الغضب، والحقد، والإحباط، والكآبة، والرعب، والقلق،..... وكافة الانفعالات المؤلمة والمجهدة للجسم وللجهاز العصبي، وخاصة دارات القلق والتردد والندم والوسوسة، والتى تعمل باستمرار تستهلك الطاقات العصبية بكميات كبيرة، بالإضافة إلى أنها تؤدى لجعل الجسم والدماغ يفرز الكثير من المواد الكيميائية العصبية والهرمونات التى تجهد العقل والجسم بدون داع فى أغلب الأحيان.



كل هذا يمكن أن يخفف أو تتم السيطرة عليه، وذلك بقطع أو إيقاف هذه الدارات العاملة، بواسطة الموسيقى والأغانى الجميلة وبواسطة النكتة والمزاح، ويكون تأثيرهم فعالاً وسريعاً فى أغلب الأحيان، إلا إذا كانت تلك الدارات قوية جداً فعندها يصعب تقبل الموسيقى أو المزاح والتنكيت.

هناك الكثير من الانفعالات المتطورة التى تكونت لدى البشر نتيجة الحضارة والثقافة وهى ليست عامة بين البشر، فهى لا زالت فى طور التشكل والتطور والانتشار، ويبقى الضحك انفعالاً مميزاً وهو ليس آخر الانفعالات التى نشأت لدى الإنسان، وهناك علاقة بين انفعال الضحك والتعجب والمفاجأة والتوقع والتناقض، فالضحك يحدث نتيجة المعالجة الفكرية للحوادث والأفكار والتناقضات...، فالغباء والأخطاء والتناقضات الواضحة أو المستورة قليلاً والمبالغات... هى من عوامل حدوث الضحك.
فالإنسان أثناء تطوره استخدم هذه الخصائص بشكل كبير، فأخذ يضحك فى أو ضاع خاسرة لكى يحول دون إفراز المواد التى تجعل مزاجه سيئاً، لأن الضحك يؤدى إلى جعل المزاج جيداً، فهو- أى المزاج الجيد واللذة والسعادة- كان ينتج بشكل أساسى عند الفوز والنجاح والنصر، فعندما يضحك الإنسان على خسارته أو فشله - شر البلية ما يضحك - كانت استجابة فعالة فى التعامل مع الأوضاع السيئة الخاسرة، فإنه بذلك يحول فشله إلى نصر ولو بشكل كاذب لتلافى النتائج المزاجية السيئة الناتجة عن الفشل أو الخسارة، فالنكات تزدهر فى الأوضاع السيئة والصعبة لما تحقق من فاعلية فى التعامل مع هذه الأوضاع.

فالمزاح والفكاهة والتنكيت له تأثير فسيولوجى هام وفعال فى رفع طاقات ومعنويات الفرد وزيادة قدرته على امتصاص تأثير الصدمات والتوترات الانفعالية الشديدة، فالمزاح يجعل تهديدات الذات، من قبل الآخرين ضعيفة التأثير، ويمكن التعامل معها بسهولة لأنها لا تحدث انفعالات قوية تستدعى إستنفاراً كبيراً لقدرات الجسم والجهاز العصبى والتى ليس هناك داع لها وتعيق التصرف، ولأن أغلب هذه التهديدات شكلية، وحتى لو كانت هذه التهديدات جدية، فالتعامل معها بروية وهدوء وعدم انفعال زائد وبمعنويات عالية أفضل وأجدى .

فالمزاح والفكاهة ضروريان بشكل خاص للأفراد شديدى الانفعال، فدور المزاح كبير فى خفض التوترات والانفعالات الشديدة، وكلما استخدم الشخص الانفعالى المزاح والفكاهة مبكراً فى حياته كان ذلك أفضل له فى تحقيق التكيف والتعامل المناسب مع الآخرين، والكثير من الناس انتبهوا لميزات الفكاهة والمزاح واستخدموها وحققوا الكثير من الفوائد.

التحول من المرح والسعادة إلى الغضب أو الحزن أو الخوف، أو التحول من المزاج الجيد إلى المزاج السيئ يمكن أن يحدث بسرعة ولكن العكس صعب الحدوث، فنحن لن نستطيع إضحاك إنسان فقد ابنه أو حلت به كارثة كبيرة، ولكن نستطيع جعل إنسان فى قمة السعادة يتحول إلى الغضب أو الخوف أو الحزن بوضعه فى ما يوجب ذلك. فعندما يحدث الغضب أو الخوف أو الحزن تنتج وتفرز المواد الهرمونية والعصبية التى تنتج المزاج المرافق له، وهذه المواد لا تزول بسرعة لذلك تبقى تأثيراتها فترة من الزمن، وهذا الزمن يختلف من شخص إلى آخر، وكلما كان طول هذا الزمن مناسباً للأوضاع كان أفضل للتكيف معها. فالاستنفار لمواجهة الأوضاع الخطرة أو الصعبة يجب أن يكون سريعاً، أما فك أو إلغاء هذا الاستنفار فليس هناك ضرورة للإسراع به.

