجود الحواس التي هي لنا منذ بدء نشوئنا، وللجنس العام لنا، والكثير من غيرنا، أعني: الحي العام لجميع الحيوان. فإن وجودنا بالحواس - عند مباشرة الحس محسوسة - بلا زمان ولا مؤونة وهو غير ثابت لزوال ما يباشر، وسيلانه، وتبدله في كل حال بأحد أنواع الحركات، وتفاضل الكمية فيه بالأكثر والأقل، والتساوي وغير التساوي، وتغاير الكيفية فيه بالتشبيه وغير التشبيه، والأشد والأضعف. فهو الدهر في زوال دائم، وتبدل غير منفصل وهو الذي يثبت صوره في المصور فيؤديها للحفظ، فهو متمثل ومتصور في نفس الحي. فهو وإن كان لا مات له في الطبيعة فبعد عندها وخفي لذلك فهو قريب من الحاس جداً لوجدانه بالحس مع مباشرة الحس إياه. والمحسوس كله ذو هيولى أبداً، فالمحسوس أبداً جرم، وبالجرم والآخر أقرب من الطبيعة وأبعد عنا، وهو: وجود العقل. وبحق ما كان الوجود وجودان: وجود حسي، ووجود عقلي؛ إذ الأشياء كلية وجزئية: أعني بالكلي الأجناس للأنواع، والأنواع للأشخاص، وأعني بالجزئية الأشخاص للأنواع. والأشخاص الجزئية الهيولانية واقعة تحت الحواس؛ وأما الأجناس والأنواع فغير واقعة تحت الحواس، ولا موجودة وجوداً حسياً، بل تحت قوة من قوى النفس تامة أعني الإنسانية هي المسماة العقل الإنساني. وإذ الحواس واحدة الأشخاص، فكل متمثل في النفس من المحسوسات فهو للقوة المستعملة الحواس. فما كل معن نوعي، وما فوق النوع فليس متمثل للنفس - لأن المثل كلها محسوسة - بل مصدق في النفس، محقق متيقن بصدق الأوائل العقلية اضطراراً. بالهيولى هم غير صادقين في شيء بعينه ليس يعرى. فإن هذا وجود للنفس لا حسي، اضطراري، لا يحتاج إلى متوسط، وليس يتمثل لهذا مثال في النفس، لأنه لا مثال، لأنه لا لون، ولا صوت، ولا طعم، ولا رائحة، ولا ملموس، بل إدراك لا مثالي. وكل ما كان هيولانياً فإنه مثالي يمثله الحس الكلي في النفس. وكل ما هو لا هيولاني، وقد يوجد مع الهيولاني كالشكل الموجود باللون إذ هو نهاية اللون، فيعرض بالحس البصري أن يوجد الشكل إذ هو نهاية المدرك بالحس البصري. وقد نظن أنه يتمثل في النفس باجتلاب الحس الكلي له - ويمثله في نفس الإنسان لاحقة تلحق المثال اللوني كاللاحقة التي تلحق اللون، أنه نهاية الملون بوجود
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
النهاية التي هي الشكل - وجود عقلي عرض بالحس لا محسوس بالحقيقة. فلذلك كل اللاتي لا هيولى لها وتوجد مع الهيولى، قد يظن أنها تمثل في النفس، وأن ما يعقل مع المحسوس لا يتمثل. فلذلك كل اللاتي لا هيولى لها، ولا تقارن الهيولى، فليس تمثل في النفس بتة، ولا يظن أنها تمثل، وإنما نقر بها لما يوجب ذلك اضطراراً كقولنا: إن جسم الكل ليس خارج منه خلاء ولا ملاء، أعني لا فراغ ولا جسم. وهذا القول لا يتمثل في النفس: لأن لا خلاء ولا ملاء شيء لم يدركه الحس، ولا بحق الحس، فيكون له في النفس مثال، أو يظن له مثال، وإنما هو شيء يجده العقل اضطراراً بهذه المقدمات التي تقدم. وذلك أن نقول في البحث عن ذلك أن معنى الخلاء مكان لا متمكن فيه، والمكان والمتمكن من المضاف الذي لا يسبق بعضه بعضاً، فإن كان مكان، كان متمكن اضطراراً وإن كان متمكن كان مكان اضطراراً، فليس إذن يمكن أن يكون مكان بلا متمكن. ونعني بخلاء مكاناً بلا متمكن. فليس يمكن إذن أن يكون للخلاء المطلق وجود. ثم نقول: والملاء إذا