معركة ميسلون
يوسف العظمة، شهيد ميسلون، من الوزراء، ومن كبار الشهداء في سبيل استقلال سورية. ولد وتعلم في دمشق، وأكمل دروسه في المدرسة الحربية بالآستانة سنة 1906م. وتنقل في الأعمال العسكرية بين دمشق ولبنان والآستانة. وأرسل إلى ألمانيا للتمرن عملياً على الفنون العسكرية، فمكث سنتين، وعاد إلى الآستانة فعين كاتباً للمفوضية العثمانية في مصر. ونشبت الحرب العالمية فهرع إلى الجيش متطوعاً، وعين رئيساً لأركان حرب الفرقة العشرين ثم الخامسة والعشرين. وكان مقر هذه الفرقة، في بلغاريا، ثم في النمسا، ثم في رومانية. وعاد إلى الآستانة فرافق أنور باشا (ناظر الحربية العثمانية) في رحلاته إلى الأناضول وسورية والعراق. ثم عين رئيساً لأركان حرب الجيش العثماني المرابط في قفقاسية، فرئيساً لأركان حرب الجيش الأول بالآستانة. ولما وضعت الحرب أوزارها عاد إلى دمشق، فاختاره الأمير «فيصل» مرافقاً له، ثم عينه معتمداً عربياً في بيروت. فرئيساً لأركان الحرب العامة برتبة قائم مقام، في سورية. ثم ولي وزارة الحربية (سنة 1920) بعد إعلان تمليك الأمير فيصل بدمشق، فنظم جيشاً وطنياً يناهز عدده عشرة آلاف جندي.
بقي العظمة في منصبه إلى أن تلقى الملك فيصل إنذار الجنرال غورو الفرنسي، الذي احتل الساحل السوري بعد الحرب العالمية، بوجوب فض الجيش العربي وتسليم السلطة الفرنسية السكك الحديدية وقبول تداول ورق النقد الفرنسي السوري، وغير ذلك مما فيه القضاء على استقلال البلاد وثروتها، فتردد الملك فيصل ووزارته بين الرضى والإباء، ثم جرى القبول بالمطالب الفرنسية، فأبرقوا إلى الجنرال غورو، وأوعز فيصل بفض الجيش. ولكن بينما كان الجيش العربي المرابط على الحدود يتراجع منفضاً (بأمر الملك فيصل) كان الجيش الفرنسي يتقدم (بأمر الجنرال غورو) ولما سئل هذا عن الأمر، أجاب بأن برقية فيصل بالموافقة على بنود الإنذار وصلت إليه بعد أن كانت المدة المضروبة (24 ساعة) قد انتهت.
في ظل هذه الأجواء استنجد فيصل بالمواطنين السوريين لتأليف جيش أهلي يقوم مقام الجيش المنفض، في الدفاع عن البلاد، وتسارع شباب دمشق وشيوخها إلى ساحة القتال في ميسلون، وتقدم الوزير يوسف العظمة يقود جمهور المتطوعين على غير نظام، وإلى جانبهم عدد يسير من الضباط والجنود. وكان قد جعل على رأس «وادي القرن» في طريق المهاجمين «ألغاماً» خفية، فلما بلغ ميسلون ورأى العدو مقبلاً أمر بإطلاقها، فلم تنفجر، فأسرع إليها يبحث، فإذا بأسلاكها قد قطعت، فعلم أن القضاء نفذ، فلم يسعه إلا أن ارتقى ذروة ينظر منها إلى دبابات الفرنسيين زاحفة نحوه، وجماهير الوطنيين من أبناء البلاد بين قتيل وشريد، فعمد إلى بندقيته _ وهي آخر ما بقي لديه من قوة _ فلم يزل يطلق نيرانها على العدوّ، حتى أصابته قنبلة، تلقاها بصدر رحب، وكأنه كان ينتظرها... ففاضت روحه في أشرف موقف، ودفن بعد ذلك في المكان الذي استشهد فيه. وقبره إلى اليوم رمز التضحية الوطنية الخالد، تحمل إليه الأكاليل كل عام من مختلف الديار السورية. وكان يجيد اللغات العربية والتركية والفرنسية والألمانية وبعض الإنكليزية. وكان يوم ميسلون في7ذي العقدة الموافق 24 تموز (يوليو)
19

اتمنى ان تنال اعجابكم