لا يخفيَّن على أحد أن التطور المهول للميديا والاتصالات جعل الإنسان يعيش في حالة من الاستيهام والاصطناع الذهني المؤثر ولشدة تأثيرها التخييلي ونتيجة القصور أمام واقع الحياة المعاش لجأ الإنسان الضعيف إليها وإلى تهويماتها و أدمن عليها وصار خياله بل ومعرفته خاضع لهذرها, و نجد أن التوجه العام الرأسمالي الذي يمتلك هذه الميديا يتركز حول الاستهلاكية الترفيهية ذات الطابع الرعاعي السوقي المراهقي الذي يستثير الغرائز والتفاهة بشكل مبتذل و ساذج ويبتعد عن الجدية والجوهرية في التعاطي مع أية قضية مهما كانت , وأكثر ما يظهر ذلك ليس في الدعايات ومعظم الأفلام ذات الطابع الهوليودي المبهرج التي لا تحترم عقل من له عقل بل في ما يسمى بالكليب (النسبة الكبيرة منه ) الذي لا يحترم عباقرته ومموليه في الإنسان شيئاً حتى الجسد فهم يقدمون الشهوة بشكل جد طفولي ومكشوف فيه الكثير من الثرثرة البصرية المفتعلة حول هذا الجسد لكن كما قلنا دون أية إفادة جدّية فنية أو موضوعية ما يجعل برأيي الأفلام الإباحية التي تضرب على نفس الوتر أفضل لنا وأكثر احتراماً لعقلنا و جسدنا على اعتبار أن اللعب على هذا المجال الحيوي في الإنسان كلما كان إيحائياً أكثر كلما كان استفزازياً صرفاً وبشكل غبي لا يقدم ما يرضي لا المنطق ولا الخيال, ففي الكليب نجد أن نسبة الاستثارة الاستفزازية الغير موضوعية الاستيهامية عالية مقارنة مع فيلم الإباحي الذي يمكن أن تتحقق الموضوعية فيه على حساب الاستيهامية بشكل أكبر ومُرضٍ للعقل وربما للفن فالفعل الجنسي في هذه الأفلام لا يمكن إلا أن يتم وتمامه ليس تمثيلاً أو استيهاما بعيداً عن ما يضاف إليه من مبالغات يقوم بها الممثلون و بالذات الممثلات, فالجسدان مهما كانا هما فعلياً يمارسان الجنس وهو التيمة الأساس للفيلم فلا يوجد تمثيل و محاكاة وهنا أهمية ما نشاهد لأنه أقرب إلى الحقيقة الموضوعية من محاولات الإغواء السمجة والبلهاء التي تقدمها الكثير من الأغاني المصورة فلنراجع القنوات التي تعبر عن التقدم والتحضر والفكر والمعرفة والجمال التي يتميز بها أصحابها روتانا أو ميلودي وغيرها ولنجر مقارنة فتيمة الكليب الأثير الحب الذي تتم مقاربته بأداء شهواني درامي أو راقص لا يمكن أن تكون إلا تمثيلاُ وهنا قد يتطابق الكليب و البورنو, ولكن القالب الجنسي ناقص ومخصي في الكليب وهنا المشكلة فإن كانت الأغنية هي الهدف فلا داعي لذلك القالب وإن كان الجسد هو الموضوع فليعطى الموضوع حقه وليتضاجع المطرب أو المطربة مع ممثلي وممثلات الكليب حتى نقتنع أن هناك فعلاً حقيقياً يجري وأنه لا يُضحك علينا بالتهويمات و الفذلكات المثيرة و باعتقادي وهذه نصيحة تجارية مربحة أكثر على اعتبار أن الشعب وبدون رياء وادِّعاء عاوز كده لو يحولون هذه القنوات إلى قنوات بورنو – إذا صَعُبَ على مموليها الأفذاذ أو استخسروا أن يحولوها إلى قنوات تهتم بمبدعي العرب من باحثين ومفكرين وكتُّاب ونقاد بدل الاهتمام بمبدعي وفناني التفاهة - لكان أفضل للشعوب العربية شعوب العادات السرية وغير السرية الحقيرة وأكثر مدعاة للتحضر والحرية والتقدم و الحقيقة ذكرني هذا الموضوع الآن بالمسرحي العظيم بريخت الذي حاول من خلال مسرح التغريب أن ينبه المشاهد إلى أن ما يجري أمامه ليس حقيقياً كي لا يغرق في الاستيهام فيعيش حالة من المماهاة تبعده عن الحقيقة, ففي التغريب يتم كسر الإيهام من خلال تنبيه المتلقي إلى أن ما يحدث أمامه ليس حقيقياً فلا تأخذ المتلقي العبطة الفنية ,هذا التغريب لا يمكن أن يتم في فيلم البورنو لأن ما يجري ليس متوهماً ولا ممَثلاً بل هو حقيقي وموضوعي و مؤثر أكثر وليس تلفزيون الواقع إلا محاولة للوصول إلى قوة التأثير الذي تقوم به أفلام البورنو لكنه لا يصل إلى موضوعية تلك الأفلام لأنهم لا يضعونها ضمن السياق الطبيعي للفعل والحدث "الواقعيين" بل يفتعلونهما و من هنا لن يبقى لنا بصرياً ما نعوّل عليه في نقل صورة أقرب إلى الحقيقة والإقناع إلا البرامج والأفلام التسجيلية والوثائقية التي هي أقرب بصرياً وموضوعياً إلى الموضوع الذي تتحدث عنه وإن كانت نادراً ما تصل إلى موضوعية أفلام البورنو الجيدة بالذات .
وائل شعبو
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)