ذُكِرت النجوم في آيات الله وكتابه العزيز : (فلاأقسم بمواقع النجوم وأنه لقسم لو تعلمون عظيم)
(سورة الواقعة)
فما هي هذه المواقع ؟ ذُكِرت مواقع النجوم ، ولم يذكر : لا أقسم بالنجوم مثلاً ، لماذا ؟

أعتقد أن هذه الآية لو قرأها عالم فلك لخرّ ساجداً لله من كلمة واحدة فيها ، ألا وهي كلمة مواقع ، ولكن قبل شرحها لا بد من تمهيد .
بين الأرض والقمر ثانية ضوئية واحدة ، أي إن الضوء يقطع المسافة بين الأرض والقمر ، والتي تصل إلى ثلاثمئة ألف كيلو متر في ثانية واحدة ، لأن أعلى سرعة في الكون هي سرعة الضوء ثلاثمئة ألف كيلو متر في ثانية واحدة ، فبين الأرض والقمر ثانية ضوئية واحدة ، والإنسان عنده غرور شديد ، فحينما وصل بمركبته للقمر قال : غزونا الفضاء ، بين الأرض والشمس ثماني دقائق ضوئية ، يوجد مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، يقطعها الضوء في ثماني دقائق ، بين الأرض وأقرب نجم ملتهب للأرض أربع سنوات ضوئية !
طبعاً طالب ثانوي بإمكانه أن يحسب المسافة ، لأن الضوء يقطع ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية ، ضرب ستين بالدقيقة ، ضرب ستين بالساعة ، ضرب أربع وعشرين ، باليوم ضرب ثلاثمائة وخمسة وستين بالسنة ، ضرب أربعة بأربع سنوات ، هذا الرقم كم يقطع الضوء ، وأقرب نجم إلى الأرض .
لو أننا نركب مركبة أرضية بسرعة مئة ، قسمنا هذا الرقم على مئة كم ساعة على أربع وعشرين ، كم يومًا ؟ على ثلاثمئة وخمسة وستين ، كم سنة ؟ يتضح أننا نحتاج لنصل لأقرب نجم ملتهب إلى الأرض إلى خمسين مليون سنة ، لو أردت أن تصل لقرب نجم ملتهب إلى الأرض بمركبة أرضية تحتاج إلى خمسين مليون سنة .
الآن نجم القطب يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ، كم سنة نحتاج ، الأربع سنوات خمسون مليون سنة ! الأربعة آلاف أربعة آلاف مليون سنة ، شيء مخيف ، المرأة المسلسلة هذه المجرة تبعد عنا مليوني سنة ضوئية ، أحدث مجرة اكتشفت تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية ! أي إن هذه المجرة ، ولو فرضناها كوكباً كان في هذا المكان قبل عشرين مليار سنة ، وأرسل أشعته للأرض ، وبقي ضوء هذا النجم العملاق يمشي عشرين مليار سنة حتى وصل إلى الأرض ، فرأيناه نحن ، لكنه ينطلق بسرعة مذهلة ، سرعة المجرات البعيدة مئتان وأربعون ألف كيلو متر في الثانية ، فإذا كان من عشرين مليار سنة في هذا المكان ، وسرعته مئتان وأربعون ألف كيلو متر في الثانية ، أين هو الآن ؟ ما الكلمة التي تعبر عن هذا المكان ، ليس فيه صاحب المكان ؟ الموقع ، لو أن الله قال مثلاً : فلا أقسم بالمسافات بين النجوم ليس قرآناً ، وليس كلام خالق الكون ، لكن لأنه قال : (فلا اقسم بمواقع النجوم)
النجم متحرك ، تغير موقعه من موقع إلى آخر ، انتقل لمكان آخر ، أما حينما أطلق أشعته كان في هذا الموقع ، وتركه هذا موقع انطلقت منه الأشعة نحو الأرض ، وهذا ما رأيناه ، من كلمة موقع وحدها يخر عالم الفلك ساجداً لله عز وجل : (فلاأقسم بمواقع النجوم وأنه لقسم لو تعلمون عظيم)
إذا كان خلق الله غير متناهٍ ، فكيف بالذات الإلهية ؟ الكون نظرياً له حدود ، لأنه ما سوى الله ، تعلمون أن الله عز وجل واجب الوجود ، وأن ما سواه محتمل الوجود ، يمكن أن يوجد على ما هو عليه ، أو على غير ما هو عليه ، أو ألاّ يكون موجوداً ، هذا خلق الله يبدو لنا لا نهائياً .
يوجد آية ثانية ، أن الله عز وجل حينما قال : (والسماء ذات البروج)
(سورة البروج)
هناك بروج في السماء ، برج الجوزة ، برج العقرب ، وفي هذه البروج نجوم كثيرة ، أحد هذه البروج برج العقرب ، وفيه نجم صغير ، اسمه قلب العقرب ، هذا النجم أحمر متألق ، شيء لا يصدق ! بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو مكتر ، والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي إن جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض ! الآن هذا النجم الصغير قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما !!! هذا معنى قوله تعالى : (سنريهم اياتنافي الافاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق)


لذلك نقول نحن اصطلاحاً : مسافات فلكية ، أرقام فلكية ، إن أردنا أن نبالغ في شيء في الأرض نقول : رقم فلكي ، شيء لا يصدق ، هذا الإله العظيم يعصى ، ولا يخطب وده ، هل يستغنى عن منهجه ، هل يتهم كتابه بالمبالغات ، وأن هذا الحكم لا يتناسب مع هذا العصر ؟ إن علم الله وخبرته لا نهاية لها ، هذا معنى قوله تعالى :.(فلاأقسم بمواقع النجوم وأنه لقسم لو تعلمون عظيم)
لو تعلمون ، لذلك قال تعالى : (أنما يخشى الله من عباده العلماء)
(سورة فاطر)
وليس أحد غيرهم يخشى الله عز وجل ، لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لن يعطك شيئاً ، يظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن انه قد علم فقد جهل .
والإنسان من دون علم يقترب من حياة البهائم ، وفضل الله على هذا الإنسان أنه كرمه بالقوة الإدراكية ، لولا هذه القوة الإدراكية لكنا أمثال مخلوقات لا تليق بنا .