كان هو جسم، فإما أن يكون جسم الكل لا نهاية له في الكمية، وإما أن يكون متناهي الكمية؛ وليس يمكن أن يكون شيء لا نهاية له بالفعل كما سنبين بعد قليل، فليس يمكن أن يكون جسم الكل لا نهاية له في الكمية. فليس بعد جسم الكل ملاء، لأنه إن كان بعده ملاء، كان ذلك الملاء جسماً، فإن كان ذلك الملاء بعده ملاء، وبعد كل ملاء ملاء، كان ملاء بلا نهاية، فوجب جسم بلا نهاية في الكمية، فوجب لا نهاية بالفعل، ولا نهاية بالفعل ممتنع أن يكون. فإذن جسم الكلاء ملاء بعده، لأنه لا جسم بعهده، ولا خلاء بعده كما بينا. فهذا واجب اضطراراً، وليست له صورة في النفس، إنما هو وجود عقلي اضطراري، فمن يبحث الأشياء التي فوق الطبيعة أعني التي لا هيولى لها، ولا تقارن بالهيولى، فلن يجد لها مثلاً في النفس، بل يجدها بالأبحاث العقلية. فاحفظ - حفظ الله عليك جميع الفضائل، وصانك عن جميع الرذائل - هذه المقدمة، لتكون لك دليلاً قاصداً سواء الحقائق، وشهاباً حاسراً عن عين عقلك ظلمة الجهل وكدر الجيران. فإنها بهاتين المسألتين كان الحق من جهة سهلاً، ومن جهة عسيراً: لأن من طلب تمثل المعقول ليجده بذلك مع وضوحه في العقل، أعشى عنه أتعشى عين الوطواط عن نيل الأشخاص البينة الواضحة لنا في شعاع الشمس. ولهذه العلة تحير كثير من الناظرين في الأشياء التي فوق الطبيعة إذ استعملوا في البحث عنها تمثلها في النفس، على قدر عاداتهم للحس. مثل الصبي فإن التعليم إنما يكون سهلاً في المعتادان؛ ومن الدليل على ذلك سرعة المتعلمين من الخطب، أو الرسائل، أو الشعر، أو القصص، إلى ما كان حديثاً، لعادتهم للحديث أو الخرافات من بدء النشوء. وفي الأشياء الطبيعية إذا استعملوا الفحص التعليمي، لأن ذلك إنما ينبغي أن يكون فيما لاه يولى له، لأن الهيولى موضوعة الانفعال فهي متحركة، والطبيعة علة أولية لكل متحرك ساكن، فإذن كل طبيعي فذو هيولى، فإذن لم يكن أن يستعمل في وجود الأشياء الطبيعية الفحص الرياضي، إذ هي خاصة ما لا هيولى له. فإذا هي كذلك، فالفحص بها على ما ليس بطبيعي. فمن استعملها في البحث عن الطبيعيات حاد وعدم الحق. فلذلك يحب على كل باحث علم من العلوم أن يبحث أولاً عن ما علة الواقع تحت ذلك العلم. فإنا إن بحثنا ما علة الطباع الذي هو علة الأشياء الطبيعية وجدناه - كما قلنا في أوائل الطبيعة - هو علة كل حركة. إذن فالطبيعي هو كل متحرك، فإذن علم الطبيعيات هو علم كل متحرك. فإذن ما فوق الطبيعيات هو لا متحرك لأنه ليس يمكن أن يكون الشيء علة كون ذاته، كما سنبين بعد قليل. فإذن ليس علة الحركة حركة، ولا علة المتحرك متحرك. فإذن ما فوق الطبيعيات ليس بمتحرك. فإذن قد وضح أن علم ما فوق الطبيعيات هو علم ما لا يتحرك. وقد ينبغي ألا نطلب في إدراك كل مطلوب الوجود البرهاني، فإنه ليس كل مطلوب عقلي موجوداً بالبرهان، لأنه ليس كل شيء برهان، إذ البرهان بعض الأشياء، وليس للبرهان برهان، لأن هذا يكون بلا نهاية. إن كان لكل برهان برهان، فلا يكون لشيء وجود بتة، لأن ما لا ينتهي إلى علم أوائله فليس بمعلوم، فلا يكون علماً بتة. لأنا إن رمنا علم ما الإنسان الذي هو الحي الناطق الميت، ولم نعلم ما الحي وما الناطق وما الميت، فليس نعلم ما الإنسان إذاً. وكذلك ينبغي ألا نطلب الإقناعات في العلوم الرياضية بل البرهان فإنا إن إستعملنا الاقناع في العلم الرياضي