لينا سنجاب
بي بي سي - دمشق






بينما يراقب السوريون بشغف التطورات التي تحدث في الشرق الاوسط، فإنهم وللمرة الاولى خلال نحو أربعة عقود، شرعوا يناقشون الامور السياسية في بلادهم وبصوت عال.
الجميع في سورية يبدو في حالة ترقب وانتظار، وذلك هو الحال بين كل شرائح المجتمع والفئات السياسية.


ويقول قيس زكريا، وهو طبيب أسنان في الخامسة والثلاثين من عمره إن "الامر الذي يتفق عليه الجميع هو أن التغيير لا بد وأن يكون سريعا وملموسا. هذا أمر لا يحتمل الانتظار".

وهناك دلائل على أن موجة التغيير في الشرق الأوسط كان لها أثرها هنا.
ففي الشهر الماضي خرجت مظاهرة في السوق القديم في دمشق. حدث ذلك على إثر مشاجرة بين الشرطة وأحد تجار السوق، وتجمع مئات الغاضبين للتصدي لأسلوب الشرطة المتعسف.
وسرعان ما وجد اضغط هنا مقطع الفيديو الخاص بتلك الواقعة طريقه إلى موقع يوتيوب.
وكان المتظاهرون يهتفون "حرامية حرامية... الشعب السوري ما بينذلّ"
ثقة جديدة


ومثل تلك المشاهد لم يسبق لها مثيل هنا، ولكن يبدو أن السوريين، وخاصة الشباب يشعرون بثقة جديدة في أنفسهم.
وهم غاضبون من الظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشونها وغياب الحريات السياسية.
وفي يوم مظاهرة السوق، توجه وزير الداخلية بنفسه ليتحدث إلى المتظاهرين، كما عوقب رجال الشرطة الذين اعتدوا على التاجر.
ومع رشفات من فنجان قهوة يتصفح زكريا بين مواقع الأخبار في أحد مقاهي الإنترنت بوسط دمشق ويعلق قائلا: "هناك فجوة واسعة بين الحكومة والشعب في سورية. نحن بحاجة لاستعادة ثقتنا في الحكومة... والخطوة الأولى هي تحسين ظروف المعيشة والتوزيع العادل لثروة البلاد".
وفي سوق قريبة للخضر والفاكهة، يتجادل البائعون والمشترون في مساومات حامية حول الأسعار، ولا يبدو أن أحدا يشعر بالرضا. أحد البائعين يصرخ في زبائنه قائلا "يادوب ألحق تمن الخبزات.. أنا حاربت الإسرائيليين في 73. وهلق عم بتبهدلني الشرطة... شو اللي بيخليني اتحمل؟".
تغييرات سطحية
وعقب ثورتي تونس ومصر، اتخذت الحكومة سلسلة إجراءات لتخفيض أسعار السلع الأساسية وخاصة الطعام.
كما قدمت الحكومة مساعدات للفقراء، وأنباء عن تعليمات لموظفي الحكومة بحسن معاملة المواطنين .
ولكن سوريا تعاني من الفساد الذي يضرب بجذوره في صميم النظام.
ورغم تصاعد وتيرة الحملات الحكومية لمكافحة الفساد، إلأ أن بعض المقربين من النظام لا يزالون بمنأي عن المحاسبة.
واتهمت وزارة الخزانة الامريكية رجل الأعمال السوري الأشهر رامي مخلوف بالضلوع في الفساد.
وتصفه الوزارة بأنه "من داخل دائرة الحكم ويشيع الفساد بين مسؤولي النظام ويتربح من ذلك"
وقد نفى مخلوف، وهو قريب للرئيس السوري، تلك الاتهامات.
ولكن كثيرين هنا يعتقدون أنه مالم تتحقق سيادة القانون فإن أي تغييرات ستكون شكلية.
ومع ذلك فإن السوريين في شوارع دمشق يخامرهم شعور بأن المظاهرات في العاصمة ليست وشيكة على الإطلاق.
وفي الشهر الماضي كانت هناك دعوة للخروج في "يوم غضب"، وقد دعت إليه جماعات المعارضة السورية في المنفى.. ولكن الدعوة لم تلق استجابة من أحد .
ومؤخرا، صدرت على موقع فيسبوك دعوة أخرى للخروج في يوم غضب، ولكن لم يتحدد لها موعد بعد.
وقد عزي فشل الدعوتين إلى غياب أي معارضة حقيقية داخل البلاد وكذلك الخوف من سلطات الأمن.
وحتى الآن لم ترتفع سوى أصوات قليلة تنادي الرئيس بشار الاسد بالتنحي عن السلطة. فبالرغم من أن سوريا تواجه مشكلات مشابهة لما تواجهه مصر وتونس، إلا أن الرئيس الشاب يحظى بشعبية كبيرة هنا.
فمند أن ورث بشار الأسد الحكم عن والده عام 2000، عكف على تنفيذ إصلاحات تدريجية انعكست في إخراج الاقتصاد السوري من الجمود وفتح الباب أمام وسائل الإعلام.
وكان ذلك وحده كافيا لإرضاء الكثيرين.
ويقول وضاح عبد ربه رئيس تحرير صحيفة الوطن المقربة من الحكومة إن "أي تغيير لابد وأن يأتي من الداخل وأن يتجاوب مع مطالب الشعب، ولا يكون استجابه لأي ضغط خارجي".
ويعترف عبد ربه بأن التغيير جاء متأخرا، ولكنه يؤكد أن مزيدا من الاصلاحات في الطريق، بما في ذلك نظام جديد يقوم على التعددية الحزبية.
ويذكر أن نظام الحكم المعمول به في سوريا في الوقت الراهن يقوم على الحزب الواحد، كما أن حالة الطوارئ معلنة في سوريا منذ عام 1963,
وهناك قيود صارمة على النشاط السياسي وحرية التعبير.
وهناك تقارير عن وجود آلاف من سجناء الرأي فضلا عن كثيرين ممن هم ممنوعون من السفر .
وفي الاسبوع الماضي خرجت مظاهرة سلمية في دمشق شارك فيها عشرات من الشباب المتعاطفين مع الاحتجاجات ضد القذافي في ليبيا.
ولكن متظاهرا واحدا ارتكب مخالفة واحدة للتعليمات الامنية .. وكان ذلك كافيا كي يتعرض متظاهرون كثيرون للضرب المبرح على أيدي الشرطة، التي اعتقلت بعض الشباب ثم أفرجت عنهم بعد وقت قصير .
ويقول زكريا "نريد إصلاحات سياسية، وانتخابات نزيهة وحرة، ونريد أن نكون جزءا مشاركا في بناء مجتمعنا".
ومن المقرر أن تنتهي فترة الولاية الثانية للرئيس الأسد عام 2014.
وستشهد سوريا العام الحالي انتخابات برلمانية وبلدية.
ويعتقد كثيرون أن أمام سوريا الان فرصة ذهبية كي تحقق التغيير والتحول السلمي إلى نظام ديموقراطي .