حــج كووووول !
ما شرع الله سبحانه وتعالى أمراً إلا وله فيه حكمة ، ومن حكمه في تشريع الحج ، أن يتربى الناس على ترك الترفّه والتوسع في المباحات ، والبعد عن الدنيا وزينتها ، ولذا يتخفف الحاج من ثيابه ، إلا ثياب النسك إزار ورداء مجردين ، ليس فيهما زينة ولا تكلف ،،
وهو تذكير بالفقر المطلق للعبد ، وخروجه من الدنيا كما دخلها أول مرة ، بما يدعو إلى الاستعداد للقاء الله ،،
ومن هذا الباب (والله أعلم )جاء النهي عن التطيب ، والأمر بترك الأظفار والشعر ، وتجنب الوصال الجسدي مع المرأة بالجماع ، وترك دواعيه وأسبابه من عقد النكاح فما بعده ،،
والحج فيه المشقة ولا شك ، ولهذا ربط الشارع وجوب الحج بالاستطاعة ، وأمر الرجل بأن يوفي ديونه ويوصي بأهله ويترك لدى عياله ما يكفيهم ، لاحتمال أن لا يرجع إليهم ،،
وقد كان الحج في السابق ، قبل أن يعلم الله الإنسان ما لم يعلم ، من أشق المشاق ، وأصعب الصعوبات ، يقضي الحاج أشهراً ليحج ويعود إلى يداره ، وتخرج بعض القوافل من أول العام ، علها تدرك الحج قبل فوات أوانه !
ومع كل هذا ، جعل الله في الحج سعة لا توجد في غيره ، وكان رسول الله عليه وسلم ، كلما سأل عن شيء في منى قال : ( افعل ولا حرج ) !
فالله شرع الحج ، لحكم ومقاصد منه سبحانه ، ومع ذلك خفف فيه ويسر ، وقد تيسر الحج أكثر في عصرنا ، بعد أن من الله على الناس بالعلم ، فلم يعد يفصل الحاج عن أداء نسكه ، إلا ساعة أو ساعتان ، تزيد أو تقل !
ومع هذا ، أسمع قصصاً عن شباب ، رفضوا إلا أن ( يطوروا ) حجهم ، ويجعلوه أكثر (عصرية) و( كولاً ) ، إما بترك واجباته وفروضه ، أو بالرفاهية والدعة المبالغ فيها فيه ،،
فهذا ما عرف من الحج إلا الوقوف بعرفة لأن ( الحج عرفة ) ، وإن سألته عن باقي أركان وواجبات الحج ، أجابك ( وكلت ) ، فإن فهمنا التوكيل في ( الجمرات ) افتراضاً بأنه من العجزة أو النساء ، فلا أدري كيف نفهم التوكيل في ( الطواف والسعي والمبيت ) وغيرها !
وآخر لا يفعل من الحج إلا الأركان ، ويفدي عن الباقي ، وثالث يبحث عن الرخص بحثاً بين المذاهب ، وينبشها نبشاً ، ليأخذ حجة ( نص كم ) ، لا نصب فيها ولا وصب !
وعلى الجانب الآخر ، أناس يصطبحون الرفاهية معهم أينما حلوا ، حتى في الحج ، الذي من مقاصده البعد عن الدنيا ورفاهيتها ، فيتوفر لهم كل شي ، حتى عصير التوت و (الباسكن روبنز)، تحت التكييف على مدار الساعة ، لا ينتقلون إلا بالمواصلات الفاخرة ، غرف نومهم في منى وعرفات فارهة ، يستيقظ أحدهم ليجد (حصوات رميه )عند رأسه ، لكي لا يكلف نفسه عناء تجميعها ، ولا ينقصهم سوى (اندونسية)للمساج والتدليك !
فالذين تركوا وضيعوا ، فاتهم الخير العظيم ، وحملت ذممهم بكفارات إن كان ما تركوه من ( الواجبات ) ، وقد يبطل حجهم إن كان ما تركوه ركناً من الأركان !
وأما مصطحبي قمة الرفاهية ، فهؤلاء قد فاتهم مقاصد من الحج ، وما شعروا بالمساواة التي يريد الشرع أن تكون في هذه الشعيرة ، وما تنقت قلوبهم ولا اتعظت أنفسهم ، ( إلا من رحم الله ) !
ما أخشاه فقط ، أن يأتي يوم يتوفر فيه حج ( افتراضي ) ، بضغطة زر فقط !
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)