كانت إحاطتنا به ظنية لا علمية. وكذلك لكل نظري تمييزي وجود خاص غير وجود الآخر. ولذلك مثل أيضاً كثير من الناظرين في الأشياء التمييزية، لأن منهم من جرى على طلب عادة الإقناع، وبعضهم جرى على عادة الأمثال، وبعضهم جرى على عادة شهادات الأخبار، وبعضهم جرى على عادة الحس، وبعضهم جرى على عادة البرهان لما قصروا عن تمييز المطلوبات، وبعضهم أراد استعمال ذلك في وجود مطلوبه، أما للتقصير عن علم أساليب المطلوبات، وإما لعشق التكثير من سبل الحق. فينبغي أن نقصد لكل مطلوب ما يجب، ولا نطلب في العلم الرياضي إقناعاً، ولا في العلم الإلهي حساً ولا تمثيلاً، ولا في أوائل العلم الطبيعي الجوامع الفكرية، ولا في البلاغة برهاناً، ولا في أوائل البرهان برهاناً، فإنا تحفظنا هذه الشرائط سهلت علينا المطالب المقصودة؛ وإن خالفنا ذلك أخطأنا أغراضنا من مطالبنا، وعسر علينا وجدان مقصوداتنا. فإذا تقدمت هذه الوصايا فينبغي أن نقدم القوانين التي نحتاج إلى استعمالها في هذه الصناعة، فنقول:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
إن الأزلي هو الذي لم يجب، ليس هو مطلقاً، فالأزلي لا قبل كوني لهويته، فالأزلي هو لا قوامه من غيره، فالأزلي لا علة له، فالأزلي لا موضوع له ولا محمول ولا فاعل ولا سبب، أعني ما من أجله كان، لأن العلل المقدمة ليست غير هذه. فالأزلي لا جنس له، لأنه إن كان له جنس فهو نوع، والنزع مركب من جنسه القائم له ولغيره، ومن فصل ليس في غيره، فله موضوع هو الجنس القابل لصورته وصورة غيره، ومحمول هو الصورة الخاصة له دون غيره، فله موضوع ومحمول. وقد كان تبين أنه لا موضوع ولا محمول. وقد تبين أنه لا موضوع ولا محمول له، وهذا محال لا يمكن. فالأزلي لا يفسد، لأن الفساد إنما هو تبدل المحمول لا الحامل الأول، فأما الحامل الأول الذي هو الجنس فليس يتبدل، لأن الفاسد ليس فساده بتأسيس آيسته: وكل متبدل فإنما تبلده بضده الأقرب أعني الذي معه في جنس واحد، كالحرارة المتبدلة بالبرودة، لأنا لا نعد من المقابلة كالحرارة باليبس أو بالحلاوة أو بالطول أو ما كان ذلك والأضداد المتقاربة هي جنس واحد، فالفاسد جنس. فإن فسد الأزلي فله جنس، وهو لا جنس له، هذا خلف لا يمكن. فالأزلي لا يمكن أن يفسد. والاستحالة تبدل. فالأزلي لا يستحيل لأنه لا يتبدل، ولا ينتقل من النقص إلى التمام، فالانتقال استحالة ما، فالأزلي لا ينتقل إلى تمام، لأنه لا يستحيل، والتام هو الذي يكون له حال ثابتة يكون بها فاضلاً، والناقص هو الذي لا حال له ثابتة يكون بها فاضلاً، فالأزلي لا يمكن أن يكون ناقصاً، لأنه لا يمكن أن ينتقل إلى حال فيكون بها فاضلاً، لأنه لا يمكن أن يستحيل إلى أفضل منه ولا إلى أنقص بتة. فالأزلي تام اضطراراً وإذا الجرم ذو جنس وأنواع، والأزلي لا جنس له، فالجرم الأزلي. فلنقل الآن أنه لا يمكن أن يكون جرم أزلي، ولا غيره مما له كمية أو كيفية، ولا نهاية له بالفعل، وأن لا نهاية له إنما هو في القوة، فأقول: إن من المقدمات الأول الحقية المعقولة بلا توسط، أن كل الأجرام التي ليس منها شيء أعظم من شيء متساوية، والمتساوية أبعاد ما بين نهاياتها متساوية بالفعل والقوة، وذو النهاية ليس لا نهاية. وكل الأجرام المتساوية إذا زيد على واحد منها جرم كان أعظم منها، وكان أعظم مما كان قبل أن يزاد عليه ذلك الجرم. وكل جرمين