كافة الانفعالات هى نتيجة الاستجابات التكيفية، ولها دور ووظيفة فسيولوجية وعصبية ونفسية، وكذلك الضحك، فوظيفته الظاهرة هى الشعور بالغبطة والسعادة، وله دور ووظيفة أعمق من ذلك. فانفعال الضحك نشأ أخر الانفعالات لدى الرأسيات الراقية فهو موجود بشكل محدود لدى الشمبانزى والأورانج أوتان.الضحك هو ببساطة أثر من أوالية ركبت فينا من قبل الطبيعة، ومن قبل عادة طويلة جداً اكتسبناها فى الحياة الاجتماعية.واستأثرت ظاهرة الضحك من قديم الزمان اهتمام الفلاسفة وعلماء النفس وعنى بها أفلاطون وأرسطو وديكارت وفولتير ومكدوجال، وقد عدّ الضحك من الظواهر النفسية التى تصدر عن تلك الطبيعة البرية المتناقضة التى سرعان ما تملّ حياة الجد والصرامة فتلتمس فى اللهو ترويحا عن نفسها، والابتسامة وسيلة يعبر بها الفرد عن رغبته فى إقامة بعض الروابط مع الأفراد حينما يشعر بالخجل أو الحياء وليس لديه الابتسامة وسيلة تعبر عن الرضا والارتياح وهى مشروع الضحكة قادمة.

الضحك غالباً ما يعبر عن السرور بخرق نظام الكون والأشياء لمن يقوم بهذا الخرق.
والتكرار يُضحك. فأن يكرر الخدم مشهداً سبق أن لعبه الأسياد أو يكرر الأسياد مشهد عناد أعطاهم الخدم مثاله.

الارتداد "القلب" أى أن تنقلب أمور الحياة فيتحول المسيطرون إلى مسيطر عليهم: المتهم الذى يقدم المواعظ للقاضي، والطفل الذى يريد إعطاء الدروس لوالديه. ولا بأس أن نذكر هنا مسرحية هزلية عربية شهيرة هى "مدرسة المشاغبين" حيث يقوم الهزل فيها منذ أولها إلى آخرها على موقف يتولى فيه التلاميذ المشاغبون السيطرة على أمور المدرسة ويقف الناظر والمدرسون عاجزين. ومن باب التكلف فى نظرنا أن لا نرى فى الهزل هنا إلا أنه نتج عن "مكننة" الحياة بقلب المواقف، ولا نرى الأمنية الكامنة عند المشاهدين بأن ينقلب نظام الحياة! على أن شرطاً جوهرياً للموقف الهزلي.

هذا الشرط هو "عدم الانفعال" أو "اللامبالاة" تجاه الهازلين وبالفعل فإن أى شعور بالشفقة تجاه "الناظر" فى مسرحية "مدرسة المشاغبين" أو أى محاولة لتفهم سبب آخر لمشاغبة التلاميذ غير لامبالاتهم ورغبتهم المجانية فى خرق الأنظمة المدرسية يفسد الهزلية، ذلك لأننا حين ننفعل انفعال شفقة أو نحلل عقلياً الموقف الحياتى نستعيد ذكرى القوى التى تجبرنا على أن نسير باتجاه حياتى معين، ولكننا حين نضحك نكون عائشين تجربة تخيلية لحياة لا معقولة ولا يمكن تحليلها أو تبريرها بحيث تتيح لنا أن نشمت بها بصورة مطلقة ولا نرى فيها شيئاً يدفع إلى التعاطف أو ان تفهم.تجاه "هرباغون" بخيل موليير لا يمكن أن نأخذ موقف الضحك لو تذكرنا أن للبخيل وجهة.

تداخل السلاسل "اللبس"، وهو أن تدخل شخصيات ضمن لحظة معينة فى سوء تفاهم بحيث أن الأفعال والأقوال الواحدة تناسب الجميع ولكن بمعنى مختلف عند كل منهم.
وهناك أهم حالات الضحك وهي: "شر البلية ما يضحك" فعندما تحدث مصيبة أو مكروه، ولا يكون هناك مجال لتلافيه، يحدث اللجوء للضحك كحل لتلافى النتائج السيئة للوضع ومنع حدوث الإحباط والحزن وما يؤديان إلى نتائج نفسية سيئة. فعن طريق الضحك فى الأوضاع الخاسرة، يمكن أن نتعامل معها بشكل أفضل وأجدى.

نجد "الهزل هو عكس النظام الذى تسير عليه حياة الإنسان"! وابتهاجاً بهذا نضحك.
أننا فى المفاهيم الشائعة نجعل "للهزل" نقيضاً هو "الجد"، والهزل يقترن بصفات أخلاقية واجتماعية مثل "المجون"، "اللامبالاة"، "الطيش"، "قلة الهيبة"، "الباطل " . والجد بالمقابل يقترن بصفات مثل "المسؤولية"، "المهابة"، "الحق". ويمكن أن نجد اقتراناً قد لا يراه المرء لأول وهلة بين الهزل والطبقات الدنيا من المجتمع والجد والطبقات العليا ولنذكر فى هذا المجال أن "الكوميديا" سابقاً كانت تأخذ شخصياتها من الشعب وهى القطب الهزلى فى المسرح أما "التراجيديا" فكانت تأخذ شخصياتها من "النخبة" وهى القطب "الجدي" فى المسرح.

