السابع عشر من نيسان لا يؤرخ فقط لجلاء المستعمر الفرنسي عن أرض سورية بل هو تاريخ مفصلي يؤرخ للثورات والمقاومات والتضحيات السورية في معارك العز والبطولة ضد الاستعمار بكل أشكاله
ويشكل الجلاء الذي أنجزه رجالات سورية وأحرارها في ثوراتهم ومعاركهم التي خاضوها ضد إحدى أكبر الدول الاستعمارية في العالم عبرة ودرساً لكل الطامعين, وأغنى مسيرة الشعب العربي السوري النضالية. فمنذ انتهاء الحرب العالمية الأولى وبعد أن نالت سورية استقلالها شرعت الدول الاستعمارية بالكشف عن خططها السرية لاقتسام الدول العربية فيما بينها وشكلت اتفاقية سايكس بيكو ضربة قاسية لآمال العرب في استقلال بلادهم وعمت المظاهرات الشعبية في أنحاء الوطن معلنة الثورة ضد المستعمر الجديد وصمم أبناء شعبنا على مقاومة أي اعتداء على حدود البلاد.
وما إن تقدمت القوات العسكرية الفرنسية بقيادة غورو إلى دمشق إلا وتصدى لها الشهيد يوسف العظمة ليخوض معركة الكرامة دفاعاً عن تراب الوطن في ميسلون. ومنذ اللحظات الأولى للاحتلال الفرنسي لسورية لم تخمد جذوة النضال ومقاومة المحتل الفرنسي, ثم اشتعلت نيران الثورة السورية الكبرى لتقدم بدورها قوافل الشهداء رافعة شعار "الاستقلال يؤخذ ولا يعطى", وقد وقفن نساء سورية إلى جانب رجالها في جميع الثورات والمظاهرات والاحتجاجات. ولم يهدأ الشعب السوري رغم الوعود الفرنسية وبقي يناضل لينال استقلاله في /29/ أيار عام 1945 قامت الطائرات الفرنسية بقصف دمشق مرة أخرى فألحقت ضرراً جسيماً بمبنى المجلس النيابي وقتلت حاميته, ما فجر انتفاضات شعبية عارمة واضطرابات طويلة تزامنت مع جهود مكثفة بذلتها سورية على المسرح الدولي لغاية صدور القرار بالجلاء الفوري للقوات الفرنسية في السابع عشر من نيسان عام 1946. فجلاء هذا المستعمر عن سورية والتحرر من تحت نير الاستعمار تم بفعل إرادة السوريين ومقاومتهم وبطولاتهم الكبيرة, ولم يتم بإرادة استعمارية طوعية.
فسورية التاريخ والحضارة هي نفسها سورية الكرامة والممانعة والمقاومة ولذلك ليس غريباً عليها أن تجعل من عيد الجلاء في ذكراه الثالثة والستين عيد القيم والحرية والنهوض والاستقرار والممانعة في مواجهة كل محاولات مصادرة الإرادة القومية والعربية. وعيد الجلاء الذي نحتفل به هو تجسيد لقيم العطاء والكفاح ولثقافة التحرير والمقاومة وترجمة فعلية لثقافة التضامن والوحدة العربية.
فكل عام والوطن وقائد الوطن بألف خير.
يا خير من دفنت في الترب أعظمه *** فطاب من طيبهـن القـاع والأكـم
نفسي الـفـداء لـقبـر أنـت ساكـنـه *** فيه العفاف وفيـه الجـود والكـرم
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)