متناهيي الصغر إذا جمعا، كان الجرم كائن عنهما متناهي العظم. وهذا واجب أيضاً في كل عظم، وفي كل ذي عظم. وأما الأصغر من كل شيئين متجانسين يعد الأكبر منهما، أو يعد بعضه، فإن كان جرم لا نهاية له، فإنه إذا فصل منه جرم متناهي العظم فإن الباقي منه إما أن يكون متناهي العظم، وإما لا متناهي العظم؛ فإن كان الباقي منه متناهي العظم، فإنه إذا زيد عليه المفصول منه المتناهي العظم، كان الجرم الكائن عنهما جميعاً متناهي العظم، والذي كان عنهما هو الذي كان قبل أن يفصل منه شيء لا متناهي العظم، فهو إذن متناه لا متناه، وهذا خلف لا يمكن، فإن كان الباقي لا متناهي العظم، فإنه إذا زيد عليه ما أخذ منه صار أعظم مما كان قبل أن يزاد عليه أو مساوياً له، فإن كان أعظم مما كان فقد صار ما لا نهاية له أعظم مما لا نهاية، وأصغر الشيئين بعد أعظمهما أو بعد بعضه، فأصغر الجرمين اللذين لا نهاية لهما بعد أعظمهما أو بعد بعضه. وإن كان بعده فهو بعد بعضه لا محمالة، فأصغرهما مساو بعض أعظمهما، والمتساويان هما اللذان متشابهاتهما أبعاد ما بين نهاياتهما واحدة، فهما إذن ذو نهايات، لأن الأجرام المتساوية التي ليس متشابهة هي التي بعدها جرم واحد. وتختلف نهاياتها بالكثرة أو الكيف أو معاً، فهما متناهيان. فالذي لا نهاية له الأصغر متناه، وهذا خلف لا يمكن. فليس أحدهما أعظم من الأخر، وإن كان ليس بأعظم مما قبل أن يزاد عليه، فقد زيد على جرم جرم يزد شيئاً، وصار جميع ذلك مساوياً له وحده. وهو وحده جزء له ولجزئه اللذين اجتمعا، فالجزء مثل الكل، هذا خلف لا يمكن. فقد تبين أنه لا يمكن أن يكون جرم لا نهاية له. وبهذا التدبير تبين أنه لا يمكن شيء من الكميات أن تكون لا نهاية لها بالفعل. والزمان كمية، فليس يمكن أن يكون زمان لا نهاية له بالفعل. والزمان ذو أول متناه، والأشياء أيضاً المحمولة في المتناهي متناهية اضطراراً، فكل محمول في الجرم من كم أو مكان أو حركة أو زمان الذي هو مفصول بالحركة، وجملة كل محمول في الجرم بالفعل فمتناه أيضاً. إن الجرم مناه، فجرم الكل متناه، وكل محمول فيه بعد أيضاً، وأن جرم الكل ممكن أن يزاد فيه بالوهم زيادة دائمة، بأن يتوهم أعظم منه ثم أعظم من ذلك دائماً: فإنه لا نهاية له في التزايد من جهة الإمكان، فهو بالقوة بلا نهاية، إذ القوة ليست شيئاً غير الإمكان أن يكون الشيء المقول بالقوة. فكل ما في الذي لا نهاية له بالقوة هو أيضاً بالقوة لا نهاية له، من ذلك الحركة والزمان، فإذن الذي لا نهاية له إنما هو في القوة. فأما بالفعل فليس يمكن أن يكون شيء لا نهاية له لما قدمنا. وإذ ذلك واجب فقد اتضح أنه لا يمكن أن يكون زمان بالفعل لا نهاية له. والزمان زمان جرم الكل، أعني مدته؛ فإن كان الزمان متناهياً فإن أنية الجرم متناهية، إذ الزمان ليس بموجود؛ ولا جرم بلا زمان، لأن الزمان إنما هو عدد الحركة، أعني أنها مدة بعدها الحركة. فإن كانت حركة كان زمان، وإن لم تكن حركة لم يكن زمان. والحركة إنما هي حركة الجرم، فإن كان جرم كانت حركة، وإن لم تكن حركة. والحركة هي تبدل ما قد بدل مكان أجزاء الجرم ومركزه أو كل أجزاء الجرم فقط، هي الحركة المكانية. وتبدل المكان الذي ينتهي إليه الجرم بنهاياته - إما بالقرب من مركزه وإما بالبعد عنه - هو الربو
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)