ومن هذه الاقترانات، التى أخذناها اعتباطاً ويمكن رؤية مفاهيم وصفات أخرى مرتبطة بالقطبين "الهزل" و"الجد"، نرى أن السمة العامة للهازل هى أنه "لا مبال" بنظام الكون أو المجتمع و"منطق الخيال. لنا رغبة جوهرية فى الخروج عن "جد" الكون وفى تغير هذا النظام الكونى الاجتماعى الضاغط على الحيوية الطبيعية لنا.

ونجد فى "الأوتوماتيكية" و"التصلب" الذى يعترى الكائنات البشرية أساس الهزل، ويأتى الضحك سخرية من الحياة وإظهاراً لسخف نظامها، ولو أردنا أن نفكر بطريقة التحليل النفسى فسوف نجد رابطاً بين "الأوتوماتيكية" و"العدوانية" وفى الضحك بالفعل تحقيق لدافع عدوانى .


من أهم طرق الإضحاك لدينا هى النكتة وآليات النكتة كثيرة منها:
نتهيأ فكرياً ونفسياً لاستقبال شيء ما، ونحن نحاول استقبال هذا الشيء، فنجد أنه اختفى ليحل محله شيء آخر لا نتوقعه، ولكن فى اللحظة التى يتم فيها هذا الإبدال نلحظ شيئاَ، أن البديل يحمل مفاجأة لنا، أى فى لحظة الإحباط نجد ما يعوض خسارتنا بما هو أفضل. والنكتة تحرر من الإحباط والكبت والتوتر. فآلية المفاجأة السارة، أو غير السارة أيضاً من آليات النكتة بشرط أن تكون المفاجأة غير السارة لا تحدث لنا بل لعدونا أو غيرنا.

نحن لا نتذوق الهزل النكتة إن شعرنا أننا وحدنا. إذ يبدو أن الضحك يحتاج إلى الصدى "..." إن ضحكتنا هى دوماً ضحكة المجموعة. فمن المعروف أن الضحك هو "مطلب اجتماعى وفردي" فهو إذن يرتبط بحالات وجدانية ملائمة نفسياً ومريحة. وعدوى المحاكاة والتقليد تزيد وتنشر الضحك بين الجماعة.


الضحك يظهر عند الطفل متأخراً قليلاً عن البكاء الذى يظهر بعد الولادة فوراً. الضحك فى أصله استجابة لمنع البكاء، الطفل يرى شيئاً أو شخصاً فتثير فيه المفاجأة استعداداً للبكاء، ثم يعود إلى التكيف مع المشهد ويكتشف أنه غير مخيف، فيعود إلى الاسترخاء فى حركات مشابهة ومعاكسة، وهى السرور الذى يتطور لاحقاً إلى الضحك، أن الضحك هو حركات استرخاء نفسى وعضلى فى حين يرافق البكاء توتر عضلى ونفسي.

لم يتفق علماء النفس على تحديد تاريخ الابتسامة الأولى للطفل نظراً لاختلافهم فى تحديد السمات المميزة للابتسامة الحقيقية، ولكن الطفل يبتسم منذ أيامه الأولى ويترك العلماء يبحثون وينظرون ويملأ الدنيا بابتساماته.

لقد حصر البعض تاريخ أول ابتسامة فى الأسبوع الأول أو الثانى من حياته، وبعضهم قالوا الشهر الثانى أو الثالث من عمره وفى رأيى انه لا يتأخر هكذا ولكن هناك إجماع أن الأمر يبدأ بالابتسام قبل الضحك.. وان الضحك يظهر متأخراً ولكن بعض الأطفال أسرع إلى الابتسام والضحك من غيرهم، وكثيراً ما نصف الطفل بأنه مبتسم ومغتبط أو انه يحب الضحك ونعلل هذا بان مشاكله اليومية لم تبدأ بعد وان كنا نحن الكبار نقابل المشاكل بابتسامة، والشقاء بضحك. والابتسام عند الطفل تلقائية لأنه فمه فى شبه حركة مستمرة، ويقولون أن العلامة اليقينية المؤكدة للابتسامة الحقيقية عند الطفل إنما هى بريق العينين الذى يصاحب انفراج الأسارير حينما يهش الوالدين فى وجه طفلهم وهذا يعنى أن الابتسامة الأولى هى بمثابة استجابة لوجه أمه الضاحك أو المعبر، ويرى آخرون أن الابتسامة الأولى تقترن بعملية الرضاعة وما يعقبها من شبع وارتياح لان أسارير الطفل كثيراً ما تنفرج بعد عملية الرضاعة كما أن عينيه قد تتوهجان ببريق غير عادى وهذا يقترن بظهور الأم فى المجال البصرى للطفل.