يكاد لا يمر يوم على التلفزيون السوري ليس فيه تكذيب لهذا المشهد أو ذاك، الذي بثته هذه الفضائية 'المغرضة' أو تلك. ويوماً بعد يوم يزداد هذا التلفزيون غرقاً في خطابات إنشائية، وتحليلات لها أول وليس لها آخر، أظنها في غالبها، إن لم يكن جميعها، خارج السياق المستحب والمطلوب من المواطن.
هذا طبعاً بعد التساؤل إن كان ثمة مواطن يبحث عن الخبر من خلال شاشة رسمية. وفي تقديري حتى وزير الإعلام السوري انفض عن هذا التلفزيون وكلف سواه بمراقبة أدائه وراح إلى وسيلة إعلامية أكثر جاذبية، حتى وإن كانت الموضوعية قد تحولت إلى نسبية في القنوات الإخبارية العربية. ومهما بذل التلفزيون الرسمي في أي من دول العالم التي ننتمي إليها، فلن يتمكن من تجميل صورته، ولن يتمكن من الانفكاك عن عبء التبجيل الممجوج للسلطان، بحيث يضر به أكثر مما يساعده. في عصر الصورة الحالي سقطت كافة التلفزيونات المعلبة، وباتت الصورة تنبعث من تحت سابع أرض، كما الجن، لتقول الحقيقة وتنقل الواقع.
وبات من الأفضل بكثير للدول التي تسعى لمحاصرة الأحداث الجارية على أراضيها بالصورة المدموغة بالختم الخاص بوزارات الإعلام، أن تفتح أراضيها للكاميرات التي تحمل لوغو وهوية. وكائناً من كانت هذه الهوية، ومهما كان حجم 'معاداتها' لهذا النظام أو ذاك، تبقى هناك مسؤولية واضحة ومحددة. ولن يكون في هذه الحال التلفزيون الرسمي في حرب 'تكذيب' لصور مجهولة المصدر، بل ستكون الكاميرا معروفة وكذلك مشغلها. إذاً بعد سقوط الإعلام الرسمي في حربه التعتيمية عليه أن يرفع العشرة مستسلماً لفتح الحدود أمام الإعلام، فالصورة من خلال الفيسبوك، تويتر واليوتيوب حطمت الحدود. وفي كافة تجارب الثورات العربية خير مثال حتى اللحظة.
ما نشاهده تباعاً على شاشة التلفزيون السوري في وقتنا الحاضر ذلك الانبهار برزمة الاصلاحات التي صدرت عن القيادة السورية، واعتبارها من قبل المذيعات والمذيعين وكذلك الضيوف، ثورة تتقدم بكثير على ثورة ومطالب البشر في المدن السورية. والغريب أنه من بين تلك الإصلاحات جاءت جملة مفيدة جداً تقول بـ'منع التظاهر' على كافة الأراضي السورية! وفي الإجابة الواضحة جداً من خلال الصورة الواصلة إلينا أن الدماء التي سالت، وأن الكرامات التي تمّ دوسها بالأقدام، هي التي تولت إشغال الشارع بالحضور الشعبي، وهي التي حتمت عدم الالتزام بمنع التظاهرات قبل أن يجف حبر القرار، وفي الأيام التي تلته. لقد غابت الثقة بين جزء من الشارع والسلطات. وترميمها إن كان هذا لا يزال ممكنا يحتاج إلى معجزة، وسرعة تدبير، وقبل اتساع الهوة بين الشعب وقيادته. نقول هذا خوفاً على الشعب السوري من الانزلاق نحو تضحيات بشرية كبيرة يمكن تفاديها.
فكائناً من كان القائم على التلفزيون الرسمي السوري لن يتمكن من نفي تلك الصور الواصلة من قرية البيضا من أنها سورية 'مية بالميّة'. لقد جرت محاولات مستميتة للتبرؤ من ذلك المشهد المقزز دونما جدوى. مشهد يستنكره كل حر. فهل من حق رجل الأمن مهما كان ولاؤه لـ'سيده' ومهما كانت درجة 'مواطنته' أن يهين إنساناً مكبلاً ومرمياً أرضاً؟ وهل من حق هذا الرجل أن يرقص على ظهر آخر مبطوحاً على بطنه؟ أن يرفسه؟ أن يذله؟ أن يصفه بـ'الكلب'؟ وأن يقول له أنه ابن زانية؟
هذا ما وصل من البيضا، وربما المشهد موجود في مكان آخر ولم يصل بعد. ومن هذا المشهد نقول باستحالة إجراءات أو إصلاحات عادية أن تعيد لهؤلاء البشر كراماتهم. ربما تعاد لهم تلك الكرامة بمحاكمة الفاعلين وزجهم في السجن. فحاجة الشعب أي شعب للحرية والكرامة تتساوى أو تفوق حاجته للخبز. وهذا ما يجب أن تدركه القيادة السورية سريعاً. وأن تفرق بين من ينفذون عمليات قتل إجرامية مدانة من دون شك، وبين المتظاهرين سلمياً والمطالبين بالحرية.
سيبك يا زلمة من التلفزيون السوري
ما كل العالم بتعرف انو اكبر كذاب
أحيوا الحق بذكره و أميتوا الباطل بهجره
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)